اعتاد الحجاج الشيعة خلال توافدهم لإحياء ذكرى وفاة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، زيارة قبر الصحابي والخليفة الأموي “معاوية”، وسط العاصمة دمشق، للعنِهِ وقذف ضريحه بالحجارة، إذ
فجّرت مقاطع فيديو صادمة لزوار عراقيين شيعة يعتدون على قبر الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وهم يرددون أغنية طائفية “مفروض ع الناس حبك يا علي”، موجة من الغضب لدى السوريين وغيرهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتُظهر مشاهد المقطع المتداول – الذي لا يعد الأول من نوعه – زوارًا شيعة يدنسون قبر الصحابي معاوية في مقبرة “باب الصغير” بالعاصمة السورية دمشق، وقذف ضريحه بالأحذية والحجارة، الأمر الذي دفع المجلس الإسلامي السوري لإدانة هذه الممارسات “الطائفية الشيعية” التي ترتكبها المجموعات والميليشيات الإيرانية بحق قبور الصحابة والخلفاء في دمشق.
وجاء في بيان المجلس الإسلامي، أن “اعتداءات إيران وميليشياتها الطائفية الشيعية على المدن السورية، وخصوصًا مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية قد بلغت حدًا خطيرًا من خلال مظاهر الاعتداء على تاريخ دمشق الإسلامي وإهانة قبور الخلفاء المسلمين، وتوجيه اللعنات لأصحابها”.
وأكد البيان أن هذه “الممارسات الطائفية تتم في مناطق سيطرة العصابة الحاكمة لسورية تحت سمعها وبصرها بل بتواطئها مع نظام الولي الفقيه ضد سورية وتاريخها وشعبها، وأن تلك العصابة شريكة في هذا الإجرام الذي يمس السوريين والعرب والمسلمين جميعًا”.
ثقافة نبش القبور.. دوافع طائفية
كثيرًا ما وثّقت الكاميرات طوال سنوات النزاع السوري محاولات زوّار شيعة تحطيم السياج المحيط بالضريح المهمل قصدًا أو رمي أحجار وأحذية والتبول ووضع الأوساخ بمحيطه وداخل سوره والتفوه بألفاظ طائفية في المكان، ومن المعروف أنه يمنع على السوريين زيارته أو الاقتراب منه، كحال كنيس اليهود في جوبر والكنيس في حي اليهود، بينما سمح للشيعة بدخوله وتدنيسه أكثر من مرة مع القبور التي تحيط به.
ويحاول الإيرانيون شراء المنازل والأراضي المحيطة بالضريح بمبالغ خيالية في سبيل النيل من المقام والتسلل إليه وتدميره، مع العلم أن هناك اختلافًا في الروايات بمكان دفن معاوية بن أبي سفيان الحقيقي، فحسب مدونة “Born In Damascus”، أن للقبر ثلاثة أماكن محتملة: الأول بالقرب من دار الإمارة الخضراء، الموجودة على الجدار الجنوبي للجامع الأموي وشرقي قصر العظم الحالي.
والثاني في زاوية الهنود، جنوب شرقي الجامع الأموي (دون وجود ﺃﻱ ﺩﻟﻴﻞ ﻧﺼّﻲ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ)، والثالث بالقرب من جدار الجامع الأموي، في المكان الذي كان يجتمع فيه قرّاء القرآن السبعة.
ليس قبر الخليفة الأموي معاوية وحده الإشكالية لدى الشيعة، لا سيما الزائرين الإيرانيين والعراقيين، فقد أزالت سلطات النظام السوري في العام 2014 وبعد سنوات من التجييش الطائفي وكثأر مذهبي ضد الأكثرية السنية، قبر العالم ابن تيمية، الذي يعد رمزًا إسلاميًا، على عكس الشيعة الذين يكيلون العداء له، إذ قامت السلطات بإخفاء معالمه من مكانه في جامعة دمشق بحي البرامكة وسط دمشق.
وكانت المنطقة أساسًا مقبرة تم إخلاؤها لصالح بناء مشفى دار التوليد منذ الاحتلال الفرنسي، لكن تمت المحافظة على قبر ابن تيمية احترامًا لمكانته بين السوريين المسلمين، رغم محاولة الأسد الأب – حسب روايات متعددة – إزالته إبان حربه على الإخوان المسلمين، قبل تدخل الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز وطلبه من سفيره في سوريا زيارة القبر مع أعضاء من السفارة، ما أحرج سلطات دمشق وغضت النظر عن إزالته.
https://www.youtube.com/watch?v=7XCcHdsm6BQ&pp=ygUV2K3YsdioINin2YTZhdix2KfZgtiv
أواخر يناير/كانون الثاني 2020، برز سعار النداء الثأري والتحشيد الطائفي مجددًا، عقب سيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية لها على بلدة “الدير الشرقي”، جنوب شرق معرة النعمان بمسافة 30 كيلومترًا بريف إدلب، إذ انتشرت صور عدة تظهر تخريب وحرق ونبش ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز وزوجته فاطمة بنت عبد الملك، وخادم الضريح أبو زكريا بن يحيى المنصور، رغم أن الرواية التاريخية المعروفة تفيد بأن الخليفة عمر أوقف الشحناء بين بني أمية وبني هاشم، وقرّب منه محمّد الباقر الذي يعتبره الشيعة خامس أئمتهم المعصومين.
ما يعني أن الشيعة موقفهم واحد من جميع خلفاء بنى أمية الذين يستحضرون لعنهم في زيارات المراقد في سوريا التي يعتبرونها أموية خالصة بجغرافيتها، ويصورون قاطنيها من الأكثرية السنية على أنهم أحفاد بني أمية، في تحشيد دمويّ صارخ، للثأر منهم للحسين الذي حُمل رأسه إليها – وفق روايات مذهبية معينة – وسِيقت إليها نساء آل البيت الهاشمي كسبايا، وغير ذلك من الروايات التي طالما رددتها الحناجر الشيعية في مآتم الحسينيات ومواكب العزاء واللطميات الجماعية.
يرى الباحث في الشؤون الإيرانية، عمار جلو، أن إيران دينيًا، وبمذهبها الشيعي الاثنا عشري، تقوم على العيش في الماضي والتقوقع فيه، وعلى ذلك فهي تعتبر دخولها ونفوذها في سوريا، أمرًا حيويًا جدًا كونها حاضرة الدولة الأموية، وهي بذلك أيضًا تعتبر نفسها قد ثأرت من هذه الخلافة بنفوذها المهيمن أو المؤثر بقوة على حاضرة الدولة الأموية عمومًا.
مضيفًا في حديثه لـ”نون بوست”، أن نبش قبور الأمويين، يأتي كونه ثأرًا شخصيًّا منهم، مع ما يمكن استخدامه دعائيًا للتعبئة لمشروعها المذهبي لدى جمهورها المؤدلج، بالنصر الذي حققته في كلتا الحالتين: الأولى، سوريا ونبش قبور الأمويين، والثانية استخدام ذلك لاستقطاب المزيد من العناصر لميليشياتها المنفلتة.
“لن تسبى زينب مرتين”
منذ تدخل إيران إلى جانب نظام الأسد في حربه على السوريين، اتخذت شعار “لن تسبى زينب مرتين”، لتحفيز الميليشيات الشيعية للقتال في سوريا من أجل حماية مقام السيدة زينب بنت الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتحول الشعار الشهير “يا لثارات الحسين” إلى واقع عملي للظفر بعاصمة الأمويين، في إشارة إلى ترسيخ مزاعم محاولة السوريين (أحفاد الأمويين) عبر ثورتهم سبيَ زينب معنويًا، وهو المفتاح الذي فتحت فيه إيران أبواب ترسيخ هيمنتها، وصولًا إلى اهتمامها المكثف بالمراقد الشيعية المزعومة وما تسميه “العتبات المقدسة” وتشييد وترميم أضرحة ومزارات وهمية لرموز تساعدهم على اجتذاب الشيعة، وجعلها حجة للتمدد أكثر فأكثر، وتعزيز وجودها الإقليمي المتوغل في المجتمع السوري.
وهذه الدعاية الإيرانية “حماية المراقد والمزارات” هي ما ساهم بارتفاع وتيرة التطرف الشيعي الذي تبنّته فرق الموت الميليشيات الشيعية ضد السوريين، في مشهد مشابه تمامًا لتطرف تنظيم داعش في تدمير الأضرحة وتجريفها، فالطرفان المتشددان يعتبران في أيدلوجيتهما أن تدمير التراث الديني ونبش القبور جزء من القواعد المقدسة لامتدادهما وسلوكيات التغيير الجذري والتغول ضمن المجتمعات الجديدة.
وفق تقرير لمعهد واشنطن الأمريكي الذي تحدث عن التغلغل الإيراني في سوريا على مختلف الأصعدة، فإن “ترميم الأضرحة في سوريا هو المسعى الأبرز لدى إيران لاستكمال محاولات التشيع التي تقوم بها”، فيما ذكرت مجلة “فورين بوليسي” في مقال بعنوان “إيران تحاول تحويل سوريا إلى المذهب الشيعي”، أن “طهران أعادت ترميم الأضرحة القديمة، وشيّدت أضرحة جديدة لشخصيات شيعية، كما لو كانت تحاول إعادة كتابة التاريخ الديني لسوريا، ذات الأغلبية السنية، والتي كان فيها عدد قليل جدًا من الشيعة قبل الحرب”.
وتدّعي إيران – التي تعتبر كتاب “مشاهد ومزارات ومقامات آل البيت عليهم السلام في سوريا”، لرجل الدين الشيعي هاشم عثمان، من المراجع المعتمدة لديها -، أن عدد “مشاهد آل البيت” في سورية يناهز الـ50 ما بين مزارات أو مقامات أو أضرحة: 12 مشهدًا ومزارًا منها لعلي بن أبي طالب، و7 للحسين بن علي، و4 للإمام زين العابدين بن الحسين، بالإضافة إلى مقامات أخرى لأغلب أبناء الحسين بن علي وأحفاده، وفي دمشق وحدها 20 مشهدًا شيعيًا و7 مشاهد في حلب و4 في اللاذقية وحماة، وفي حمص 3، و11 في مدن الجزيرة.
وأهم هذه المراقد: ضريح السيدة زينب (جنوب شرق دمشق) – ضريح السيدة رقية بنت الحسين (بدمشق القديمة) – رأس الحسين في الجامع الأموي – مقبرة باب الصغير حيث تضم عددًا كبيرًا من آل بيت كضريح السيدة سكينة بنت الحسين – قبر حجر بن عدي الذي يقع في بلدة عدرا (بريف دمشق) – مقام زين العابدين في الرقة – مقام عمار بن ياسر أو أويس القرني في الرقة – مقام صفين – مشهد الحسين أو مسجد النقطة في حلب.
إلا أن أغلب هذه المزارات والمقامات هي من ابتداع فقهاء المذهب الشيعي، كمقام السيدة سكينة في مدينة داريا، ومقامات لقبور صحابة علي في منطقة الجبل عند مدخل دير الزور الجنوبي والتي لا يتجاوز عمرها المئة عام، بالإضافة إلى استحداث حسينية في بادية القورية، بريف دير الزور الشرقي، مستغلة وجود نبع ماء يسمى “عين علي” لتصوير المكان على أنه أثر شيعي مقدس، وقد استحدثت هذه المزارات مؤخرًا وتجاوز اهتمام الإيرانيين إلى المآذن والأبواب والواجهات وتذهيب قباب المقامات والمداخل بتكاليف مرتفعة جدًا، لإيهام الزائر بقدسيتها وأهميتها وقدمها.
“المراقد” مرتع الخرافة والغيبيات
من المعروف أن المجتمع الإيراني الشيعي المغالي شديد التعلق بالمزارات، فالرؤية الشيعية تری في تشييد المزارات موقعًا للتقرب إلی الله، إذ يتم قصدها بهدف التبرك لما لأصحابها من كرامات وأفعال خارقة للعادة توصف بالمعجزات لا تختلف عما يُنسب للأنبياء، حسب الاعتقادات الشيعية.
وحسب مؤسسة الأوقاف والشؤون الخيرية الإيرانية، فإن هناك 11 ألف ضريح داخل البلاد، ويحيط بهذه المزارات الكثير من الجدل والشكوك نتيجة ازديادها بنحو سبعة أضعاف، ففي العام 1979 كان عدد القبور يصل إلى 1500، منهم النبي والولي والإمام والصحابي والعالم والشاعر والحاكم والسيّد، والأخير هو لقب يطلق علی أحفاد آل البيت وأئمة الشيعة الاثني عشر، ويخصّص لتلك المراقد والقبور ميزانيات ضخمة خارجة عن الرقابة ولا علاقة للبنك المركزي الإيراني والصندوق القومي بها.
ومما لا شك به، أن الخرافة والغيبيات هي مادة واقعية لتلك الأضرحة والمزارات لتكبيل الزوار الشيعة وخدمة المشروع التوسعي، ولا تنتهي الخرافة الإيرانية عند الأضرحة المصطنعة، بل تتواصل مع آثار الأقدام الوهمية، كآثار قدم الإمام الثامن “علي بن موسى الرضا” التي بقيت شاخصة في التراب رغم أنه مر عليها أكثر من 1200 عام وفقًا لرواية إيرانية.
حسب الباحث جلو، فإن “المذهب الشيعي الاثنا عشري الحالي، هو امتداد للتحول الكبير في المذهب والذي جرى بداية القرن السادس عشر عند تأسيس الدولة الصفوية على أساس ديني مذهبي بحت، استقى كثيرًا من طقوسه من التيارات والمذاهب الصوفية، التي كانت مسيطرة حينها في بلاد فارس، بين القبائل التركية وجماعات القزلباش المهيمنة على أعمدة السلطة حينها”.
مشيرًا إلى أنه “من المعلوم للجميع قيمة ووزن الأضرحة وسواها من الشعائر، التي منها ما هو شركي، لدى تيارات الصوفية، وعليه اندمج المذهب الندبي المستكين مع التيارات الصوفية التي تنظر للحجر والبشر كمؤثرات وخوارق قد تفعل ما يفعله الإله، وباعتبار أننا نتحدث عن جغرافية العراق والشام وامتدادهما، وهما حاضرتا الأمويين والعباسيين، فبإمكان أي شخص أن يدعي وجود أثر لآل البيت، التي يزعم الاثنا عشرية محبتهم، سواء شربة ماء أم نقطة دم أم طريق مشوا عليه أم حتى عثرة بغلة ركبوها، ليجعلوها مكانًا مقدسًا ومسمار جحا لهم في تلك البقعة، وليوجهوا أنظار جمهورهم إليه، وهو الأهم، ومن ثم استخدام هذا التوجه مع اعتماد الأساطير والخرافات والتعلق بالغيبيات لأغراض تخدم مشروع الهيمنة السياسية لإيران في المنطقة”.
ويبدو أن ثالوث الهيمنة الإيرانية “الخرافة والغيبيات والمراقد” هو رأس مال المنظومة الإيرانية في مشروعها التوسعي والتغيير الديمغرافي وفرض التشيع، بعد استهداف الرموز الدينية المادية المرتبطة بالسنة لا سيما في عاصمة الأمويين دمشق والتي تتحول يومًا بعد يوم إلى مدينة فارسية شيعية غريبة عن محيطها العربي وحتى غريبة عن أبنائها وتاريخها.