تبحث تونس عن استغلال أكبر للطاقات المتجددة في بلادها خاصة الطاقة الشمسية منها بعد توفير الغطاء القانوني لذلك، لرفع مساهمتها في إنتاج الكهرباء وتحقيق اكتفائها، في وقت يسجل فيه الميزان التجاري للطاقة في البلاد نتائج سلبية، وتصدير الفائض منه إلى دول القارة الأوروبية التي أبدت استعداداها لتمويل مشاريع الطاقة في تونس والاستفادة من صحراءها الشاسعة التي تزخر بالشمس طوال أيام السنة.
إطار قانوني ملائم
رغم حداثتها في تونس، تجد الاستثمارات في مجال انتاج الطاقات المتجدّدة إقبالا من المستثمرين الأجانب، سيما بعد إقدام الحكومة على تقنين هذا النشاط، وتحديد الكميات التي يمكن إنتاجها وطرق تسويقها والأسعار التي ستُعتمد، ويعد برنامج الطاقات المتجددة استراتيجيا بالنسبة لسياسة تونس الطاقية من حيث مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحافظة على البيئة.
وتسعى السلطات التونسية عبر توفير الأرضية القانونية للاستثمار في الطاقات البديلة إلى تحقيق الانتقال من الطاقة غير المتجددة إلى الطاقة النظيفة في تونس، للحد من كلفة إنتاج الطاقة المتأتية من الغاز الطبيعي بنسبة 97%، مقابل نسبة لا تتعدى 3% من مساهمة الطاقات المتجددة في إنتاج الطاقة حاليا.
وفي الثلاثين من أغسطس من سنة 2016، صدر بالرائد الرسمي في تونس، أمر حكومي متعلق بضبط شروط وإجراءات إنجاز مشاريع إنتاج وبيع الكهرباء من الطاقات المتجددة بعد انتظار طويل، ويقطع هذا القانون الجديد مع القانون السائد والذي يمنح المستثمرين العموميين وفي مقدمتهم الشركة التونسية للكهرباء والغاز الحق الحصري في بعث مشاريع إنتاج الطاقة.
يتطلب تنفيذ هذا المخطط تمويلات بحوالي 15 مليار دينار (حوالي 7.5 مليار دولار)
ويهدف هذا القانون المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة للحساب الخاص إلى تطوير القطاع وفتح الباب أمام المستثمرين الخواص أجانب كانوا أو محليين لإنتاج الكهرباء وتوفيره بكميات أكثر من الكهرباء لتغطي حاجيات المستهلك والشركة التونسية للكهرباء والغاز في المستقبل، وإيجاد حل لوضع ميزان المحروقات في تونس – الذي يتسم بتطور الاستهلاك إلى جانب الاعتماد الكلي على النفط والغاز الطبيعي – مقابل تقلص الموارد الطاقية، حيث لا يتجاوز إنتاج النفط حدود 47 ألف برميل في اليوم.
ووضعت تونس مؤخرا، مخططا شمسيا، 2016/2030، ويتطلب تنفيذ هذا المخطط تمويلات بحوالي 15 مليار دينار (حوالي 7.5 مليار دولار)، ويهدف إلى ربط إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بالاقتصاد في استهلاك الطاقة في فترات الذروة، وزيادة مساهمة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 12 بالمئة بحلول 2020 و30 بالمئة حتى عام 2030، وسيمكن المخطط الشمسي من اقتصاد المحروقات في حدود 16 مليون طن مكافئ نفط أي حوالي 1.5 بالمئة من الاستهلاك السنوي. وبحسب أرقام رسمية للشركة التونسية للكهرباء والغاز، يبلغ حجم الإنتاج الوطني للكهرباء 18248 جيغاوات/ساعة.
مشاريع كبرى
نتيجة اعتماد هذا القانون الجديد، أعلنت 35 مؤسسة أجنبية من فرنسا وبلجيكا وإسبانيا اعتزامها توجيه استثمارات في تونس في مشاريع الطاقات المتجددة في محاولة منها لكسب الأسبقية في السوق المغاربية والأفريقية، وتشمل هذه المشاريع نحو 20 مشروعًا في مجال الطاقة الشمسية، و15 مشروعًا آخر في الطاقة الهوائية.
وتخطط تونس لتنفيذ 40 مشروعًا ضخمًا في مجال الطاقة الشمسية بتكلفة إجمالية لا تقل عن 2.2 مليار يورو. وقد توصل الجانب التونسي مع عدد من كبار الممولين الأجانب من تركيا وألمانيا وقطر وإسبانيا وإيطاليا إلى جانب بنوك تونسية لتمويل مشاريع حقول الطاقة الشمسية.
وتغري مشاريع الطاقة البديلة، المستثمرين الأجانب، حيث تمتلك تونس إمكانيات كبرى لإنتاج الطاقة البديلة، وتشير بيانات رسمية لوزارة الطاقة والمناجم إلى أن ثلث الطاقات المتجددة سيتم إنتاجه من الرياح، والثلثين من الطاقة الشمسية.
مشاريع عديدة في انتظار مصادقة الحكومة التونسية
إلى جانب الشركات الأجنبية، تعمل شركات تونسية أيضا في هذا المجال للاستفادة من عائداته، وشهدت ولاية توزر (جنوب تونس) خلال شهر مارس من السنة الماضية، إطلاق أول حقل نموذجي للطاقة الشمسية، سيتم ربطه بشبكة توزيع الكهرباء ابتداء من مايو 2018، وذلك في إطار مشروع حقول الطاقة الشمسية الذي يطلقه مكتب دار تونس للاستشارات (مؤسسة خاصة)، ويشمل 10 ولايات – محافظات – داخلية أخرى، من بينها قفصة، وقبلى، وتطاوين، ومدنين، وسيدي بوزيد، والقصرين، والكاف، والقيروان.
وتتطلع تونس، وفق بيانات رسمية لوزارة الطاقة والمناجم، إلى رفع إنتاج المشاريع المبرمجة من هذه النوعية من الطاقات إلى 1000 ميغاوات وباستثمارات قيمتها مليارا دينار، (ما يعادل قرابة 900 مليون دولار أميركي). وأظهرت دراسات حكومية، أن استغلال حرارة الأشعة الشمسية الساقطة على مساحة قدرها حوالي 7000 كيلومتر مربع من المناطق الصحراوية في تونس، يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية للبلاد وتحقيق فائض قابل للتصدير.
التصدير لأوروبا
شركة “تونور” البريطانية المختصّة في هذا المجال، وإن قوبلت مطالبها السابقة بالمماطلة وعدم الجدية في دراستها نتيجة غياب الإطار التشريعي، فقد طرحت مجدّدا على الحكومة التونسية مشروعا يتضمن بناء مزرعة شمسية باستطاعتها انتاج 4.5 جيغاوات يوميا بهدف تصدير الطاقة الكهربائية المنتجة من تونس إلى دول أوروبية، ليصبح بذلك أحد أكبر مشروعات الطاقة في العالم.
نوعية الطاقة الشمسية التي تتمتع بها تونس تعتبر أفضل بنسبة 20 % من الشمس الموجودة في أحسن منطقة في أوروبا
ويهدف مشروع المزرعة الشمسية الضخمة لمدّ دول مالطا وإيطاليا وفرنسا بالكهرباء، بحلول سنة 2021، وسيتم مد خط كهربائي بري وبحري يصل طوله إلى ألف كيلومتر يربط موقع الإنتاج نحو أوروبا، حيث ستحول الكهرباء إلى الدول الثلاثة المذكورة عبر أسلاك الضغط العالي ومن ثم سيتم إعادة توزيع الكهرباء نحو ألمانيا وبريطانيا، ومن المتوقّع أن تبدأ أعمال البناء في هذه المحطة باستثمارات يبلغ حجمها نحو 5 مليارات يورو، بحلول العام 2019 في محافظة قبلي جنوب البلاد.
وستمتد محطة الطاقة الشمسية الناتجة عن المشروع فوق منطقة شاسعة، وستستغل طاقة شمس الصحراء عبر عدة أبراج يصل ارتفاع كل منها إلى 200 متر. وستسخن أشعة الشمس التي ستنعكس عن مئات الآلاف من المرايا المياه، فيما سيشغل بخار الماء المنبعث توربينات تقوم بتزويد مليوني منزل في أوروبا بالكهرباء، وحددت الشركة احتياجات المحطة من المياه سنويا بنصف مليون متر مكعب يمكن تغطيتها عبر استغلال جزء صغير من المياه الجوفية الموجودة في المنطقة والتي يتم حاليا استغلالها في الواحات المستحدثة برجيم معتوق.
تسعى تونس لاستغلال صحرائها الواسعة لانتاج الكهرباء
إلى جانب شركة “تونور” البريطانية سيشارك في إنجاز المشروع مستثمرون من تونس ومالطا ودول أخرى يعملون في مجال النفط والغاز، ويتوقع أن يسهم المشروع في توفير أكثر من 20 ألف فرصة عمل خلال فترة الإنجاز التي تقدر بحوالي ست سنوات إلى جانب توفير حوالي 1500 فرصة عمل قارة بعد إتمام بناء المحطة. وذكرت الشركة، التي تمتلك استثمارات في فرنسا وإيطاليا واليونان، أن نوعية الطاقة الشمسية التي تتمتع بها تونس تعتبر أفضل بنسبة 20 % من الشمس الموجودة في أحسن منطقة في أوروبا، كما أنه تم الاختيار على موقع رجيم معتوق بالنظر إلى كون هذه المنطقة الصحرواية يصلها ما يعادل الضعف من الطاقة الشمسية مقارنة بأفضل المواقع في أوروبا.