يصادف اليوم، 6 فبراير/ شباط، الذكرى السنوية الأولى على الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري، حيث تضاعفت الكارثة الإنسانية في ظلّ تزايد الاحتياجات والأضرار، بعد تهدُّم مئات الأبنية السكنية وتشرُّد عشرات آلاف المدنيين.
واستدعت الحاجة الماسّة لإيواء المتضررين، إطلاق المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق إدلب وحلب، مشاريع إعادة إعمار وترميم المباني المتضرّرة، ومشاريع سكنية جديدة، بعد الاستجابة العاجلة عبر مراكز إيواء مؤقتة (مخيمات). ونستعرض في هذا التقرير أبرز مشاريع أعمال الترميم والبناء للمتضررين من الزلزال في الشمال السوري.
جنديرس
وتعد ناحية جنديرس بريف عفرين شمال غربي حلب الأكثر تضررًا من الزلزال، ويقول رمضان سليمان، مدير المكتب الإعلامي لمجلس جنديرس المحلي، في حديث لـ”نون بوست”، أن المشاريع التي استهدفت جنديرس كانت “خجولة بشكل كبير، مقارنةً بحجم الكارثة وحجم الدعم المخصّص لأعمال الترميم”.
وتقدَّر نسبة الاستجابة، حسب مسؤول المجلس المحلي، من 10% إلى 25% من حجم الأضرار السكنية، فعدد الأبنية المتضررة والمهدّدة بالسقوط 1110 أبنية، بينما عدد الأبنية المهدّمة بالكامل إثر الزلزال 278 بناء ما زالت على حالها، بسبب عدم قدرة المنظمات على إعادة بنائها.
وقال سليمان إن مشاريع أعمال الترميم في المنطقة كانت مقدّمة من منظمات إحسان للإغاثة والتنمية، وتكافل الشام الخيرية، ومؤسسة مداد الإنسانية، وسارد، ويدًا بيد للإغاثة والتنمية، ورحمة بلا حدود، وبنفسج، وجاست هيومن.
وأوضح أن ضعف الاستجابة يعود إلى أن البناء الواحد يحتاج 5 آلاف دولار لإعادة الترميم، لكن أعلى سقف من المنظمات كان 1500 دولار، مؤكدًا أن 60% من أبنية جنديرس غير صالحة للسكن، بسبب تدمير البنى التحتية والطرقات إثر الزلزال.
إدلب
وفي محافظة إدلب تركّزت الأضرار في ريفها الشمالي الحدودي مع تركيا، وفي مدينة الأتارب غرب حلب، وقال الناشط الإعلامي أحمد اليوسف، المعروف بـ”أبي صطيف خطاب”، لـ”نون بوست” إن المنظمات الإنسانية دعمت منكوبي الزلزال عبر بناء تجمُّعات سكنية جديدة أو ترميم المنازل المتصدّعة، ومنها خُصّصت لترميم المحلات التجارية المتضررة، وفي بلدة معرة مصرين كانت هناك مساعدة قيمتها 1000 دولار لكلّ محل تجاري متضرر، إضافة إلى تقديم مبالغ مالية وسلل غذائية وأدوات منزلية.
ويستدرك بأنها كانت “استجابة غير كافية، ولم تشمل جميع المتضررين من الزلزال”، ووفقًا للناشط فإنَّ ذلك يعود إلى الكلفة المرتفعة لإعادة الإعمار، فالدمار الذي خلّفه الزلزال يحتاج إلى دعم دولي.
وعن دور الحكومات في المنطقة، حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة، أشار اليوسف إلى أن الدعم الحكومي تمثّل في تسهيل إجراءات العمل للمنظمات والفرق التطوعية والمتطوعين من السكان، مضيفًا أنَّ المتضررين لديهم شبه قناعة بأن “المساعدات لا تصل إلى جميع المستحقين”.
استجابة المنظمات لعمليات الترميم والإعمار
اتجه عدد من المنظمات الإنسانية المتواجدة في الشمال السوري إلى مشاريع الترميم وإعادة الإعمار استجابةً للكارثة، ومن بينهم مجموعة “هذه حياتي” التطوعية، وفي تصريح لـ”نون بوست” قال مديرها، سارية البيطار، إن نظام الأسد بعد كارثة الزلزال عاود القصف المدفعي والجوي على مناطق إدلب وريف حلب الغربي، ما تسبّب في تضرر عدد إضافي من المباني المتصدّعة إثر الزلزال، فازدادت الحاجة إلى الترميم وإعادة الإعمار.
وأوضح البيطار أن المجموعة استهدفت ترميم 50 شقة متصدعة، وبناء 200 شقة جديدة استلمها المستحقون ممّن فقدوا منازلهم من الزلزال أو القصف الذي رافقه، مشيرًا إلى أن العوائل التي خسرت بيوتها غالبيتهم من النازحين المستأجرين، وبشكل أقل من الملّاك، ومعظمهم فقدوا عددًا من أفراد الأسرة.
بدوره، محمد مالك حجل، أحد المسؤولين في المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية ودعم الإنسان (SDI)، أكّد لـ”نون بوست” إنجاز المؤسسة مشروع ترميم 371 منزلًا متضررًا من الزلزال في منطقة جسر الشغور غرب إدلب، في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وذلك بعد تقييم الأضرار والتأكُّد من السلامة الإنشائية للمنزل، حتى يتم قبوله ضمن مشروع الترميم الذي عمل، وفق حجل، ضمن البنود التالية: “إزالة الأنقاض، وترميم الجدران، والزريقة، والتمديدات الصحية، والكهرباء، والبلاط والأرضيات”، موضحًا أن كلفة المنزل الواحد بشكل وسطي 1500 دولار.
من جهتها، ساهمت جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية في عمليات ترميم المنازل، وقال منسّق قطاع إدارة المخيمات في الجمعية، خالد حفار جنيدي، لـ”نون بوست” إن أحد مراكز عطاء استقبل المتضرّرين من الزلزال لتقييم الأضرار في منازلهم، بحيث يكون الضرر متوسطًا أو خفيفًا، وعملوا على 3 مشاريع من هذا النوع، وهي على الشكل التالي:
المشروع الأول: بدأ في 15 مارس/ آذار وانتهى في 15 سبتمبر/ أيلول 2023، استهدف ترميم 630 منزلًا متضرّرًا من الزلزال في مدن سرمدا وحارم وسلقين شمال إدلب.
المشروع الثاني: بدأ في 15 يونيو/ حزيران الماضي ولا يزال مستمرًّا، ومن المزمع انتهائه في 14 الشهر الجاري، استهدف 937 منزلًا في مدينتَي حارم وسلقين و14 قرية حوالي المدينتَين، بما مجموعه 1567 منزلًا.
المشروع الثالث: بدأ مطلع يونيو/ حزيران وانتهى في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023، استهدف 31 مخيمًا بريف إدلب ممّن استقبلوا المتضررين من الزلزال، وهذه المخيمات كانت بنيتها متهالكة، فتمّت إعادة بناء البنى التحتية من صرف صحّي وإنارة وشبكات مياه شرب ودورات مياه وحمّامات، لتكون صالحة للسكن.
فيما أشار مدير إدارة الخدمات الاجتماعية في جمعية عطاء، عبد الرحمن جعفر الشردوب، إلى أن الجمعية تعهّدت بكفالة أكثر من 700 يتيم سوري فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بسبب الزلزال المدمّر في الشمال السوري وتركيا.
أمّا حملة “قادرون” التي أطلقها فريق ملهم التطوعي لجمع تبرعات قيمتها 20 مليون دولار، لتأمين 4 آلاف منزل بتكلفة 5 آلاف دولار للمنزل الواحد، فقد وصل عدد التبرعات إلى 13 مليون ونصف المليون دولار، حسب الموقع الإلكتروني للفريق.
وأكد مدير فريق ملهم، عاطف نعنوع، لـ”نون بوست” أن الفريق بعد الاستجابة السريعة كان تركيزه على إحصاء بيانات المتضررين من الزلزال، إمّا لكفالات شهرية وإمّا للتسجيل على منازل سكنية ضمن 3 مشاريع لإعادة الإعمار، وهي “هلال ملهم” بمدينة حارم، و”ملهم أرمناز” في بلدة أرمناز شمال إدلب، و”الكوت السكني” في مدينة أعزاز شمال حلب.
وتستهدف المشاريع السكنية التي تضمُّ بنية خدمية كاملة من منازل ومحلات تجارية ونقاط طبية، نحو 800 عائلة فقدت منازلها وعددًا من أفراد أسرتها في الزلزال، وأوضح نعنوع أن أول دفعة هي تسليم 30 منزلًا بمناسبة الذكرى السنوية للزلزال (6 فبراير/ شباط)، وخلال الثلاثة أشهر القادمة سيُسلّم الفريق 300 شقة لمستحقيها، مشيرًا إلى مساهمة الفريق في دعم منظمة الدفاع المدني السوري، وبعض المستشفيات التي استقبلت جرحى الزلزال.
في حين ذكر ياسر طراف، مسؤول في منظمة الأمين للمساندة الإنسانية، لـ”نون بوست” أن المنظمة أنجزت مشروع وحدات سكنية متنقلة (كرفانات) عددها 1515 كرفانة، في قرية خلية الخزامى بريف عفرين، واستفادت من المشروع العوائل المتضررة من الزلزال ومن القصف المتزامن معه.
ويقدّر البنك الدولي أضرار الزلزال بأكثر من 5 مليارات دولار في الشمال السوري، ويحتاج نحو 800 ألف شخص يعيشون في خيام إلى إعادة إسكان، حسبما نقلت “أسوشيتد برس“، وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن المناطق المتضررة بالزلزال في سوريا لا سيما جنديرس، لم تجرِ أي عملية إعادة إعمار تقريبًا، ولا تزال مبانٍ سكنية مجرد أنقاض.
خط أحمر دولي حول مشاريع إعادة الإعمار
بعد عام من كارثة الزلزال، لم تقم أيّ جهة دولية بدعم مشاريع إعادة إعمار المنازل المتضرّرة من الزلزال أو إنشاء وحدات سكنية بديلة، حسبما أكدت كندة حواصلي، مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري لـ”نون بوست”.
وأضافت: “هناك خط أحمر دولي حول مشاريع إعادة الإعمار، لأنها ترسّخ عملية التغيير الديموغرافي، فحالة النزوح الداخلي تعتبر مؤقتة ريثما يتم الوصول إلى حل سياسي”، موضحة أن الاستجابة الدولية لكارثة الزلزال بالشمال السوري “جاءت متأخرة ومتواضعة جدًّا، لم ترقَ إلى حدود المساعدات التي وصلت في العام السابق للزلزال”.
وأكملت حواصلي أن التبرّعات الفردية، سورية أو عربية، أو من خلال أقارب المتضرّرين من الزلزال المتواجدين في الخارج، استطاعت امتصاص الاحتياجات الأولية للمتضررين من الزلزال، ودعمت مشاريع الترميم والصيانة للمنازل المتضررة.
وأشارت إلى أن المنظمات في الداخل السوري قادت عمليات الحشد والمناصرة للضغط على المجتمع الدولي الذي تجاوب متأخرًا، لافتة إلى أن الحملات الإغاثية المحلية تنجح بسبب “وجود كارثة”، فمن المؤسف أن المتبرّع الفردي لا يستجيب إلا بعد وقوع الكارثة، مثلما يحدث كلّ عام من نقص مواد التدفئة عند كوارث الأمطار والثلوج.
وتذكر حواصلي أن الجهات الدولية المانحة تنظر إلى احتياجات الناس وتقييمها بشكل يخدم الجماعات وليس الأفراد، لذلك مشاريع إعادة الإعمار عبر الكتل البيتونية لم تكن على خارطة المانحين، بينما كان هناك مشاريع جديدة تستهدف المتضررين من الزلزال، منها تمويل دراسات حول تداعيات الكارثة، ووضع تصورات لإعادة بناء الحيز المكاني لدعم سبل العيش.
استجابة أممية “مفجعة وشحيحة”
من جهته، وصف المستشار الاقتصادي، أسامة قاضي، لـ”نون بوست” استجابة الأمم المتحدة لكارثة الزلزال بالشمال السوري بـ”المفجعة والبطيئة والشحيحة”، ويضاف إليها أنها تمدّ نظام الأسد بالنسبة العظمى من الإغاثات الأممية، بما يعادل “80 إلى 95% من المساعدات، ليبقى 5% لمناطق المعارضة”، خاصة تبرّعات مؤتمر بروكسل الخاص بالزلزال الذي عُقد في 16 مارس/ آذار 2023.
وقال رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا: “إن تبنّي الأمم المتحدة لمصطلح “التعافي المبكر” كارثي ومقصود، لأنه يوحي بأن “الكوارث انتهت”، فمعاناة السوريين متزايدة، وقصف النظام للمخيمات مستمر، وقد نزح أكثر من 200 ألف نازح من مخيماتهم المهترئة إلى العراء مطلع العام الجديد 2024، بالتزامن مع إغلاق الأمم المتحدة برنامج الغذاء العالمي”.
كما قال ممثل الأمم المتحدة إن “الحل السياسي غير وشيك”، فلا إغاثة ولا حل سياسي ولا إعادة إعمار، بالتالي يمثّل “التعافي المبكر الأممي” إجماعًا على إبادة الشعب السوري، ويعتقد قاضي أن مسار أستانا وإعادة الإعمار لا يجتمعان، فلا يمكن إعادة إعمار الشمال الغربي من دون حل سياسي، ومشروع “مارشال” حقيقي.
لذلك، باعتقاد قاضي، إن رؤية “مبادرة توحيد سوريا” التي طرحتها القوى والمؤسسات والشخصيات الوطنية، هي الوحيدة القادرة واقعيًّا على إعمار سوريا، وكل ما عداه “رؤى رومانسية عبر قرارات أممية تمّ التحايل عليها وإهمالها، لا سيما مناداة إيران وروسيا بالقرار 2254”.
يذكر أن منظمة الدفاع المدني السوري أوضحت في تقرير مفصل بعنوان “عام على الزلزال.. حين أصبحت الكارثة اثنتين“، مراحل أعمالها التي شملت البحث والإنقاذ والانتشال، ثم فتح الطرق وإزالة الأسقف والجدران المعرّضة للانهيار للحفاظ على أرواح المدنيين، إضافة إلى تأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، أما المرحلة الثالثة فشملت رفع الأنقاض والتعافي وإعادة التأهيل.