مرت أكثر من 4 أشهر على بداية حرب غزة، وما زالت الصواريخ الفلسطينية تنطلق صوب “إسرائيل”، وما زالت قذائف الياسين 105 تفجّر دبابات الاحتلال الإسرائيلي، وبنادق القنص (الغول) تصطاد جنوده، كل ذلك بأسلحة محلية الصنع، وهي كلمة السر في المعركة حتى الآن.
لم تنتهِ الأسلحة الفلسطينية، ولم تنفد الذخيرة، رغم مدة الحرب الطويلة، ورغم الحصار المفروض على غزة الذي يمنع وصول أي دعم عسكري إليها، والسرّ هو التصنيع المحلي الذي أتاح لحماس ومن خلفها باقي الفصائل استقلالية القرار والقدرة على الصمود.
تجربة حماس رغم محدوديتها في التصنيع العسكري قد تكون ملهمة لمحيطها العربي، قياسًا بحجم الحركة وعدد مقاتليها الذي قدَّرته “إسرائيل” بحوالي 30 ألف مقاتل، وقياسًا بحجم قطاع غزة الذي يتجاوز سكانه بالكاد مليوني نسمة، وكل ذلك قليل جدًّا إذا ما قيس بإمكانات الدول العربية المحيطة.
أين مكانة العرب بين مصنعي الأسلحة؟
هناك اعتقاد سائد بأن العرب يستوردون أسلحتهم ولا يصنعون شيئًا، ولذلك قرارهم دائمًا بيد من يبيع لهم هذا السلاح، والحقيقة ليست كما يروَّج لها بالضبط، فالعرب بالفعل من أكبر مستوردي السلاح بالعالم، وهناك 9 دول عربية ضمن أكبر 40 مستوردًا للسلاح بالعالم، منهم 3 (مصر والسعودية وقطر) ضمن أكبر 10 دول تستورد السلاح بالعالم، بحسب تقرير معهد ستوكهولم عام 2023.
قلّلت تركيا اعتمادها على الخارج في مجال الأسلحة إلى 20% فقط، وبدأت في تصنيع طائرات مسيَّرة عالية الجودة مثل آقنجي وآق سونغور
إلا أن التقرير ذكر أيضًا أن الإمارات والأردن جاءا ضمن أكبر 25 دولة تصدر السلاح للعالم، والحقيقة كذلك أن الإمارات الأردن ليسا أول دولتَين عربيتَين تصنعان أسلحة، وليسا من يصنعانه الآن فقط، بل أن تجارب تصنيع الأسلحة الحديثة في العالم العربي بدأت في أواسط القرن العشرين، وما زالت مستمرة وإن كانت بشكل أقل من الطموح وأقل من إمكانات تلك الدول، خاصة إذا ما قارناها بالجارتَين المسلمتَين تركيا وإيران.
ونقلت “بي بي سي” البريطانية، عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قوله بوجود أكثر من 2000 شركة تركية تعمل في قطاع تصنيع الأسلحة، بعدما كانت 56 شركة فقط عام 2002، فيما ارتفعت حصة البحث والتطوير للصناعات الدفاعية التركية إلى 1.5 مليار دولار، قياسًا بـ 49 مليون دولار عام 2002، والأهم أن الصادرات الدفاعية التركية بلغت 4.4 مليارات دولار عام 2023 مقارنة بـ 248 مليون دولار عام 2002، مع وجود أكثر من 725 مشروعًا دفاعيًّا جاري العمل عليها الآن.
وقلّلت تركيا اعتمادها على الخارج في مجال الأسلحة إلى 20% فقط، بحسب تصريحات لأردوغان، وبدأت في تصنيع طائرات مسيَّرة عالية الجودة مثل آقنجي وآق سونغور، وعلى وشك إنتاج مقاتلة التفوق الجوي تاي تي إف-إكس التي سمّاها أردوغان “قآن”، وبجانب سلاح الجو فإن تركيا واحدة من 10 دول فقط في العالم تصنع سفنها الحربية بنفسها.
أما إيران فقد أعلن وزير دفاعها محمد رضا أشتياني عام 2023، أن صادراتها من الأسلحة ارتفعت في العام الذي سبقه بمقدار 3 أضعاف، ومن أكبر المستوردين منها دولة عظمى بحجم روسيا، وعلى رأس ما استوردته منها الطائرات المسيّرة شاهد-136، وقيل إن إيران هي التي درّبت حماس على تصنيع أسلحتها، وكذلك تزود سوريا بنظام الدفاع الجوي خرداد-15.
دعونا نستعرض أبرز هذه التجارب فيما يلي:
بالتعاون مع “إسرائيل”.. الإمارات ضمن أكبر 25 مصنِّعًا للسلاح عالميًّا
بدأ اهتمام الإمارات بالتصنيع العسكري على استحياء في التسعينيات من القرن العشرين، مع تنظيمها معرض “آيدكس” للصناعات العسكرية عام 1993، لكن ربما أول إنجاز بارز في هذا المجال كان عام 2011، عندما أعلنت أبوظبي عن إنتاج أول عربة مدرّعة محلية الصنع بنسبة 100%، مع الاستعانة بمدفع روسي لإلحاقه بها.
ظلَّ الأمر يتقدم تدريجيًّا مع فتح مجال العمل للشركات الإماراتية الوطنية، حيث جرى تأسيس 25 شركة تعمل في الصناعات الدفاعية، وفي عام 2019 أسّست الإمارات كيانًا ضخمًا هو “مجموعة إيدج” ليضمَّ بداخله الـ 25 شركة، وليصبح هذا الكيان ضمن أكبر 25 شركة متخصصة في الصناعات الدفاعية على مستوى العالم، بعائد يزيد عن 5 مليارات دولار، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”.
ونقلت “وكالة الأنباء الفرنسية” عن مسؤولين إماراتيين، أن برنامج الإمارات للتصنيع يتم بالاستعانة بشركاء دوليين، وأنه قد نشط بعد التطبيع مع “إسرائيل” التي صارت شريكًا استراتيجيًّا للإمارات في هذا المجال.
وتركّز أبوظبي في نشاطها التصنيعي العسكري على تصنيع الصواريخ الموجَّهة والطائرات المسيَّرة، إضافة إلى المركبات والأسلحة الفردية الخفيفة.
الأردن.. تميُّز في إنتاج كاسحات الألغام
الأردن الذي جاء ضمن أكبر 25 مصنِّعًا عسكريًّا في العالم، بدأ تجربته الفعلية ببطء عام 1999 بعد تأسيس مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير “كادبي”، والذي أُعيدت تسميته ليصبح المركز الأردني للتصميم والتطوير “جودبي (JODDB)”.
وربما الانطلاقة الحقيقية للمركز كانت عام 2009، حين دخل في شراكة مع مجموعة بارامونت الجنوب أفريقية لتأسيس مصنع لإنتاج الآليات الثقيلة، حيث تميز هذا المصنع بإنتاج كاسحات الألغام، بطاقة إنتاجية بلغت 400 آلية في العام الواحد.
يضمّ المركز عددًا من المصانع، منها ما ينتج الأسلحة الخفيفة والذخائر، والمدفعية الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، إضافة إلى الأجهزة الإلكترونية لا سيما البصرية منها كأجهزة الرؤية الليلية.
وفي عام 2022 أعلن مدير المركز، العميد الركن أيمن البطران، أنه ينتج 80 منتجًا دفاعيًّا ويصدّرها إلى حوالي 37 دولة، خاصة بعد إنتاج المركز لعدد من القطع التي تدخل في صناعة الطيارات المسيَّرة.
السعودية.. خطة طموحة وإنجاز ضعيف
تتبنّى المملكة العربية السعودية خطة طموحة، تستهدف توطين 50% من احتياجات جيشها بحلول عام 2030، وتشرف على ذلك وتديره الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية.
وقت وضع الخطة عام 2016 كانت المملكة لا تنتج من احتياجاتها العسكرية أكثر من 2%، وأبدى ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان انزعاجه من ذلك، وقال إنه لا يعقل أن تكون بلاده ثالث أكبر دولة تنفق عسكريًّا وليس لديها تصنيع، وكذلك إن ترتيب جيشها عالميًّا لا يتناسب مع ما يُنفَق عليه.
بدأت السعودية مشوار التصنيع العسكري بعد صدور أمر من الملك عبد العزيز بن سعود عام 1949 بإنشاء مصنع لإنتاج الذخيرة، لكن حجر الأساس للمصنع لم يوضع إلا عام 1951، وكانت هذه أول خطوة.
الخطوة الثانية كانت عام 1982، حيث تأسّست الهيئة العامة للتصنيع الحربي، والتي ضمّت 5 مصانع، ربما أهمها مصنع لتجميع الدبابة ليوبارد-2 بالتعاون مع ألمانيا، إلا أن الخطة الطموحة بدأت مع وضع رؤية 2030، ومع ذلك لم تحقق الخطة التي بدأت عام 2016 إلا 15% فقط من المستهدَف، وفقًا للتقرير رقم 92 الصادر عن مركز “أسبار” السعودي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
العراق.. طموح بعثي انتهى مع الاحتلال
بدأ مشروع التصنيع العسكري في العراق عام 1971 خلال حكم حزب البعث، حين تقرر إنشاء هيئة التصنيع العسكري العراقية بالشراكة مع يوغوسلافيا، ونتجت عنها مجموعة منتجات عسكرية، ربما كان أهمها برنامج إنتاج الصواريخ في ثمانينيات القرن العشرين خلال حكم صدام حسين.
ضمّت هيئة التصنيع العسكري العراقية عددًا من المصانع، وصلت في أوج نشاطها -خلال فترة الثمانينيات إبّان الحرب العراقية الإيرانية- إلى 72 مصنعًا، وأول إنتاج هذه المصانع كانت الذخائر والأسلحة الشخصية الخفيفة ثم المدفعية، ثم إعادة إنتاج الدبابة الروسية تي-72 تحت مسمّى “أسد بابل“، واتجه البرنامج بعد ذلك إلى صناعات أكثر تعقيدًا، تجلت في تطوير بعض البرامج الخاصة بطائرة ميغ الروسية المقاتلة، وتصميم طائرة التدريب صقر.
والأهم كان برنامج الصواريخ، حيث طوّر العراق صواريخ سكود وأنتج نسخًا منها تحت مسمّيات عربية، منها صاروخ عابد الذي وصل مداه إلى 2000 كيلومتر، وكذلك صواريخ الصمود، والحسين، والعباس.
اضمحل التصنيع العسكري في فترة التسعينيات بعد الحصار الذي فُرِض على العراق جرّاء غزو الكويت عام 1990، ثم انتهى الأمر عام 2003 بالاحتلال الأمريكي.
مصر.. تجربة ممتدة منذ عام 1960
أول تجربة لإنتاج السلاح في مصر خلال العصر الحديث كانت في عهد الوالي محمد علي باشا الذي حكم في فترة 1805-1849، بإنشائه مصانع للذخائر والأسلحة الخفيفة التي كانت أمرًا متطورًا في عصر ما زال يحتفظ بالسيف والرمح.
وبعد القضاء على تجربة محمد علي نتيجة تحالف القوى الاستعمارية ضده، أخذ الجيش المصري يضمحلّ ويتراجع، حتى جاء نظام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 أنتجت مصر أول طلقة رصاص، وهو اليوم الذي تعتبره مصر عيدًا للإنتاج الحربي، لكن برنامج التصنيع العسكري الطموح بدأ فعليًّا بقوة عام 1960 بإنشاء هيئة الطيران المصرية.
كان أبرز إنتاج الهيئة هو صواريخ القاهر والظافر والرائد، والتي كانت قوية التدمير إلا أنها لم تكن دقيقة التوجيه، ولم تستخدمها مصر في حرب يونيو/ حزيران 1967، لكنها اُستخدمت على استحياء في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حسبما يحكي الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، في مذكّراته.
امتلكت مصر أكثر من 20 مصنعًا حربيًّا، تعود ملكية بعضها إلى الهيئة العربية للتصنيع والأخرى إلى وزارة الإنتاج الحربي
أنتجت الهيئة أيضًا في الستينيات الطائرة النفاثة القاهرة-2000، ثم القاهرة-300، بالتعاون مع إسبانيا في الأولى ومع الهند في الثانية، وفي فترة الثمانينيات دخلت مصر في شراكة مع الأرجنتين والعراق لتطوير الصاروخ الباليستي فيكتور، أو بدر-2000 حسبما وثّق يوسف حسن يوسف في كتابه “أسرار القضية 250 أمن دولة”.
تصنيع هذا الصاروخ أثار ضجة كبيرة بعد تورُّط مصر في قضية تهريب مادة الكربون الأسود من الولايات المتحدة، وبالتحديد من وكالة ناسا الفضائية، عن طريق عميل مصري هو خبير الصواريخ الدكتور عبد القادر حلمي، الذي كشفته السلطات الأمريكية.
كما ترتّب عن انكشاف القضية إقالة وزير الدفاع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، بعد ضغوط واشنطن على الرئيس المصري حسني مبارك، والتي أدّت أيضًا إلى إيقاف البرنامج، وكذلك حكمَ القضاء الأمريكي بسجن الدكتور عبد القادر حلمي، بحسب يوسف حسن يوسف.
بجانب ما سبق، قطعت مصر شوطًا في تصنيع الأسلحة التقليدية في مجالات تسليحية مختلفة، من مدفعية وأسلحة خفيفة ودبابات ومركبات، حيث امتلكت أكثر من 20 مصنعًا حربيًّا، تعود ملكية بعضها إلى الهيئة العربية للتصنيع والأخرى إلى وزارة الإنتاج الحربي، بحسب مواقع رسمية عسكرية مصرية.
ومن أبرز ما تنتجه مصر في الأسلحة البرية الدبابة إم-1 أبرامز الأمريكية التي أخذت مصر حق تصنيعها في التسعينيات، والدبابة إم-88 التي تنتجها مصر بالتعاون مع شركة “يونايتد ديفينس” الأمريكية.
وفي الأسلحة الجوية تنتج مصر عددًا من الطائرات الهجومية الخفيفة وطائرات التدريب، بالاستعانة بخبرات من دول متعددة على رأسها الولايات المتحدة، ومنها الطائرة كي 8 إي وألفا جيت وتوكانو.
وفي المجال الجوي أيضًا، بدأت مصر في إنتاج رادار ثلاثي الأبعاد بلغ مداه 450 كيلومترًا تقريبًا، حيث تنتجه بشكل كامل محليًّا، حسبما أعلنت، وكذلك أنتجت الطائرة المسيَّرة 30-يونيو عام 2021، والتي جرى تطوير إمكاناتها لتظهر بعد التطوير تحت مسمّى جديد هو 6-أكتوبر.
كما دخلت مصر في إنتاج الأسلحة البحرية وأنتجت عددًا من الأسلحة، ربما أهمها وأحدثها الفرقاطة سجم الجبار-910 التي صنعتها مصر بالكامل، كنسخة محلية من الفرقاطة الألمانية ميكو إيه-200، وجرى عرضها في معرض “إيديكس 2023”.
ماذا يعطّل النهوض الصناعي العسكري العربي؟
لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لكن بالتأكيد هناك عوامل عامة تشترك فيها الدول العربية تخصّ هذا الأمر نستخلصها من مجموعة دراسات، وهي:
“الصناعات الدفاعية المصرية.. خطوات ثابتة وآفاق واعدة” عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية؛ “الاحتفاظ بالقدرة أم إعادة الهيكلة أم التجريد؟ خيارات سياساتية للاقتصاد العسكري المصري” لمعهد مالكوم كارنيغي للشرق الأوسط؛ “الصناعات العسكرية في المنطقة العربية: الواقع والتحديات” لمجلة “شؤون عربية”؛ “الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط” لأماني عصام؛ “الصناعات العسكرية في ظل الرؤية 2030” لمركز أسبار، “التصنيع العسكري في الخليج: الآفاق والتحولات” لمركز الفكر الاستراتيجي للدراسات.
من هذه التجارب نستنتج أن تحديات التصنيع الدفاعي العربي تدور حول مجموعة نقاط، هي:
– استيراد التكنولوجيا، وهو أمر يرتبط بعوامل اقتصادية وسياسية، إذ يتعلق هذا القرار بقدرة الدولة على هذا الاستيراد، ففي حالة دول مثل الإمارات والسعودية لا مشكلة اقتصادية في هذا الأمر، أما في حالة دولة مثل مصر فيمثل ذلك عبئًا كبيرًا على اقتصادها المثقل بالديون.
من ناحية أخرى، يرتبط استيراد التكنولوجيا بالعلاقات السياسية مع الدول التي تمتلكها، والتي تستطيع منعها أو منحها وفقًا لما تراه يصبّ في صالحها، خاصة أن المنطقة العربية تعيش في ظل وجود “إسرائيل”، تلك الدولة التي تتمتع بعلاقات متينة وراسخة مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي تريد أن تضمن لها التفوق دائمًا على جيرانها.
– العمالة المدرَّبة، يرتبط وجودها ارتباطًا مباشرًا بالتعليم وجودته وتخصُّصه، وما زال أمام العالم العربي الكثير جدًّا للوصول إليه، حتى لو كانت مؤشرات بعض الدول مرتفعة في التعليم بشكل عامّ، إلا أنها تفتقد التدريب التخصصي الدقيق جدًّا، وهو أمر يتطلب تطوير المؤسسات التعليمية العسكرية بشكل أكبر.
– افتقاد المراكز البحثية المتقدمة، وهذه النقطة تتصل بشكل مباشر بالتعليم أيضًا، لا سيما الفني العسكري من ناحية، وبالتمويل الاقتصادي من ناحية أخرى، فكل التجارب العربية التسليحية قامت على أكتاف خبراء أجانب نتيجة شراكات مع دول حليفة، لديها مراكز بحث علمي تجري تجارب باستمرار لتطوير تكنولوجيا السلاح، ولا مجال للعالم العربي للمنافسة والنهوض إلا بامتلاك مراكز تبتكر وتستطيع تدريجيًّا أن تنافس المراكز المتقدمة في الدول الكبرى.
– استقرار النظام السياسي وديمومته واستقلال إرادته، وهذا الجانب نلمسه بوضوح من خلال التجربتَين المصرية والعراقية؛ فالتجربة المصرية في إنتاج الصواريخ والطائرات في الستينيات توقفت نتيجة الهزيمة العسكرية في يونيو/ حزيران 1967، ثم بتغيير النظام السياسي بعد وفاة جمال عبد الناصر حليف السوفيت عام 1970، وتولي أنور السادات حليف الولايات المتحدة، ما أحدث توقفًا للتجربة المصرية الناهضة في الستينيات، نتيجة تغيُّر البوصلة السياسية وظروف الحرب، ولم تُستَأنف إلا بشروط جديدة وظروف جديدة أقل طموحًا في الثمانينيات.
أما العراق فقد تسبّب الحصار الاقتصادي المفروض عليه منذ التسعينيات في تراجع التجربة وانكماشها، ثم انتهائها تمامًا مع الاحتلال الأمريكي عام 2003، والقضاء على حزب البعث العراقي.
وبالتالي إن استمرار النظام السياسي وتمتُّعه برضا شعبي، يتيح له وضع خطط طويلة الأمد، لا تتوقف بتغيير حكومة أو رئيس دولة، كذلك إن سلامة الدولة كإقليم واستقرارها الاقتصادي والسياسي لهما دور حاسم أيضًا في نمو التجربة، وهي أمور تفتقدها المنطقة العربية بنسب متفاوتة.
– التكامل العربي الإسلامي التصنيعي، ويرتبط هذا التكامل بالعلاقات السياسية العربية الإسلامية، ورغبتها الجادّة في التشارك على الأقل، إن لم يكن الوحدة أو التحالف، فالمنطقة التي تكاد تكون أكبر مستهلك للسلاح بالعالم تستطيع ترشيد الإنفاق وتنظيمه فيما بينها، وتركيز كل دولة على التخصُّص في البحث وإنتاج منتج أو منتجات عسكرية بعينها، ما سيراكم خبرات تلك الدولة في مجالات بعينها ويجعل إنجازها العلمي والإنتاجي بها أسرع، لتصبَّ مجمل هذه الإنجازات في القوة العسكرية العربية المشتركة.
لكن هذا التكامل صعب، إن لم يكن صعبًا جدًّا، في ظل الصراعات المكتومة حينًا والمعلنة حينًا فيما بين الدول العربية-العربية، أو بينها وبين جيرانها المسلمين، لا سيما تركيا وإيران اللتان قطعتا شوطًا كبيرًا في هذا الاتجاه مؤخرًا، خاصة في ظل تشابُك علاقات دول المنطقة مع قوى إقليمية ودولية متنافرة، مثل “إسرائيل” والولايات المتحدة وروسيا.