هل وقع الساسة الألمان في فخ الرئيس التركي أردوغان؟

ترجمة وتحرير نون بوست
للمرة الأولى في تاريخ البلدين، اعتقلت تركيا 12 مواطنا ألمانيّا، من بينهم صحفيان وناشطون في مجال حقوق الإنسان، وذلك بعد إسنادهم لتهم متعلقة بالإرهاب والتجسس. وللمرة الأولى أيضا اتهمت الحكومة التركية ألمانيا بإيواء وإخفاء بعض الانقلابيين الأتراك. كما قامت الحكومة التركية في سابقة هي الأولى من نوعها بالتدخل بشكل مباشر في الحملة الانتخابية الألمانية، حيث دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأتراك الحاملين للجنسية الألمانية لعدم التصويت لأحزاب محددة في الانتخابات الفيدرالية الألمانية التي ستُجرى في 24 أيلول/سبتمبر الجاري.
لكن أيّا كان من سيتقرب من الناخبين الأتراك الألمان من المعارضة التركية، عليه أيضا أن يتذكر ما حدث سنة 2015، أثناء المناظرة التلفزيونية التي دارت بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس البرلمان الأوروبي آنذاك والمرشح الحالي للانتخابات الفدرالية، مارتن شولتز. آنذاك، تم تأجيل مفاوضات منح تركيا عضوية كاملة داخل الاتحاد الأوروبي إلى أجل غير مسمّى بسبب رفض ألمانيا لذلك بشكل علني وسط تململ من البرلمان الأوروبي نفسه، الذي تنص قوانينه على موافقة جميع أعضاءه حتّى يتم فتح باب النقاش من جديد.
لا يجب ترك المعارضة بمفردها
تم بعد ذلك اعتقال 14 صحفيّ في تركيا بعدما أعلن أردوغان بشكل علني أنه لن يتوان عن معاقبة كل من تسول له نفسه التآمر ضد بلاده. وعموما، لم يمنع ذلك مارتن شولتز خلال السنة الماضية من المطالبة بعدم إيقاف المفاوضات مع تركيا لأي سبب كان. في المقابل، تراجع شولتز عن موقفه في بداية حملته الانتخابية، وأعلن أنه سيقوم بإيقاف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في حال أصبح المستشار الألماني الجديد. كما نسجت منافسته أنجيلا ميركل على منواله وتبنّت نفس الموقف بعد ما ترددت في البداية في اتخاذه.
أردوغان هو الفائز في جميع الحالات، حيث سيقوم باستغلال الموقف الألماني المعادي لتدعيم مواقفه وسياساته الداخلية، وهو ما سيظهر تركيا بصورة الضحية على المستوى الدولي
وتجدر الإشارة إلى أن وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا، عمر جليك، اتهم المستشارة الألمانية ومنافسها في الانتخابات بأنهما يقومان ببناء “جدار برلين” جديد. ومن جانبها، أعلنت المعارضة التركية عن عدم رضاها عن تصريحات ونوايا كلا المرشحين، لأسباب مختلفة. فضلا عن ذلك، صرّح أوزتورك يلماز، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، أكبر أحزاب المعارضة التركية، والمكلف بالعلاقات الدولية في الحزب، أن كلا من ميركل وشولتز قد وقعا في فخ الرئيس التركي عبر تحويل الأمر برمّته إلى مسألة شخصيّة، وتوخّيهما لتمشّي مضاد لأردوغان في ظاهره.
وفقا لتصريحات يلماز، كان الاتحاد الأوروبي متحفظا حول مسألة انضمام تركيا منذ بداية المفاوضات، وجاء ذلك في شكل حجج على غرار مثل الأزمة القبرصية ومزاعم إبادة الأرمن. في المقابل، لم يتم إعلان الرفض العلني لأول مرة سوى عن طريق كل من ميركل وشولتز. ويضاف إلى ذلك نتائج الاستفتاء الذي أجرته تركيا مؤخرا لتدعيم صلاحيات الرئيس، والذي يرى يلماز أنه خطوة في طريق وأد الديمقراطية في بلاده، ومخالفة واضحة “لمعايير كوبنهاغن للديمقراطية”، المشترطة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
في الحقيقة، يعتبر يلماز كذلك أنه لا يجب معاملة تركيا وفقا لتصرفات حكومتها خاصة مع وجود معارضة صلبة أظهرت قوتها من خلال نسبة الأصوات المعارضة للإصلاحات الدستورية خلال الاستفتاء الأخير. وأضاف يلماز أن أردوغان هو الفائز في جميع الحالات، حيث سيقوم باستغلال الموقف الألماني المعادي لتدعيم مواقفه وسياساته الداخلية، وهو ما سيظهر تركيا بصورة الضحية على المستوى الدولي، حيث من المرجح أن يتحصل بسببها على دعم الدولي. كما لا يجب أن ننسى أن حزب العدالة والتنمية لا يسعى ولا يبذل أي مجهودات حقيقية للانضمام للاتحاد الأوروبي، بحسب زعمه.
أما على مستوى العقوبات الاقتصادية، تعتبر تركيا قوة اقتصادية عالمية ولن تؤثر عليها أية عقوبات فردية، بل على العكس ستخلق هذه العقوبات، في حال تم فرضها، مشاكل داخلية خاصة في الاقتصاد الألماني بسبب التعويل الكبير للشركات الألمانية على السوق التركية، وهو ما سيدفعها لا محالة لمعارضة أي عقوبات اقتصادية والضغط على حكومتها لعدم تمريرها.
استغل أحد نواب حزب الممثل للأكراد في تركيا، هيشيار أوزسوي، هذه التخوفات من أجل إضعاف موقف الرئيس التركي أردوغان، غير أن هذا الأخير تمسك بتطبيق القانون وفرضه وعدم الرضوخ لأية ضغوطات.
والجدير بالذكر أن حزب الشعب الجمهوري التركي يواجه اتهامات تتعلق بمحاولة زرع الفوضى في البلاد ودعم حركة فتح الله غولن، المتهمة بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي جدت خلال شهر تموز/يوليو الماضي. وفي الواقع، تم الحكم على أنيس بربر أوغلو، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، والمسؤول عن إعلام الحزب، بالسجن لمدة 25 سنة، بتهمة تسريب فيديو لصحيفة “جمهوريت” التركية، ادعى خلاله تواجد شاحنات تركية محملة بالأسلحة متجهة نحو تركيا. ومن جهتها، نفت الحكومة التركية ذلك وصرحت أن تلك الحمولات هي عبارة عن مساعدات إنسانية دأبت تركيا على تقديمها للسوريين منذ بداية الأزمة.
حزب الشعوب الديمقراطي أولوية للاتحاد الأوروبي
يعتبر هذا الحزب الممثل للأكراد في تركيا على رأس مفاوضات الاتحاد الأوروبي، حيث تأزمت الأوضاع بعد اعتقال النائب صلاح الدين دميرطاش وزميلته في البرلمان فيجن يوكسيداغ، بالإضافة إلى عشرة مسؤولين آخرين من نفس الحزب.
وعلى ضوء هذه المعطيات، عبّرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، عن قلق الاتحاد العميق عقب اعتقال هؤلاء المسؤولين والنواب. وعموما، استغل أحد نواب هذا الحزب، هيشيار أوزسوي، هذه التخوفات من أجل إضعاف موقف الرئيس التركي أردوغان، غير أن هذا الأخير تمسك بتطبيق القانون وفرضه وعدم الرضوخ لأية ضغوطات.
المصدر: فيلت الألمانية