ترجمة وتحرير نون بوست
عندما قاد المشير عبد الفتاح السيسي انقلابه ضد الرئيس، محمد مرسي، المنتخب ديمقراطيا في الثالث من تموز/يوليو سنة 2013، ادعت المملكة المتحدة آنذاك الحياد. في المقابل، لم يكن ذلك الموقف مقنعا البتة، حيث لم تتوان المملكة المتحدة عن تأييد الانقلاب ضمنيا. وفي هذا الصدد، لم يتجرأ رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون أو أحد وزرائه على الإطلاق على تسمية استيلاء السيسي على السلطة بما هو عليه فعلا، أي بالانقلاب.
في الأثناء، سرعان ما شرعت المملكة المتحدة في تزويد نظام السيسي الاستبدادي بالأسلحة. وبعد مرور أكثر من سنتين، أدى السيسي زيارة رسمية إلى لندن للقاء كاميرون. ومع ذلك، لم يخل النهج البريطاني المتبع مع الحكومة العسكرية المصرية من عنصر الحذر الذي تم الاستغناء عنه، في الوقت الراهن.
خلال زيارته إلى مصر الأسبوع الماضي، أكد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، على احتضانه لنظام السيسي. فضلا عن ذلك، أعلن بيرت عن معارضة بريطانيا لجماعة الإخوان المسلمين وازدراءها لها، بطريقة لم يسبق أن بدرت من قبل وزير بريطاني من قبل. وفي الأثناء، تعمد بيرت بعث رسالة عن جماعة الإخوان المسلمين، كانت مدروسة بشكل دقيق، ليس لإسعاد الحكومة العسكرية المصرية فحسب بل أيضا السعودية وحلفائها الخليجيين.
“وضع حدّ لهذا الغموض”
ضمن مقالة بارزة صادرة عن صحيفة “الأهرام” المصرية، وهي عضو مؤسساتي قريب من النظام، خصص بيرت جزءا كبيرا منها لشن هجوم ساحق على جماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الإطار، هاجم الوزير البريطاني الجماعة من منطلق علاقتها بالإرهاب مؤكدا على أن المملكة المتحدة فرضت حظرا تاما فيما يتعلق بأي اتصال مع المنظمة منذ سنة 2013. وفي هذا الصدد، أكد بيرت أن “الوقت قد حان لكل من يدافع عن الإخوان في لندن أو القاهرة، حتى يضع حدا لهذا الالتباس والغموض”.
توجه جديد في السياسة البريطانية فيما يتعلق بتعاطيها مع الإرهاب ومختلف تهديداته، فضلا عن تبنّي موقف جديد من جهة نظر البريطانيين تجاه الإخوان المسلمين
مما لا يثير الدهشة أن تصريحات أليستر بيرت قد لاقت ترحيبا كبيرا من قبل القاهرة، حيث اعتبرت بمثابة عامل لإضفاء الشرعية على نظام، لا يزال الكثيرون يعتبرونه غير قانوني. علاوة على ذلك، أعطت تصريحات بيرت السيسي الضوء الأخضر لمواصلة قمعه الوحشي للإخوان المسلمين. وقد تجلى ذلك من خلال تسليط شخصيات مؤيدة للحكومة المصرية الضوء على مقاله، على اعتباره تبريرا لسياسات السيسي الوحشية.
وفقا لما أفاد به أحد الصحفيين المعروفين في القاهرة، عبد اللطيف المناوي، كان بيرت بصدد فتح طريق جديد أمام السلطة المصرية للمضي قدما في سياستها القمعية. وقد كتب المناوي مقالا نشرته “عرب نيوز” يوم الاثنين تحت عنوان “حتى لا تتملكُكم الأوهام بشأن الإخوان”، وهو ترجمة لمقاله باللغة العربية في صحيفة “المصري اليوم” بتاريخ 23 من آب/أغسطس الماضي. وفي هذا السياق، قال المناوي لقرائه: “أعتقد أن هذا الأمر يعد بمثابة تطور كبير على مستوى الرؤية البريطانية لهذه المسألة، علما وأنه يجب أن نبني عليها مختلف مواقفنا”. وأوضح المناوي أن مقال أليستر بيرت جاء على خلفية إحاطات محلية أمدّه بها السفير البريطاني في القاهرة، جون كاسون.
السفير البريطاني في مصر، جون كاسون، يتحدث للصحفيين في مطار شرم الشيخ خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2015.
وفقا لما ورد على لسان المناوي، كان جون كاسون يتحدث عن “توجه جديد في السياسة البريطانية فيما يتعلق بتعاطيها مع الإرهاب ومختلف تهديداته، فضلا عن تبنّي موقف جديد من جهة نظر البريطانيين تجاه الإخوان المسلمين”. وإذا ما صحّ ما قاله المناوي، فإن تصريحات بيرت لم تأت من العدم، حيث تم اعدادها بعناية، وينبغي النظر إليها على اعتبارها جزءا من الاستراتيجية البريطانية الجديدة تجاه مصر والعالم العربي.
ماذا عن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان؟
ضمن مقاله لصحيفة “الأهرام”، قال أليستر بيرت إن “الحرب ضد الإرهاب التي تقودها بريطانيا تتم في إطار متين يحمي حقوق الإنسان”. في المقابل، غاب عن مقال بيرت أي ذكر لجميع انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام السيسي. ووفقا لما ورد في تقرير صدر السنة المنصرمة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، يقبع حوالي 60 ألف من السجناء والمعتقلين السياسيين في السجون المصرية. ومما لا شك فيه أن مؤيدي الرئيس السابق، محمد مرسي، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين لهم نصيب الأسد من عدد السجناء، حيث أعلنت الجماعة أن 29 ألف من أعضائها هم رهن الاعتقال.
سجين يخضع للمحاكمة في القاهرة.
من جانبها، أفادت لجنة حماية الصحفيين سنة 2016، أن مصر تحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد الصحفيين المسجونين، في حين تتربع كل من تركيا والصين على رأس القائمة. وفي السياق ذاته، أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن ضباط جهاز الأمن القومي المصري يمتلكون سجلا حافلا من ممارسات التعذيب فضلا عن الاختفاء القسري للمشتبه بهم بشكل منتظم، في حين نادرا ما يتعرضون لأي مسائلات قانونية في الصدد.
في المقابل، تجلى بوضوح فشل أليستر بيرت في التطرق لأي من هذه المسائل الخطيرة بشكل كبير والمتعلقة بحقوق الإنسان، وهو ما لا يقل أهمية عن ربط بيرت بين المعركة البريطانية الداخلية ضد الإرهاب بالحرب المصرية ضد الإرهاب. وقد وصل الأمر ببيرت إلى حد القول إنه لا فرق يُذكر بين النضال البريطاني الداخلي ضد الإرهابيين والمعركة غير القانونية التي شنها الرئيس السيسي ضد الإخوان المسلمين في مصر.
في الواقع، أعلن أليستر بيرت أن المملكة المتحدة ومصر “تخوضان حربهما ضد الإرهاب منذ أكثر من 40 سنة”. ويعد هذا البيان مضللا، حيث ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن التهديد الإرهابي في بريطانيا مصدره الأساسي تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة والمتطرفين العنصريين التابعين لليمين المتطرف على حد سواء. والجدير بالذكر أن هذه الجماعات تتسم بالعدمية والعنف، كما تعادي الديمقراطية وسيادة القانون في حين تلتزم بشكل كامل بالعنف والتدمير الوحشي، وهو ما لا ينطبق قطعا على الإخوان المسلمين المصريين.
عالم من الاختلاف
ينبغي على كل من أليستر بيرت وجون كاسون أن يعلما أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية ظلت متمسكة بأساليب سياسية سلمية لأكثر من أربعة عقود، فضلا عن أنها أبت أن تلجأ إلى العنف منذ الاستيلاء العسكري على السلطة قبل أربعة سنوات. من جانبها، تدرك وزارة الخارجية البريطانية جيدا أن هناك فرقا شاسعا بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة وبين الإخوان المسلمين، كما أنها تعلم جيدا أن جماعة الإخوان المسلمين لا تروج للعنف. بالإضافة إلى ذلك، تعي الخارجية البريطانية أن الدكتاتوريين أمثال السيسي يكرهون الإخوان ليس على خلفية ممارستهم للعنف بل لأنهم يمثلون معارضة ديمقراطية للدكتاتورية.
لقد باتت المملكة المتحدة، في الوقت الراهن، إحدى الدول القليلة في العالم التي حظرت، على جميع الأصعدة، أي اتصال مع جماعة الإخوان منذ سنة 2013″
في هذه المرحلة، لا يسعنا سوى الاستشهاد باقتباس مطول من مقال أليستر بيرت لإظهار العداء الجديد الطاغي على اللهجة البريطانية تجاه الإخوان المسلمين، حيث قال: “سنفرض رقابة صارمة على سلوك الإخوان المسلمين ونشاطاتهم بما في ذلك طلبات الحصول على التأشيرة، بالإضافة إلى مصدر تمويل المنظمات الخيرية وعلاقاتهم مع المنظمات الدولية. لقد باتت المملكة المتحدة، في الوقت الراهن، إحدى الدول القليلة في العالم التي حظرت، على جميع الأصعدة، أي اتصال مع جماعة الإخوان منذ سنة 2013”.
وأضاف بيرت أنه “من خلال مراقبتنا لأنشطة الإخوان حول العالم، بات من الواضح أن هذه الحركة توظف سمة الغموض لإخفاء أجندتها المتطرفة في مصر. في الحقيقة، لا تزال هذه التكتيكات المراوغة، التي اعتمدتها المنظمة والتي تفطن إليها من أعدّوا تقرير سنة 2015، تُستخدم خلال سنة 2017. لقد حان الوقت لكل من يدافع عن الإخوان في لندن أو القاهرة أن يضع حدا لهذا الالتباس والغموض”.
في السياق ذاته، أورد بيرت أن “كل ما ذكر آنفا من شأنه أن يدفعنا إلى طرح سؤال على كل من يدعم الإخوان ألا وهو: هل ستتجاهل حقيقة أن الإخوان المسلمين فشلوا في واحدة من أكبر التحديات اليوم؟ أم هل تفضل الانضمام إلى المملكة المتحدة ومصر في إدانة هذه الأيديولوجية المتطرفة السامة حيث وُجدت؟”.
استرضاء الطغاة
عموما، يظل السؤال المطروح: لماذا أقر أليستر بيرت بمثل هذه التصريحات؟ وفي هذا الإطار، كنت قد اتصلت بوزارة الخارجية البريطانية لمعرفة ما إذا كان مقال بيرت، علاوة على إحاطات جون كاسون، تشير إلى تغير على صعيد السياسة الخارجية البريطانية إزاء مكافحة الإرهاب والإخوان المسلمين. وردا على تساؤلاتي، أحالني مسؤول إلى جواب الحكومة الصادر خلال شهر شباط/فبراير الماضي، على التحقيق الذي أجرته لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني خلال السنة المنصرمة حول المراجعة المتعلقة بالإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
من هذا المنطلق، أفاد المسؤول أن الهدف من مقال أليستر بيرت تمثل في “إيضاح أن المملكة المتحدة صارمة تجاه التطرف وستزداد صرامة كما كنا قد أعلنا في سنة 2015 (إبان صدور التقرير المتعلق بالإخوان المسلمين). ويشمل ذلك تحدّي كافة الجماعات بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، إذا ما تعارض منهجها مع قيمنا ومصالحنا”. وأضاف المسؤول أن المقال “يعد مثالا على أن النهج البريطاني يعتبر الأكثر استباقية مقارنة بالدول الغربية الأخرى”. ولكن ماذا بشأن إحاطات كاسون؟ إنها تستند على المواقف ذاتها.
السيسي يودع العاهل السعودي، الملك سلمان، في مطار القاهرة الدولي في نيسان/أبريل سنة 2016.
ختاما، دعوني أحل لكم لغز كل ما سبق ذكره. من جانبي، أعتقد أن المملكة المتحدة شرعت في انتهاج إستراتيجية جديدة قائمة على استرضاء الطغاة العرب. وقد بعثت تصريحات أليستر بيرت في القاهرة خلال الأسبوع الماضي رسالة إلى الديمقراطيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط مفادها أن المملكة المتحدة لن تدعمهم.
بالتالي، يؤكد الموقف البريطاني ادعاءات تنظيم القاعدة القائلة إن الغرب يدّعي دعمه للديمقراطية في المنطقة إلا أن ذلك ليس سوى ضرب من النفاق والزيف. علاوة على ذلك، أرسل البريطانيون تطمينات لا تحصى ولا تعد لأحد أكثر الطغاة وحشية في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يواصل فيه السيسي قمع حرية التعبير والديمقراطية وسيادة القانون في مصر.
المصدر: ميدل إيست آي