بعد غياب طويل، عادت المملكة المغربية إلى القارة الإفريقية ومؤسساتها الرسمية رغبة منها في الاستفادة من فرص ضيعتها سابقًا وتسعى إلى استثمارها حاليًا، خاصة أنها تمتلك مقومات ذلك، فتسعى لأن تكون همزة وصل اقتصادية بين القارة السمراء والقارة العجوز والاستفادة من الاثنين لتقوية اقتصادها النامي.
الاستفادة من جوانب عديدة
تسعى المملكة المغربية للاستفادة من انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي، بعد غياب دام تقريبًا 33 عامًا، وعلاقتها القوية مع دول القارة، فضلًا عن استغلال جاذبية اقتصادها ومناخ الأعمال والبنى التحتية وصدارتها الإقليمية في تلقي التدفقات المالية، لأن تكون معبرًا مهمًا للاستثمار الأجنبي نحو القارة السمراء، وبوابة لدول الاتحاد الأوروبي التي تريد الاستثمار في إفريقيا، حيث تتوفر فرص للاستثمار في مجال المعادن والنفط والأيدي العاملة.
تتحرك الرباط ضمن استراتيجية تهدف إلى التكامل الفعال مع دول إفريقيا
وتؤكد تقارير إعلامية أن المغرب استفاد من الاستقرار السياسي الذي عُرف به حتى في فترة الربيع العربي، وهو ما ساعده على جذب الاستثمارات الخارجية، وأن يكون قاعدة دولية للتصدير نحو أسواق الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، كما أفضى نشاط الشركات الأجنبية في المغرب إلى اهتمام المستثمرين الأجانب بالتوجه إلى القارة الإفريقية من خلال البوابة المغربية.
وخلال السنة الماضية احتل المغرب المرتبة الأولى في جاذبية الاستثمارات لهذه السنة، متقدمًا بدرجة على جنوب إفريقيا التي احتلت الصدارة في حجم التدفقات المالية الخارجية، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة “إرنست أند يونغ” البريطانية، وتتحرك الرباط ضمن استراتيجية تهدف إلى التكامل الفعال مع دول إفريقيا، ضمن إطار تنافسي يجعل من التنمية هدفًا تشاركيًا يشترط تأهيل العنصر البشري وتقوية البنية التحتية التجارية وتيسير الترسانة القانونية لتسهيل الاستثمار وتطوير خطوط العلاقات التجارية.
خصائص القارة
بحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، تمتلك القارة 12% من احتياطيات النفط في العالم و40% من الذهب العالمي ونحو 90% من خامي البلاتين والكروم، لكن ذلك لم يمنع استمرار الفقر والتهميش لدى العديد من دولها، وتعتبر إفريقيا ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا، وتبلغ مساحتها 30.2 مليون كيلو متر مربع، وتغطي 6% من إجمالي مساحة سطح الأرض، وتمثل 20.4% من إجمالي مساحة اليابسة.
فرص استثمار كبيرة تتمتع بها القارة الإفريقية
وحصلت القارة الإفريقية على استثمارات أجنبية مباشرة قدرت بنحو 94 بليون دولار خلال العام الماضي، بزيادة نسبتها 32% على قيمتها عام 2015 البالغة 71.3 بليون دولار، وغطت 676 مشروعًا وفر 129 ألف فرصة عمل، وكانت تدفقات الاستثمارات نحو إفريقيا قد سجلت رقمًا قياسيًا عام 2008 عندما تجاوزت 140 بليون دولار محدثة 239 ألف فرصة عمل، لكن ظلت تتراجع بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أن استعادت عافيتها عام 2014 باستثمارات خارجية قدرت بـ88 بليون دولار.
وتثير المشاريع الجديدة في إفريقيا قابلية المستثمرين الأجانب بسبب عائدها الاستثماري ومناعة بعض الاقتصادات الإفريقية أمام الأزمات وحاجة الشركات العابرة للقارات إلى التوسع جنوبًا، خصوصًا من الولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا والإمارات واليابان وإيطاليا وألمانيا.
حضور كبير في إفريقيا
مؤخرًا، بدأ المغرب حملة ناعمة من أجل التقرب من بلدان إفريقيا، خاصة دول جنوب الصحراء، وتتطلع المملكة المغربية أيضًا للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس”، بعد أن جعلت المملكة من التعاون مع إفريقيا خيارًا استراتيجيًا، وعمل باستمرار على تقوية علاقاته السياسية وإقامة شراكات متنوعة ومثمرة مع البلدان الإفريقية. وحمل تطور العلاقات بين المغرب وباقي دول القارة الإفريقية معه تطورًا في حجم المبادلات بينهما، إذ بلغت خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2016 ما يقارب 11 مليار دولار، مسجلًا نموًا لافتًا مقارنة مع بداية العقد الحالي، حسب إحصائيات رسمية مغربية، وإجمالًا سجل المغرب حضورًا اقتصاديًا في العمق الإفريقي داخل 21 دولة.
أبرز الاتفاقيات والمشاريع المبرمة إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد إفريقي وهو نيجيريا بالمغرب
وتنوعت الاستثمارات المغربية لتشمل الاتصالات والمصارف والتأمين والعقار والبناء والنقل الجوي والمعادن والكهرباء والصحة والصيدلة والتجارة والصناعة والأسمنت، ويستورد المغرب من إفريقيا نحو نصف احتياجاته من الغاز وباقي المشتقات النفطية، ويصدر إليها سلعًا صناعية أو نصف مصنعة، مكونة أساسًا من “مصبرات” السمك والأسمدة الطبيعية والكيميائية وما شابه، واستثمر المغرب في إفريقيا جنوب الصحراء نحو 4.8 مليار دولار عام 2016، شملت 17 مشروعًا بزيادة 21% معظمها في إفريقيا الغربية، وهو المستثمر الأول من داخل القارة.
ومؤخرًا، حملت الزيارات التي قادها الملك محمد السادس لكل من رواندا وتنزانيا والغابون والسنغال وإثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا توقيع مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، وفي الإجمال بلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب على توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة.
من أبرز الاتفاقيات والمشاريع المبرمة إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد إفريقي وهو نيجيريا بالمغرب، مرورًا بدول غرب إفريقيا، هذا الأمر سيكون له عدة تداعيات إيجابية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، أهمها منح المغرب مكانة استراتيجية دولية بتحوله إلى وسيط تجاري أساسي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب ومفاوض رئيسي في المنطقة.
تنمية اقتصادها
سعى المغرب للعب دور استراتيجي في إفريقيا كبوابة لمشاريع دول أوروبا في القارة السمراء، يرجع إلى رغبتها في تنمية اقتصادها الذي يعرف نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، إذ لا يمكن للمملكة أن تلج دولًا وجهات بإفريقيا أو أن تتحرك بدبلوماسيتها وفاعليها الاقتصاديين والماليين في مناطق هي حكر على فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
تعمل المغرب على المزيد من تنمية اقتصادها
ومن المرجح أن يستفيد المغرب بشكل مباشر من الاستثمارات الضخمة التي ستواكب المشاريع الأوروبية التي سيعمل على تأمين إنجازها في القارة الإفريقية، وستجد غالبية الشركات المغربية متسعًا وملجأً في هذه المشاريع الكبيرة، مما يساعدها على امتصاص البطالة وذلك بإحداث مناصب شغل دائمة وبأجور جيدة، وستقوي هذه المشاريع صادرات المغرب وستنعش المبادلات التجارية وتدفع بعجلة التنمية الاقتصادية وتطور مؤشر النمو وبنسب مهمة، حسب العديد من الخبراء.
علاقات قوية مع أوروبا
إلى جانب حضوره الكبير في القارة الإفريقية وعلاقته القوية مع دول القارة، يمتلك المغرب علاقات عريقة وعميقة ومتنوعة مع الاتحاد الأوروبي تطورت على مر السنين، بدأت بإبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية في السبعينيات من القرن الماضي، شملت التبادل التجاري وتصدير المنتجات الفلاحية المغربية لأوروبا.
يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية، حيث تمثل صادرات المملكة إليه 77% من مجمل صادراتها
وانطلقت هذه العلاقات بتوقيع اتفاق تجاري بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوروبية في سنة 1969، واتسع نطاقها بإبرام اتفاق تعاون في سنة 1976، ثم تعززت أكثر بعد اعتماد اتفاق شراكة في سنة 1996، وبمخطط عمل الجوار في سنة 2005، وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2008 منح الاتحاد الأوروبي، على هامش الدورة السابعة لمجلس الشراكة المغربي – الأوروبي، المغرب صفة “الوضع المتقدم”، حيث أعطاه شراكة حديثة تعطيه حق المساهمة في العديد من مجالات التعاون الأوروبي، ولكنها ليست بالعضوية الكاملة.
وبموجب هذه الصفة أعطى الاتحاد للمملكة حق ولوج كل مجالات الفعل الأوروبي باستثناء الانضمام الكامل لبناه وهياكله، لا سيما التشريعية والتنظيمية، وجعلت هذه الصفة المملكة أقل من عضو كامل في الاتحاد وأكثر من شريك عادي، مما مكنها من امتيازات كبيرة قل منحها لأي دولة. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية، حيث تمثل صادرات المملكة إليه 77% من مجمل صادراتها، كما تربطها عدة اتفاقيات كبيرة مع الاتحاد في مجالي الزراعة والصناعة، إضافة إلى اتفاق للتبادل الحر، ويبلغ حجم استثمارات الاتحاد الأوروبي القائمة حاليًا في المغرب نحو 2.1 مليار يورو.