ترجمة وتحرير: نون بوست
في مقال نشرته مجلة نيويوركر بعد خمسة أيام من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كتبت الناقدة والمثقفة الأمريكية سوزان سونتاغ: “دعونا نحزن معًا بكل الوسائل، لكن دعونا لا نكن أغبياء معًا. قد تساعدنا بعض أجزاء الوعي التاريخي في فهم ما حدث للتو، وما قد يستمر في الحدوث”. مثلت رغبة سونتاغ في وضع هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في سياقها تحديًا فوريًا للسرديات التي كان لينشرها الرئيس جورج دبليو بوش قريبًا لتصوير الولايات المتحدة كدولة سلام، والأهم من ذلك، أنها بريئة من أي مخالفات.
وفي حين أن الاستراتيجيات الخطابية التي طورها لتبرير ما أصبح يعرف باسم “الحرب العالمية على الإرهاب” لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، إلا أنه لم تتبناها إسرائيل بفارغ الصبر في سنة 2001 فحسب؛ بل إنها تكمن أيضًا في قلب تبرير حملة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
في 20 أيلول/ سبتمبر 2001، ألقى الرئيس بوش خطابًا أمام الكونغرس شارك فيه قصة تم صياغتها بعناية من شأنها أن تبرر حربًا لا نهاية لها. قال إن الولايات المتحدة تعرّضت للهجوم لأن الإرهابيين “يكرهون حرياتنا – حريتنا الدينية، وحرية التعبير، وحريتنا في التصويت والتجمّع والاختلاف مع بعضنا البعض”. وفي رده الرسمي على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، استخدم أيضًا عبارة “الحرب على الإرهاب” لأول مرة، قائلًا (بشكل ينذر بالسوء للغاية في وقت لاحق): “إن حربنا على الإرهاب تبدأ مع تنظيم القاعدة، ولكنها لا تنتهي عند هذا الحد. ولن ينتهي الأمر حتى يتم العثور على كل جماعة إرهابية ذات امتداد عالمي وإيقافها وهزيمتها”.
وتابع: “الأمريكيون يتساءلون: لماذا يكرهوننا؟” ثم قدم إطارًا لفهم دوافع “الإرهابيين” مستبعدًا احتمال أن تكون التصرفات الأمريكية قبل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر قد فسرت الهجمات بأي شكل من الأشكال. بعبارة أخرى، وضع بلاده في موقع الضحية البريئة التي دُفعت دون سابق إنذار إلى “عالم ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر”. وعلى حد تعبير بوش: “لقد انهال علينا كل هذا في يوم واحد، وحل الليل على عالم مختلف، عالم حيث تتعرض الحرية ذاتها للهجوم”. وكما لاحظ الباحث ريتشارد جاكسون في وقت لاحق، فإن استخدام الرئيس لعبارة “حربنا على الإرهاب” يشكل “خطابًا عامًا صيغ بعناية شديدة وبشكل متعمد.. ومصمم خصيصًا لجعل الحرب تبدو معقولة، ومسؤولة، وجيدة بطبيعتها”.
معركتكم هي معركتنا
في اليوم التالي لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ألقى رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون خطابًا متلفزًا للإسرائيليين، قائلاً إن “الحرب ضد الإرهاب هي كفاح دولي للعالم الحر ضد قوى الظلام التي تسعى إلى تدمير حريتنا وأسلوب حياتنا. معًا يمكننا هزيمة قوى الشر هذه”. بعبارة أخرى، عرض شارون معركة إسرائيل بنفس المصطلحات الثنائية التي استخدمها الرئيس الأمريكي فيما بعد، وهي إطار الخير مقابل الشر، كوسيلة لرفض أي تفسيرات بديلة لتلك الاعتداءات على البنتاغون ومركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك التي أسفرت عن مقتل ما يقارب 3000 شخص. وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر من هذه السنة، رد شارون على هجوم وقع في القدس على يد فدائيين فلسطينيين بقول إنه سوف يشن “حربه على الإرهاب… بكل الوسائل المتاحة لنا”.
في يوم خطاب بوش في 20 أيلول/ سبتمبر، استفاد بنيامين نتنياهو، الذي كان يعمل آنذاك في القطاع الخاص بعد أن شغل مناصب مختلفة داخل الحكومة الإسرائيلية، من رواية الرئيس من خلال التأكيد على دعم إسرائيل المتحمس للولايات المتحدة. وفي بيان تم تقديمه إلى لجنة الإصلاح الحكومي بمجلس النواب، أكّد التزام بلاده بمحاربة الإرهاب، وقال نتنياهو: “أنا متأكد من أنني أتحدث نيابة عن أمتي بأكملها عندما أقول اليوم، إننا جميعًا أمريكيون – في الحزن كما هو الحال في التحدي”.
تكرر سيناريو “9/11” في إسرائيل
مثلما أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر “لم تتحدث عن نفسها”، كذلك الحال بالنسبة لهجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكن في تصريحاته في اجتماع ثنائي مع الرئيس بايدن بعد 11 يومًا، قارن رئيس الوزراء نتنياهو بشكل استراتيجي بين هجمات حماس وهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، باستخدام مصطلحات رنانة للأمريكيين سمحت لإسرائيل أيضًا بادعاء براءتها الكاملة، كما فعلت الولايات المتحدة قبل 22 سنة. في هذا السياق، قال نتنياهو: “في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قتلت حماس 1400 إسرائيلي، وربما أكثر. وهذا في بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين نسمة. وهذا يعادل مقتل أكثر من 50 ألف أمريكي في يوم واحد. هذا يزيد بـ 20 مرة عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر. ولهذا السبب فإن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر هو يوم عار آخر سيخلّد”.
لكن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ليست عارًا لأنها تسببت في أضرار طويلة الأمد أو نهائية للولايات المتحدة، أو لأنها تجاوزت بكثير نطاق أعمال العنف الجماعي الأخرى، وإنما لأنها جعلت “الأمريكيين ضحايا الإرهاب، وليس الجناة“، وبسبب الطريقة التي صورها بها قادة البلاد على أنها تضحية فريدة واستثنائية. وكما قال جاكسون، فإن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر “تم تصنيفها على الفور باعتبارها الرمز الأهم للمعاناة الأمريكية”. إن القدرة على إعادة إنتاج تلك الرواية إلى ما لا نهاية، مع تحويل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر إلى تاريخ يتجاوز الزمن نفسه، كانت بمثابة درس قوي لإسرائيل في كيفية استخدام المعاناة والتهديد الوجودي المنتشر في كل مكان كسلاح لإضفاء الشرعية على التدخلات العنيفة في المستقبل. ومن خلال تأطير هجمات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على نحو مماثل باعتبارها رمزًا للمعاناة القصوى والتهديد الوجودي، تستطيع إسرائيل أن تفعل الشيء نفسه.
لمنح إسرائيل ترخيصًا إضافيًا لممارسة عنف الدولة غير المقيد تحت ستار الحرب على الإرهاب، صرّح الرئيس بايدن في تصريحات له في تل أبيب بأنه “منذ وقوع هذا الهجوم الإرهابي… رأيناه يوصف بأنه حدث 9/11 الإسرائيلي. لكن بالنسبة لدولة بحجم إسرائيل، فإن هذا حدث يعادل 9/11 بـ 15 ضعف. قد يكون الحجم مختلفًا، لكنني متأكد من أن تلك الفظائع قد استغلت… نوعًا من الشعور البدائي في إسرائيل، تمامًا كما حدث في الولايات المتحدة”.
وبينما سارعت إسرائيل إلى نشر خطاب الحرب على الإرهاب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وبعده، فإن استخدام لغة الإرهاب كسلاح لم يكن في حد ذاته أمرًا جديدًا. فعلى سبيل المثال، في سنة 1986، قام بنيامين نتنياهو بتحرير والمساهمة في مجموعة من المقالات بعنوان “الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر”، التي تناولت موضوعات مشابهة لتلك المنسوجة في رواية الحرب الأمريكية على الإرهاب. ومع ذلك، في الرد على هجمات حماس، كانت استراتيجية إسرائيل الخطابية تتمثل في الاستفادة من المعاني التي روجتها الولايات المتحدة ونشرتها حول هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وربط نفسها بها.
هجمات “مفاجئة”
تكثفت قوة هذا “الشعور البدائي” من خلال الطريقة التي تظاهرت بها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بـ “التفاجئ” بشأن استهدافها، على الرغم من وجود أدلة على تهديدات وشيكة كانت كل منهما مطلعة عليها. وتضمنت هذه الأدلة الموجز اليومي للرئيس الذي تلقاه بوش في 6 آب/ أغسطس 2001، بعنوان “بن لادن مصمم على مهاجمة الولايات المتحدة“، وحيازة مسؤولين إسرائيليين لوثيقة خطة معركة حماس التي تتضمن تفاصيل الهجوم المحتمل قبل سنة من وقوعه.
وكما أشار بوش إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر باعتبارها مفاجأة، على الرغم من مرور عدة سنوات على الصراع مع تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن (الذي ذكر بوضوح أن العنف الذي تمارسه الولايات المتحدة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة كان الدافع وراء الهجمات)، ادعى نتنياهو نفس الشيء بعد هجمات حماس، متجاهلا قبضة إسرائيل الخانقة منذ فترة طويلة على غزة (والمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية). وأكد نتنياهو مخاطبًا المواطنين الإسرائيليين يوم الهجوم: “نحن في حالة حرب، ليس في عملية أو جولات، ولكن في حرب. هذا الصباح، شنت حماس هجومًا قاتلًا مفاجئًا ضد دولة إسرائيل ومواطنيها”.
صاغت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل حروبهما الوحشية وردود أفعالهما المفرطة على أنها إجراءات ضرورية من خلال تصوير الإرهاب كخطر جسيم لا مثيل له ولا يمكن التنبؤ به. والأمر الأكثر إشكالية هو أن كليهما حاول التهرب من المساءلة عن أفعالهما المستقبلية من خلال وصف نفسيهما بأنهما مكرهان على خوض الحروب التي شناها بعد ذلك. وقد أكد نتنياهو بشكل اعتيادي في 30 تشرين الأول/أكتوبر، أنه “منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إسرائيل في حالة حرب، إسرائيل لم تبدأ هذه الحرب، إسرائيل لم تكن تريد هذه الحرب، لكن إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب”.
تهدف كل هذه التكتيكات إلى خلق وإدامة “مجموعة ضيقة للغاية من «الحقائق السياسية» (أو بالأحرى الأكاذيب). وسواء كانت هذه “الحقائق” متأصلة في الوعي العام من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن المقصود منها تحديد من هم “الإرهابيون” (ليس نحن بالطبع)، وطبيعتهم غير العقلانية والهمجية وغير المتحضرة، وبالتالي تبرير ضرورة التدخل – حرب واسعة النطاق. وكان الهدف الخطابي الإضافي هو وضع السردية السائدة، سواء كانت أمريكية أو إسرائيلية، باعتبارها “تفسيرًا طبيعيًا” للواقع، وليس تفسيرًا مختلَقا.
اعتمدت إسرائيل على مثل هذا الإطار للترويج المستمر لسرد غير سياسي لحماس يرتكز على أي أعمال عنف تُرتكب في معارضة أساسية وغير عقلانية لدولة إسرائيل والكراهية المتأصلة للشعب اليهودي مقابل نظام الاحتلال والفصل العنصري القائم منذ فترة طويلة والإبادة الجماعية للفلسطينيين الآن. وبطبيعة الحال، يتم تصوير حماس وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية دائمًا على أنها “مدفوعة بالتعصب”، كما لاحظ سكوت بوينتنغ وديفيد وايت، في حين يتم تقديم عنف الدولة، على النقيض من ذلك، على أنه دفاعي ومسؤول وعقلاني ولا مفر منه ولا يمكن تجنبه، وليس مدفوعا بتحيز أيديولوجي أو خيار سياسي معين.
خطر الإرهاب والمعادلات الأخلاقية
استُخدم العنف الإرهابي في هذه السنوات بشكل منتظم في خدمة عنف الدولة، من خلال تصوير التهديد الذي يشكله بأنه خطير بشكل لا يمكن تصوره. وقد صوّرت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الإرهاب باعتباره “كارثة على الديمقراطية والحرية والحضارة وأسلوب الحياة الأميركي (أو الإسرائيلي)”، و”تهديدا مكافئا للنازية والشيوعية”.
وكما فعل بوش في حجته بأن مهاجمي 11 أيلول/سبتمبر كانوا “ورثة لكل الأيديولوجيات القاتلة في القرن العشرين” وأنهم “يتبعون طريق الفاشية والنازية والشمولية”، حثّ نتنياهو على تعبئة البلدان في جميع أنحاء العالم للقضاء على حماس على أساس مماثل. وتحقيقًا لهذه الغاية، أكد أنه “مثلما اتحد العالم المتحضر لهزيمة النازيين واتحد لهزيمة تنظيم الدولة، يجب على العالم المتحضر أن يتحد لهزيمة حماس”.
عادة ما يصوّر المسؤولون الأمريكيون العنف الأمريكي باعتباره دالة على الخير والتفوق المتأصل في البلاد. ففي أيلول/سبتمبر 2006، مثلا، قال بوش في مؤتمر صحفي ردًا على الانتقادات للأساس الأخلاقي للحرب على الإرهاب: “إذا كانت هناك أية مقارنة بين تعاطف الشعب الأمريكي وأخلاقه والتكتيكات الإرهابية التي يستخدمها المتطرفون، فهذا منطق معيب… وأنا ببساطة لا أستطيع قبول ذلك. من غير المقبول الاعتقاد بأن هناك أي نوع من المقارنة بين سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وتصرفات المتطرفين الإسلاميين الذين يقتلون النساء والأطفال الأبرياء لتحقيق هدف ما”.
بحلول الوقت الذي أدلى فيه بوش بهذه التصريحات، كانت عمليات الغزو والحروب في كل من أفغانستان والعراق، فضلاً عن عمليات “مكافحة الإرهاب” الأخرى في جميع أنحاء العالم، جارية منذ سنوات. وبالنظر إلى العدد المذهل من المدنيين الذين قُتلوا بالفعل، فإن رسم خط فاصل بين الولايات المتحدة و”المتطرفين الإسلاميين” على أساس ذبح النساء والأطفال الأبرياء لم يكن ممكنًا (على الرغم من أنه عندما يتعلق الأمر بمن قُتلوا على يد الأميركيين، كان المصطلح المهين للإنسانية آنذاك هو “الأضرار الجانبية”).
في موقف غير مستغرب من استخدام لغة المعادلات الأخلاقية كسلاح، سلط نتنياهو الضوء مرارًا وتكرارًا على ضحايا هجمات حماس من أجل تمييزهم عن الهجمات الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، وصف حماس بأنها “عدو يقتل الأطفال والأمهات في بيوتهم وفي أسرّتهم، عدو يخطف كبار السن والأطفال والشباب، قتلة يذبحون مواطنينا وأطفالنا الذين أرادوا فقط الاستمتاع بالعيد”. ولكن مثل الولايات المتحدة، قتلت إسرائيل النساء والأطفال على نطاق أوسع من الجهات الفاعلة غير الحكومية التي كانوا يقارنون عنفهم بها بشكل لافت للنظر. وفي الواقع، يُعتقد أن إسرائيل قتلت في الأيام المائة الأخيرة من الحرب أكثر من عشرة آلاف طفل (وهذه الحصيلة مرشّحة للارتفاع إذا أضفنا الأطفال الذين من المرجح أن يموتوا الآن من الجوع والمرض في غزة المدمرة).
الطيور على أشكالها تقع
بعد أسبوع من هجمات حماس، قال بايدن في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض: “هؤلاء الرجال إنهم يجعلون القاعدة تبدو نقية، إنهم أشرار خالصون”. ثم بعد ما يقارب ثلاثة أسابيع من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، أكد نتنياهو في لقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده تخوض “معركة” ضد “محور الشر بقيادة إيران وحزب الله وحماس والحوثيين وأتباعهم”. وقبل أكثر من عقدين من الزمان، كان الرئيس جورج دبليو بوش قد تلفظ بكلمات مماثلة، في إشارة إلى إيران والعراق وكوريا الشمالية باعتبارهم “محور الشر”، الذي كان “يتسلح لتهديد السلام في العالم”.
في كل حالة، كان المقصود من “الشر” الذي كانوا يشيرون إليه هو إيصال الرغبة المتأصلة والفطرية في العنف والدمار، بغض النظر عن تصرفات الولايات المتحدة أو إسرائيل، وكما يقول المثل، الشر هو ما يظهر كالشر.
وكما لاحظت الباحثة جوان إيش: “إذا كانوا يكرهوننا بسبب هويتنا وليس بسبب ما نفعله، فلن نتمكن من تحقيق أي مكاسب من إعادة النظر في سياساتنا”. بعبارة أخرى، بغض النظر عما نفعله، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تستطيعان الإصرار على مستوى من التفوق الأخلاقي في خوض مثل هذه المعارك باعتبارها إرهاصات الخير، وصحيح إن الحرب الأميركية الشاملة ضد الإرهاب، التي تم وضعها باعتبارها معركة بين الخير والشر، اكتسبت لبعض الوقت نوعًا من “الموافقة الإلهية” التي استخدمتها إسرائيل كمخطط أولي.
وردًا على الشكوى الأخيرة التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، غرد رئيس الوزراء نتنياهو قائلاً إن بلاده ستواصل حربها في غزة إلى أن تنتهي، كما أشار إلى اجتماع عقده مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حيث قال له: “هذه ليست حربنا فقط، إنها حربكم أيضًا”.
إذا كانت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بدعم من الولايات المتحدة قد كشفت أي شيء عن قوة الخطاب، فهو أن سردية الحرب على الإرهاب أثبتت أنها مستمرة بشكل ملحوظ، وقد مكّن هذا كلا الدولتين من الاستفادة من مخططات محددة تم إنشاؤها ونشرها في واشنطن لتفسير هجمات 11 أيلول/سبتمبر، والآن لتبرير حرب إبادة جماعية في عالم يُنظر فيه إلى “الإرهاب” باعتباره تهديدًا أبديًا لـ “الديمقراطيات الليبرالية”.
في كتابه “السردية وصناعة الأمن القومي الأمريكي“، يزعم دونالد كريبس أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة، فإن اللغة “لا تتنافس مع سياسة القوة ولا تكملها بل إنها سياسة القوة”. وفي هذا السياق، يظل من المهم تخريب مثل هذه الروايات المدمرة والمنتشرة حتى لا تتمكن دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل من الحفاظ على حكم “السياسة الميتة” محليًا أو عالميًا، التي هي على حد تعبير المؤرخ الكاميروني والمنظر السياسي أشيل ميمبي: “القوة والقدرة على إملاء من ينبغي أن يعيش ومن يجب أن يموت”.
المصدر: ذا نيشن