تتجمع لدينا مؤشرات كثيرة ومن مصادر مختلفة على أن وقف الهجوم على غزة قريب جدًا وقد يعلن عنه خلال ساعات قليلة، من جهة أخرى لدينا يقين أن قائد دولة الاحتلال يكابر أن يعترف بالهزيمة ويتحمل مسؤولية فشله أمام جمهوره، لذلك لا نستبعد أن يرتكب حماقة تنجيه من عذاب أليم بيد جمهوره الذي أيقن بالهزيمة.
فضلًا على أن حزام التطبيع العربي يرى في وقف إطلاق النار هزيمة له وليس لديه خطط لمواجهة ما بعد صمود حماس في غزة، فقد كانت خطته مبنية على احتمال وحيد هو أن حماس ستسحق في غزة وينتهي آخر عائق أمام التطبيع.
تقف الحرب الآن أو غدًا، نسجل أولًا أن غزة انتصرت وأن المقاومة حققت أهدافها، وهي في الموقع الذي لا ينال فيه عدوها بالتفاوض ما لم ينله منها بفوهة المدفع، لكنه سيكون تفاوضًا عسيرًا ليس فيه للمقاومة نصير من خارج غزة.
صفقة شاليط تدعو للتفاؤل
مقابل جندي واحد أسير، أفلحت المقاومة في استخلاص أكثر من ألف سجين فلسطيني. هذه علامة جيدة على قوة المفاوض الذي يعرف نقطة ضعف عدوه. قياسًا على هذه الصفقة يمكننا تخيل مطالب المقاومة وهي ليست أقل من تبييض السجون. كم سيدفع العدو مقابل كل عسكري أسير؟ وإطلاق سراح المساجين الفلسطينيين (الذين تضاعف عددهم خلال الأشهر الأربع الأخيرة) ليس العنوان الوحيد، فهناك ضرورة إلى وضع قواعد اشتباك مختلفة بين غزة والكيان. حيث يبرز لنا أن العدو يخطط للعسكرة على حدود غزة وتحويلها إلى أهداف لمدفعيته الثقيلة وحقل تمرين لضباط سلاح الجو، وهذا يعني منع كل مظهر من مظاهر الحياة في غزة.
لقد حصل توازن رعب بين المقاتل الفلسطيني والجندي الصهيوني، وقد علَّمت غزة عدوها أن لا يتجرأ عليها بعد حرب الطوفان بحرب برية أخرى لن ينال فيها إلا خزي عسكري لا يمحى، لكنه سيمارس كل نذالات الأرض بالقصف الجوي ما لم يرتدع بنص اتفاق يخول للفلسطيني حق الرد السريع. ستكون هذه عقدة تفاوض عسيرة لأنها تعني استقلال غزة استقلالًا تامًا يفتح على مكاسب كثيرة منها ميناء ومطار.
عشنا حرب الطوفان مشفقين على المقاتل وعلى المدني وفي كل يوم مر بنا شد المقاتل من أزرنا وهدأ روعنا بانتصاره وضرباته الموفقة، رغم ذلك فسنتابع مشفقين المفاوض الفلسطيني وهو يضع شروط المنتصر، لقد حارب وحده وسيفاوض وحده وسينتصر وحده وفي لحظة الانتصار سيخرج الذين حاصروه ليصيروا آباءً لنصره.
حزام التطبيع.. شاي بلبن؟
مطار وميناء في غزة سيجعل حاكم مصر وعسكره خارج الخدمة، وسيحمل عار إغلاق معبر رفح حتى نهايته. لقد منع العدو بناء مطار في غزة وحرم حتى صيادي غزة من سمك بحرهم، لكن حرب الطوفان غيرت المعطيات ونرى الفلسطيني في وضع فرض حقه في فتح غزة على العالم، ونرى أن لديه ورقة فعالة يفاوض بها مع العدو الأكبر مباشرة، وهو غاز غزة الذي يغفل ذكره في الحرب، رغم أنه سبب من أسبابها.
هل يضع المقاوم هذه المطالب على طاولة التفاوض؟ نحن لا نعلمه حقه ولا واجبه خاصة ونحن نراه في وضع قوي يسمح له بفرض حقه قبل أن تشفى جراح العدو ويرمم روحه المنهارة.
إن ما يهمنا هنا هو خسارة حزام التطبيع الذي تخلى عن غزة ومنع نجدتها حتى من الغرباء القادمين من أطراف العالم، بل مول العدو بالأغذية وربما بالأسلحة، ماذا فعلتم بأنفسكم وبشعوبكم المقهورة؟ كيف ستواجهون هزيمتكم وكيف سترممون مواقعكم لدى العدو؟ ألم يدر بخلدكم يومًا أن هذا العدو قابل للهزيمة والاندحار والاختفاء من المنطقة؟
نعم إنه لم يختف بعد لكنه انهزم وهزيمته لا تتوقف على الهزيمة الحربية، لقد سقطت مهمته التي أنشئ من أجلها، لم يعد يملك سلاح الخوف بين يديه إلا ما استبطنت الأنظمة المطبعة والنخب الفاسدة. نعم العدو الصهيوني قابل للهزيمة وقد انهزم وهو في طريق الاندثار، لكن ما مصير أنظمة التطبيع بعده؟ ماذا ستبيع؟ ولمن ستبيع ذلتها وخضوعها؟ لقد نجت غزة وعاشت، ولم ينج حزام التطبيع، لذلك نتوقع هزات سياسية كبيرة بجوار غزة تتخلص من عار خيانة غزة ولو بعد انقضاء معركة الميدان.
اليوم التالي
ضد الكيان الغاصب وضد حزام التطبيع، سيقف الفلسطيني وحده ويفرض شروطه رغم أن روحه نازفة. جردة الحساب ما زالت بعيدة نسبيًا، لكننا نرى فيها نصرًا للفلسطيني وهزيمة للعدو، والنصر يكبر كما الهزيمة أيضًا. وهزيمة العدو تعني اندثاره.
ليس لدينا سابقة نتخيل من خلالها المجتمع الصهيوني مهزومًا، فمنذ وعينا وجدناه منتصرًا يتفاخر، لذلك نحن سنرى حدثًا يحصل لأول مرة، الصهيوني مهزوم وليس لديه خطة لليوم التالي، والفلسطيني يملك خريطة لغده لأنه يملك الوطن/الأرض ولديه فيها ما يعمل، في المقابل هناك مهزوم فقد الغاية وفقد المكانة ولديه إمكان الهروب السهل من مشروع لم يعد يعطيه الأمان.
اليوم التالي فلسطيني بالقوة، فهو في طريق استعادة أرضه من عدو غاصب وليس للعدو غد في فلسطين وهذه هي الخلاصة الأهم لمعركة طوفان الأقصى قبل أن تضع أوزارها، ومهما كان حديثنا سابقًا لأوانه، فإننا نجزم بنصر غزة وننتظر معركة التفاوض الكاسر، لكن من قدر على البندقية سيكون أقدر على التفاوض وسلاحه بيده، وسيكون العالم 2024 عامًا فلسطينيًا في العالم، ومن أراد أن يحرر نفسه من ضعفه فعليه بغزة أو ليفكر مثل غزة.