تعالت الدعوات الداعمة لحراك معارض منتصف هذا الشهر داخل المملكة العربية السعودية، هذا الحراك الذي تدعمه كثير من المؤشرات الداخلية بالمملكة الثرية. فقد أثر انخفاض أسعار النفط على مستوى الانفاق الحكومي على كافة القطاعات، وخاصة قطاع الأجور بالإضافة لحرب اليمن التي استنزفت كثيرًا من ميزانية المملكة، بالإضافة لرؤية 2030 التي دشنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي ترتكز بشكل كبير على خصخصة أجزاء كبيرة من القطاعات الحكومية في محاولة لتنويع مصادر الدخل للحكومة والبعد عن الاعتماد الكلي على إنتاج النفط الذي شهدت أسعاره انخفاضًا حادًا.
كما يهدد المملكة من بعيد قانون جاستا الأمريكي الذي يطبخ على نار هادئة، والذي يقضي بصرف تعويضات لضحايا العمليات الإرهابية من الدولة التي توصف بكونها راعية للإرهاب أو الداعمة له، والذي وجهت فيه أصابع الاتهام الرئيسية فيه من قبل الضحايا تجاه المملكة السعودية، الصديق التاريخي لأمريكا بالخليج، والتي حصلت بالزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب على مبالغ طائلة من خلال عقود صفقات أسلحة واستثمارات في القطاعات الامريكية بقيمة تجاوزت 450 مليار دولار، في وقت تدعي فيه الأسرة الحاكمة عجزا متراكما بالميزانية مما يعطي مؤشرات متضاربة عن طبيعة هذا العجز.
قد يقود هذا الحراك تحولات سياسية داخل المملكة أو على أقل تقدير تقوية الأطراف المناوئة لولاية عهد محمد بن سلمان
وفوق كل ذلك تشهد المملكة انقساما سياسيا داخل الأسرة الحاكمة بعد عزل الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق لصالح ابن عمه محمد بن سلمان، الذي كان ولي ولي العهد في وقت لم تكن هناك أي صورة عن كيفية انتقال الحكم من أبناء المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى أحفاده، وهذا الخلاف الذي لم يعد سرا ظهر بقوة في عزاء الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، الذي شهدا غيابا واضحا لمحمد بن نايف في عزاء عمه، ورجحت تقارير غربية خضوعه للإقامة الجبرية كما غابت صورة محمد بن سلمان في مجلس عمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية السابق؛ الذي يعطي مؤشرا قويا على خلاف حاد حول ولاية عهد محمد بن سلمان وهذا لا يدعم ولايته فضلا عن توليته ملكاً.
وقد انتهج محمد بن سلمان سياسة قمعية داخلية في التعامل مع أزمة قطر بمحاصرة مغردين ودعاة وإعلاميين، وكان أبرزها الكاتب الصحفي جمال خاشقجي المقرب من دوائر الحكم وخاصا مع فشل الحصار في تحقيق أهدافه، ومن المؤكد أن هذا الفشل مع حجم الخسائر بحرب اليمن والتقارب المفاجئ مع إيران ومليشيات شيعية عراقية هز كثيرًا من صورة محمد بن سلمان وقدرته على قيادة المملكة مستقبلا.
كل تلك العوامل تصب في صالح حراك 15 ستمبر الذي قد تستفيد منه أطراف داخلية في الاسرة الحاكمة، وقد يقود هذا الحراك تحولات سياسية داخل المملكة أو على أقل تقدير تقوية الأطراف المناوئة لولاية عهد محمد بن سلمان.
سواء فشل الحراك أو نجح فإنه في رأيي سيحدث تحولاً في طبيعة التفاعل بين الأسرة الحاكمة والشعب، ومشروعية الحراك المعارض في بلد لا تتوافر فيه أي قنوات للتمثيل السياسي فضلاً عن أي شكل من المعارضة
وهذا مؤشر خطير قد ينتج تحولا سياسية في بلد تتبنى فيه المشيخة الرسمية مذهب السلفية المدخلية، الذي يحرّم أي من مظاهر الاعتراض على السلطة باعتبارها خروجاً على الحاكم يحرمه الشرع، في بلد يكرس إعلامياً أنه مطبق للشريعة وقائم على التحالف التاريخي بين أسرة آل سعود وأسرة آل الشيخ والتقاسم بينهما في السلطة السياسية والسلطة الدينية؛ وبذلك يشكل الحراك طعناً في المرجعية الدينية للمملكة وانتصارًا لتيار الصحوة الذي كان يطالب بإصلاحات داخلية يقود لملكية دستورية، وقد تكون المملكة قد فتحت على نفسها أبواب الجحيم بمطالبات المستشار المقرب من محمد بن سلمان المسمى بسعود القحطاني أو دليم، الذي دعى في تغريدة له بحراك سلمي بقطر، متهما فيه القيادة القطرية بالقمع والاستبداد خلافاً للمرجعية الدينية التي تحرّم مظاهر الاعتراض باعتبارها فتنة وخروج على الحاكم.
فهل يؤثر الحراك في النظام السياسي القائم؟! الجواب: الأمر يعتمد على قوة الحراك ووضوح المطالب ومستوى التنازلات الممكنة من كلا الطرفين ومدى قدرة الأسرة الحاكمة على المناورة حال نجاح الحراك.
وسواء فشل الحراك أو نجح فإنه في رأيي سيحدث تحولاً في طبيعة التفاعل بين الأسرة الحاكمة والشعب، ومشروعية الحراك المعارض في بلد لا تتوافر فيه أي قنوات للتمثيل السياسي فضلاً عن أي شكل من المعارضة.