ترجمة وتحرير: نون بوست
قال رئيس وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين المتعثرة إنه سيبقى في منصبه لأطول فترة ممكنة، متحديًا المطالب الإسرائيلية باستقالته في أعقاب مزاعم بأن العشرات من موظفيه في غزة شاركوا في هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل. وهذه الادعاءات – التي لم يثبت بعد مدى صحتها – دفعت الولايات المتحدة و14 جهة مانحة أخرى إلى تعليق حوالي 440 مليون دولار من التمويل عن الوكالة، وفتحت تدقيقًا مكثفًا لعملها في وقت تُقدّم فيه مساعدات حيوية لنحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحاصر.
صرّح فيليب لازاريني لصحيفة “فاينانشيال تايمز” بأنه سيبقى في منصب المفوض العام للأونروا طالما أنه يعتقد أنه قادر على “دعم الشعب” الفلسطيني و”إيصال صوت اللاجئين الفلسطينيين”.
وأضاف: “في اليوم الذي أشعر فيه أن هذا الأمر يأتي بنتائج عكسية على الجهات المعنيّة التي أمثلها، سأعيد التفكير وأنظر في الأمر”. ويعتزم لازاريني السفر إلى دول الخليج الغنية بالنفط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، في محاولة لتأمين تمويل طارئ. وفي حديثه من الأردن، وصف قرارات المانحين بقطع التمويل عن الوكالة بأنها “متهوّرة” و”غير عقلانية” ومدفوعة باعتبارات محلية بسبب التأثير الاستقطابي للحرب بين إسرائيل وحماس.
بعد التحدث إلى العديد من وزراء الخارجية، يعتقد لازاريني أن المانحين “يبحثون عن طرق لإعادة تقييم الوضع والعدول عن قرارهم”. وقد حذّر من أن تعليق التمويل قد يجعل الوكالة غير قادرة على دفع فاتورة الرواتب الشهرية التي تبلغ حوالي 60 مليون دولار لحوالي 30 ألف موظف – بما في ذلك المعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية وغيرهم في جميع أنحاء لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة – بعد شهر شباط/ فبراير. وأوضح لازاريني: “آمل أن تكثّف دول الخليج جهودها. لكنني آمل أيضًا أن تبدأ بعض الدول المانحة في مراجعة قرارها بتعليق التمويل”.
كان على الوكالة التي تأسست قبل 75 عاما أن تتصدى منذ فترة طويلة للهجمات التي تشنها أجزاء من المؤسسة السياسية الإسرائيلية التي تريد حلّ الأونروا. لقد زعموا لسنوات أن تفويضها لرعاية اللاجئين الفلسطينيين منذ سنة 1949 أي بعد حرب سنة 1948 التي أدت إلى قيام إسرائيل أدام الصراع العربي الإسرائيلي الذي طال أمده، بدلا من المساعدة في حله.
وحيال هذا الشأن، قال لازاريني: “بشكل عام، مما لاشك فيه أن لا أحد في إسرائيل يُحب ولاية الأونروا – وكلما كانوا أكثر عقائدية، زادوا رغبتهم في القضاء على الأونروا”.
بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، الذي وصفه لازاريني بأنه يشبه هجمات 11 أيلول/سبتمبر في الشرق الأوسط، أصبحت الأونروا “نوعًا ما من أهداف هذه الحرب – التي لن تتحقّق إذا لم يُقضَ على الأونروا”. وأكد لازاريني أنه يأخذ هذه المزاعم على محمل الجد، لكنه لا يستطيع التعليق على التقدم المحرز في التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة، وهو هيئة مستقلة عن وكالته.
وقال إن إسرائيل لم تقدم دليلًا على مزاعمها للأونروا وأن الوكالة التابعة للأمم المتحدة اضطرت للرد على تسريبات في وسائل الإعلام لتقييم للمخابرات الإسرائيلية بأن ما لا يقل عن 12 من موظفيها الفلسطينيين شاركوا في غارة حماس، ومن بينهم واحد متّهم باختطاف امرأة وآخر قيل إنه استولى على جثة جندي مقتول.
لا يقدم تقييم الاستخبارات، الذي اطلعت عليه “فاينانشيال تايمز”، أي دليل على هذه الادعاءات، التي تقول إنها تستند إلى اعتراضات الهواتف الذكية وبطاقات الهوية التي تم الاستيلاء عليها. لكن الولايات المتحدة قالت إنها وجدتهم “ذوي مصداقية عالية للغاية”. تقوم هذه المزاعم على سنوات من الانتقادات من قبل السياسيين الإسرائيليين اليمينيين بأن الكتب المدرسية للأونروا تثمّن المقاومة العنيفة للاحتلال الإسرائيلي، وأن بعض موظفيها نشروا تصريحات معادية للسامية أو مؤيدة لحماس على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن بعض منشآتها قد استُخدمت لمهاجمة الجنود الإسرائيليين.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوفد من سفراء الأمم المتحدة هذا الأسبوع إن “الأونروا تعمل على إدامة نفسها. وهي تجدد نفسها في رغبتها في إبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية”. وأضاف أن الأونروا “مخترقة بالكامل” من قبل حماس.
قُتل ما لا يقل عن 152 موظفا في الأونروا خلال الهجوم الإسرائيلي على حماس في غزة، كما قصف الجيش الإسرائيلي عدة مدارس، مدعيًا أنه كان يرد على هجمات من داخلها. ووفقا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، قُتل أكثر من 27 ألف من سكان غزة في الهجوم، وحذّرت الأمم المتحدة من خطر المجاعة وانتشار الأمراض في القطاع الذي يسكنه 2.3 مليون نسمة.
طالما لا يوجد حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، فلن يكون هناك بديل للأونروا والخدمات التي تقدمها، نظرا “لقدراتها وفهمها للنسيج الاجتماعي والقوى العاملة وحتى المصداقية التي تحظى بها
ونوه لازاريني بأن الوكالة، التي توظف 13 ألف فلسطيني في غزة، ترسل قائمة سنوية بأسماء الموظفين إلى الحكومة الإسرائيلية ولم تتلق أي شكاوى رسمية خلال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات. وردا على الاتهامات التي وجهتها له وزارة الخارجية الإسرائيلية في 18 كانون الثاني/ يناير، طرد تسعة من موظفيها وبدأت الأمم المتحدة تحقيقاتها. وستعلن الأونروا في الأسبوع المقبل عن الجهة التي اختارتها لإجراء مراجعة مستقلة منفصلة لعمليات إدارة المخاطر في الوكالة.
وتساءل لازاريني “هل هناك شيء كان بإمكاننا القيام به بشكل مختلف؟ لا أعرف”. هل ندفع ثمن إعلاء أصواتنا لجذب انتباه العالم إلى محنة الناس في غزة، وإلى هذه الكارثة الإنسانية؟ ربما يكون هذا قد ساهم في توجيه الانتقادات أو تسريعها أو تضخيمها”.
وتجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا اعتمدت على تقارير الأونروا التي توثق الأزمة الإنسانية في غزة في القضية التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، وهو ما تنفيه إسرائيل بشدة. وأُعلن عن هذه الاتهامات في اليوم ذاته الذي أمرت فيه محكمة العدل الدولية إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي بشأن الإبادة الجماعية والحد من الأذى الذي يلحق بالفلسطينيين في غزة. ولكن لم تصل المحكمة إلى حد المطالبة بوقف فوري للهجوم العسكري.
من جانبه، صرح نتنياهو للدبلوماسيين هذا الأسبوع بأن “العديد من الاتهامات الكاذبة التي لا أساس لها، والتي وجهت ضدنا في لاهاي، وُجهت لنا من قبل مسؤولي الأونروا”.
أورد لازاريني أن اتصالات الوكالة اليومية، وفي بعض الأحيان كل ساعة، مع الجيش الإسرائيلي مستمرة بلا هوادة حيث تقوم الأونروا بتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. وقال إن ذلك أعطاه بعض الأمل في أن بعض أجزاء المؤسسة الإسرائيلية على الأقل تدرك قيمة الوكالة.
وأشار إلى أنه طالما لا يوجد حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، فلن يكون هناك بديل للأونروا والخدمات التي تقدمها، نظرا “لقدراتها وفهمها للنسيج الاجتماعي والقوى العاملة وحتى المصداقية التي تحظى بها. ماذا سيحدث لو اختفت الوكالة، حتى بعد انتهاء الأزمة الحالية؟ حتى لو اختفت الأونروا، فإن وضع اللاجئ سيبقى. ومن الناحية السياسية، لا يزال هؤلاء الأشخاص يحتفظون بوضعهم كلاجئين. لن يختفي اللاجئون بمجرد حلّ وكالة الأونروا”.
المصدر: فاينانشيال تايمز