بعد أن استنفدت حركة “نداء تونس” معظم أوراقها للضغط على الشارع التونسي ونواب البرلمان للقبول بمشروع قانون المصالحة الهادف إلى وقف تتبع الفاسدين والمصادقة عليه، التجأت الحركة التي يترأسها شرفيًا رئيس تونس الباجي قائد السبسي إلى استعمال ورقة الانتخابات المحلية لابتزاز النواب، فإما المصادقة على مشروع هذا القانون وإما تأجيل الانتخابات التي طال انتظارها إلى موعد غير محدد وبقاء البلاد دون مجالس محلية وجهوية منتخبة، وهو ما قد يزيد من تعطيل العمل البلدي في أكثر من جهة في البلاد.
تأجيل مرتقب للانتخابات
غير مبالية بما للأمر من تأثير على التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، تتجه حركة نداء تونس مجددًا لتأجيل الانتخابات المحلية، التي تعد حسب متابعين للشأن التونسي، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب السياسية في البلاد نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية.
خطة نداء تونس للتأجيل هذه المرة تتمثل في عدم الموافقة على انعقاد دورة برلمانية استثنائية للنظر في سد الفراغ الحاصل في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد استقالة رئيسها شفيق صرصار وعضوين آخرين في 9 من مايو الماضي نتيجة تأكدهم بأن الخلاف داخل المجلس (مجلس الهيئة) لم يعد مجرد خلاف في طرق العمل، بل أصبح يمس القيم والمبادئ التي تتأسس عليها الديمقراطية، حسب صرصار.
يراهن أغلبية التونسيين على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية
واشترطت حركة نداء تونس، قبل الدعوة لعقد دورة برلمانية استثنائية، الاتفاق أولًا على تمرير مشروع قانون المصالحة على جلسة عامة في البرلمان والمصادقة عليه، ومن ثم سد الفراغ في هيئة الانتخابات، فلا انتخابات محلية دون قانون للمصالحة.
ولمزيد من الضغط على نواب البرلمان، أشار رئيس تونس ومؤسس نداء تونس الباجي قائد السبسي في حوار صحفي له، الأربعاء، إلى إمكانية تأجيل الانتخابات المحلية، فعند سؤال السبسي عن إمكانية تأجيل هذه الانتخابات قال إن هذا شأن البرلمان والأحزاب السياسية، إلا إنه دستوريًا عليه التوقيع على أمر دعوة الناخبين قبل موعد الانتخابات بـ3 أشهر لكنه لم يفعل ذلك، وأرجع السبب إلى عدم استيفاء كل الشروط الإجرائية، من ذلك الفراغ الحاصل في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعدم المصادقة على قانون الحكم المحلي من قِبل البرلمان.
يذكر أن الانتخابات المحلية كانت مقررة في 30 من أكتوبر 2016، ثم تم تأجيلها إلى 26 من مارس 2017، نظرًا لأن البرلمان لم يصادق على القانون الانتخابي إلا في الأول من فبراير الماضي، بسبب خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن القانون الانتخابي وبخصوص تصويت رجال الأمن والجيش في الانتخابات، وتم في شهر مارس، تبني قانون منح العسكريين حق التصويت في الانتخابات البلدية مع حجب هذا الحق عنهم في الاستحقاقين البرلماني والرئاسي.
مخاوف في تونس من تأجيل الانتخابات
ويراهن أغلبية التونسيين على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية، وينظم الباب السابع من الدستور التونسي كل ما يخص السلطة المحلية، إذ ينص في فصله 131 على: “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية، التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون”.
“المصالحة” كلمة السر
يعتبر تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، الذي تم تعديل اسمه واستبداله باسم “المصالحة الإدارية”، على أنظار نواب البرلمان في جلسة عامة لمناقشته والمصادقة عليه، أحد أهم الأولويات التي يسعى نواب نداء تونس لتحقيقها، حتى يفي بأبرز وعوده إلى كوادر النظام السابق الذين عاثوا في تونس فسادًا.
وبموجب التعديلات الأخيرة (جاءت بدفع من حركة النهضة) والتي سهلت عملية المصادقة على مشروع القانون داخل اللجنة المكونة في مجملها من نواب الأحزاب الحاكمة،حُذفت الفصول المتعلقة برجال الأعمال، والاقتصار على عفو يناله 1500 موظف حكومي من الذين ارتكبوا تجاوزات، وتحتاج برمجة مشروع هذا القانون في دورة استثنائية للمصادقة عليه 3 حلول، فإما أن يطلب ذلك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أو أن يطلبه رئيس الحكومة يوسف الشاهد أو أن يكون الطلب من ثلث أعضاء البرلمان أي 73 عضوًا.
تتطلب مناقشة مشاريع القوانين التي تكون محل خلاف وتمريرها على الجلسة العامة للمصادقة، طلب استشارة يتقدم به البرلمان إلى المجلس الأعلى للقضاء
ويستبعد خبراء المصادقة على مشروع قانون المصالحة في الوقت الحالي، كون المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة)، قد طلب من البرلمان منحه مهلة إضافية للإجابة على الاستشارة التي تقدم بها له في وقت سابق، وتتطلب مناقشة مشاريع القوانين التي تكون محل خلاف وتمريرها على الجلسة العامة للمصادقة طلب استشارة يتقدم به البرلمان إلى المجلس الأعلى للقضاء الذي يبدي رأيه في مدى قانونيتها.
ويعتبر معارضو مشروع هذا القانون، أن هذا المشروع يمثل خرقًا للدستور وقانون العدالة الانتقالية ومنظومة كشف الحقيقة التي تقتضي فضح منظومة الفساد والاستبداد والتفريط في مصالح البلاد، وكشف خيوطها كاملة ومحاسبة المتورطين فيها بهدف منع تكرارها ومنع أي محاولة للإفلات من العقاب وتأسيسًا للمنظومة الديمقراطية المنشودة التي تقتضي المحاسبة والاعتذار قبل المصالحة والتجاوز.
تواصل المعاناة
يبنى التونسيون آمالًا كبيرة على هذه الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 17 من ديسمبر المقبل، وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية، تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزية، حيث تعمل كل دائرة بلدية وفق ذلك على خدمة مصالحه اليومية المؤجلة منذ أعوام في كل ما يتعلق بالإصغاء إلى مشاكله البيئية والاجتماعية والبنية التحتية وفرص التشغيل وتوفير ظروف استقطاب المستثمرين.
إلا أن تأجيل هذا الموعد سيؤجل بدوره تحقيق هذه الأهداف إلى وقت آخر غير محدد، وسيزيد من معاناة التونسيين، فمنذ أكثر من 6 سنوات وتونس دون مجالس محلية منتخبة، ويخشى التونسيون أن يتواصل هذا ويتسبب في مزيد من عرقلة نشاط البلديات وعملية التنمية في الجهات وتأخر تحقيق مطلب من المطالب الشعبية الأقرب للمواطنين وهو الحكم المحلي الذي نادى به التونسيون في يناير 2011.
معاناة كبيرة نتيجة غياب مجالس محلية منتخبة
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أكدت سابقًا أن تجاوز سنة 2017 لتنظيم الانتخابات سيكون له تداعيات سلبية على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، حيث قال رئيس الهيئة السابق في تصريحات إعلامية: “عدم تنظيم الانتخابات هذا العام يسيء لتونس لأنه بذلك تمر 4 سنوات على إصدار دستور الجمهورية الثانية دون تطبيق الباب السابع منه والمتعلق بالسلطة المحلية، مما يترجم عجزًا عن التقدم في مسار الانتقال الديموقراطي”، وسُيّر العمل البلدي في تونس عقب ثورة 2011 من قبل النيابات الخصوصية وهي مجالس بلدية مؤقتة غير منتخبة عينت بالتوافق الحزبي.
فيما اعتبرت الحكومة أن المزيد من تأخير الانتخابات المحلية قد يكون إشارة سلبية في تونس لذلك فإنه من الضروري إجراؤها في أسرع الآجال، وأكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن إنجاز هذه الانتخابات سيمثل انطلاقة فعلية لمسار اللامركزية في تونس الذي سيدوم لعشرات السنوات وهو ليس بالأمر الهين.