منذ أربع سنوات عندما رحلنا كنّا نعتقد أننا سنرحل للإعداد ثم سنعود لنكمل، أجل كنّا نعتقد أنها فترة مؤقتة يعدنا الله فيها ويصنعنا على عينة لنكمل لكن الحقيقة أن أربع سنوات مرت ولَم نعُد أي شيء، لا أدري إن كنت توقفت عند تلك الكلمة أم لا، لكن المؤكد أنها صدمت عقلك نعم. لقد مر أربع سنوات منذ توقفنا عن كل مراسم المقاومة أو قل الاستسلام الكامل.
قبل تلك السنوات كان هناك أصوات تطالبنا بالتوقف عن كل شيء لإعادة ترتيب أمرنا، كانت إجابتي على تلك الأصوات حينها أنه حينما تتوقف فأنت لن تستطيع العودة وأنه فقط أرض المعركة هي المكان الأفضل على الإطلاق للإعداد للحرب والتفكير فيها، كنت اسألهم: تفكر في أرض المعركة أم على السرير في بيتك؟!
لكن تلك الأصوات قد انتصرت فى النهاية لا أدري حقا ماهية أسباب كل ذلك التوقف لكن العجيب في الأمر أن تلك الأصوات لا زالت تطالب بالتوقف ولا أعلم حقا التوقف عن ماذا؟ فما الذي لازلنا نفعله أصلا؟ هل هي تلك الكلمات المتناثرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أم تلك المشاركات للأخبار، التي تخبرنا بقتل فلان وتعذيب فلان وانتحار فلان لنضحك على الخبر الذي يليه بفارق ثانية واحدة لم نطل حتى فى الحزن على فلان هذا.
لكن كل ذلك ليس مهما، المهم حقا أننا لازلنا هنا على قيد تلك الحياة كما ندعي، لكن المتعارف عليه أننا حقا ما زلنا هنا، وكل ما علينا فعله هو أن نتذكر من نحن وماذا كنّا نُريد من فعل كل هذا، قبل أن تنقلب حياتنا رأسا على عقب حتى أصبحنا لا نعرفنا.
في تلك السنة (٢٠١٣) كنّا نفكر في أشكال المقاومة الممكنة، كنّا نُذكَّر أنفسنا بتجديد النوايا فلربما تكون هذه هي ساعتنا الأخيرة كنّا نتواصا بإصلاح أنفسنا لكي ينصرنا الله بل كنّا نكتب وصايانا
لا تستغرب أيها القارئ نعم عدنا نتكلم الآن فى بديهيات البيديهيات فلقد نسينا كل شيء وتوقفنا عن كل شيء توقفنا عن الحياة، كنت في صغري أسمع عن الجهاد والمجاهدين المقاومين ربما لا يسعنى عقلي من فرط حماستي حين سماع ذلك الكلام، كنت اتلهف لذلك الوقت، لكن الحقيقة أن ذلك الوقت جاء فعلا، نعم من يصدق أنه جاء، تلك القصص أصبحت حقيقة،، لقد أتت الحرب، مكثنا قليلا حتى أدركنا أنها أتت لكن سرعان ما أدركناها.
في تلك السنة (٢٠١٣) كنّا نفكر في أشكال المقاومة الممكنة، كنّا نُذكَّر أنفسنا بتجديد النوايا، فلربما تكون هذه هي ساعتنا الأخيرة. كنّا نتواصا بإصلاح أنفسنا لكي ينصرنا الله بل كنّا نكتب واصايانا، كنّا نسير كل تلك المسافات بين الأدخنة والغبار وطلقات الرصاص والخرطوش والدماء بحثا عنها “الشهادة” نعم، حقا أنا لست أهوّل، كنّا نبحث عن الشهادة فى سبيل الله، وكنّا نقول رحل الأخ المجاهد شهيدًا، رحلت أختنا المجاهدة.
أما الآن، عن ماذا نبحث؟! دعني أخبرك بكل صراحة، نبحث عن فسحة جديدة أو مختلفة، نبحث عن تذكرة سفر للهروب إلى جنة الارض، نعم نحن نعتقد كذلك، فاليوم وسط بلائنا نكتب على الصفحات أننا نتمنى حياة كالحياة، نلعب فيها نحن وأخواننا وأهلنا جميعا، لم نفقد منهم أحد، نسينا أن الأمان الحق والنعيم الحق لم يعد لهما وجود في تلك الحياة، ونعود لنتمنى أن نصبح مثل ذلك الشعب الذي يفترض أننا ننتمي له، نعم لا نريد الابتلاء والامتحان بأن يعتقل ذوونا، أو نفقد أحدهم، فلما علينا أن نفقدهم ونحن لا نفعل شيء في المقابل، لم علينا أن نفقد، وحتى تلك الشعارات لم يعد بإمكاننا ترديدها لأننا لم نعد نفعل شيء، أي شئ ابداً.
لقد ذكرت كلمة الهزيمة نعم، لكن ربما يتساءل أحدهم أي هزيمة؟ هل كنّا في حرب؟ نعم إن هذه هي الحقيقة.. لم نكن جميعا مدركين أننا في حرب سمينها أسماء مسكنة، تخفي حقيقتها البشعة حقيقة أنها حرب، حرب مكتملة الأركان كما يقولون وبقيت الحرب لم تتوقف
نكتفي بالقول أن هذا عجز لنقنع أنفسنا، أنه لم يعد هناك شيء نفعله، لكن عندما أقول كل هذا الكلام، ما الفائدة من كل هذا الهراء، كل ما أريد قوله أن الخطأ بدأ منذ البداية. لنعود قليلا للوراء، إن الذي أقنعنا أن المظاهرات هي جهاد في سبيل الله، هو نفسه الذي منعنا وأوقفنا من نزولها لاحقاً واقنعنا الآن بفكرة العجز. إنهم بكل صراحة هم البداية والنهاية، لكن لا فائدة من اللوم وذكر أسباب الهزيمة، فلن ينتهي أحد من ذكر الأسباب وكلٌ لديه أسباب مختلفة لا تنتهي.
لقد ذكرت كلمة الهزيمة نعم، لكن ربما يتساءل أحدهم أي هزيمة؟ هل كنّا في حرب؟ نعم إن هذه هي الحقيقة. لم نكن جميعا مدركين أننا في حرب سمينها أسماء مسكنة، تخفي حقيقتها البشعة حقيقة أنها حرب، حرب مكتملة الأركان كما يقولون، وبقيت الحرب لم تتوقف. انظر حولك جيدا فلقد اختفى فلان وقتل فلان وانتحر فلان وسجن فلان وعذب فلان وأهين فلان وشرد فلان ثم أعيد تشريده! فهم لم يتوقفو عن حربنا لما توقفنا نحن، لمَ لمْ ندرك منذ البداية أنها حرب حقيقة ليست مجرد مظاهرات وسينتهي الأمر بمشيئة الله.
أعود لأكرر أنهم البداية والنهاية -من يقودنا صراحة- إنهم فقط من كان بإمكانهم إعادتنا للحياة، الحياة التي نتمناها من قلوبنا والتي هم من زرعوها بداخلنا ولا أدري لما يريدون اقتلاعها من قلوبنا. الآن ربما ظنًا منهم أنهم يحموننا، لكن الحقيقة أنهم يوقفون قلوبنا عن النبض ليعلنوا انتهاء حياة تلك الأرواح التي يريدون الحفاظ عليها.
الأمر كله يكمن فى كلمة واحدة تلخص كل شيء، قائد وكفى، لا أدري لكن ذلك ما اعتقده، قائد حقيقي من الحياة الحقيقية، لا تلك الحياة المزيفة، حينها سندرك أن الحرب لا زالت قائمة وأنه لا زال بإمكاننا أن نعدل النتيجة، فإما هزيمة وفناء تام وإما نصر حقيقي مؤزر.