تسارعت الأحداث في اليومين الماضيين في إطار الأزمة الخليجية بين الدوحة ومحور الرياض – أبو ظبي، كان آخرها ما أعلنته وكالة الأنباء القطرية عن إجراء الأمير تميم اتصالًا هاتفيًا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتنسيق من الرئيس الأمريكي ترامب، بعد مساعي أمير الكويت في واشنطن لانتزاع موقف أمريكي أكثر فعالية وتحقيق خرق بالأزمة يؤدي إلى حلحلتها.
أكد الطرفان خلال الاتصال ضرورة حل الأزمة الخليجية من خلال الجلوس إلى طاولة الحوار لضمان وحدة واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، ورحب أمير قطر بمقترح ولي العهد السعودي بتكليف مبعوثين من كل دولة لبحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول.
كشف أمير الكويت نجاح الوساطة في إيقاف أي عمل عسكري ضد قطر، من واشنطن وفي حضرة الرئيس الأمريكي يؤكد أن الخيار العسكري كان واردًا في حسبان دول الحصار.
وبعد هذا الاتصال والمحادثة الأولى بين أمير قطر وولي العهد السعودي منذ فترة طويلة، اعتبر البعض أنه قد يمهد لانفراجة في الأزمة الخليجية وقد يتم البناء على المحادثة الهاتفية لبدء محادثات جديدة وبالتالي خرق بالأزمة وتوفير أجواء قد تفضي إلى تقريب وجهات النظر وحل الأزمة في أسرع وقت بالمحصلة.
انفراجة قصيرة أعقبها تعطيل الحوار
تلك الانفراجة لم تستمر طويلًا، فما إن طلع صباح اليوم السبت 9 من أيلول/سبتمبر حتى أعلنت السعودية تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح تبين فيه موقفها بشكل علني، وتكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، لذا عادت الأزمة إلى نقطة الصفر وكأن شيئًا لم يحدث، بل عادت دول الحصار للتصعيد مجددًا ورفض المساعي الأمريكية لحل الأزمة.
حيث نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسؤول في وزارة الخارجية السعودية اتهامه لوكالة الأنباء القطرية بتحريف مضمون الاتصال الذي تلقاه ولي العهد السعودي من قطر، وبحسب وكالة الأنباء السعودية فإن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية “لا يمت للحقيقة بصلة وهو تحريف للحقائق” دون توضيح المقصود بالتحريف، والاتصال بين أمير قطر وولي العهد السعودي كان بناءً على طلب قطر للحوار مع الدول الأربعة بشأن المطالب.
وأشارت وكالة الأنباء السعودية أن ولي العهد تلقى اتصالاً هاتفيًا من أمير قطر، وأبدى الشيخ تميم رغبته بالجلوس إلى طاولة الحوار لحل الأزمة الخليجية بما يضمن مصالح جميع الأطراف، الأمر الذي رحب به ولي العهد السعودي.
الهدف الرئيسي من زيارة أمير الكويت إلى واشنطن كان من أجل الحصول على موقف أكثر فاعلية من طرف الرئيس الأمريكي الذي ينظر إليه بأنه لعب دورًا مؤججًا في الأزمة وساهم في إذكائها عبر مواقفه السلبية.
وكان البيت الأبيض أعلن في وقت لاحق أن ترامب أجرى اتصالات هاتفية منفصلة، أمس الجمعة 8 من أيلول/سبتمبر، مع أمير قطر وولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي، وأشار بيان البيت الأبيض أن ترامب أبلغهم أن الوحدة بين شركاء واشنطن العرب ضرورية لتعزيز الاستقرار الإقليمي والتصدي لتهديد إيران، مشددًا على ضرورة تنفيذ جميع الدول التزامات قمة الرياض لهزيمة الإرهاب ووقف التمويل للجماعات الإرهابية ومحاربة الفكر المتطرف.
ويبدو أن تلك الاتصالات كانت سببًا في تحريك المياه الراكدة والتواصل بين أطراف الأزمة لإيجاد حل بينهم، فبعد اتصالات ترامب جرى الاتصال الهاتفي بين أمير قطر وولي العهد السعودي كما يظهر بناء على تنسيق من الرئيس الأمريكي الذي تكلم مع أطراف الأزمة، وهو ما نفته السعودية وقالت إن الاتصال جرى دون تنسيق أمريكي، بل كان بناءً على طلب قطر للحوار مع دول الحصار بشأن المطالب حسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية.
أمير الكويت في واشنطن لتفعيل الموقف الأمريكي
يزور أمير الكويت الشيخ أحمد الصباح، الذي يقود جهود الوساطة لإيجاد حل للأزمة بين دولة قطر ودول الحصار وإعادة الوحدة لمجلس التعاون، واشنطن منذ أول أمس الخميس في إطار افتتاح الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي الأمريكي الكويتي.
وفي المؤتمر الصحفي الذي جمع أمير الكويت مع ترامب يوم الخميس عبر فيه الشيخ صباح الجابر الصباح عما وصفه بالخلاف المؤسف بين الأشقاء في الخليج، كما عبر عن تفاؤله بحل الأزمة الخليجية قريبًا، مشددًا “الأزمة معقدة لكن لا توجد عقدة ليس لها حل، المهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري خلال الأزمة الخليجية”، وأضاف أنه في الأوضاع الحالية يجب أن نتناسى كل الخلافات.
الجدير بالذكر أنها المرة الأولى التي يكشف فيها أمير الكويت النجاح في إيقاف أي عمل عسكري ضد قطر، من واشنطن وفي حضرة الرئيس الأمريكي، وهو ما يؤكد أن الخيار العسكري كان واردًا في حسبان دول الحصار وإلا لما قالها أمير الكويت في هذا الموضع، وهي نقطة بارزة ستسجلها قطر أن كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر كانت تسعى للتدخل عسكريًا وخلع نظام الحكم في قطر، لإرغامها على اتباع سياساتها وعدم الخروج عن الموقف الخليجي الذي تقوده السعودية والإمارات.
كان لافتًا سرعة دول الحصار نفي ما ورد على لسان أمير الكويت بشأن الخيار العسكري، وإصدار بيان عن ذلك جاء فيه، ““تأسف الدول الأربعة لما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري، إذ تشدد على أن الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال“.
مع ذلك طرح مراقبون للأزمة تساؤلات عن سبب طرح الخيار العسكري منذ بداية الأزمة علمًا أن الحروب تأتي عادة بعد استنفاد الخيارات الدبلوماسية، فلماذا كانت دول الحصار تريد التدخل عسكريًا في قطر؟ ومع عدم اتباع الخيار العسكري فإن سياسات دول الحصار ضد قطر منذ البداية قامت دون أن تكون بأسلحة عسكرية، بدءًا من قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض الحصار البري والجوي وطرح لائحة الشروط الـ13 ومسألة تسييس الحج إضافة إلى الحملة الإعلانية لتشويه سمعة قطر في أمريكا والدول الغربية.
ترامب أبلغ قطر والإمارات والسعودية أن الوحدة بين شركاء واشنطن العرب ضرورية لتعزيز الاستقرار الإقليمي والتصدي لتهديد إيران، مشددًا على ضرورة تنفيذ جميع الدول التزامات قمة الرياض لهزيمة الإرهاب ووقف التمويل للجماعات الإرهابية ومحاربة الفكر المتطرف
وتزامنًا مع وجود الشيخ صباح في واشنطن أصدرت دول الحصار الأربعة بيانًا أمس الخميس أعربت فيه عن تقديرها لوساطة أمير الكويت، مشددة في الوقت نفسه على أن الحوار يجب ألا تسبقه شروط، وزعمت أن خلاف قطر ليس مع الدول الخليجية فقط بل مع دول عربية وإسلامية، مدعية أن دولًا عدة لم تتمكن من إعلان موقفها بسبب التغلغل القطري بشؤونها“.
أما قطر فقد أشار أمير الكويت أنه تلقى اتصالًا منها، حيث أبدت استعدادها للجلوس على طاولة الحوار لبحث المطالب الـ13 مع تأكيدها أنها لا تقبل بالمطالب التي تمس سيادة الدول.
في الواقع فإن الهدف الرئيسي من زيارة أمير الكويت إلى واشنطن كان من أجل الحصول على موقف أكثر فاعلية من طرف الرئيس الأمريكي الذي ينظر إليه أنه لعب دورًا مؤججًا في الأزمة وساهم في إذكائها عبر مواقفه السلبية بعدما حرض على قطر بعد قمة الرياض في 21 من مايو/أيار الماضي وأنها تسهم في دعم التنظيمات الإرهابية، وهو ما شجع أبو ظبي والرياض على المضي قدمًا بالتصعيد نحو مستويات خطيرة ضد قطر، ويبدو أن ذلك حصل بعد اتصال ترامب بالإمارات والسعودية وقطر والتوسط في إجراء اتصال بين قطر والسعودية.
وكالة الأنباء السعودية تشير أن ما نشرته وكالة الأنباء القطرية لا يمت للحقيقة بصلة، والاتصال بين أمير قطر وولي العهد السعودي كان بناءً على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربعة بشأن المطالب.
حاول أمير الكويت في زيارته سحب اعتماد دول الحصار على الموقف الأمريكي المتذبذب في موقفه ضد قطر، وراهنت على أن حجم الموقف الأمريكي من الأزمة الخليجية يمكنه أن يسهم في تحديد أمد الأزمة والذهاب في خطوات أخرى أكثر عملية تمهد للحل، إضافة إلى أن أمير الكويت عازم على حل الأزمة قبل اجتماعات وزاء خارجية مجلس التعاون التي تسبق القمة الدورية للمجلس والتي من المقرر انعقادها في الكويت في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ولكن لا يجب النسيان أن التعويل على الرئيس الأمريكي للضغط على السعودية والإمارات لحل الأزمة الخليجية قد لا يكون كبيرًا، فترامب يواجه مشاكل كبيرة في إدارته قد تنتهي به إلى الاستقالة لذا لن يكون أكبر همه الأزمة الخليجية وحلها، فضلًا عن الأزمة مع كوريا الشمالية والعلاقات مع روسيا في إطار الأزمة السورية، ومن جهة أخرى فإن إصرار دول الحصار على الشروط الـ13 والتي تعتبرها قطر تدخلًا سافرًا في سيادتها ينبئ بفشل أي انفراجة تبدأ من هذا المنطلق، وهو ما حدث تمامًا صباح اليوم فبعدما وجدت دول الحصار أن قطر قبلت بالحوار فقط دول القبول بشروطها الـ13، سارعت إلى نسف الجهود الأمريكية وجهود أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وعودة الأزمة إلى الصفر.