ترجمة وتحرير نون بوست
فازت إيران بجولة أخرى ضمن الحرب الباردة التي تخوضها ضد السعودية، والتي تكتسح المشهد السياسي في الشرق الأوسط. وقد ترتب هذا التفوق الإيراني بالأساس جراء حماقة المملكة العربية السعودية. وفي هذا السياق، بادرت الرياض بوضع قطر في مأزق دبلوماسي، معتقدة أنها ستهرول عائدة للاحتماء تحت “مظلة الأخ الأكبر”، وذلك على خلفية العزلة الاقتصادية والسياسية التي فرضتها المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج.
وقد ارتكز هذا الافتراض على حقيقة اعتماد “دويلة” قطر بشكل كبير على مختلف دول الجوار، في مجال التجارة والحركة الجوية والمواد الغذائية وغيرها من السلع التي لا تستطيع الدوحة دونها الصمود أمام أي حظر اقتصادي وجوي سعودي. ولكن ما حدث على أرض الواقع كان مغايرا لكل الترجيحات.
من جانبها، رفضت قطر بحزم جميع مطالب المملكة العربية السعودية، بما في ذلك إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية، فضلا عن قطع علاقاتها مع إيران التي تتشارك معها في أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم. وقد أقدمت قطر على فعل ذلك لسببين رئيسيين.
أولا، سارعت كل من إيران وتركيا إلى مساعدة قطر، وذلك حتى تتغلب على العقوبات من خلال كسر الحصار، عبر شحن الإمدادات ونقلها جوا للإمارة الصغيرة. وقد أثارت مشاركة تركيا في هذه العملية الدهشة إلى حد ما، حيث كانت أنقرة تتمتع بعلاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية آنذاك.
موقف وزارة الخارجية الأمريكية في السر والعلن كان مختلفا للغاية. وبالتالي، أدركت الرياض أن أي تهديد باستخدام القوة ضد قطر، سيواجه دون شك معارضة أمريكية
ثانيا، لم تأخذ المملكة العربية السعودية بعين الاعتبار فحوى العلاقات الأمريكية القطرية وأهميتها بالنسبة لواشنطن. ففي الواقع، تضم قطر أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة التي يعتبرها البنتاغون نقطة انطلاق ضرورية لإدارة العمليات الجوية في كل من أفغانستان وسوريا.
على الرغم من تصريحات ترامب المناهضة لقطر، التي انبثقت عن جهل تام بالقيمة الإستراتيجية التي تمثلها قطر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن موقف وزارة الخارجية الأمريكية في السر والعلن كان مختلفا للغاية. وبالتالي، أدركت الرياض أن أي تهديد باستخدام القوة ضد قطر، سيواجه دون شك معارضة أمريكية فضلا عن أن ذلك قد يلحق الضرر بأهداف أكبر تتعلق بشراكة المملكة الإستراتيجية في الخليج العربي مع واشنطن.
وفي ظل الحماية التي وفرها هذان العاملان، لم تلق قطر بالا للعقوبات التي فرضتها المملكة العربية السعودية. وفي 23 من آب/أغسطس، أعلنت قطر بكل جرأة عن قرارها القاضي “بتعزيز علاقاتها الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جميع المجالات”. علاوة على ذلك، كشفت قطر عن عودة سفيرها إلى طهران عقب محادثة هاتفية بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره القطري. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة انتصار بارز لإيران، وتطور كبير في إطار محاولتها لتسوية علاقاتها مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذي تهيمن عليه المملكة العربية السعودية، نظرا لنفوذها الهائل.
من جهة أخرى، يتسم التقارب الرسمي بين إيران وقطر بأهمية مماثلة، حيث أن له آثارا فعلية على الجبهة في سوريا. وفي الأثناء، تساند كل من إيران وقطر أحد جانبي النزاع السوري إلى حد الآن، حيث تدعم إيران بشار الأسد في حين أن قطر، على غرار المملكة العربية السعودية وتركيا، تؤيد مجموعة متنوعة من قوات المعارضة التي يهيمن عليها المتشددون السنة.
تركيا تتمتع بجملة من المصالح في قطر، إذ أنها بصدد إنشاء قاعدة عسكرية هناك، علما وأن ذلك يندرج ضمن مخططها لبسط نفوذها في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، تتميز علاقة أمير قطر والرئيس التركي أردوغان بالتقارب
من المرجح أن تعمل قطر، في الوقت الراهن، على الحد من حجم تدخلها في سوريا وتخفض، إن لم تقم بإيقاف، عملية تمويل القوات المعارضة لنظام الأسد، وذلك في ظل انشغالها بالنزاع الشائك بينها وبين المملكة العربية السعودية. من جانب آخر، يعتبر التقارب بين إيران وقطر ذا أهمية بارزة، نظرا لأن ذلك جاء في أعقاب تحسن العلاقات بين إيران وتركيا. ففي الحقيقة، ساهمت التحركات غير المدروسة للملكة العربية السعودية ضد قطر في دفع التقارب بين أنقرة وطهران.
و تجدر الإشارة إلى أن تركيا تتمتع بجملة من المصالح في قطر، إذ أنها بصدد إنشاء قاعدة عسكرية هناك، علما وأن ذلك يندرج ضمن مخططها لبسط نفوذها في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، تتميز علاقة أمير قطر والرئيس التركي أردوغان بالتقارب. وفي هذا الصدد، أفادت بعض التقارير أن أمير قطر قام بإرسال 150 فرقة محترفة من نخبة القوات القطرية لحماية أردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016. والآن، جاء دور تركيا لترد الجميل.
في هذا الإطار، أذِن البرلمان التركي بنشر قوات تركية تراوح عددها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، وذلك بهدف مساندة أمير قطر في إطار مساعيه للمحافظة على “الأمن الداخلي”. وبالتالي، نأت تركيا بنفسها عن المملكة العربية السعودية بشكل حاسم واصطفت إلى جانب إيران فيما يتعلق بالقضية القطرية، على الرغم من الاختلافات بين الدولتين بشأن الحرب السورية.
في سياق متصل، تعمل أنقرة وإيران على حد السواء على الحد من هذه الاختلافات، علما وأن أنقرة لم تتوان عن تقديم جملة من التنازلات. وفي هذا الإطار، قبلت تركيا حقيقة أنه لا يمكن تنحية الأسد، المدعوم من قبل إيران، باستخدام القوة. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي، في إطار التحول الذي شهدته السياسة التركية، في غضون سنة، وتحديدا في 20 آب/أغسطس، عن رغبة تركيا في تسوية الأزمة بتدخل من الأطراف الرئيسية، بما في ذلك الرئيس بشار الأسد. عموما، يعتبر هذا الأمر انتصارا كبيرا لصالح إيران.
بدأ التقارب المتزامن بين إيران الشيعية وتركيا وقطر، اللتان يغلب عليهما الطابع السني، في دحر الأسطورة القائلة إن الصراع في الشرق الأوسط قائم على الشقاق بين الشيعة والسنة
من جهتها، تصر طهران على دعمها للأسد في حين تواصل نشر قوات حليفها، حزب الله، فضلا عن بعض العناصر من نخبة قوة القدس في المنطقة. ونتيجة لسوء تقديرها الذي تولد بالأساس عن عجرفتها، مهدت المملكة العربية السعودية الطريق أمام الانتصارات الدبلوماسية الأخيرة التي حققتها إيران.
على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن النهج الدبلوماسي الاستثنائي لطهران فضلا عن صبرها اللامتناهي، أخذا أخيرا يؤتيان ثمارهما. من ناحية أخرى، بدأ التقارب المتزامن بين إيران الشيعية وتركيا وقطر، اللتان يغلب عليهما الطابع السني، في دحر الأسطورة القائلة إن الصراع في الشرق الأوسط قائم على الشقاق بين الشيعة والسنة الذي دام 1400 سنة.
بالنظر إلى أن الغالبية العظمى من العالم العربي من السنة، اعتبر هذا الأمر بمثابة سلاح في خزينة الدعاية السعودية. في المقابل، أخذ هذا السلاح يفقد مصداقيته يوما بعد يوم، حيث اتضح أن الدافع الذي يقود المنافسة بين المملكة العربية السعودية وإيران مصدره الدولة والقوة السياسية البحتة، وليس العداوات الطائفية القديمة.
المصدر: ناشيونال إنترست