رغم أن تأسيسها عام 2013 كان لمعالجة آثار زلزال الوحشية غير المسبوقة التي ضرب بها نظام بشار الأسد السوريين، إلا أن فرق الدفاع المدني السوري المعروفة بـ”الخوذ البيضاء” وجدت نفسها فجر 6 فبراير/ شباط في مواجهة واحد من أعنف الزلازل بتاريخ البلاد، والذي صنّفه كثير من الخبراء بأنه “كارثة القرن”، وقالت عنه دراسات أخرى أن القوة الناتجة عن الزلزالَين اللذين ضربا مناطق الجنوب التركي والشمال السوري في ذلك اليوم تعادل مقدار انفجار 500 قنبلة ذرية.
وقد أدّت هذه الكارثة بحسب إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى وفاة أكثر من 4 آلاف و300 شخص، وإصابة 11 ألفًا و774 آخرين، وبلغ عدد الأفراد المتضررين من الزلزال ما يقارب 2 مليون شخص في مناطق سيطرة المعارضة السورية.
وأضاف الفريق في تقريره النهائي عن خسائر مناطق المعارضة نتيجة هذا الزلزال، أن عدد النازحين من جراء الزلزال وصل إلى 48 ألفًا و122، يشكّل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 67% من إجمالي عددهم.
استجابة فورية
منذ اللحظات الأولى لكارثة الزلزال، كانت فرق الدفاع المدني حاضرة بآلياتها ومتطوعيها البالغ عددهم 3 آلاف متطوع، بينهم 300 امرأة، حيث أُعلنت حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في 182 موقعًا، فيه أكثر من 580 مبنى مهدم كليًّا وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي.
واستطاع متطوعو الدفاع المدني السوري إنقاذ 2950 شخصًا من تحت الأنقاض، بينما انتشلوا 2172 آخرين قضوا بالزلزال، وتمثل هذا الأرقام استجابة الدفاع المدني السوري للكارثة، ولا تعبّر عن جميع الضحايا والمصابين بسبب الكارثة.
وعن اللحظات الأولى التي استجابت فيها فرق الدفاع المدني لكارثة الزلزال، قال أحمد اليازجي، عضو مجلس إدارة “الخوذ البيضاء”: “بعد 7 دقائق بالضبط من الزلزال، كانت فرقنا بالمواقع مع المعدّات والآليات اللازمة”.
ويضيف اليازجي في حديثه لـ”نون بوست” أن حالة الصدمة التي عاشها الشمال السوري، خاصة في الساعات الأولى، صعّبت بشكل أساسي من استجابتنا الطارئة في البداية، إلا أن وجود فرق طوارئ مستعدة دائمًا لحالات القصف والاستهداف، ساهم في الدفع بجهود الإنقاذ بشكل أسرع.
خطة من 3 مراحل
اكتسبت فرق الدفاع المدني السوري خبرة تراكمية نتيجة معالجة آثار القصف الهمجي لنظام الأسد وروسيا للمناطق المدنية على مدى 12 عامًا، وتجلّت هذه الخبرة في وضع خطة تكونت من 3 مراحل للاستجابة لهذه الكارثة الكبيرة، وتمكّنت “الخوذ البيضاء” من إنقاذ أرواح أعداد كبيرة من العالقين تحت الأنقاض باتباعها لتلك الخطة.
وعن مراحل خطة الاستجابة هذه، يقول أحمد اليازجي: “قمنا بإعداد خطة شملت 3 مراحل للاستجابة، المرحلة الأولى كانت البحث والإسعاف والإنقاذ، والتي انتهت بإعلان الانتهاء من عملية انتشال الضحايا”.
“المرحلة الثانية تضمّنت فتح الطرق بطول 800 كيلومتر ضمن 335 تجمعًا سكانيًّا و119 مخيمًا، وإزالة الأسقف والجدران المعرّضة للانهيار للحفاظ على أرواح المدنيين وتسهيل عمليات الاستجابة للطوارئ، بحجم يتجاوز الـ 30 ألف متر ضمن 125 تجمعًا سكانيًّا لحماية المدنيين من المخاطر الناتجة عن انهيار الأسقف والجدران في المباني المتضررة والمنشآت العامة والمدارس، وساعدت فرقنا في تأسيس مراكز الإيواء المؤقتة والبنية التحتية الأساسية لها، حيث تمّ فرش وتسهيل طرق وأراضي ومخيمات بمساحة 887 ألفًا و146 مترًا”.
أما المرحلة الثالثة، بحسب اليازجي، فتمثلت في عملية إزالة الأنقاض، حيث “قمنا بإزالة أكثر من 440 ألف كيلومتر ضمن 162 تجمعًا سكنيًّا”.
صعوبات في الطريق
بالإضافة إلى الإمكانات المحدودة والتقاعس الدولي، وتأخُّر وصول المساعدات الأممية إلى المناطق المنكوبة في شمالي شرقي سوريا، كانت هناك عوامل إضافية أخرى أهمها المساحة الجغرافية الكبيرة التي ضربها الزلزال قياسًا لإمكانات الدفاع المدني، حيث كانت مناطق شمالي غربي سوريا هي الأكبر من حيث عدد الضحايا ونسبة الهدم في المباني والمنشآت السكنية.
وبالحديث عن حجم الصعوبات، يقول اليازجي: “أمام هذا الواقع الكارثي بدأنا نناور ضمن حدودنا، أعني حدود قدرات لا حدود جغرافيا، فالمنطقة المتضررة كانت بحاجة إلى إمكانات هائلة، إذ إن في أي دولة تحصل فيها كارثة بهذا الحجم، تقوم الدول الأخرى بمساعدتها في هذه الكارثة، وترسل إليها آليات إنقاذ وفرق طبية، وهذا ما لم نجده في مناطق شمالي غربي سوريا لأسباب متعددة”.
“وأمام هذا الواقع”، يكمل اليازجي، “حاولنا اللجوء إلى بدائل مناسبة مثل استئجار الآليات الثقيلة والروافع، إضافة إلى المساعدات التي قُدّمت لنا من المجتمعات المحلية، إذ عززت مساهمة المدنيين وسكان المناطق المتضررة من قدرة الدفاع المدني السوري على الاستجابة بشكل أفضل”.
دور متقاعس للأمم المتحدة
أدّى تأخُّر المساعدات الأممية إلى تضاعف أعداد الضحايا، والحدّ من فرص النجاة للعالقين تحت الأنقاض، وذلك بسبب عدم امتلاك فرق الدفاع المدني للآليات والمعدّات اللازمة، من أبرزها الروافع الهيدروليكية بالأذرع الطويلة، ومعدّات البحث والإنقاذ ذات الأعماق المختلفة، وفرق الكلاب المدرّبة على الإنقاذ.
وتذرّعت الأمم المتحدة وقتها بأنها لا تملك وسائل بحث وإنقاذ، وأن أي قرار لإرسالها يقع على عاتق الحكومة السورية وحدها، في المقابل اشترط النظام السوري أن تمرَّ هذه المساعدات عبر الأراضي الخاضعة لسيطرته.
وبدلًا من توسيع المساعدات وإدخالها دون أي عوائق لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، سيطر النظام السوري على ورقة المساعدات عبر الحدود، شريان الحياة الباقي للسوريين، بعد أن تسبّب في مآسيهم كلها خلال مدة الـ 12 عامًا الماضية.
وتعليقًا على تقاعس المنظمات الدولية في إرسال المساعدات اللازمة لمناطق شمال غربي سوريا، يقول يازجي: “الاستجابة الأممية لمناطق الكوارث والزلازل يجب أن تكون بعيدة عن “التسييس” ودون أي إعاقة أو تأخير، إضافة إلى ذلك لا بدَّ من وجود قواعد واضحة تراعي الاستجابة العاجلة لهذه المناطق، فالناحية الإنسانية وإنقاذ أرواح الناس يجب أن يكونا هما الغالب في هذه الأوقات”.
إضافة إلى ذلك، يرى اليازجي أنه يجب أن يكون هناك دعم من قبل هذه المنظمات لتطوير آليات للاستجابة لحالات الطوارئ والكوارث المفاجئة في مناطق شمالي غرب سوريا، أو أن توجد بالحدّ الأدنى آليات بديلة في حال لم تتوفر هذه الآليات، كتعزيز قدرات المجتمعات المحلية، والاستثمار بهذه القدرات لضمان استجابة أسرع في حال تكرار هذه الكارثة.
مشاريع التعافي من الزلزال
بعد الانتهاء من عمليات الاستجابة للزلزال، بدأ فريق الدفاع المدني تنفيذ مشاريع بنى تحتية نوعية، في إطار خطة عمل لتخفيف معاناة المدنيين، وتسهيل تأمين أماكن الإيواء للمتضررين من الزلزال ضمن إطار عمليات التعافي وإنعاش المجتمعات المتضررة.
وقال فريق “منسقو استجابة سوريا” في وقت سابق، إن الزلزال المدمر تسبّب في أضرار بنسبة 45% من البنية التحتية في شمال غربي سوريا.
وحول هذه المشاريع وما تحويه من خطط للتعافي، يوضح اليازجي أنهم بدأوا بأكثر من 50 مشروعًا لإعادة الإعمار والتعافي، وقد توزّعت هذه المشاريع على المحاور التالية:
1. تأهيل أكثر من 28 كيلومترًا بشكل كامل، مع إنارة وأرصفة، وكلها طرقات حيوية تخدم مدارس ومراكز صحية، إضافة إلى دورها في تنمية التبادل الاقتصادي.
2. دعم العملية التعليمية، من خلال ترميم وتأهيل عشرات المدارس المتضررة من الزلزال، حيث يقوم الدفاع المدني حاليًّا ببناء مدرسة خالد بن الوليد في جنديرس، والتي تتّسع لـ 4 آلاف طالب.
3. دعم الجانب الطبي، فالدفاع المدني حاليًّا على وشك الانتهاء من ترميم وتأهيل عدد من المراكز الطبية المتضررة بالزلزال، بالتعاون مع عدد من الشركاء كالتحالف العملياتي، ومؤسسة الأمين للاستجابة الإنسانية.
في النهاية، يؤكد اليازجي أن الشرط الأساسي للتعافي هو وقف هجمات النظام وروسيا، فبالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وتهجير الملايين، أدّت هذه الهجمات خلال العام الماضي إلى مقتل أكثر من 170 مدنيًّا، بينهم 50 طفلًا، وإصابة أكثر من 720 بجروح.