يبدو أن القيادة السعودية بدأت تغير رأيها من خطة التحول الوطني بعد سنة على إطلاقها لإدراكها أن بعض الأهداف في الخطة كانت طموحة أكثر مما ينبغي. فبحسب صحفية فايننشال تايمز كبرى الصحف العالمية المهتمة في المجال المالي والاقتصادي؛ فإن السعودية تعكف على مراجعة وإعادة صياغة رؤية المملكة 2030 التي وضعها الأمير محمد بن سلمان بعد أكثر من عام على إطلاقها.
بحيث تتضمن إعادة الصياغة والتخلي عن بعض الأهداف، وتمديد الجدول الزمني لأهداف أخرى. فحسب وثيقة داخلية اطلعت عليها الصحيفة البريطانية، فإن خطة الإصلاح، سوف “تغير مبادرات موجودة وتضيف أخرى جديدة .. الجدول الزمني للخطة سوف يستمر حتى 2020 ولكن الخطة تتطلب تنفيذ أهداف في 2025 و 2030 “.
كانت الحكومة السعودية قد أعلنت في منتصف 2016، برنامج التحول الوطني الذي يتضمن مئات من الخطوات لتحديث الاقتصاد والمجتمع، من تسريع إجراءات المحاكم إلى تحسين ظروف الحجاج والمعتمرين وتطوير قواعد التجارة الإلكترونية وتشجيع السعوديين على ممارسة المزيد من الألعاب الرياضية وأمور عديدة أخرى، تهدف بالمحصلة إلى نشل وتخلي الاقتصاد السعودي عن الاعتماد على النفط بشكل كبير.
لم يكن مفاجئًا لدى العديد من المحللين أن الرياض ستعمد إلى تغييرات جذرية في رؤية 2030 لأنها لا تناسب اقتصاد بلد مثل السعودية، وهذا بحد ذاته سيفرض ضغوطًأ على الاقتصاد إضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها من هبوط سعر النفط.
وفي هذا السياق ذكر ولي العهد محمد بن سلمان في لقاء صحفي خلال شهر نيسان/ أبريل 2016، في إطار حديثه عن رؤيته “أعتقد أنه بداية من هذه اللحظة إلى حدود سنة 2020، وفي حال توقف إنتاج النفطبإمكاننا الصمود والبقاء على قيد الحياة”.
إلى ذلك شرعت الرياض بعد إصدار الرؤية في عمل تخفيضات في الإنفاق وزيادات في الضرائب لتقليص العجز في الموازنة، الذي سجل مستوى قياسي بلغ 98 مليار دولار في 2015، إلى الصفر بحلول 2020. وأطلقت الحكومة السعودية أيضًا برنامجًا للخصخصة تقول إنه سيدر أكثر من 200 مليار دولار، يتضمن بيع حصة في شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة المملوكة للدولة، علمًا أنه لم يتم الاتفاق بعد حول السوق المالية التي سيتم إدراج الأسهم بها.
خطة لإصلاح خطة التحول الوطني
تعد خطة التحول الوطني رؤيةٌ لخمس سنوات تمتد من 2015 إلى 2020، وتُشكل المرحلة الأولى من رؤية 2030 الأكثر شمولا، والتي تُمثل استراتيجية الحكومة السعودية طويلة الأجل لتنويع الموارد الاقتصادية والتحول إلى اقتصاد ما بعد النفط. تحاول الإصلاحات التي تم وضعها في إطار الخطة الجديدة التي تم الكشف عنها من قبل فايننشال تايمز، إلى تطوير أجندة أكثر قابلية للإدارة، ووفقًا لفايننشال تايمز فإن التفاصيل الكاملة للتغيرات لن تكون معروفة حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول حتى يقدم المسئولون المسودة النهائية للخطة.
مع ذلك لا توحي التعديلات الجديدة بأن محمد بن سلمان تخلى عن فكرة خصخصة شركة “أرامكو” المسؤولة عن قطاع النفط السعودي، رغم التحذيرات من خطورة هذه الخطوة بالنسبة للنفوذ النفطي السعودي، وحتى بالنسبة للمواطن العادي الذي اعتاد على أسعار الطاقة الرخيصة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مستشار حكومي قوله “هناك اعتراف بأن الكثير من الأهداف كان مبالغًا فيها وربما يكون لها تأثير كبير جدًا على الاقتصاد”. وقال مستشار آخر يعمل لدى الحكومة السعودية إن عملية إعادة الصياغة كانت ملحة في ظل نضال الدولة ضد الواقع البيروقراطي الذي تواجهه الحكومة.
انسحاب العمالة الأجنبية بصورة مفاجئة بسبب قانون مرافقي العمالة، قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد، نظرًا للأرقام الكبيرة التي ستغادر البلاد وسط غياب واضح للبديل.
كما ذكرت وكالة رويترز، إنه على ما يبدو من غير المرجح أن تتحقق بعض الأهداف المحددة ضمن خطة التحول الوطني بحلول الموعد النهائي المحدد لها في 2020 لأسباب من بينها أنها معقدة وطموحة، إضافة إلى صعوبات في تنفيذها بسبب ضعف كفاءة بعض الوزارات. وأضافت الوكالة، أن مسؤولين ومستشارين وضعوا نسخة مركزة من الخطة تعرف باسم “برنامج التحول الوطني 2”.
وقال أحد المستشارين لرويترز “القيادة غير راضية عن أداء بعض الوزارات بسبب ضعف الالتزام وتريد انطلاقة جديدة”. وأظهرت الوثيقة أن هناك 10 وزارات مدرجة في الخطة المعدلة، انخفاضًا من 18 وزارة في الخطة الأصلية. وتختصر النسخة الجديدة أهداف الخطة إلى 36 هدفًا من بينها زيادة مساهمة المرأة في قوة العمل وتحسين الاستفادة من الرعاية الصحية وتطوير اقتصاد رقمي.
دلالة إجراء تعديلات على الرؤية!
والآن، وقد خرجت هذه الأخبار التي تفيد بإجراء الحكومة السعودية تعديلات على الرؤية، فإنه يعيدنا إلى وقت إصدار الرؤية تمامًا وتحليلات الاقتصاديين حيالها. حيث تنبأت العديد من التحليلات بعد إصدار الرؤية بعدم ملائمتها لأوضاع المملكة سواء على مستوى الاقتصاد الوطني أو حتى على مستوى المواطن السعودي.
وعلى الرغم من المناخ المتفاءل الذي ساد وقت إصدار الرؤية إلا أن البعض تشاءم منها، فالرؤية تناست بحسب محللين واقع التعليم البائس الذي جرى تصميمه بعناية لإنشاء مواطنين غير قادرين على التفكير باستقلالية إضافة إلى انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي قلة.
وذهب البعض لاعتبار الرؤية جاءت في إطار “تكتيكات العلاقات العامة” للمملكة كما أشار لذلك الكاتب البريطاني روبرت فيسك، في مقال له في أبريل/نيسان من العام الماضي جاء فيه أن الرؤية مغامرة جديدة للأمير الشاب محمد بن سلمان، لا تقل خطورة عن مغامرته السابقة في اليمن، معتبرًا أن الإحصائيات التي تحدثت عن أن الاحتياطي النفطي لدى المملكة 716 مليار برميل أسطورية، وأن الإصلاحات التي أعلن عنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في “رؤية السعودية 2030″، وإنشاء صندوق استثمار عالمي بقيمة 2 تريليون دولار، فضلا عن بيع أسهم في شركة النفط السعودية الحكوميو”أرامكو”، سيطاح بها جميعا قبل وقت طويل من الموعد النهائي للرؤية في 2030.
وكذلك لم ينظر مصرفيون بعين الرضا للرؤية وقتها، إذ أعرب مصرفيون عن قلقهم من تركيز الخطة بشكل كبير على وسائل زيادة الإيرادات مثل زيادة الضرائب وتقليل الدعم وخصخصة القطاعات أكثر من مبادرات تعزيز النمو.
توقعات بأن يشهد الاقتصاد السعودي أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري، وهذا يهدد الخطط الحكومية لتنويع مصادر الدخل وسعودة الوظائف ويضعها على المحك.
على العموم فإن هذه التعديلات لن تمر مررور الكرام في الأوساط الاستثمارية، فإعادة صياغة خطة وطنية بحجم الرؤية تعطي انطباع أن الحكومة غير قادرة على تنفيذ تعهداتها وأهدافها بعيدة المدى، كما أنها تواجه أخطارًا جعلها تغير من توجهاتها المستقبلية، بالتالي سينظر المستثمر والشركة المستثمرة بعين الريبة على وضع الاستثمار في البلد.
وبالفعل عبر مستشارون عن قلقهم من أن إعادة الرؤية يمكن أن يخلق ارتباكًا لدى المستثمرين الذين هم بالفعل قلقون من التراجع الاقتصادي، ومن إثارة مؤامرة سياسية داخل الأسرة المالكة بعد أن حل الأمير محمد سلمان وليًا للعهد بدلا من نجل عمه في يونيو/حزيران الماضي.
كان من المتوقع أن تواجه الرؤية عراقيل كثيرة لأنها جاءت في ظرف غير ملائم، فأسعار النفط لا تزال غير مستقرة وتحوم عند مستويات متدنية وهو ما يقلل من الإيرادات الضرورية لتنفيذ التغييرات المقترحة. بالإضافة إلى الحرب في اليمن والتكاليف المالية والعسكرية والسياسية التي تكبدتها الحكومة السعودية هناك، إذ فشلت حتى الآن في تحقيق أي إنجازات تذكر.
ويشير البعض إلى أن هناك حالة من عدم اليقين في أعلى هرم السلطة، والتي تؤدي لإرباك المشهد في السعودية، فالشهور الماضية حملت الكثير من التغييرات على مستوى المناصب والنفوذ، حيث اعتلى محمد بن سلمان ولاية العهد من محمد بن نايف الذي يُعتقد أنه تحت الإقامة الجبرية، كما أشار مراقبون أن الشهور المقبلة قد تشهد تولي بن سلمان العرش عن أبيه، فهل يبقي بم سلمان على الرؤية والسياسات التي أقرها على حالها أم سيعمل على تغييرها بعد اعتلائه العرش، أضف إلى حالة عدم الاستقرار التي تشوب الأسرة الحاكمة بسبب اعتلاء بن سلمان العرش من أبيه.
ماذا حققت الرؤية حتى الآن؟
في الوقت الذي كان من المتوقع أن يتحسن الاقتصاد بفضل الرؤية الجديدة، تراجع ترتيب المملكة في عدة مؤشرات. فتنافسية الاستثمارات تراجعت، من المركز الـ18 عام 2013 من أصل 44 دولة، إلى المركز الـ20 في 2014، والـ24 في 2015، والـ25 في 2016، بينما في سنة عرض رؤية المملكة تراجعت إلى المركز الـ29، بحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار. وأبدى البعض دهشته من إلغاء مستثمر من بين كل 8 مستثمرين تراخيصه داخل المملكة، وتساءل البعض فيما إذا كان السبب يعود إلى البيئة الاستثمارية أم المستثمر نفسه!.
وأشار مراقبون أن تراجع الدولة في مؤشرات التنافسية يدل على أن الهيئة تعمل عكس الاتجاه، ويجب عليها أن تتوقف مع نفسها لتقديم المبررات والأسباب مطالبًا بتزويد المجلس بحالة الاستثمار في المملكة ومدى إسهامه في الاقتصاد الوطني. كما عبر أعضاء في مجلس الشورى السعودي، عن صدمتهم بسبب تراجع الاستثمار الأجنبي في البلاد وتراجع ترتيبها الدولي، معتبرين أن الهيئة العامة للاستثمار تعمل عكس التيار رغم اعتماد رؤية “2030” لجذب الاستثمار وتعزيز البيئة التنافسية.
أعرب مصرفيون عن قلقهم من تركيز الخطة بشكل كبير على وسائل زيادة الإيرادات مثل زيادة الضرائب وتقليل الدعم وخصخصة القطاعات أكثر من مبادرات تعزيز النمو.
تشير توقعات بأن يشهد الاقتصاد السعودي أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري، وهذا يهدد الخطط الحكومية لتنويع مصادر الدخل وسعودة الوظائف ويضعها على المحك. كما بلغت نسبة البطالة لإجمالي المواطنين في السعودية 15 سنة فأكثر نسبة 12.7% بواقع 7.2% للذكور و 33.0% للإناث، في أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء حول سوق العمل السعودي.
وتمضي الحكومة السعودية قدمًا في خصخصة جميع المطارات في البلاد في إطار رؤيتها الهادفة لتنويع مصادر الدخل بعد أن أعلنت تخصيص 16 جهة حكومية في نشاطات معينة منها التعليم والشؤون البلدية والقروية والصحة والعمل والنقل والمواصلات، إذ تهدف هذه الاستراتيجية إلى زيادة دخل الدولة وتطوير نظام المنافسات والمشتريات والاستثمار الأجنبي لزيادة ضريبة الدخل، فضلاً أن الخصخصة تفيد في سياق التطوير والمنافسة من أجل خفض الأسعار وتوفير الوظائف وتطوير الاقتصاد.
إلا أن مسألة الخصخصة قد لا تحمل أخبارًا سارة للاقتصاد والمواطن السعودي، ففي بلد لا تزال تعتمد على سعر برميل النفط الذي يحدد قدرة الحكومة على مواصلة تمويل ميزانيتها العامة، فإن هذا الوضع لا يرفع من شهية المستثمر للقدوم والاستثمار في هكذا بلد كما أشارت تقارير.
وأعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي في أغسطس/آب الماضي عن مشروع منتجع البحر الأحمر ليكون وجهة ترفيهية دولية على الساحل الغربي من بلاد الحرمين، وهو ما أشار تساؤلات عديدة حول إمكانية إقامة هكذا مشروع في مجتمع محافظ وتقليدي تسري فيه قوانين الفصل بين الجنسين والالتزام بالرداء الإسلامي.
إلى ذلك وفي مسألة أخرى حصلت بعد الرؤية، فقد تحمل الوافدون حملا كبيرًا بسبب سريان قرار مرافقي العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، وقد تسارعت وتيرة مغادرة آلاف المقيمين في السعودية من السودانيين والأردنيين واليمنيين وغيرهم، مع بدء فرض الرياض لسلسة من الضرائب والرسوم مطلع يونيو/حزيران الماضي، ولقرب انتهاء المهلة الممنوحة للمخالفين لتصحيح أوضاعهم في سجلاتت الإقامة. لعدم القدرة على الاستمرار في العمل أو إعادة عائلاتهم لتجنب الرسوم الجديدة. وقد أثار البعض نقطة حساسة وهي أن انسحاب تلك العمالة بصورة مفاجئة قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد، نظرًا للأرقام الكبيرة التي ستغادر البلاد وسط غياب واضح للبديل.
الرؤية تناست بحسب محللين واقع التعليم البائس الذي جرى تصميمه بعناية لإنشاء مواطنين غير قادرين على التفكير باستقلالية إضافة إلى انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي قلة.
إذ قدرت تقارير عدد العمالة الأجنبية التي ستغادر السعودية مع بدء تطبيق رسوم المرافقين بنحو 670 ألفًا حتى العام 2020. ووفقًا، لتقارير سابقة للبنك السعودي الفرنسي فإن معدل مغادرة العمالة الأجنبية سيكون في حدود 165 ألف عامل سنويًا حسبما أفادت به صحيفة مكة السعودية. وأشار التقرير أن رسوم المرافقين ستوفر نحو 20 مليار ريال في السنوات الثلاث المقبلة.
في النهاية لم يكن مفاجئًا لدى العديد من المحللين أن الرياض ستعمد إلى تغييرات جذرية في رؤية 2030 لأنها لا تناسب اقتصاد بلد مثل السعودية لا يزال يعتمد على النفط بشكل كبير، وهذه التعديلات في هذا الوقت ستفرض ضغوطًأ على الاقتصاد إضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها من جراء هبوط سعر النفط. وبما أن التغيير قد بدأ فإنه من غير المستبعد أن تؤول العديد من محاور الرؤية للفشل بسبب عدم مراعات التحديات التي تخوضها المملكة والظرف الذي تمر فيه من تغيير في سلم الحكم، إلى الحرب في اليمن، مرورًا باستمرار انخفاض أسعار النفط إلى عدم الاكتراث بالنظام التعليمي وبحرية الرأي والتعبير، ومن ثم الأزمة الخليجية والعبء الذي تحملته المملكة بسبب هذه الأزمة.