ترجمة وتحرير نون بوست
سقطت مدينة الموصل، إحدى معاقل تنظيم الدولة في العراق، خلال شهر تموز/ يوليو، بعد معارك عنيفة دامت إلى أجل غير مسمى. وفي الوقت الراهن، تحتل هذه المعركة قلب فعاليات مهرجان “فيزا” للتصوير الصحافي الذي ينطلق في فرنسا في 2 من أيلول/ سبتمبر، وتحديدا في مدينة “بيربينيا”، حيث تم تخصيص ثلاثة معارض وحلقة حوار للحديث عن معركة الموصل. ولأول مرة في تاريخ هذه الفعاليات، سيقع تحديد الفائز بالجائزة الذهبية لهذا المهرجان من بين أربعة مرشحين، ركزوا في أعمالهم على معركة الموصل، سيتم اختيارهم من قبل خبراء في مجال التصوير الفوتوغرافي، تابعين لوسائل إعلامية عالمية.
في الأثناء، ونظرا لأن الواقعة تعد تاريخية، ليس من المفاجئ أن يبادر المصور الصحفي، لوران فان دير ستوكت، بعرض مجموعة من الصور في هذا المهرجان، التقطها خلال تغطيته لمعركة الموصل لصالح صحيفة “لوموند”. وفي هذا السياق، قال ستوكت، إنه “مستقبلا، أعتقد أننا سندرج معركة الموصل في المناهج التعليمية ليتم تدريسها للناشئة على غرار الحرب الجزائرية”. كما ذكر ستوكت أن معركة اقتحام مدينة الموصل امتدت لمدة تسعة أشهر، مما يحيل إلى أنها أطول من معركة ستالينغراد.
في المقابل، يجب الاعتراف بأن معركة تحرير الموصل وصفت منذ بدايتها على أنها أشبه بمعادلة معقدة. عموما، يعيش في هذه المدينة قرابة مليوني ساكن، وتشكل بذلك المدينة ثاني أكبر مدن العراق. وفي ظل اشتداد حدة المعركة، لا يزال عدد كبير من المدنيين يعيشون في الموصل، علما وأن بعضهم اختار التعاون مع مقاتلي تنظيم الدولة. في الجهة المقابلة، يحاصر المدينة جيش عراقي يعمل على رد اعتباره بعد إذلاله سنة 2014، على يد تنظيم الدولة، حيث لاذت القوات العراقية بالفرار في غضون أربعة أيام. ففي ذلك الوقت، وعلى الرغم من أن عددهم كان محدودا، إلا أن عناصر التنظيم كان على استعداد لتقديم أي تضحية في سبيل ما يؤمنون به.
أكد كل المصورين الصحفيين الذين واكبوا على عين المكان معركة الموصل أنها كانت حربا عنيفة للغاية. فلم يكتف مقاتلو التنظيم بزرع ألغام في المدينة القديمة، حيث عمدوا إلى ارتكاب جملة من الفظائع من خلال سياراتهم المفخخة.
من جهته، صرح المراسل، ألفارو كانوفاس الذي قضى سبعة أشهر في الموصل لتغطية المعركة لصالح صحيفة “باري ماتش”، قائلا: “أنا لم أكن مجرد مراقب مُطالب بأن يلتزم الحياد…فكلنا معنيون بالحرب ضد تنظيم الدولة على خلفية هجماته الإرهابية، وبسبب ارتفاع عدد اللاجئين الوافدين من سوريا…ولقد كنت جزءا من هذه المعركة وشاركت الجنود حياتهم العسكرية، وقد كنت في معظم الأوقات إلى جانبهم. لقد تمنيت أن ينتصروا على التنظيم من صميم قلبي”.
رؤية واقعية للمعارك
في الواقع، أكد كل المصورين الصحفيين الذين واكبوا على عين المكان معركة الموصل أنها كانت حربا عنيفة للغاية. فلم يكتف مقاتلو التنظيم بزرع ألغام في المدينة القديمة، حيث عمدوا إلى ارتكاب جملة من الفظائع من خلال سياراتهم المفخخة. فعلى سبيل المثال، لم يتوان أحد الانتحاريين على قيادة إحدى هذه السيارات، قبل أن يفجر نفسه وسط رتل من سيارات “هامفي” متسببا في مجزرة مروعة.
في إحدى صوره التي التقطها خلال مرافقته للأجهزة الخاصة التابعة للشرطة الفدرالية، التقط ألفارو كانوفاس مشهد جندي وهو يترنح من هول الصدمة بعد أن استطاع الفرار من سيارة مفخخة انفجرت خلفه وتسببت في طوفان من النيران. وفي اليوم التالي، وجد المصور نفسه محاصرا داخل مبنى في مرمى نيران عناصر التنظيم، وبرفقته جنود تعرضوا لعدة هجمات من خلال سيارات مفخخة. وفي هذا الصدد، أورد كانوفاس أنها “كانت ثلاثة أيام مرعبة، ولكن الأسوأ من ذلك، كان ما تخلفه السيارات المفخخة من خسائر فضلا عن الدخان الناتج عن الحرائق”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المصور الصحفي قد تعرض لجروح خلال شهر حزيران/ يونيو، عندما كان جندي عراقي يحاول مصادرة سلاح تخلى عنه مقاتلون تابعون للتنظيم. لكنه لم يتفطن إلى أن السلاح قد كان مفخخا، لينفجر ويصاب المصور في ساقه. وبعد أيام فقط، لقيت مراسلة صحفية كانت تعمل مع ألفارو كانوفاس لتغطية الأحداث لصالح “باري ماتش”، حتفها.
في حقيقة الأمر، قتلت فيرونيك روبير، فضلا عن مراسل قناة “فرانس 2″، ستيفان فيلنوف، ومرافقهما العراقي، بختيار حداد، الذي كان ألفارو كانوفاس يعرفه جيدا. وفي هذا الإطار، ذكر كانوفاس أن “هذه المعركة كلفتني ثمنا باهظا على الصعيد المالي، والعائلي… فقد فقدت أصدقاء كثر. بالنسبة لي، لا تعد معركة الموصل مجرد حرب مثل بقية الحروب الأخرى، ولكنها ربما تكون الأخيرة في حياتي”.
يعود الفضل أيضا في الانتصار في المعركة إلى الرائد سالم، العسكري الذي أصبح شخصية شهيرة في العراق.
في الوقت الذي عملت فيه الجيوش على منع عمليات التواصل والتغطية حفاظا على حياة الصحفيين، جسدت الصور التي تم عرضها في مدينة “بيربينيا” مشاهد للمعارك تتسم بالمصداقية على الرغم من قساوتها: قتلى وجرحى من الطرفين، تفجيرات مدمرة، مدينة تحولت إلى أطلال، مدنيين في حالة صدمة.
في المقابل، تمكن لوران فان دير ستوكت من التقاط صور فريدة، على غرار صورة تعكس نظرات جنود وهم أمام سيارة تهم بدهسهم قبل أن تتسبب في سقوط ضحايا من بينهم. وفي الأثناء، تحيل هذه الصور أيضا إلى مدى قرب عدة مصورين صحفيين من الوحدات المقاتلة واحتكاكهم به، حيث غالبا ما يتمركزون في الصفوف الأمامية للقتال.
من جانبه أقر فان دير ستوكت، بأن “ثلاثين سنة مرت منذ أن عينت في هذه المهنة، ولم أتلق ترخيصا لتغطية العمليات العسكرية، كما هو الحال في هذه المعارك… أن أرافق قوات خاصة، يعد ذلك سابقة في حياتي المهنية”. والجدير بالذكر أن هذا المصور يعد الوحيد الذي قام بتغطية المعركة على امتداد تسعة أشهر متتالية، وتحديدا منذ انطلاق مصفحات الجيش العراقي من بغداد وصولا إلى مدينة الموصل للمشاركة في المعركة.
في الأثناء، قضى ستوكت أهم فترات المرحلة الحاسمة من معركة الموصل إلى جانب قوات النخبة العراقية، التي يشرف عليها الوزير الأول. وقد تم تدريب هذه القوات منذ سنة 2003، على يد الأمريكيين، كما شاركت في المعارك ضد تنظيم الدولة في كل من الرمادي والفلوجة. عموما، خصص فان دير ستوكت جزءا من مجموعة الصور التي سيعرضها لنقل عمل هذه الفيالق التي تتميز بالنجاعة فضلا عن التنظيم الذي يتسم بالجدية، حيث تقف وراء تحقيق النصر النهائي في الموصل، مع العلم أن ذلك قد كلفهم خسائر بشرية فادحة.
يعود الفضل أيضا في الانتصار في المعركة إلى الرائد سالم، العسكري الذي أصبح شخصية شهيرة في العراق. وقد قضى فان دير ستوكت مدة طويلة إلى جانبه على الجبهة. وفي هذا السياق، أفاد ستوكت متحدثا عنه، “لقد التقيته في مدينة الفلوجة، وسرعان ما أصبحنا مقربين من بعضنا البعض، كما ساعدته في السفر لتلقي العلاج في فرنسا. في الواقع، وجه لي الرائد سالم دعوة لمرافقة قواته خلال تحركها من بغداد وصولا إلى الموصل”.
في خضم هذه “الحرب الضروس” التي تترنح بين الضربات الجوية، والسيارات الانتحارية والطائرات دون طيار، لم يتوان المصورون الفوتوغرافيون عن القيام بعملهم
في سياق متصل، يعد هذا الرائد العراقي العقل المدبر وراء الإستراتيجية التي ساهمت في تحقيق النصر في معركة الموصل. ففي الواقع، يتمتع هذا الرائد بكاريزما، في حين أن كل ما كان يدور في خلده هو: إنقاذ أرواح أكبر عدد ممكن من رجاله ومن المدنيين حتى لو كلف ذلك الاستمرار في المعركة إلى ما لا نهاية.
يمكن ملاحظة بعض الصور الفوتوغرافية التي يظهر خلالها بعض الجنود وهم ينقلون أطفالا إلى مركبات هامفي لحمايتهم. وأكد المصور الصحفي ستوكت أن “سالم يعد الجندي الوحيد الذي قال لي إن الحل في العراق لا يجب أن يكون عسكريا… إنه جندي يحترم عدوه، حيث يضع نفسه مكان الشبان الذين التحقوا بصفوف تنظيم الدولة بعد أن تأكدوا من أن لا مستقبل لهم”.
تفاصيل متداخلة
تعكس بعض الصور التي التقطها لوران فان دير ستوكت في الموصل، إلى أي مدى تطورت الحرب من الناحية التقنية، في ظل وجود أجهزة تحديد المواقع وأجهزة الاتصالات التي تمت مصادرتها. وقد أكد فان دير ستوكت أن “الحرب تطورت بصفة مذهلة. فالحرب في هذا الوقت، تدار عن طريق “آي باد”… أتذكر أن الهاتف المحمول “ج3″ كان متداولا في الموصل”.
علاوة على ذلك، كانت إحدى صور فان دير ستوكت تنقل عملية مراقبة الرائد سالم لمواقع العدو، فيما تُظهر صورة أخرى خروج دخان من خلف جدار نتيجة قصف جوي من قبل طيران التحالف. وفي هذا الصدد، أفاد المصور الصحفي أن “الرائد يشرف على تنفيذ ضربات مدفعية تطلق حوالي 15 مرة في اليوم الواحد، في حين تسقط أغلب هذه القذائف في المكان المطلوب الذي لا يبعد أحيانا عنا سوى 30 مترا”.
بالنسبة لمشاهد الحرب التي التقطها المصور الفوتوغرافي الإيطالي، فيغلب عليها الفراغ والصمت، بالإضافة إلى أنها ذات طابع رثائي.
في خضم هذه “الحرب الضروس” التي تترنح بين الضربات الجوية، والسيارات الانتحارية والطائرات دون طيار، لم يتوان المصورون الفوتوغرافيون عن القيام بعملهم. وفي هذا السياق، أشار لوران فان دير ستوكت، الذي التقط صورا تجسد وضع المدنيين بعد المعارك، الذين تارة يتم ترهيبهم، وطورا يتم طمأنتهم، إلى أن “ينبغي إيلاء أهمية كبرى لتداعيات هذه المعركة على الأهالي أكثر من آثار التفجيرات”.
يشارك المصور الفوتوغرافي الإيطالي، في وكالة ماغنوم، لورنزو ميلوني، في مهرجان “فيزا” بصور ولقطات تعكس انهيار تنظيم الدولة في الموصل، ومدن أخرى في كل من كوباني وتدمر في سوريا. وقد قرر هذا المصور الإيطالي خلال مختلف الريبورتاجات التي يسجلها أن يبتعد قليلا عن جو الحرب الكلاسيكية، حيث ركز عدسات الكاميرا إما على المنازل المتهالكة أو على التراث الذي فقد بريقه جراء المعارك.
إضافة إلى ذلك، بحث لورنزو ميلوني عن التفاصيل المتداخلة التي اقتحمت ركائز الإيديولوجية الإسلامية، على غرار صور لأبطال كرتونية دون أعين ولا أفواه مرسومة على جدران مدينة الموصل أمثال “سبونج بوب وميكي ماوس”. أما بالنسبة لمشاهد الحرب التي التقطها المصور الفوتوغرافي الإيطالي، فيغلب عليها الفراغ والصمت، بالإضافة إلى أنها ذات طابع رثائي.
في هذا الشأن، أكد لورنزو ميلوني، قائلا: “أردت أن أعبر عن الإحساس المشترك بفقدان هذه الأماكن المدمرة”. ويرى لورنزو ميلوني أن نظرتنا للحرب “تم تحريفها عن طريق السينما”، حيث نجلس أغلب الوقت ننتظر أحداثا مشوقة، ولكن “على عكس ما نتوقع، فالحرب مملة للغاية”.
صورة لجندي من الفوج الأول التابع للقوات الخاصة العراقية على جبهة حي الزنجيلي، أحد آخر الأحياء الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في الموصل تحديدا شمالي المدينة القديمة.
المصدر: لوموند