فتح الله غولن، إمام تركي يبلغ من العمر 73 عاما، وعلى الرغم من أنه لم يحصل سوى على التعليم الإبتدائي يُعتبر غولن زعيما لحركة دينية تولي التعليم أولوية خاصة، وتمتلك مدارس في 140 دولة مختلفة!
ومع ذلك، ثبت أن غولن أكثر من مجرد زعيم ديني، إنه زعيم سياسي أيضا! وقد عبر عن وجهة نشره في عدد من المطبوات كان منها وول ستريت جورنال وبي بي سي حيث اتخذ موقفا معارضا للحكومة التركية وعبر عن مجموعة من الآراء في قضايا مختلفة ابتداء من القضية الكردية وحتى السياسة الخارجية التركية، وبالتالي من المستحيل أن نفهم الأزمة الحالية في تركيا بدون فهم التوجهات السياسية لهذا الزعيم السياسي!
الكلمات التالية قالها غولن في جلسة مغلقة مع أتباع له وبثتها قناة ATV التركية عام 1999: “إن وجود إخواننا هو الضمان لمستقبل الإسلام، وجودهم في المحاكم أو في الخدمة المدنية أو في القطاعات الخدمية الأخرى لا يمكن تقييمه إلا كجزء من الالتزام الفردي، إن وجودهم هو ضمانة لمستقبلنا، وبدون تشكيل جبهة قوية في مؤسسات الدولة، فإن أي خطوة نقوم بها ستكون مبكرة للغاية!
قبل أن نصل إلى التشبع، وقبل أن نستطيع حمل العالم على ظهورنا، وقبل أن نضع أيدينا على كل ما يمثل السلطة، وقبل أن نشكل جبهة قوية في كل المؤسسات التي تعادل الدولة في تركيا، فإن أي خطوة نقوم بها ستكون مبكرة جدا”
نفى أتباع غولن صحة الفيديو حين نشره، لكن بغض النظر عما إذا كان قد تم التلاعب بالفيديو الأصلي أم لا، تبدو تلك الكلمات صحيحة للغاية بالنسبة للوضع التركي اليوم! يتركز منظور غولن السياسي على جلب كوادر الدولة ومؤسساتها تحت سيطرة جماعته.
كانت الشرطة والمؤسسة القضائية هي أولى المؤسسات التي يجب أن يتم الاستيلاء عليها. في الواقع، إذا استطاع أتباع غولن السيطرة على تلك المؤسسات فإنه لا حاجة بهم للدخول إلى معترك السياسة أو محاولة الفوز في الانتخابات بالوسائل المشروعة، لأنهم يستطيعون أن يضعوا أنفسهم جزءا من بيروقراطية الدولة، وبغض النظر عمن هو في الحكومة، سيكونون هم القوة الحقيقية في الدولة.
وبالرغم من ذلك، فقد أجبرت الانتخابات المقبلة حركة غولن على أن تتخذ مسارا مختلفا، فحتى الآن كانت الحركة تسير مع التيار، على سبيل المثال دعم غولن الجيش حتى حين الانقلابات العسكرية، واختار أن يلقي باللائمة على منظمي رحلة السفينة مافي مرمرة بدلا من لوم الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الحركة في خلاف حقيقي وشديد مع الحكومة التركية.
الحركة تعرف أنها في نقطة لا رجعة فيها وأنه سيتم إقصاءهم تماما من مؤسسات الدولة ما لم تسبب ضررا قاتلا لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وبالتالي فهي تحاول التوسط في اتفاق مع حزب الشعب الجمهوري، الحزب المعارض الرئيسي في تركيا، ومع الأطراف الأخرى التي يمكن أن تحصل على كتلة أصوات العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.
الانتخابات القادمة تعني أكثر بكثير من مجرد انتخابات محلية للحزب، وهذه النتائج ستكون تجربة للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في شهر أغسطس من العام الجاري للمرة الأولى في تاريخ البلاد. سيتم اختبار الدعم الشعبي لأردوغان، ومدى الضرر الذي يمكن لغولن أن يسببه.
ورغم كل هذا، لا يجب أن ننسى التعاون الذي استمر طويلا بين الحزب والجماعة.
حتى بداية الألفينات، كانت الهوية الشخصية “كمسلم ملتزم دينيا” تشكل عائقا خطيرا أمام التقدم في مؤسسات الدولة البيروقراطية، لهذا السبب فقد أخفى أعضاء حركة غولن هويتهم كمسلمين ملتزمين للترقي في المناصب، ومع وصول العدالة والتنمية إلى السلطة استطاعوا الوصول بشكل أسرع إلى مفاصل الدولة بمعاونة الحزب.
حركة غولن وكما وضح سابقا، أصبحت مهيمنة على مؤسسات مثل المجلس الأعلى للقضاء، المدعين العامين، محكمة الاستئناف وحتى في المحكمة الدستورية. ومنذ 17 ديسمبر فصاعدا، بدأوا في “الفعل”.
يمتد طريق الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية طويلا أمام تركيا. فمن الواضح أنه مع وكود أوليغاركية تحمل هوية جماعة دينية قبل هويتها كمجموعة بيروقراطية في الدولة، ومع وجود شبكة اتصالات غير شفافة ولا يمكن السيطرة عليها، فإن التقدم في هذا الطريق نحو الديمقراطية يكون مستحيلا.
بالتأكيد، ارتكبت حكومة العدالة والتنمية أخطاء ولديها عيوب تماما مثل أي حكومة أخرى، ومع ذلك فمن الممكن محاسبة تلك الحكومة ومساءلتها عن أفعالها، وحتى عدم التصويت لها وإخراجها من السلطة. لكن من المستحيل أن نحاسب دولة عميقة أُنشئت خارج إطار القانون وإنما تحت “حكم غولن”، وهي المجموعة التي نصبت نفسها في مناصب في الشرطة والقضاء.
إن جوهر المشكلة في تركيا والتي تحاول البلاد التغلب عليها منذ شهور هو فقط الاستمرار في الطريق نحو الديمقراطية.