ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بالحكومة المؤقتة لدولة إسرائيل في سنة 1948، وكانت على امتداد عقود عديدة مؤيدًا قويًا وثابتًا للدولة اليهودية. وقد تلقت إسرائيل مساعدات خارجية أمريكية بمئات المليارات من الدولارات في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو مستوى من الدعم يعكس العديد من العوامل، بما في ذلك التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ومصالح السياسة الخارجية المشتركة بين الطرفين في ظل ظروف متقلبة واستراتيجية في جزء مهم من العالم.
لا يوجد بينهما اتفاق دفاع مشترك، كما فعلت الولايات المتحدة مع حلفاء مثل اليابان وزملائها الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن إسرائيل تندرج ضمن قائمة قصيرة من “الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو” وتتمتع بامتياز الوصول إلى المنصات والتقنيات العسكرية الأمريكية الأكثر تقدمًا.
ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن حوالي نصف الأمريكيين لديهم آراء إيجابية تجاه إسرائيل. لكن المساعدات العسكرية الأمريكية المستمرة لإسرائيل أصبحت تخضع لتدقيق أكبر في خضم حرب إسرائيل ضد حماس، على خلفية الهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، وهو الهجوم الأكثر دموية من نوعه في تاريخ البلاد.
أعرب بعض المشرعين الأمريكيين والقادة الأجانب والأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والناشطين وأطراف أخرى عن قلقهم المتزايد بشأن حجم الحرب التي تشنها إسرائيل للقضاء على حماس. وقد انتقدوا بشكل خاص القصف العنيف الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، الذي أدى حسب التقارير إلى مقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين.
ما هو حجم المساعدات الأمريكية التي تتلقاها إسرائيل؟
كانت إسرائيل أكبر متلق تراكمي للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ قيامها، حيث تلقت حوالي 300 مليار دولار (معدلة حسب التضخم) من إجمالي المساعدات الاقتصادية والعسكرية. قدّمت الولايات المتحدة كذلك حزم مساعدات خارجية كبيرة لدول أخرى في الشرق الأوسط، خاصة مصر والعراق، لكن إسرائيل تقف منفصلة عن ذلك.
قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات اقتصادية كبيرة في الفترة من 1971 إلى 2007، لكن كل المساعدات الأمريكية تقريبًا تذهب اليوم لدعم الجيش الإسرائيلي، الأكثر تقدمًا في المنطقة. وقد وافقت الولايات المتحدة مؤقتًا (من خلال مذكرة تفاهم) على تزويد إسرائيل بحوالي 4 مليارات دولار سنويًا حتى سنة 2028، وينظر المشرعون الأمريكيون في تقديم مليارات الدولارات كتمويل إضافي لإسرائيل وسط حربها ضد حماس.
كيف تستخدم إسرائيل المساعدات؟
يتم تقديم معظم المساعدات – حوالي 3.3 مليار دولار سنويًا – كمنح في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي، وهي أموال يجب على إسرائيل استخدامها لشراء المعدات والخدمات العسكرية الأمريكية. وقد سُمح لإسرائيل تاريخيا باستخدام جزء من مساعدات التمويل العسكري الأجنبي لشراء معدات من شركات الدفاع الإسرائيلية – وهي ميزة لا تُمنح لمتلقين آخرين للمساعدات العسكرية الأمريكية – ولكن سيتم إلغاء هذه المشتريات المحلية تدريجيا في السنوات القليلة المقبلة.
وتفيد التقارير بأن المساعدات الأمريكية تمثل حوالي 15 بالمئة من ميزانية الدفاع الإسرائيلية. كما تشتري إسرائيل، مثل العديد من الدول الأخرى، منتجات عسكرية أمريكية خارج نطاق برنامج التمويل العسكري الأجنبي.
خُصّصت 500 مليون دولار سنويًا لبرامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلية والمشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يتعاون البلدان في البحث والتطوير وإنتاج هذه الأنظمة التي تستخدمها إسرائيل، بما في ذلك القبة الحديدية، ومقلاع داود، والسهم II. وقد تم تطوير القبة الحديدية من قبل إسرائيل وحدها، لكن الولايات المتحدة كانت شريكًا في الإنتاج منذ سنة 2014. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة رايثيون الأمريكية بتصنيع صواريخ تامير الاعتراضية للقبة الحديدية الإسرائيلية في منشآتها في أريزونا.
هل هناك أي شروط أو قيود مرتبطة بالمساعدة؟
تخضع عمليات نقل المعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، كما هو الحال مع الحكومات الأجنبية الأخرى، للقانون الأمريكي ذي الصلة. بعبارة أخرى، قبل بيع أنظمة أو خدمات أسلحة أمريكية رئيسية إلى قوى أجنبية، يجب على الرئيس عادةً إخطار الكونغرس، مما يسمح للمشرعين بفترة مراجعة لعملية البيع (خمسة عشر يومًا للمبيعات الموجهة إلى إسرائيل). ويمكن للكونغرس أن يمنع عملية البيع من خلال قرار مشترك، على الرغم من أن هذا لم يحدث قط. وفي حالات خاصة، يمكن للرئيس تجاوز مراجعة الكونغرس إذا رأى أن هناك حالة طوارئ تتعلق بالأمن القومي. وقد استخدم الرئيس جو بايدن عملية التنازل المعجلة لكل من إسرائيل وأوكرانيا.
لا تستطيع الولايات المتحدة تقديم مساعدة أمنية لحكومات أو جماعات أجنبية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو خط أحمر منصوص عليه في ما يسمى بقانون ليهي. علاوة على ذلك، أعلنت إدارة بايدن في شباط/ فبراير 2023 أنها لن تقدم الأسلحة إلى المستفيدين الذين من المحتمل أن يرتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وزعم بعض الباحثين القانونيين وغيرهم من النقاد أن الولايات المتحدة لم تطبق قانون ليهي فيما يتعلق بإسرائيل كما فعلت مع دول الشرق الأوسط الأخرى.
أي مساعدات عسكرية تقدمها الولايات المتحدة للمستفيدين ينبغي أن تستخدم فقط وفقًا للشروط والأحكام المتفق عليها، ويتعين على حكومة الولايات المتحدة مراقبة الاستخدام النهائي للمعدات التي تقدمها. فعلى سبيل المثال، حظرت إدارة رونالد ريغان نقل الذخائر العنقودية إلى إسرائيل لعدة سنوات في الثمانينات بعد أن قررت أن إسرائيل استخدمتها ضد أهداف مدنية أثناء غزوها للبنان. وفي مثال حديث، امتنعت إدارة بايدن عن شحنة مخططة من بنادق هجومية أمريكية الصنع إلى إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 2023 بسبب مخاوف من أن الأسلحة ستنتهي في أيدي المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في الضفة الغربية.
وافقت إسرائيل على استخدام الأسلحة الأمريكية فقط للدفاع عن النفس. وبعيدًا عن هذا، قال مسؤولو إدارة بايدن إنهم لم يضعوا المزيد من القيود على كيفية استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية، على الرغم من أنهم يقولون إن إسرائيل يجب أن تلتزم بالقانون الدولي.
ما هو التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل؟
كان التفوق العسكري النوعي بمثابة الأساس المفاهيمي للمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل لعقود من الزمن، وقد تم تكريسه رسميًا في القانون الأمريكي لسنة 2008. فهو يتطلب من حكومة الولايات المتحدة الحفاظ على قدرة إسرائيل “على هزيمة أي تهديد عسكري تقليدي ذي مصداقية من أي دولة فردية أو تحالف محتمل من الدول أو من جهات فاعلة غير حكومية، مع تحمل الحد الأدنى من الأضرار والخسائر”. واعتمد نظام التفوق العسكري النوعي على التخطيط العسكري لحلف الناتو في مواجهة صراع محتمل مع الاتحاد السوفييتي ودول حلف وارسو خلال الحرب الباردة.
بموجب قانون سنة 2008، يجب على الولايات المتحدة التأكد من أن أي أسلحة توفرها لدول أخرى في الشرق الأوسط لا تؤثر على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي. وفي العديد من الحالات، تطلب ذلك من الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بأسلحة موازنة كجزء من مبيعات الأسلحة الإقليمية الأكبر. كما ضمن نظام التفوق العسكري النوعي أن تكون إسرائيل هي الأولى في المنطقة التي تحصل على إمكانية الوصول إلى الأسلحة والمنصات العسكرية الأمريكية الأكثر تطورا، مثل المقاتلة الشبح إف-35، التي تمتلك إسرائيل خمسين منها.
لماذا هناك تدقيق عام متزايد في المساعدات الأمريكية لإسرائيل؟
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل القدر المناسب من الدعم أو لا تقدمه بشكل كافٍ، على الرغم من أن المساعدات العسكرية الأمريكية أصبحت مثيرة للجدل بشكل متزايد في خضم الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقد تمتعت إسرائيل بدعم واسع النطاق من الغرب فور الهجوم الإرهابي المفاجئ الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، الذي تضمّن جرائم حرب وفظائع مزعومة ضد المدنيين، لكن الرأي العام قد تحول في العديد من البلدان مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين وبقاء غالبية الفلسطينيين في غزة مشردين.
كان بايدن من أشد المؤيدين لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ويواصل تزويد إسرائيل بالمساعدات العسكرية، لكنه وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي يشعرون بالقلق إزاء استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في الحرب. وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، بينما كان الكونغرس الأمريكي يناقش تشريعًا يتضمن تمويلًا طارئًا بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، حذر بايدن من أن “القصف العشوائي” الإسرائيلي لغزة يمكن أن يكلّف إسرائيل دعمها الدولي.
وفي الوقت نفسه، سعى بعض المشرعين الديمقراطيين إلى جعل المساعدات الأمريكية مشروطة بالتزامات من إسرائيل للحد من الخسائر في صفوف المدنيين. وفي اليوم نفسه، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح وقف إطلاق النار في غزة، بينما صوتت 10 دول فقط من أصل 190 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ضد هذا الإجراء.
قبل الحرب، عانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من بعض التوترات بسبب خطاب حكومة نتنياهو وسياساته، بما في ذلك خططها للحد من صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية وموافقتها على المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية – إذ يقول النقاد إن المستوطنات تنتهك القانون الدولي وتقوّض احتمالات إقامة دولة مستقبلية للفلسطينيين. لقد كان ما يسمى بحل الدولتين هدفًا طويل الأمد للسياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك إدارة بايدن. وقد أثار بعض المشرعين الأمريكيين هذه الانتقادات في النقاش حول المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الحرب في غزة.
على نطاق أوسع، قال بعض المحللين الأمريكيين والإسرائيليين إنه يجب إعادة تقييم المساعدات الأمريكية لإسرائيل لأن إسرائيل أصبحت الآن دولة غنية – تحتل المرتبة 14 من حيث نصيب الفرد من الناتج القومي – ولديها أحد أكثر الجيوش تقدمًا في العالم. وخلافا لإسرائيل أثناء الحرب الباردة في السبعينات، عندما بدأت كميات كبيرة من المساعدات الأمريكية تتدفق، فإن إسرائيل الحديثة أكثر من قادرة على توفير أمنها الخاص، والمساعدات الأمريكية تشوه بلا داع العلاقات الثنائية والسياسات الخارجية لكلا الطرفين، كما يرى هؤلاء المراقبون.
كتب ستيفن كوك، أحد كبار زملاء مجلس العلاقات الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية في سنة 2020: “لقد حان الوقت لوضع مسار متفق عليه للتخلص التدريجي من المساعدات العسكرية”. وأضاف أن “هذا ليس عقابًا بل اعترافًا بأن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق هدفها، وأن المساعدة ليست استحقاقا، والولايات المتحدة لا تعتقد أن ضم الضفة الغربية يصب في مصلحة إسرائيل”.
دعا مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل والزميل الحالي المتميز في مجلس العلاقات الخارجية، إلى تخفيض المساعدات الأمريكية. وكتب على تويتر في حزيران/ يونيو 2023 أن “العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستكون صحية أكثر بدون هذا الاعتماد. وقد حان الوقت لإسرائيل في عامها الـ75 لتعتمد على نفسها”.
ويقول خبراء آخرون إن المساعدات الأمريكية تضعف في الواقع القاعدة الصناعية الدفاعية الإسرائيلية بينما توفر في المقام الأول تدفق إيرادات مضمون لمقاولي الدفاع الأمريكيين.
من ناحية أخرى، يرى مؤيدو المساعدات المستمرة إنها تعزز التعاون المستمر والمهم بين خبراء الصناعات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية، وفي النهاية تساعد الدول على مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط، وخاصة إيران.
تظل المساعدات الأمريكية “حيوية وفعالة من حيث التكلفة” لتعزيز الأمن القومي الأمريكي، ولا ينبغي تخفيضها أو تقييدها، كما كتب أكثر من 300 مشرع جمهوري في سنة 2021. وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية اليوم “من شأنه أن يبعث برسالة إلى أعداء إسرائيل تفيد بأن أعظم أصدقاء إسرائيل يتنحون، لذا يجب عليهم مضاعفة خططهم لشن المزيد من الهجمات الأكثر فتكًا على الدولة اليهودية”، وذلك على حسب ما قاله إليوت أبرامز، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية في أيلول/ سبتمبر 2023.
المصدر: كاونسل أون فورين ريليشنز