واجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، خصمها من الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز في مناظرة تلفزيونية أمس الأحد في الانتخابات التشريعية المزمع إجرائها في 24 الشهر الجاري، حيث علقت صحيفة “هاندلسبلات الألمانية” هذا الأسبوع على رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي إنها “فرصته الأخيرة” لقلب التوجه السلبي قبل الانتخابات.
استمرت المناظرة لساعة ونصف وهي الوحيدة خلال الحملة الانتخابية وشاهدها نحو 20 مليون مشاهد أي ثلث الناخبين. وتشير التوقعات على تقدم المحافظون بزعامة ميركل بواقع 15 نقطة في مختلف استطلاعات الرأي على الاشتراكيين الديمقراطيين، وتشير التوقعات إلى احتمال فوز ميركل بولاية رابعة لتحقق بهذا رقمًا قياسيًا في السلطة في ألمانيا ما بعد الحرب، فيما لو أكملت ولايتها القادمة حتى النهاية كما أشار لذلك موقع دويتشه فيله.
إذ توقع أغلبية الألمان بحسب برنامج “دويتشلاند ترند” (الاتجاه في ألمانيا) بأن 64% من الألمان يعتقدون أن ميركل ستثبت تفوقها على خصمها مارتن شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
تركيا داخل صراع الانتخابات الألمانية
اتبعت أنجيلا ميركل خلال مناظرة أمس الأحد أسلوب يوافق ما تطرحه المعارضة على الدوام وتستند به للفوز في الانتخابات المقبلة مثل العلاقات مع تركيا وقضية اللاجئين، إذ صعدت ميركل في موقفها تجاه تركيا وذكرت أنه “لا أرى أن الانضمام قادم، ولم أؤمن يوما بأنه يمكن أن يحدث.. يجب ألا تصبح عضوًا بالاتحاد الأوروبي”. جاء هذا الرد عقب ما ذكره خصمها شولتز في المناظرة بأنه سيوقف محاولة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا فاز بالمستشارية، وقالت ميركل “الحقيقة واضحة وهي أن تركيا يجب ألا تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي“. وأضافت قائلة “بجانب ذلك، سأتحدث مع نظرائي لنرى إن كان بوسعنا التوصل إلى موقف مشترك في هذا الشأن حتى نستطيع إنهاء محادثات الانضمام هذه“.
وطالبت المستشارة الألمانية بزيادة التدابير الاقتصادية ضد تركيا، واتهمتها بأنها تبتعد بوتيرة متسارعة عن كافة العادات الديمقراطية، مضيفة أنه بالإمكان التفكير بتوجيه “تحذير أشد لمواطنينا من أجل عدم السفر إلى تركيا“. وأوضحت “نهتم بقضية السجناء الألمان فى تركيا وأنقرة تبتعد كثيرًا عن الديمقراطية وسنصعب من السفر لتركيا وموضوع الاستثمار والقروض على أنقرة، وسنعمل على تضييق العلاقات الاقتصادية معها”.
مواقف ميركل حيال تركيا والعلاقات معها لا يمكن الاعتداد بها إذ تلعب ميركل على وتر المواقف لسحب البساط من تحت أقدام خصومها وقد تتغير هذه المواقف بعد فوزها في الانتخابات
وعلق شولتز، على حبس تركيا لعدد من النشطاء والصحفيين الألمان، قائلاً إن أردوغان حاكم مستبد يقوم باعتقال المواطنين بشكل عشوائى ولابد من إنهاء المفاوضات مع تركيا، مستنكرًا موقف المستشارة الألمانية منذ تلك القضية، وأنه على ميركل أن تطالب بإنهاء مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبى، وإنهاء دفع الأموال إلى تركيا، دون إنهاء اتفاقية اللاجئين.
وجاء الرد التركي اليوم الإثنين مستهجنًا أن تأخذ مناظرة الأمس؛ تركيا ورئيسها الحيز الأكبر من برنامج سياسي انتخابي بين ميركل وشولتز، حيث عبر عن ذلك المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن بالقول بأنها “ليست صدفة”، وأضاف إن تجاهل ألمانيا وأوروبا لمسائلها الأساسية والعاجلة وهجومها على تركيا ورئيسها هو انعكاس للانكماش في الأفق.
ولفت إلى أن معاداة تركيا في أوروبا تحول إلى أداة لتأخير حل المسائل الأساسية، والتخفيف عن النفس من خلال إظهار أن العدو هو “الآخر“. وتابع “ليس هناك أهمية كبيرة لفوز أي حزب في الانتخابات الألمانية، لأن العقلية التي ستفوز في الانتخابات واضحة من الآن“.
ميركل تولت أول منصب لها كمستشارة لألمانيا في عام 2005. وحتى الآن، لم يشغل هذه الوظيفة لفترة طويلة من قبل إلا هلموت كول — من عام 1982 إلى عام 1998.
وكان الرئيس التركي أردوغان قد دعى الأتراك في 18 أغسطس/آب الماضي إلى عدم التصويت للأحزاب الكبرى بما فيها حزب المستشارة أنجيلا ميركل خلال الانتخابات القادمة. وقال أردوغان في تصريحات صحفية، “أقول لجميع مواطني في ألمانيا لا تدعموا المسيحيين الديمقراطيين ولا الحزب الاشتراكي الديمقراطي ولا حزب الخضر، إنهم جميعا أعداء لتركيا”. وأضاف الرئيس التركي إن مسؤولية التوتر الحاصل بين البلدين سببه ألمانيا فهي لم تعد تلتزم بمعايير الاتحاد الأوروبي حيث تتخذ من تركيا هدفا لتجاذبات داخلية فيها على حد قوله.
وكانت القضية الأخرى في المناظرة، هي قضية اللاجئين حيث انتقد شولتز، موقف ميركل منها، قائلاً إن الإيمان بالديمقراطية هو ما يجذب اللاجئين إلى أوروبا، معتبرًا أن المستشارة الألمانية ارتكبت خطأ كبيرًا، حيث يجب أن يكون الحل أوروبيًا وليس ألمانيًا فقط. يُذكر أن قضية اللاجئين في ألمانيا تشكل محورًا ساخنًا في الانتخابات المقبلة، إذ تبني عدة أحزاب شعبيتها على تخويف المواطنين من القادمين الجدد بهدف الحصول على أصواتهم لمرشحيهم.
برنامج التحالف المسيحي في سوق العمل يخطط للتشغيل الكامل حتى عام 2025 ويقتضي التشغيل الكامل خفض معدل البطالة إلى ما دون 3%.
وقال شولتز “كان من الأفضل لو تم إشراك جيراننا الأوروبيين”، لكن ميركل دافعت عن نفسها قائلة “كنا فى مواجهة وضع دراماتيكى، ولا أرى فى موجة اللاجئين خطرًا بل تحدٍ كبير”. كما اعترفت “ميركل” بالفشل فى الملف قبل موجة اللاجئين الكبرى عام 2015، غير أنها اعتبرت أن الاتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبى كانت الجواب المناسب على الأزمة، كما دافعت عن موقفها المتعلق بالسماح لمليون لاجئ دخول البلاد في 2015، وأكدت أن “ألمانيا كان يجب عليها أن تتخذ الموقف نفسه من تلك القضية“.
كما أشادت ميركل بدور وجهود 4 ملايين من الألمان المسلمين في تحقيق العديد من الإنجازات في البلاد، وقالت “الإسلام صار مهما بالنسبة إلى ألمانيا، يعيش هنا أربعة ملايين مسلم، وهم جزء من المجتمع“. وأشارت إلى أن عدد المسلمين المنحدرين من بلدان عربية ارتفع، ويتعين العمل بشكل أكبر على “تأهيل الأئمة هنا فى ألمانيا”.
فيما أشار المرشح الاشتراكى الديمقراطى مارتن شولتز، إن الإسلام ديانة كبرى والمسلمون متدينون كالمسيحيين، وأكد أن ألمانيا لا يمكن أن تسمح بوجود أئمة ووعاظ الكراهية، والأمر ينطبق أيضًا على الخطباء من تركيا.
وبالرغم أن العلاقات بين ألمانيا وقطر توصف بأنها جيدة، إلا أن ميركل أكدت رفضها إقامة كأس العالم بقطر، قائلة، “لست مع ولا أدعم إقامة نهائيات كأس العالم 2022 فى قطر“. فى معرض ردها على سؤال حول موقفها من إقامة نهائيات كأس العالم 2022 فى قطر.
بين ميركل وشولتز
توصف ميركل بأنها هادئة الأعصاب على عكس خصمها مارتن شولتز الذي يوصف بأنه حاد الطباع، فبعد الإعلان عن ترشحه، قال شولتز إن ألمانيا تحتاج في هذه الأوقات الصعبة لقيادة جديدة، وأكد أن حزبه الاشتراكي مؤهل للمنافسة على هذه القيادة “ببرنامج انتخابي يركز على القضايا المركزية، وبمقدمتها العدالة الاجتماعية التي تميز الحزب فيها“. ويشار أن شولتز لا تعرف له مواقف محددة تجاه كثير من قضايا السياسة الداخلية الألمانية كالضرائب والمعاشات وإجراءات الأمن الداخلي.
في خطاب المؤتمر العام للحزب الاشتراكي في برلين تعهد مارتن شولتز بمواجهة السياسات الشعبوية إن تمكن من الفوز بالانتخابات المقررة، وندد بالمشككين في الاتحاد الاوروبي، كما انتقد السياسات “العنصرية” المثيرة للجدل التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتتميز ميركل على شولتس بحضورها الشعبي الكبير وخبراتها الواسعة في مواجهة أزمات عالمية ومحلية، وهناك احتمال كبير لفوز خصمها شولتز في حال انصراف شرائح من الناخبين عن ميركل رفضًا لسياستها تجاه ملف اللجوء، ورغبتهم في التجديد بسبب ما بدا عليها من إنهاك بعد ثلاث دورات برئاسة الحكومة الألمانية. إلا أن ميركل ترى أن تجربتها في المجال السياسي ستمكنها من ترؤس الحكومة الألمانية بنجاح للمرة الرابعة.
معاداة تركيا في أوروبا تحول إلى أداة لتأخير حل المسائل الأساسية، والتخفيف عن النفس من خلال إظهار أن العدو هو “الآخر“
يُذكر أن ميركل تولت أول منصب لها كمستشارة لألمانيا في عام 2005. وحتى الآن، لم يشغل هذه الوظيفة لفترة طويلة من قبل إلا هلموت كول — من عام 1982 إلى عام 1998.
وبخصوص استطلاعات الرأي فيشير آخر استطلاع في 31 آب/ أغسطس الماضي أن 49% فقط من المشاركين في الاستفتاء سيختارون ميركل، لو أن هناك انتخابات مباشرة من الشعب الألماني لمنصب المستشار، في المقابل سيحصل شولتز على نسبة 26% من المشاركين، مع وجود نفس الشروط.
يخطط التحالف المسيحي فيما يخص سياساته الاقتصادية حيال سوق العمل بالتشغيل الكامل حتى عام 2025 ويقتضي التشغيل الكامل خفض معدل البطالة إلى ما دون 3%. وللوصول لهذا الهدف يجب توفير عمل 2.5 مليون شخص، كما يريد الاتحاد المسيحي أيضًا جعل أوقات العمل مرنة. وكذلك الأمر بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي يريد تحقيق التشغيل الكامل، دون ذكر إطار زمني محدد.
كما يريد التحالف المسيحي تخفيف العبء الضريبي على المواطنين بمقدار 15 مليار يورو، ويرى أن ضريبة الدخل على الرواتب العليا وقدرها 42% يجب أن تفرض مستقبلا اعتبارًا من دخل سنوي إجمالي قدره 60 ألف يورو، بدلا من 54 ألف يورو حاليًا.
ويتشابه الحزب الاشتراكي مع خصمه بشأن خططه بتخفيف العبء الضريبي على المواطنين بمقدار 15 مليار يورو. وكذلك جعل ضريبة الرواتب العليا اعتبارًا من دخل سنوي قدره 60 ألف يورو. مع جعل ضريبة الرواتب العليا تبدأ من دخل سنوي قدره 76 ألف يورو للعازبين، ليدفعوا 45%.
أخيرًا يجب التذكير أن حظوظ ميركل في الفوز بولاية رابعة لا تزال عالية، إلا أن المهمة أمامها لا تعد سهلة مع خصمها من الحزب الاشتراكي، وبالنسبة لمواقف ميركل حيال تركيا والعلاقات معها لا يمكن الاعتداد بها إذ تلعب ميركل على وتر المواقف لسحب البساط من تحت أقدام خصومها وقد تتغير هذه المواقف بعد فوزها في الانتخابات.