بدأت الحكومة المحلية ذات التوجهات الانفصالية في إقليم كتالونيا شمال شرق إسبانيا، الاستعداد لاحتمال انفصال الإقليم عن إسبانيا، الشهر المقبل، رغم رفض السلطات المركزية لهذا التوجه وتأكيد المحكمة الدستورية في مدريد عدم قانونية الاستفتاء على الاستقلال.
عرض الهيكلة المالية العامة للإقليم
قبل أقل من أربعة أسابيع على الاستفتاء على استقلال الإقليم عن إسبانيا الذي ينظم مطلع شهر أكتوبر المقبل، عرضت الحكومة المحلية هيكلتها المالية العامة التي ستكلّف بجباية الضرائب في حال استقلّ الإقليم عن إسبانيا، ويرفض الكتالونيون تحمل الإقليم المنتعش اقتصاديًا لأعباء الأقاليم الأخرى التي تشهد اقتصاداتها تراجعًا، ويدفع معسكر الانفصال بضرورة قبول الحكومة المركزية بحدوث الاستفتاء على شاكلة ما حصل قبل نحو عامين في إسكتلندا وما حصل في منتصف التسعينيات في إقليم الكيباك الكندي، ويقولون إنّ قرارهم مبنيّ على الديموقراطية والقانون الدولي الذي يضمن حق تقرير المصير.
من المقرر أن توجّه السلطات الكاتالونية دعوة هذا الأسبوع لمواطني الإقليم للتصويت في الاستفتاء الذي تندد به مدريد
وقال رئيس الإقليم كارل بيغديمونت ذو التوجهات الانفصالية، أمس الإثنين: “نضع اليوم الهيكليات اللازمة لتصبح كتالونيا مستعدة لتحقيق رغبة الكتالونيين التي سيعبرون عنها في الاستفتاء”، ولم تكن وزارة المال في الإقليم تجبي حتى الآن أكثر من 5% من الضرائب في كاتالونيا، والباقي كان يذهب مباشرة للسلطات المركزية التي تعيد توزيع الأموال المجبيّة على كل المناطق الإسبانية.
ومن المقرر أن توجّه السلطات الكاتالونية دعوة هذا الأسبوع لمواطني الإقليم للتصويت في الاستفتاء الذي تندد به مدريد، وينص مشروع قانون الاستفتاء على أنه في حال فوز معسكر الانفصاليين، ينبغي صدور إعلان استقلال عن إسبانيا والشروع “في غضون يومين” في عملية لوضع دستور للإقليم.
مشروع قانون يجيز الاستفتاء
تعتزم الأحزاب الانفصالية التي تمتلك أغلبية المقاعد في برلمان كتالونيا، التصديق على مشروع قانون يجيز لها المباشرة بعمليات إدارية وسياسية وتحركات دولية من أجل تحقيق الاستقلال عن إسبانيا المملكة، إما يوم غد الأربعاء أو الخميس المقبل، كما ستتم المصادقة على قانون كتالوني خاص بالمرحلة الانتقالية، واستعدت حكومة الإقليم للانفصال المحتمل مجهّزة إدارات مالية وأجهزة للأمن الاجتماعي وهيئات دبلوماسية خاصة.
وأوضحت تقارير إعلامية، أن مجلس النواب الكتالوني يرغب في التصويت مباشرة بتطبيق كل ما يسرع الانفصال والاستقلال عن المملكة الإسبانية، ولم تضع الأحزاب الانفصالية المعارضة أي مادة في مشروع القانون الانتخابي تشير إلى الحد الأدنى في نسبة المشاركين بالاستفتاء كما لم تحدد النصاب القانوني المطلوب من أجل المباشرة باحتساب الأصوات، والهدف من ذلك حسب متابعين، إقرار سريع وتشريع أسرع للنتيجة التي ستصدر عن صناديق الاستفتاء.
رفض السلطات المركزية
بينما تصر حكومة الإقليم على إجراء الاستفتاء، تهدد الحكومة المركزية في مدريد، وهي حكومة يمينية مبنية على أقلية برلمانية، بمنعه بالوسائل القانونية كافة، ومنذ إعلان تاريخ الاستفتاء في التاسع من يونيو الماضي، تصاعدت حدة التصريحات بين السلطات المحلية في الإقليم والحكومة الإسبانية المركزية.
ومباشرة عقب عرض الحكومة المحلية هيكلتها المالية العامة التي ستكلّف بجباية الضرائب في حال استقل الإقليم عن إسبانيا، ندد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي بما وصفه بأنه “الاحتيال على الديمقراطية” من خلال تنظيم استفتاء من دون المرور بالبرلمان الكاتالوني، تجنبًا لعرقلة المعارضة في الإقليم، وقال راخوي إنه مصمم على منع الاستفتاء باسم “وحدة إسبانيا”.
بلغت النزعة الانفصالية في الإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت الحملة الانفصالية في عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء
وقبل يومين، حذّر ماريانو راخوي التيارات التي تسعى للاستقلال في إقليم كتالونيا من أنه “لن يتمكن أحد من تقويض الديمقراطية الإسبانية”، مبرزًا أن محاولات الانفصاليين لـ”نسف الدستور” لن تفلح، وأكد راخوي أن مساعي الاستقلاليين لإجراء الاستفتاء “غير الشرعي” للانفصال عن إسبانيا، ستواجهها حكومته بـ”تنفيذ القانون”، وأوضح أن الحكومة ستفعل ذلك “دون اللجوء للصوت العالي أو الدخول في مواجهة عقيمة مثلما يحاول المتشددون”، بل بـ”الاعتدال والتناسب لكن أيضًا بالثبات والإصرار”.
وبلغت النزعة الانفصالية بالإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت الحملة الانفصالية في عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء على غرار الاستفتاءين على سيادة “كيبك” كبرى المقاطعات الكندية في عامي (1980 و1995)، كما تجددت حملة المطالبة باستفتاء الانفصال مع اقتراب استفتاء إسكتلندا على استقلالها عن بريطانيا سنة 2014، وقد قوبلت هذه المطالبات جميعها بالرفض من الحكومة المركزية في مدريد.
خصائص الإقليم
ويتمتع إقليم كتالونيا الذي يبلغ عدد سكانه 7.5 مليون نسمة (ثاني أكبر مناطق إسبانيا من حيث عدد السكان)، بأوسع صلاحيات الحكم الذاتي بين أقاليم إسبانيا السبع عشرة، وتبلغ مساحته 32.1 ألف كلم، وهو يعتبر بذلك سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا، ويضم 947 بلدية موزعة على أربع مقاطعات هي برشلونة (عاصمة الإقليم) وجرندة ولاردة وطرغونة، ويعتبر من المناطق الاقتصادية الأهم بالنسبة لإسبانيا، واللغة الكتالانية اللغة الرسمية للإقليم بالإضافة إلى اللغة الإسبانية.
خسائر كبيرة لإسبانيا في حال استقلال إقليم كتالونيا
وتعتبر كتالونيا المقر الرئيسي للعديد من المجموعات والشركات العملاقة والمعاهد الكبيرة، ويبلغ إجمالي الناتج القومي للإقليم 210 مليون يورو، وهو ما يجعل حصة كل مواطن كتالوني نحو 27 ألف يورو سنويًا، ويعنى هذا أن إسبانيا ستخسر نحو 19% من إجمالي ناتجها القومي، ويتحكم الإقليم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية لإسبانيا، كما ينتج الإقليم 45% من إجمالي المواد التكنولوجية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية.
عداء تاريخي
العداء بين الإقليم والحكومة المركزية في مدريد ليس وليد اليوم، فله خلفيات تاريخية بعيدة تعود إلى العام 1936 حينما دخل الإقليم في صراع ضد الجنرال “فرانسيسكو فرانكو” الذي أوقف العمل بنظام الحكم الذاتي للإقليم الذي حصل عليه في العام 1936، ومنذ ذلك الحين عمل أهل الإقليم على تعزيز قوميتهم الخاصة وازدهر الإقليم وأصبح منطقة اقتصادية رائدة في مملكة إسبانيا، حيث نجح الإقليم في تحقيق ما يقرب من 20% من الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا رغم كون مساحته لا تتعدى نسبة 6% فقط من مساحة المملكة.
من مظاهر هذه الإجراءات التعسفية التي يراها سكان الإقليم الكتالوني فرض الحكومة المركزية ضريبة تقدر بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي
ومع سوء الحالة الاقتصادية في أوروبا في الآونة الأخيرة وخاصة التي ضربت إسبانيا بالتحديد، يعتقد سكان الإقليم الداعين للانفصال بأنهم لا ذنب لهم في سياسات الحكومة الإسبانية ودول أوروبا التي أدت إلى التدهور الاقتصادي هذا، كما يرون أن إجراءات التقشف التي فرضت على الإقليم هي إجراءات تعسفية بالمقارنة مع الخدمات المتردية في الإقليم.
من مظاهر هذه الإجراءات التعسفية التي يراها سكان الإقليم الكتالوني فرض الحكومة المركزية ضريبة تقدر بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي، في المقابل ليس هناك أي استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة من وجهة نظرهم، ويبرر الانفصاليون ذلك الأمر بأن الحكومة المركزية دائمًا ما تتجاهل التنمية الحقيقية في الإقليم لرغبة دفينة لديها تريد بها ألا تكون برشلونة عاصمة الإقليم أفضل من مدريد العاصمة المركزية وهو صراع تاريخي قديم بين المدينتين.
سياسة الإقليم الانفصالية تقول إنها لا تريد أن تُشارك في الفشل الاقتصادي للحكومة المركزية، إذ إن إجراءات التقشف تعود آثارها عليهم أكثر من غيرهم رغم كونهم أغنى الأقاليم الإسبانية، وبحكم التبعية الاقتصادية لحكومة مدريد فإن الحكومة الذاتية لكتالونيا تضطر لتنفيذ سياسات مضرة بالإقليم واقتصاده الداخلي تنفيذًا لخطط التقشف العامة في إسبانيا، لذلك بدأت كتالونيا في البحث عن الاستقلال بدوافع اقتصادية بجانب الجذور التاريخية القديمة.