“قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيه نظر”.. تمر الأيام والشهور وتتحقق صدق هذه المقولة، فنحن نعيش في زمن البقاء للأقوى وليس هناك مكان للضعفاء، نحن نعيش في أحط عصور الكراهية الإنسانية؛ فيثور العالم ولا يغمض له جفن لحادثة دهس في الولايات المتحدة راح ضحيته ربما العشرات وربما أقل، يثور العالم ولا يسكت لحادث إرهابي أثيم فى باريس وتكتسي صفحات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر بألوان العلم الفرنسي تضامنًا مع ضحايا الإرهاب.
يبدو كل ما سبق منطقيًا! بشرط أن يكون الضحايا من الدول الكبرى التي لها وزن على خريطة العالم السياسية، أو يكون مرتكب الجريمة من المعسكر الذي تريد معظم القوى المؤثرة على الساحة أن تكيل لها الإتهامات المعلبة كالجماعات الإرهابية المعروفة عالميًا ولا يعرف أحد من يقف ورائها أو يملك دليل قاطع ملموس على من يمولها؟.
واما إذا حدث أمر مشابه لذلك أو أكبر، ووصل إلى إبادة جماعية وعرقية، هنا رد فعل العالم يتوقف على: هل لهذه المنطقة – التي وقعت بها الحوادث – ثقل وأهمية، هل للعنصر البشري الذي وقعت ضده الأحداث وزن وثقل لتتحرك معه وسائل الإعلام العالمية؟ الإجابة على هذه التساؤلات متروك لذكاء من يقرأ هذه السطور.
الجاني والمحرض الأساسي: إمرأة.. رئيسة وزراء بورما ” أون سان سو تشي” الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1991
الصمت العالمي المبالغ، والذي يعطينا إحساس بالتواطىء والتعمد، هو رد الفعل المتوقع في أزمة كهذه، وهذا ما حدث في مذابح بورما، ولكن هذه المرة بدلًا من معاقبة القاتل والمسؤول والمحرض على الإبادة لمسلمي بورما، نجد العكس حيث يمنح الجاني أرفع الأوسمة.
الجاني والمحرض الأساسي: إمرأة، رئيسة وزراء بورما، “أون سان سو تشي” الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، جائزة عالمية بحجم نوبل للسلام، من المفترض أنها لا تعطى إلا لمن بذل مساعي عالية في إقرار ونشر السلم المجتمعي، فهل كانت تلك المرأة كذلك؟!
“لم أعرف أنني سأحاور مذيعة مسلمة”!
هذا ما قالته تلك المرأة في عام 2013، بعد مرور ما يزيد عن عشرة أعوام من حصولها على جائزة نوبل للسلام، التي كانت من المفترض أن تحافظ على سلوكها ومساعيها في إقرار السلام ونبذ العنف، خاصة بعد حصولها على تلك الجائزة !
كان ذلك في برنامج خاص بهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، حيث سألتها المذيعة المسلمة عن رأيها في المذابح التي يرتكبها الجيش بحق المسلمين في بورما، فرفضت التعليق خوفًا من ثورة الأغلبية ضدها، حيث أن نسبة المسلمين في المجتمع البورمي تكاد لا تتعدى (5%) من نسبة السكان، فهل هذه النسبة الضئيلة قادرة على إثارة الأضطرابات والفتن هناك، أم أن هناك أمور أخرى قد تتعلق بديانة هولاء كما أوضحت رئيسة الوزراء في هذا البرنامج.
ألم يكن بالأحرى على الهيئات المسؤولة عن جائزة نوبل وغيرها من الجوائز الأخرى -التي حصلت عليها سو تشي- التفكير في إعادة النظر حول مدى استحقاق تلك السيدة لهذه الجائزة الآن
ويبدو أنه تكريمًا لها على صمتها إزاء مذابح المسلمين في بورما، وتكريمًا لها على إعلان كراهيتها للمسلمين، والتي ترتب عليها مزيدًا من التنكيل البشري لمسلمي بورما، تكريمًا لكل ما سبق، قررت الإدارة الإمريكية منحها “ميدالية الكونغرس الذهبية”، تقديرًا لجهودها في مجال السلام والحقوق البشرية ونبذ العنف!
ومن ضمن الجوائز التي حصلت عليها، جائزة سفير الضمير المرموقة، وهي جائزة تمنحها منظمة العدل الدولية في مجال حقوق الإنسان، وجائزة سخاروف لحرية الفكر من البرلمان الأوروبي، وعلى ما يبدو أن حرية الفكر عندها توقفت وتعطلت حينما يكون الأمر يتعلق بأقلية مضطهدة لا تتجاوز نسبتها 5% .
وفي غالب الأمر، ومن النادر أن تثير نسبة كهذه، أزمات خاصة في ظل وجود سلطة معارضة قوية ضدهم منذ عام 1982 حيث صدرت ضدهم قوانين بعدم تملك العقارات وتولى الوظائف بالدولة.
ألم يكن بالأحرى على الهيئات المسؤولة عن جائزة نوبل وغيرها من الجوائز الأخرى -التي حصلت عليها سو تشي- التفكير بإعادة النظر حول مدى استحقاق تلك السيدة لهذه الجائزة الآن، أم أن الرد العالمي معروف مسبقًا فى مثل هذه الحالات، ألا وهو: الصمت الرهيب المتعمد، ولكن يبقى السؤال الأهم، هل خشت هذه السيدة أن تسحب منها جائزة نوبل أو غيرها من الجوائز التي حصلت عليها، هل تخشى أصلًا من الملاحقة والمعاقبة الدولية لها بتهمة ارتكاب مذابح إبادة عرقية، ام إنها حصلت على الضوء الأخضر لذلك؟