“الأدب السريع”.. أعمال أدبية كتبت في فترة زمنية قصيرة

في ربيع عام 1950م عندما بدأ راي برادبري في كتابة روايته ذائعة الصيت فهرنهايت 451 أعتقد أنه يكتب أحد الـDime Novels وهو مصطلح يطلق على الروايات التي تكتب بسرعة وتوزع بأعداد كبيرة، وجاء هذا التوصيف للتحقير من نوعية هذه الكتابات لأنها غالبًا تتسم بالسطحية والتجارية، وانتهى من كتابة مخطوطته الأولى في 9 أيام وبتكلفة 9 دولارات و80 سنتًا نظير تأجيره لآلة كاتبة بقبو في جامعة لوس أنجلوس، وفي الوقت الذي يتم فيه الاحتفاء بالرواية وتدريسها في المدارس الأمريكية، وقراءتها في الدول السلطوية، فمن بوسعه توصيفها بالرواية السطحية الآن؟
كلما تخلفت عن موعد إنهاء مخطوطة إحدى رواياتي، أحدق إلى الجدران، وأردد لنفسي، يجب أن تعلق لوحة أمام المكتب وتكتب عليها “تذكر فرانز كافكا انتهى من كتابة المسخ في أسبوعين، بينما أنهى ستيفن كينج رواية الرجل الهارب في أسبوع واحد فقط”.
هنا أحاول استلهام تلك اللوحة المتخيلة عن طريق استعراض 5 روايات أخرى كتبت في فترات زمنية قصيرة، يمكن وصف بعضها بالعظيم، أو بـ”الرديء الجيد” على حد توصيف جورج أورويل.
المقامر.. فيودور دوستويفسكي
إذا قرأت بعض الكتب المتخصصة عن الكتابة والموجهة للشباب ستجد الجميع يكاد يتفق على نصيحة أساسية وجوهرية “لا تكتب لأجل المال”، ولو التزم دوستويفسكي بهذه النصيحة لمات جوعًا أو ألقي به في السجن.
يعرف عن فيودور أنه مقامر ويعاني شظف العيش غالب حياته، ومرضه بالقمار أحاطه بديون عديدة، وللتخلص منها كان عليه أن يدفع برواية جديدة للناشر، وهكذا في أثناء عمله على تحفته “الجريمة والعقاب” كتب رواية “المقامر” لتكون أشبه بسيرة ذاتية مختصرة عن حياته مع المقامرة وتحريره من عبء الديون.
دراسة بالقرمزي.. السير أرثر كونان دويل
شهدت رواية “دراسة بالقرمزي” والتي نشرت عام 1886م الظهور الأول للمحقق الأشهر على الإطلاق شيرلوك هولمز، وتبعتها عدة قصص قصيرة وروايات تكمل مغامرات هولمز ومساعده واطسون مثل كلب آل باسكرفيل ووداي الخوف، ليصبح هولمز من بعدها علامة ثقافية بريطانية بامتياز لتتحول كل مغامراته إلى أفلام ومسرحيات ومسلسلات.
ولكن المدهش في الأمر أن كونان دويل كتب “دراسة بالقرمزي” – العمل الذي بدأ كل هذه الأسطورة – في ثلاثة أسابيع فقط!
ترنيمة عيد الميلاد.. تشارلز ديكنز
تعد رواية ترنيمة عيد الميلاد والمنشورة عام 1843م واحدة من أجمل الروايات الكلاسيكية التي اختصت موسم عيد الميلاد كتيمة عامة لها، وتمكن ديكنز من كتابتها خلال 6 أسابيع فحسب.
وتدور الرواية حول سكروج العجوز البخيل الذي يرفض منح أي تبرعات، وكراهيته لعيد الميلاد الدائمة، ويلتقي العجوز سكروج بشبح صديقه مارلي الذي يشاركه صفة البخل، إذ جاءه محذرًا بأن يغير من طبيعة بخله وإلا سوف ينتهي الحال مثله مكبل بالسلاسل، وأخبره بأن يتوقع 3 أرواح سيزورونه في ليلة عيد الميلاد وعليه أن ينتظرهم.
حولت الرواية إلى العديد من الأفلام، كما ألهم بطل ديكنز في رسم ملامح الشخصية الكرتونية الشهيرة في عالم ديزني “سكروج ماك دك” أو كما نعرفه هنا باسم “العم ذهب”.
بينما أرقد محتضرة.. ويليام فوكنر
كتب صاحب “الصخب والعنف” والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1949م بأنه كان يعمل على كتابة روايته “بينما أرقد محتضرة” يوميًا ولمدة 6 أسابيع من الساعة 12 صباحًا وحتى الرابعة فجرًا، ولم يغير كلمة واحدة من مخطوطته.
ومثله مثل كافكا وإليوت كان عليه التوجه لعمل “العيش” إذ كان يعمل في تلك الفترة في إحدى محطات توليد الكهرباء.
تعد الرواية واحدة من أهم روايات القرن العشرين، إذ استخدم خلالها فوكنر تقنية تيار الوعي والرواة المتعدد، بالإضافة إلى تنوع طول الفصول.
البرتقالة الآلية.. أنتوني بيرجس
كتب بيرجس رواية البرتقالة الآلية في ثلاثة أسابيع فقط بسبب مروره بضائقة مالية، وصدرت الرواية عام 1962 لتصبح واحدة من أهم روايات أدب المدينة الفاسدة، كما ضمتها مجلة التايمز ضمن أفضل مئة رواية كتبت بالإنجليزية منذ عام 1923.
وعلى الرغم من الشهرة والمكانة الواسعة التي حققتها الرواية فإن بيرجس اعترف بأنه تمنى لو لم يكتب هذه الرواية بسبب ما نالته من سوء تفسير على إثر تحويلها لفيلم سينمائي من إخراج ستانلي كوبريك عام 1971م.