في 8 من يونيو 2014 على أنغام “تسلم الأيادي” نصب السلطان نفسه ملكًا للبلاد، قاصيًا من الحكم جماعة من القوم أسموهم “الإخوان المسلمين”، مطاردًا لكل من حمل شعار “مرسي رئيسي”، متحمسًا لدرجة الجنون للقضاء على تيار بعينه، مستمدًا قوته من حشد ليبرالي مدني رهيب في كفته آنذاك.
بوادر حكم موفقة لأقصى درجة، حيث أوامر بقتل أكثر من ألف شخص في يوم واحد عرف بأكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث، تليها الضربة الثانية، حيث اعتقال شبه كامل لقيادات تلك الجماعة والإسلام السياسي في مصر.
ها هو السلطان يحدثكم بعد أن قبض على كل من هو إخوان، ها أنا هنا يا شعب مصر العظيم، قتلت منهم من قتلت وأعلنتهم جماعة إرهابية، قياداتهم وشبابهم يملأون السجون ورئيسهم في الحبس الانفرادي.
لا يقدر على فهم الأوضاع السياسة الاقتصادية الدبلوماسية، كل ما يعرفه هو مسيرة طويلة بدأها أجداده سلاطين العسكر من توريث الدولة لأبنائهم وأحفادهم ممزوجة بتصفية دراماتيكية على هذا التيار الذي يسبب الإزعاج الدائم لمملكتنا.
سيطر السلطان على كل شبر داخل المعمورة، فلا يجرؤ أحد على المعارضة، لا يجرؤ أحد على التكلم وإلا أصبح مصيره مصير الإسلاميين من قتل أو اعتقال أو اختفاء قسري.
فشل التيار المدني برلمانيًا، فقرر معارضة نظام السلطان من أجل بعض الاختلافات السياسية والاقتصادية البسيطة كغلاء الأسعار وغلاء المعيشة، وربما يختلف معه على اعتقال بعض النشطاء السياسيين، ولكن لا يجرؤ أن يتحدث عن اعتقال أكثر من 50 ألف شاب من تيار الإسلام السياسي
التيار المدني بكل اتجاهاته الليبرالية والعلمانية كان عبقري في التعامل مع الموقف، فصمت على قتل الإسلاميين واعتقالهم وتعذيبهم بكل برود وهدوء أعصاب يحسد عليه وقرر الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية من أجل معارضة نظام السلطان برلمانيًا بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة!
وكالعادة فشل برلمانيًا فقرر معارضة نظام السلطان من أجل بعض الاختلافات السياسية والاقتصادية البسيطة كغلاء الأسعار والمعيشة، وربما يختلف معه على اعتقال بعض النشطاء السياسيين، ولكن لا يجرؤ أن يتحدث عن اعتقال أكثر من 50 ألف شاب من تيار الإسلام السياسي!
فكيف لي كشحص مليء بالحقد الأيدولوجي تجاه الإسلاميين وكشخص مشارك في تنصيب السلطان أن أقوم بعد كل هذا وأنصرهم! سيدي أنا شخص منزه عن الأخطاء وعبقري في قراراتي السياسية، فأوصلت السلطان للحكم بانقلاب عسكري ورضيت بكل القرارات التعسفية لفصيل لمجرد اختلافي معه أيدولوجيًا! أنا شخص حاقد ومتكبر لا أستطيع الاعتراف أن ما حدث انقلاب، لا أستطيع منع نفسي من حرق مقرات هؤلاء الإسلاميين، ولكنني أجرؤ على التنظير والتفلسف بكل سهولة.
ما أجمل الاختلافات السياسية بين الأحزاب وما أقبح كراهية الأفكار! ما أجمل الثورات وما أقبح الانقلابات وأنصاف الثورات
أيها السلطان، لقد وافقت على اعتقالاتك وتصفيتك للإسلاميين ولكنني كنت أنتظر المشاركة في الحكم، لم أتوقع خوضك انتخابات الرئاسة، توقعتك ملاكًا بريئًا يخلصني من الإخوان ومن ثم يعطيني كرسي الحكم!
ضاق صدر السلطان فأخرج بعض من التيار المدني من جعبته ولكن بوحشية أقل، فخاف الباقون ولم يجدوا سوى الكتابة والمعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد فقدانهم للقوة الميدانية الحقيقية المتمثلة في الإسلاميين.
ما أجمل الاختلافات السياسية بين الأحزاب وما أقبح كراهية الأفكار! ما أجمل الثورات وما أقبح الانقلابات وأنصاف الثورات!
على قدر ما يخسر السلطان شعبية على الأرض، على قدر ما يكسب تأييد خارجي وخليجي ضخم، فاربطوا الأحزمة واستعدوا لحقبة جديدة من حِقب السلطان، وادعوا لمصر الخاضعة والراكعة للسلطان الأعظم.