خلط تصريح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن “وقف عمل عسكري” ضد قطر في ظل الأزمة، كل الأوراق، فقد قال في مؤتمر مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض: “المهم أوقفنا أن يكون هناك شيئًا عسكريًا”.
دول الحصار التي ساءها هذا التصريح، خرجت ببيان مباشر 8-9-2017 وقعت عليه جميعها، قالت فيه:”الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال، والأزمة مع قطر ليست خلافًا خليجيًا فحسب، لكنها مع العديد من الدول العربية والإسلامية”.
من هنا بدأ جانب من المفاوضات لم يكتمل، فقد بادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالاتصال هاتفيًا بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبحث الأزمة، وعلى إثره وافقت قطر على طلب ولي العهد السعودي بتكليف مبعوثين من كل دولة لبحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول.
لم تكتمل الخمس ساعات الأولى على الاتصال حتى أعلنت السعودية تعليق الحوار، متهمة الإعلام القطري بقلب الحقائق بخصوص أن الاتصال جاء بالتنسيق من ترامب أم بمبادرة فردية من السعودية.
رغم أن نيويورك تايمز نشرت خبر تنسيق المكالمة الهاتفية بين أمير قطر وولي العهد من قبل الرئيس ترامب، فإن ذلك لم يقنع الإعلام السعودي الذي شن هجومًا على قطر بقيادة الإمارات.
لم تتعامل دول الحصار الأربعة مع الأزمة بشكل مبالغ فيه فحسب، بل بـ”صبيانية واضحة”
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بفلسطين عدنان أبو عامر اعتبر مبادرة أمير قطر للاتصال بولي العهد السعودي بوساطة ترامب مساهمة لتفكيك الأزمة الخليجية مضيفًا: “رد السعودية الفوري على هذه الخطوة الإيجابية القطرية بحملة إعلامية قاسية ضد الدوحة، تعني إما أن الطريق ما زال طويلاً لحلحلة المشكلة أو أن واشنطن لا تمتلك المزيد من أدوات الضغط على أطرافها أو أن الرياض وأبو ظبي تتجهان لكسر العظام مع الدوحة.
أما الكاتبة اليمنية منى صفوان نظرت لتعليق الحوار من منظور الزعامة فقط فقالت: “لا يروق للسعودية أن تظهر مطيعة لأمريكا، وأن تقول قطر إنها تواصلت معها بناءً على طلب ترامب، لذلك علقت أي حوار مع قطر لحين إصدار بيان قطري يؤكد الرغبة القطرية في ذلك”.
في حين صرح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد الشاذلي تعليقًا على تصريح أمير الكويت بالخيار العسكري: “تم تصعيد الأمور بشكل مبالغ فيه، ولقد تعاملت الدول الأربعة بشكل مندفع مع الأزمة، وأمريكا تلعب على جميع الأطراف، فهي لا ترغب إلا في تحقيق مصالحها فقط من جميع الأطراف”.
لم تتعامل دول الحصار الأربعة مع الأزمة بشكل مبالغ فيه فحسب، بل بـ”صبيانية واضحة” وفق ما أكد الصحفي والباحث في الشأن الخليجي محمد الأهوازي.
وقال الأهوازي لنون بوست: “تتعامل بعض أطراف الأزمة الخليجية بصبيانية، توقف مصير دول على أساس تصريحات أو اتهامات، وما يجري في تويتر من تصريحات وردود هو بذاته مقاتلة طواحين الهواء التي لن يستفيد منها أي طرف، بل إن مجرد التفكير بالخيار العسكري يعني أن الخليج سيتفتت بالكامل، لأنه لم يخرج من اليمن أو سوريا أو العراق، وهذا له تأثير خطير على المنطقة”.
اللاعبون الخارجيون في الملعب الخليجي
وليست أمريكا اللاعب المنفرد في ملعب الأزمة الخليجية فقد وصل مساء 9-9-2017 وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والذي سيتناول في مباحثاته مع المسؤولين السعوديين تطورات الأزمة، في وقت أعلنت فيه المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن “موسكو لا تزال تدعو الدول المعنية إلى تجاوز خلافاتها من خلال المفاوضات”.
كذلك لا يمكن أن تغيب بريطانيا عن الملعب الخليجي، حيث ستستضيف لندن مؤتمرًا للمعارضة القطرية يوم الخميس المقبل، ويَجري تحشيدٌ إعلاميٌّ وسياسيٌّ كبيرٌ له، وعلى أعلى المستويات، وقد تكون هناك قنوات تتولى تغطية وقائعه على رأسها “العربية” و”سكاي نيوز عربية”، ومُعظم القنوات السعودية والإماراتية.
وفي ظل تعدد اللاعبين الخارجيين في الأزمة الخليجية رأى عبد الباري عطوان الكاتب السياسي المعروف أن هذه الأزمة وتطوراتها كشفت أنه لا سيادة لأي دولة خليجية أو حتى عربية، فمن يملك السيادة الحقيقية هو البيت الأبيض وساكنه، وأي حديث مخالف، هو مجرد ضحك على الذقون، وخداع للنفس”.
جنون الخيار الأخير
ورغم ذلك لم يستبعد عبد الباري عطوان الخيار العسكري على قطر قائلاً: “الحل العسكري للأزمة الخليجية، بات أقرب من أي وقت مضى في ظل انسداد الأفق الدبلوماسي وتفاقم الخلافات”.
واستغرب يحيى عالم باحث الدكتوراه في الفلسفة السياسية في جامعة فاس المغربية من خيارات السعودية والإمارات المتعجلة قائلاً لـ”نون بوست”: “كيف يمرر قرار الخيار العسكري بجرة قلم؟ وماذا بعد هذا التفكك العربي الخطير؟ أمريكا تريد تفكيك كل أشكال الزعامة العربية أو الإسلامية التي قد تشكل تحالفًا معارضًا لأي من قراراتها مستقبلاً على حساب دعم الأقليات والإثنيات، والهروب باتجاه الإرهاب”.
المستفيد الأكبر من الأزمة الخليجية الحالية هي إيران والتي ستحاصر الخليج من جميع النواحي
وعن شكل المنطقة الجديد تساءل عالم عن شكل المنطقة الجديد القادر على مواجهة الأزمات العربية الخارجية؟ معتبرًا “المستفيد الأكبر من الأزمة الخليجية الحالية هي إيران والتي ستحاصر الخليج من جميع النواحي”.
إلا أن شكلاً إيجابيًا اتخذته الصحافة الأجنبية رغم تصاعد الخلافات بوتيرة متسارعة في العلاقات الخليجية، فقد اعتبرت وول ستريت جورنال أن الخلاف الأخير عبر المكالمة الهاتفية يدول حول “البروتوكول”.
ونقلت الصحيفة عن الخبير في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني لولتكن بوغاردت قوله: “هناك رغبة من الجانبين للتحدث لبعضهما البعض، وهذا في حد ذاته يمثل تقدمًا”، مضيفًا أن التدخل الأمريكي العالي المستوى هو الذي تسبب في إجراء الاتصال الهاتفي، وأن الأمر بحاجة إلى جهود مثابرة طويلة المدى لتجاوز هذه الأزمة”.
ولعل الاتصال الأخير بين الطرفين قد يفتح الأفق نحو طاولة المفاوضات قريبًا، وينقذ المنطقة ومن في جبل النفق السياسي المظلم للمنطقة العربية، لأن انعكاسات الأزمة الخليجية ستطال المنطقة بكاملها وليس اتجاهًا واحدًا فقط.