كنا فى ماليزيا فى أواخر 2011 , وكنا نستقل المترو فى اتجاهنا لأحد ميادين كوالالمبور الرئيسية. حين قامت سيدة فى منتصف الثلاثينات من عمرها وبابتسامة بسيطة وجهت عينيها باتجاه النساء والبنات الموجودون بعربة المترو وبدأت تتحدث لعشر دقائق تقريباً بالماليزية التى لم نكن نتقنها، لم تفارقها أعيننا حتى انتهت فأخبرتنا المرشدة السياحة أنها ضمن مجموعة من النساء اللذين يقومون بدعوة الفتيات والنساء الى تغيير الصورة الذهنية عن الاسلام ضمن مبادرة يطلقون عليها ” post baik “.
المبادرة قائمة على أن تدعوهم لملتقى لمدة يوم مع فتيات مسلمات ثم يمكن أن تقوم كل مشاركة بمرافقة احدى الفتيات أو النساء لمدة ثلاث أيام متواصل فى منزلها وعملها وكل شىء لترى بعينها سلوكياتها وحياتها وكل شىء ,, الفكرة قد تبدو غريبة على مجتمعاتنا العربية المحافظة ولكن الفكرة هناك مطبقة بشكل قوى وعلى نطاق واسع ,, ما جذب انتباهى فى الفكرة هو الابتكار فى تصدير نموذج الفتاة المسلمة لغير المسلمين من خلال المشاركة والرؤية وليس الكلام الكثيير.
منذ ذلك الحين والسؤال الذى يلح على ذهنى “لماذا لا نستطيع تصدير نموذج صحيح قوى للفتاة العربية ؟! ” لماذا لا تعلم نساء العالم عنا شيئاً سوى الصورة السوداء التى يشترك فى تكوينها أطراف كثييرة , لماذا لا يعلمون شيئاً عن “حواء عثمان” الملقبة ب”حواء تاكو” المناضلة الصومالية التى قادت حملات ضد الاحتلال الايطالي للجنوب الصومالي واستشهدت عام 1948 خلال مظاهرات حاشدة ترفض دخول مزيد من القوات الايطالية الى الصومال، ووضع لها نصب تذكاري في قلب العاصمة مقديشو وغيرها من آلاف الصوماليات اللاتى يعتمد عليهم النسيج الاجتماعى الصومالى حتى هذه اللحظة بسبب الحرب الأهلية!
لماذا لا يعرفوا شيئاً عن “جميلة بوحيرد” المجاهدة الجزائرية التى صنعت بطولات خارقة في الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسي حتى كانت المطاردة رقم 1 فى الجزائر ! من يخبرهم بنموذج المشروعات الصغيرة الى بدأه الاتحاد العام للمرأة السودانية وقاموا بتجربته فى جنوب كردفان ولما أحدث طفرة اقتصادية فى البلد امتد فى كل مدن السودان!
المرأة الفلسطينية ببتركيبتها القوية الشاملة لكل ما ينبغى أن تحتوية المرأة فى داخلها من قوة ونضال ورحابة فكر وأنوثة حاضرة , نماذج المصريات الآن فى اعتصام رابعة العدوية وفى كل ميادين مصر اللذين أراهم أمامى أشعر أنا كل واحدة منهم أصبحت تمتلك عشرة أرجل ومائة يد وسبعة عقول مما يقمن به من أعمال ونضال يفوق حد التعبير.
لماذا نقبل من كل المنظمات الباهته الداعمة لحقوق المرأة ودعم الفتيات وغيرها أن يصدروا نموذج شائه لنا لا يعبر سوى عن النساء فارغى الفكر مطموسى الهوية أولى أولياتهم هى مراكز التجميل واحتساء القهوة وارتياد النوادى , لماذا نقبل ذلك ونحن لدينا ملايين من النساء العربيات كلٌ منهم فى حد ذاتها نموذج لأطروحة نسائية نادرة , صالحة لكل زمان ومكان ,, نحن لدينا نساء وفتيات يناضلن من أجل الحرية ويقدن الثورات ويحتسين القهوة ويتزينّ تزين اللآلىء فى المحارات , لكننا كالعادة لدينا أقوى سلعة وأرقى وأنظف بضاعة ثم لا نجيد تسويقها ولا تصديرها فتظل حبيسة الرفوف .