أثارت الأحكام القضائية الصادرة بحق معتقلين من نشطاء “حراك الريف” المغربي سخطًا كبيرًا في أوساط عائلاتهم وسكان مدن الحراك، خاصة أنها تأتي في وقت أبدى فيه المعتقلون من قادة الحراك استعدادهم للحوار لإنهاء الأزمة المتواصلة منذ أشهر عدة بمدن شمال المملكة، مما ينذر بإمكانية تفاقم الاضطرابات في البلاد.
أحكام مخالفة للقانون
في إطار المحاكمات المتتالية لمعتقلي الحراك، قضت محكمة ابتدائية في مدينة الحسيمة (شمال) أمس الجمعة بسجن 26 ناشطًا ريفيًا لفترات تصل إجمالًا إلى 53 سنة، على خلفية تورطهم في احتجاجات مدن الريف المغربي، وأدين النشطاء وأغلبهم من الشباب بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و3 سنوات مع الشغل، فضلًا عن دفع غرامات تصل لـ500 يورو، ووصفت هيئة الدفاع عن المتهمين هذه الأحكام بالمشينة والمبالغ فيها والقاسية، فيما اعتبرها آخرون مخالفة للقانون.
يخضع ما لا يقل عن 50 موقوفًا للتحقيق حاليًا على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة
وقُبض على هؤلاء الناشطين في أثناء مشاركتهم في تظاهرة دعي لها في 13 من أغسطس الماضي، ببلدة إمزورن الواقعة على بعد 15 كلم جنوب مدينة الحسيمة عاصمة إقليم الريف، ووجهت لهم تهم تتعلق بالعصيان المدني والتحريض على المشاركة في الاحتجاج والمشاركة في مظاهرة غير مرخص لها والتجمهر المسلح، إضافة إلى رشق القوات العمومية بالحجارة.
قبل ذلك صدرت أحكام وصلت إلى حد السجن 20 سنة بحق بعض معتقلي الحراك، وأعلنت المحكمة الابتدائية في الحسيمة الثلاثاء الماضي الأحكام الصادرة بحق 9 ناشطين في حركة الريف، وأجلت المحاكمة بالنسبة إلى 23 ناشطًا آخرين إلى وقت لاحق، وأدين بعض الناشطين بحرق مبنى للشرطة نهاية آذار/ مارس 2017 في بلدة إمزورن، وفي 14 كم يونيو الماضي أدانت محكمة ابتدائية في الحسيمة جميع المدعي عليهم الـ32 في محاكمة جماعية لمظاهرات الريف، وضمت الاتهامات الموجهة إليهم إهانة رجال القوة العمومية والاعتداء عليهم بدنيًا والتمرد المسلح وتدمير ممتلكات عامة، وحكمت المحكمة بالسجن 18 شهرًا على 25 متهمًا وعلقت تنفيذ أحكام الآخرين.
عدد من معتقلي الحراك في أثناء محاكمتهم
ويتجاوز عدد الموقوفين على خلفية احتجاجات الحسيمة ومدن وقرى أخرى في منطقة الريف، للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، أكثر من 300 شخص، وتتراوح التهم الموجهة للنشطاء بين التحريض على التظاهر غير المرخص له والتجمهر المسلح وارتكاب جنح أو جنايات وإهانة رجال الشرطة في أثناء مزاولتهم لمهامهم وممارسة العنف في حقهم والعصيان المسلح، فيما يخضع ما لا يقل عن 50 موقوفًا للتحقيق حاليًا على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة، بينما يخضع شخص آخر للتحقيق على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، وقد يُحكم على البعض منهم بالسجن المؤبد جراء ذلك، حسب منظمة العفو الدولية.
فتح باب الحوار في وقت تغلقه الحكومة
هذه الأحكام القضائية، جاءت في وقت أعرب فيه قادة “حراك الريف” المعتقلين في سجن “عكاشة” بمدينة الدار البيضاء عن استعدادهم للدخول في حوار مع السلطات بحثًا عن مخرج من الأزمة التي لم تراوح مكانها منذ شهور، جاء ذلك في بيان صادر عن أعضاء في لجنة غير حكومية تسمى “المبادرة المدنية من أجل الريف” شكلت منذ شهور من قبل حقوقيين، بهدف المساعدة في إيجاد آلية تفي بمطالب الحركة الاحتجاجية وتساعد على إطلاق سراح المعتقلين ووضع حد نهائي للأزمة القائمة في منطقة الريف.
الموقوفون أكدوا مجددًا – خلال تلك اللقاءات – تشبثهم بمشروعية الطابع الاحتجاجي والمطلبي لحركتهم
وجاء في البيان أن وفدًا من “المبادرة المدنية” أجرى لقاءات مع 7 نشطاء من قادة “حراك الريف” المعتقلين في سجن الدار البيضاء، وتبين له استعداد الجميع للانخراط في أي حوار جدي من شأنه الحفاظ على المصلحة العامة للبلاد وتوفير مخرج إيجابي للملف،” وأشار البيان أن الموقوفين أكدوا مجددًا – خلال تلك اللقاءات – تشبثهم بمشروعية الطابع الاحتجاجي والمطلبي لحركتهم، ورفضهم كل التهم الموجهة إليهم وكل محاولات الركوب على القضية وإخراجها عن سياقها المطلبي.
ونقل البيان مطالبهم بإعادة بناء الثقة وإبداء حسن النية من طرف الفاعلين المعنيين والأساسيين، بدءًا بالإفراج التدريجي عن المعتقلين ووقف التضييق على الحريات ووقف المتابعات، والتخفيف من كثافة الوجود الأمني الذي ينعكس سلبًا على الفضاء العام وعلى تنقلات الساكنين في منطقة الريف.
شعور بالإحباط واليأس
بدأ سكان مدن الريف يشعرون بالإحباط واليأس لعدم تجاوب السلطات المغربية مع أي مبادرة لحل الأزمة، فلم يصدر عنها ما يشير إلى نيتها في السعي إلى حوار سلمي مع المعتقلين، فالاعتقالات مستمرة والانتشار الأمني في الريف مكثف.
وتفضل الحكومة المغربية التركيز على الخيارات الأمنية واعتقال النشطاء، نتيجة ضعف اندماج منطقة الريف وعلاقتها الصعبة بالمركز، مما يساهم في تعميق الهوة مع المحتجين ودفعهم إلى مزيد من الاحتجاج، وتكرست الهوة بفعل ردود الفعل العنيفة من قبل الحكم المركزي “المخزن” في المغرب على انتفاضات واحتجاجات شهدتها منطقة الريف مباشرة إثر استقلال المملكة نهاية الخمسينيات وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
انزعاج كبير في صفوف سكان مدن الريف
وتتواصل الاحتجاجات في مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، للشهر الحادي عشر على التوالي، للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة في هذه المنطقة المهمشة ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من إمزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها لمنع مصادرة أسماكه.
ولم تكن هذه الاحتجاجات التي يعرفها الريف المغربي الأولى من نوعها، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليًا للعهد، كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية في عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.