ترجمة حفصة جودة
يشق إعصار “إيرما” طريقه بعنف نحو فلوريدا الجنوبية، وبذلك يكون الإعصار الأول من الفئة الخامسة الذي يضرب الولاية منذ إعصار “أندرو” 1992، كانت المساعدات قد وصلت متأخرة إلى ضحايا أندرو وتم توزيعها بعشوائية، وحينها قالت سلطات الولاية والسلطات الفيدرالية إنهم تعلموا الدرس من أخطائهم وأن الأمر لن يتكرر مرة أخرى.
بعد 10 أيام من إعصار أندرو ذهبت إلى هومستيد، وهي بلدة صغير مدمرة تقع على بعد 20 ميلاً جنوب ميامي، رحب بي السكان المحليون بشدة حيث اعتقدوا في البداية أنني ضابط تأمين أو مسؤول حكومي جاء لمساعدتهم، حينها انخفضت توقعاتهم بشدة نحو أي مساعدات حكومية.
عندما وصلت المساعدات أخيرًا كان الأمر هزليًا ولا يتفق مع الاحتياجات المحلية، أصيب مسؤولو الجيش الأمريكي بالإحباط لأنهم نصبوا 25 خيمة كل خيمة تتسع لـ30 شخصًا ممن تضررت منازلهم، لكن الناجين رفضوا الإقامة في تلك الخيام.
بدلًا من ذلك أقام الناس في حطام منازلهم، وبرروا ذلك بأنهم إذا انتقلوا فإن اللصوص سيسرقون ممتلكاتهم، كان الجيش يسمح للناس بإحضار 3 حقائب فقط في الخيام، وبالتالي ظلت فارغة تمامًا.
هؤلاء الناس كانوا بحاجة للمساعدة قبل العاصفة والآن أصبحت حاجتهم للمساعدة أكبر من ذي قبل
السبب الآخر الذي جعل الناس لا يغادرون حطام منازلهم أنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر ظهور ضباط التأمين فقد كانوا يخشون تفويتهم، وعلى الجدران الخارجية للمنازل كتب ملاك المنازل بأحرف كبيرة أسماء شركات التأمين الخاصة بهم مثل: “All State” و”Prudential” و”Utah Fire” و”Flood”، كانت خيبة أملهم لأنني لم أكن موظفًا لإحدى هذه الشركات مفهومة تمامًا.
لم يكن جميع من ضربهم الإعصار يمتلكون تأمينًا، فبالقرب من هومستيد كان هناك معسكرًا لعمال مهاجرين، والذين في أفضل الأحوال يستطيعون جمع بعض الكلس والأفوكادوا، كانوا يأملون في الحصول على مساعدة الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ والتي كان من المفترض ظهور موظفيها في المنطقة، هناك وجدت اثنين من المتطوعين في الوكالة يجلسون على أحد المكاتب لمساعدة عمال المزارع المكسيكيين لملء استمارة صفراء من 5 ورقات لطلب المساعدة.
هؤلاء الناس كانوا بحاجة للمساعدة قبل العاصفة والآن أصبحت حاجتهم للمساعدة أكبر من ذي قبل، فلم يعد يمكنهم جمع الفاكهة ولا توجد طريقة لجمع المال وهو أكبر ما ينقصهم، قال أحد متطوعي الوكالة والذي يعمل عادة في أمن السكة الحديد بواشنطون: “ما نحتاجه حقًا سيارة مصفحة مليئة بالمال لنمنحه للناس”.
في الكوارث الطبيعية تشعر الحكومات المحلية والمركزية أنه من الضروري إظهار حماسة شديدة بغض النظر عن فاعليتها
لكن الأموال النقدية آخر ما ترغب الوكالات والمؤسسات الخيرية في منحه، رغم أنهم يستطيعون توفير أي شيء آخر حتى لو كان غير ضروري، كانت الميادين في هومستيد ممتلئة بأكياس من الملابس الزاهية التي أرسلها المتبرعون من جميع أنحاء الولايات المتحدة مثل سترات وفساتين صوفية للأطفال، يبدو أن هؤلاء المتبرعين لا يعلمون كم ترتفع درجة الحرارة في صيف فلوريدا.
من المفترض أن يكون كل شيء قد تغير بعد هذا الإعصار المدمر، والذي تستخدم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية اسمه للدلالة على الأعاصير، فقد دمر 63 ألف مبنى، وبعد انتهائه وُضعت لوائح بناء أكثر صرامة حتى تتمكن المباني من مقاومة الرياح القوية للأعاصير، ومن المفترض أن تكون وكالة الطوارئ قد تعلمت من تلك التجربة، لكن يبدو أنها لم تتعلم شيئًا عندما ضرب إعصار “كاترينا” مدينة نيوأورليانز 2006 وعندما ضرب إعصار “ساندي” نيويورك 2012.
يخشى المسؤولون والسياسيون في الولايات اتهامهم بعدم القيام بما فيه الكفاية لمواجهة الكوارث الطبيعية، فجميعهم يتذكرون الجراح السياسية البالغة التي أصابت جورج بوش عندما استجاب بلا مبالاة لإعصار كاترينا مع صورته الشهيرة وهو ينظر من شباك الطائرة إلى المدينة المغمورة بالمياه، وفي الدفاع عنه فمن الممكن أن يُقال إن وسائل الإعلام والجمهور يميلون إلى أخذ الإيماءات الرمزية في أثناء الكوارث على محمل الجد، كما لو أن وجود بوش في نيو أورليانز قدم الكثير من الخير لهؤلاء الذين غرقت منازلهم.
في الكوارث الطبيعية تشعر الحكومات المحلية والمركزية أنه من الضروري إظهار حماسة شديدة بغض النظر عن فاعليتها، فالجيش والحرس الوطني و113 طائرة هليكوبتر و30 ألف جندي موجودون على أهبة الاستعداد من أجل إعصار إيرما، لكن هناك الكثير من الشك بشأن إذا ما كان هؤلاء الناس هم الأفضل في التعامل مع هذا النوع من الكوارث.
عمليًا؛ من الصعب معرفة الأماكن متوسطة الدمار أو الشديدة أو المدمرة تمامًا
في إعصار أندرو قال مسؤول أمريكي سابق في البحرية وكان من ضمن قوات الإغاثة: “كان من المفترض أن يتحمل الصليب الأحمر المسؤولية أو أي كيان آخر يستطيع القيام بالأمر، وبالتالي لم يكن الحرس الوطني ومسؤولو المدينة والجيش ليلقوا باللوم على بعضهم البعض”.
تشترك وسائل الإعلام في مسؤوليتها بشأن الأخطاء التي تحدث بسبب طريقتها التقليدية في نشر أخبار الأعاصير وغيره من الكوارث الطبيعية، ولا جديد في ذلك، فالعواصف والحروب طعام وشراب الإعلام منذ صدور أول جريدة مطبوعة في بداية القرن الـ17، والأمر كذلك بالنسبة للتلفاز ووسائل الإعلام الرقمية، تتحيز التقارير الإخبارية دائمًا إلى الميلودراما ولا يوجد أي صحفي طُرد من عمله بسبب وصفه المبالغ فيه بشأن الدمار الذي تسببه الأعاصير أو القنابل.
من المفترض أن تُظهر التقارير المستمرة طول الوقت عن إعصار إيرما وغيره من الإعصارات صورة واضحة لما يحدث، لكن عمليًا من الصعب معرفة الأماكن متوسطة الدمار أو الشديدة أو المدمرة تمامًا، فوحدة قياس مستوى الأحداث في الإعلام أعلى دائمًا مما يحدث في الواقع حقًا.
هذه العواصف آخر المشكلات التي قد تواجه سكان المناطق الفقيرة
في أنتيغوا قال المسؤولون إن الدمار في الجزيرة كان طفيفًا وعلى النقيض من ذلك كانت باربودا المجاورة مدمرة تمامًا، لكن أحد شهود العيان من أنتيغوا قال لوسائل الإعلام: “التجربة التي عشناها كانت أشبه بأفلام الرعب التي نراها، فالناس يجرون من بيت إلى آخر والسيارات تطير فوق رؤوسنا والحاويات العملاقة تطير يمينًا ويسارًا”.
في حالة الحروب والعواصف غالبًا ما يكون من الصعب معرفة المدى الحقيقي للدمار، فهذا الشارع مدمر لكن ماذا عن الذي يليه؟ حدث إعصار أندرو على مقربة من مركز إعلامي كبير في ميامي، لكن تطلب الأمر عدة أيام لتدرك وسائل الإعلام حجم الكارثة التاريخية التي حدثت بالقرب من أبوابهم.
دائمًا ما تصيب الأعاصير مثل أندرو وإيرما المناطق الفقيرة لأن الناس هناك يعيشون في بيوت واهية لا تصمد أمام الرياح الشديدة، وهذه العواصف آخر المشكلات التي قد تواجههم، في هاييتي دمرت العاصفة إمدادات المياه ونظام التخلص من النفايات في بلد كانت تعاني لتوها من انتشار وباء الكوليرا، وفي بورتوريكو استغلت شركة الكهرباء المفلسة مرور العاصفة بشكل طفيف على الجزيرة لتبرر انقطاع الكهرباء لمدة وصلت لـ4 أشهر.
تفشل عمليات الإغاثة من الكوارث في كثير من الأحيان لأنها تكون موجهة للكوارث الفورية والتخفيف من التدهور الاجتماعي طويل المدى، ولو أن إعصار إيرما ضرب فلوريدا بكامل قوته لتسبب في دمار يماثل الدمار الذي سببه إعصار أندرو قبل ربع قرن.
المصدر: إندبندنت