“لاحتواء الإرهاب والهجرة”.. هو ملّخص ذريعة جيران سوريا لبناء الجدران العازلة على حدودهم معها، الأمر الذي حوّل هذا البلد العربي إلى سجن كبير، يكاد لا يخلو متر من حدوده من جدار عازلٍ عالٍ مرصود.
وتتشارك سوريا مع دول الجوار بحدود برية يصل إجمالي طولها إلى نحو 2347 كيلومترًا، القسم الأكبر منها مع تركيا بواقع 911 كيومترًا، ثم مع العراق بطول 610 كيلومترات، فالأردن ولبنان بنحو 375 كيلومترًا لكلٍّ منهما، وأخيرًا مع فلسطين المحتلة بنحو 76 كيلومترًا.
وخلال سنوات الحرب السورية، شكّلت مناطق الحدود معبرًا غير نظامي لكثير من السوريين الذين خرجوا من البلاد وانتشروا في بلدان العالم، إما بصفة لاجئين ليستقروا فيها، لا سيما في مخيمات شُكّلت لهذه الغاية في الأردن وتركيا ولبنان والعراق، الأمر الذي تسبّب في مشاكل اقتصادية واجتماعية على البلدان المضيفة، وإما بصفة مهاجرين متوجّهين نحو أوروبا عبر قوارب الموت أو غابات الضياع.
وقد شجّعت حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها البلاد حتى الآن، على ارتفاع وتيرة الأعمال غير المشروعة التي تضيق منها الدول المحيطة بسوريا ذرعًا، من تهريب البشر والمخدرات والسلاح عبر شبكات تعمل على طرفَي الحدود، لا سيما في الأردن، عدا عن نشاط ميليشيات ولائية وتنظيمات متطرفة عابرة للحدود تستحوذ على دعم دول متدخلة في الملف السوري، وهو ما حذا بجيران سوريا لوضع ضوابط صارمة جدًّا على حدودها، وتكثيف نشاطات مراقبتها، وأعمال بناء الجدران والسياجات طويلة.
جدار تركيا.. الثالث عالميًّا
تبدلت سياسة الحدود المفتوحة التركية منذ عام 2015، بعد القيود المشدّدة التي اتخذتها أنقرة لمواجهة النزوح من سوريا، لا سيما أن عمليات التغيير الديموغرافي التي فرضها نظام الأسد أجبرت المناهضين لنظام حكم دمشق على الاستقرار في الشمال السوري، معقل المعارضة السورية والمتاخم للحدود التركية، وما تبع ذلك التهجير إثر اشتداد الحملات العسكرية برعاية إيران وروسيا ضد تلك المناطق التي باتت تكتظ بالسوريين من الحاضنة السكانية الأصلية والمهجَّرة.
وعقب تلك العمليات العسكرية العنيفة، إلى جانب عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، تدفقت موجات هجرة ضخمة نحو تركيا من الشمال السوري المقسّم إلى شمال شرقي خاضع لميليشيات “قسد”، أحد فروع حزب العمال الكردستاني المصنّف تركيًّا على لائحة الإرهاب، وشمال غربي يخضع لتحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) المصنّفة على لائحة الإرهاب، وما بينهما مناطق متداخلة النفوذ بين تنظيم “داعش” والمعارضة السورية، قبل أن يخضع ذلك النفوذ المتداخل للمعارضة السورية تحت إدارة تركيا.
ضمن تلك الظروف، انتهت الحكومة التركية مؤخرًا من أعمال بناء الجدران الخرسانية على الحدود الجنوبية مع سوريا، بعد أن أعلنت -باتفاق أوروبي للتهرب من مسؤولية استقبال اللاجئين- نيتها تعزيز حدودها في عام 2016، عبر بناء جدار إسمنتي سيكون بارتفاع 4 أمتار وفوقه متر من الأسلاك الشائكة، وستنتشر خلفه أبراج مراقبة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار، مزوّدة بنظام تكنولوجي متقدم من أنظمة مراقبة عالية الدقة وكاميرات حرارية ورادارات لعمليات الرصد البري، وطائرات مسيَّرة ودوريات مكثفة بعربات مصفحة.
وخلال حديث المديرية العامة التركية للدفاع والأمن، في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، ذكرت أنه تم الانتهاء من بناء القسم الأخير من الجدار بطول 837 كيلومترًا من الجزء البري البالغ طوله 911 كيلومترًا من الحدود مع سوريا، وإلى جانب الجدران الخرسانية تمّ استخدام سياج الأسلاك الأمنية الشائكة المشدّدة في الأماكن التي تمرّ فيها خطوط الأنهار عبر الحدود، والتي تمتدّ حوالي 74 كيلومترًا في مجرى عفرين ونهر العاصي على الحدود السورية ونهر دجلة، في محافظة شرناق التركية قبالة الزاوية الشمالية السورية.
وأضافت أن الإجراءات المتخذة لضمان أمن الحدود على مدار الساعة تتمثل بـ 7 ألوية و6 أفواج حدودية ونحو 9 آلاف عنصر تعزيز إلى جانب 60 ألف شخص، حيث نجحت هذه الإجراءات منذ مطلع عام 2023 بمنع مرور ما يقرب من 183 ألفًا و207 مهاجرين غير نظاميين، تمّ القبض على 10 آلاف و601 منهم، إضافة إلى 563 إرهابيًّا.
يعدّ الجدار الحدودي التركي مع سوريا ثالث أطول جدار حدودي في العالم بعد سور الصين العظيم، وجدار الفصل بين المكسيك والولايات المتحدة، إلا أن نجاح الحكومة التركية في سدّ منافذ التهريب ومنع الهجرة مرتبط بشكل كبير بضبط سلوك النظام والميليشيات الإيرانية وروسيا، تجاه الكتلة الشعبية الضخمة التي تنتشر على طول الحدود ومدى فعالية منع استهدافهم عسكريًّا، وما يمكن أن يشكّله ذلك الاستهداف من موجات هجرة لا يمكن أن يقف بطريقها هذا الجدار.
برنامج أمن الحدود الأردني على المحك الإيراني
تمتد الحدود الأردنية بطول 375 كيلومترًا من منطقة وادي اليرموك التابعة لدرعا، وصولًا إلى المثلث العراقي-السوري-الأردني قبالة السويداء وريف دمشق الصحراوي، ويعدّ الخط المستقيم شرقًا عبر الصحراء السورية المفتوحة والوعرة، سواء التابعة لمحافظة السويداء أو بادية الحماد، أحد أكثر المناطق التي تشكّل صداعًا للأردن، بسبب نشاط الميليشيات الإيرانية فيها وعصابات التهريب.
ومن قبل عام 2011، أَولى الأردن اهتمامًا كبيرًا لحماية حدوده، إذ بدأ برنامجه لبناء جداره الخاص في عام 2008، كجزء من الجهود المبذولة لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، ثم توسّع مشروعه البالغ تكلفته 20 مليون دولار لإقامة سلسلة من أبراج المراقبة على امتداد 50 كيلومترًا من الحدود، إلى برنامج لمنع تسلل مقاتلي “داعش” وتهريب الأسلحة، بتكلفة وصلت إلى نصف مليار دولار من جيوب الحليف الأمريكي.
في العام 2009 حصل الأردن على مساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 234 مليون دولار، لتمويل برنامج أمن الحدود الأردنية، واشتمل البرنامج على أجهزة رصد وكاميرات مراقبة على طول الحدود، ومدّ أسلاك شائكة في عدد من المناطق.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، شرع الأردن في إقامة جدار أمني متطوّر على حدوده مع سوريا، يتكون من أسلاك شائكة وعوائق برّية، وقالت الحكومة الأردنية حينها إن “بناء الجدار جاء بهدف تأمين الحدود من أي اعتداء، ومنع تسلل واختراق عناصر تنظيم الدولة، إلى جانب الحدّ من عمليات تهريب الأسلحة، والحدّ أيضًا من تدفق اللاجئين الذي وصل إلى أكثر من 1.3 مليون لاجئ منذ عام 2011″.
وبُني الجدار الأمني عبر شركات أردنية، وقدّمت شركات بريطانية وإيطالية خدمات التكنولوجيا والرصد والمراقبة، كما قدّمت شركات أمريكية خدمات لتعزيز قدرات تكنولوجيا نظام أمن الحدود الأردني.
ودخل برنامج أمن الحدود الممول أمريكيًّا لبناء الجدار مرحلته الثالثة والنهائية عام 2016، عبر شركة الأسلحة الأمريكية “ريثيون” بتكلفه 19 مليون دولار، بعد تسليم الشركة المرحلة الأولى والثانية بقيمة 79 مليون دولار، ويهدف البرنامج إلى القيام بالكشف والاعتراض على طول الحدود البرية في الأردن، لا سيما ضد “داعش”، على امتداد 257 كيلومترًا على الحدود مع سوريا.
ويتم ذلك عبر كاميرات ذكية موزّعة على طول الشريط الحدودي الذي يستنزف الحصة الأكبر من عمل قوات حرس الحدود الأردني، لا سيما مع استخدام عصابات التهريب، بالمشاركة مع الميليشيات الإيرانية من الجانب السوري، أساليب تهريب متطورة وسيارات دفع رباعي مجهّزة بأسلحة متوسطة، لتأمين وصول شحنات الكبتاغون إلى العمق الأردني والاستعداد لخوض اشتباكات محتملة كذلك.
وبات الأردن اليوم خط الدفاع الأول للمنطقة في مواجهة الكبتاغون الذي تنتج منه منظومة الأسد والأذرع الإيرانية 80% من إنتاج العالم، ما يوفِّر لها تمويلًا سنويًّا بمليارات دولار، عدا عن مواجهة حرس الحدود الأردني التمدّد الإيراني، ومنع أي تدفق للاجئين السوريين منذ يوليو/ تموز 2016، عندما أعلن أن منطقة الحدود الشمالية والشمالية الشرقية منطقة عسكرية مغلقة حتى أمام المساعدات الإنسانية والطبية واستقبال الجرحى السوريين، بعد تبنّي تنظيم “داعش” استهداف ثكنة عسكرية بالقرب من مخيم الركبان الذي يقطنه آلاف السوريين الفارّين من إجرام النظام، والمحاصر ما بين الميليشيات الإيرانية من الجهة السورية وحرس الحدود الأردني من الجهة الأردنية.
جدار إسمنتي على الحدود العراقية السورية
يتجاوز طول الحدود العراقية السورية نحو 610 كيلومترات من محافظة الأنبار غربي العراق التي تقابلها بلدة البوكمال من الجهة السورية، وصولًا إلى محافظة نينوى منطقة فيشخابور التي تقابلها من الجانب السوري محافظة الحسكة.
حتى بعد انحسار تنظيم “داعش” في العراق وسوريا عام 2019، وانتهاء سيطرته الفعلية، لا تزال المنطقة الصحراوية الممتدة من الشمال السوري حتى جنوبها بمحاذاة الحدود السورية العراقية مرتعًا لخلايا التنظيم، إلى جانب الميليشيات الإيرانية التي تزعج قواعد قوات التحالف الدولي بزعامة واشنطن في الشمال الشرقي السوري.
وينقسم الجانب السوري المحاذي للحدود العراقية إلى قسمَين: القسم الجنوبي (غرب الفرات)، يمتد من مركز البوكمال الحدودي حتى تخوم مخيم الركبان بمنطقة الـ 55، وهو خاضع لسيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية.
أما القسم الشمالي (شرق الفرات) فيمتد من الباغوز شمال البوكمال إلى أقصى الحدود الشمالية الشرقية مقابل فيشخابور العراقية، وتسيطر على هذا القسم “قسد” الرافضة لجدار الفصل (جدار سنجار) الذي تبنيه الحكومة العراقية منذ بداية عام 2018، فاصلًا ما بين قضاء سنجار شمال غرب العراق والحسكة شمال شرق سوريا، بطول 250 كيلومترًا وارتفاع نحو 4 أمتار.
وكانت حجّة “قسد” أن الجدار سيقطع الصلات بين الطرفَين حيث يعيش معظم الإيزيديين، إلا أن استياء “قسد” الحقيقي يعود لرغبتها بعدم عرقلة تنقلات قيادات كوادر حزب العمال الكردستاني في جبل سنجار، وحركتهم بين جبل قنديل (شمال العراق) ومناطق “قسد” في سوريا.
ويمثّل ملف الحدود العراقية السورية أحد أبرز التحديات الأمنية للعراق، إذ يقدّر عدد القوات العراقية التي تنتشر على طول الحدود بأكثر من 50 ألف جندي، موزعين بين قوات حرس الحدود والجيش والشرطة الاتحادية، إضافة إلى ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية.
وافتتح العراق مؤخرًا الجدار الذي تمّ إكماله في منطقة الباغوز شمال الفرات، وعلى الشريط الحدودي العراقي السوري، بطول 160 كيلومترًا وارتفاع 3 أمتار، ونقل بيان وزارة الداخلية العراقية: “الجدار الكونكريتي (الخرساني) يعدّ ضمن سلسلة من التحصينات الأمنية الكبيرة التي تجريها الوزارة لتعزيز أمن الحدود، والتي أسهمت في ضبط أمن الحدود العراقية السورية ومنع عمليات التهريب ومكافحة التنظيمات المسلحة، خاصة أن هناك خندقًا بعمق 3 أمتار وعرض 3 أمتار بمحاذاته، فضلًا عن ساتر ترابي ثم جدار كونكريتي تتخلّله أسلاك شائكة ثم عارض منطادي، بالإضافة إلى وجود القطعات الأمنية وأبراج مراقبة وكاميرات حرارية”.
قال وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، خلال مقابلة مصوّرة له، إن أسباب بناء جدار إسمنتي مع سوريا يرجع إلى أن العراق لا يواجه دولة على الجانب الآخر من الحدود إنما ميليشيات، وأن تنظيم الدولة لا يزال ينتشر في المنطقة، ولا تزال مخاوف العراق أن يجري اختراق الحدود بالقوة، مضيفًا أن بلاده أنجزت نحو 160 كيلومترًا من الجدار الفاصل مع سوريا، ولا تزال الأعمال مستمرة لإغلاق الحدود المشتركة مع سوريا شمال نهر الفرات بالكامل التي يبلغ طولها نحو 275 كيلومترًا.
ولا تزال الحدود السورية العراقية تشهد نشاطًا لعمليات التهريب، خصوصًا قبالة مدينة البوكمال في محافظة دير الزور التي تسيطر عليها الميليشيات الموالية لإيران والرافضة لإغلاق الحدود كليًّا، إذ تتحرك هذه الميليشيات بين الأراضي السورية والعراقية، لا سيما في البادية، بكل أريحية.
هذا إلى جانب خلايا تنظيم “داعش” التي تعمل بأسلوب “الذئاب المنفردة”، وتشنّ غارات ضد مدنيين ورعاة الأغنام هناك وقوات النظام، لا سيما أن تنظيم “داعش” لا يزال يقود ما بين 5 آلاف و7 آلاف مقاتل في سوريا والعراق، وذلك حسب دراسة قدمها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في أغسطس/ آب الفائت.
من جهته، يوضّح قائد شرطة الأنبار السابق، اللواء طارق العسل، أن “وضع الحدود مع سوريا يختلف جملةً وتفصيلًا عن الأردن، لأن سوريا مقسّمة، وهناك مناطق تحت سيطرة “داعش” وأخرى بيد “قسد”، ومناطق مقسمة بين قوات النظام السوري وفصائل مسلحة تتحكم في الملفات السياسية والأمنية فيها، ما يمنع توصُّل العراق وسوريا إلى اتفاق أمني واضح”.
لبنان.. ترسيم نائم وجدران ترابية
تمتدّ الحدود السورية اللبنانية على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية، وصولًا إلى مزارع شبعا التي تطلّ على هضبة الجولان المحتلة من “إسرائيل”، وهي حدود شديدة التعقيد والتداخل، فقسم منها مرسّم بين عين القبو (مستوى عرسال) وبير جبيب (مستوى بعلبك) منذ عام 1935 وطولها نحو 40 كيلومترًا.
والقسم الشمالي مرسّم طبيعيًّا على النهر الكبير الجنوبي، وهو في حدود 50 كيلومترًا، ما يعني أنّ 90 كيلومترًا مع سوريا مرسّمة فقط من أصل 376 كيلومترًا، ويبقى ما يقارب 286 كيلومترًا غير مرسّمة، ويمكن توصيف امتناع الجانب السوري عن الترسيم بأنه انطلاق من معطى تاريخي متعالٍ بأن لبنان ليس أكثر من مجرد خاصرة للدولة الأمّ سوريا، وفي أحسن الأحوال محافظة سورية، لا سيما أن البلدَين قبل استقلالهما عن الفرنسيين كانا يخضعان كمنطقة انتدابية واحدة، ولم تحدد النقاط الحدودية الفاصلة في ظلّ وحدة جمركية وسياسية ومالية بين البلدَين.
وقد نام ملف الترسيم خلال الحرب السورية بعد اعتراض سوريا لدى الأمم المتحدة والاختلاف في طرق لبنان لترسيم حدوده عام 2014، ولعلّ الخلاف على مزارع شبعا وتلال كفر شوبا الواقعة ضمن المثلث الحدودي السوري-اللبناني-الإسرائيلي هو الخلاف الحدودي البرّي الأبرز، بالتزامن مع الخلاف على الحدود البحرية أيضًا.
ومن الغرابة بمكان ما أعلنه المجلس الأعلى للخطط والتخطيط في لبنان منذ سنوات، عن صياغة مشروع خطّة شاملة عاجلة تشمل تشغيل مرتبات الجيش اللبناني لإزالة نفايات العاصمة المتراكمة في الشوارع بشكل كامل، ونقلها وإعادة تدويرها لبناء جدار عازل على كامل الحدود مع الأراضي السورية سابقًا، رغم الأزمة الاقتصادية القاسية التي تعصف بلبنان، والتي لا تسمح بإجراء هكذا نوع من المشاريع.
ولم يمرّ على الإعلان المبالغ في طرحه وقت، حتى تمّ تخفيض الخطة من جدار عازل إلى الاقتصار على رفع سواتر ترابية على الحدود اللبنانية السورية في البقاع (المنطقة الأعلى كثافة باللاجئين السوريين)، لضبط الحدود ومنع عمليات التهريب غير الشرعية.
وتشنّ السلطات اللبنانية التي تستضيف على أراضيها قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري، حملات موسّعة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية على الحدود، وإزالة الجسور والمعابر غير الشرعية التي أقامها المهرّبون، لا سيما في القرى الحدودية المتداخلة بين البلدَين.
سياج من جنوب الجولان حتى معبر القنيطرة
بَنَت سلطات الاحتلال الإسرائيلية جدارًا بطول 70 كيلومترًا في مناطق حدودية مع سوريا، ويمتدّ الجدار من منطقة الحمة في جنوب الهضبة حتى معبر القنيطرة بشمال الجولان المحتل، حيث أنجزت تل أبيب 10 كيلومترات من مسار الجدار الحديدي الذي يصل ارتفاعه 8 أمتار.
وقد أقرّت حكومة الاحتلال بناء جدار الجولان على حدود الهضبة التي تحتلها منذ عام 1967، بهدف منع الفلسطينيين في سوريا من العبور والوصول إلى الأراضي المحتلة، فيما تمّ الانتهاء أخيرًا من بناء سياج منيع معزز بحقول الألغام عام 1975.
بدورها، كشفت القناة الثانية أواخر يونيو/ حزيران 2011 أن الجدار سيبلغ ارتفاعه 8 أمتار، ويمتد على طول 4 كيلومترات قرب بلدة مجدل شمس، وتحديدًا تل الصيحات أو تل الصراخ، وهي المنطقة التي يتبادل فيها أهالي الجولان المحتل الحديث عبر مكبّرات الصوت مع أقربائهم داخل الأراضي السورية.
ومطلع عام 2013، تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإقامة سياج حدودي على شكل جدار بارتفاع 5 أمتار، مزوّد بتقنيات عالية وأبراج مراقبة، على كامل الحدود بين سوريا ومرتفعات الجولان المحتلة، وأعلن نتنياهو في سبتمبر/ أيلول 2015 عن استكمال بنائه عبر شركات إسرائيلية بشكل أساسي، وبمشاركة شركات بريطانية وأمريكية ويابانية وألمانية وغيرها، في أعمال البناء وتقديم تكنولوجيا المراقبة والحراسة والأمن وتجهيزات نقاط التفتيش.
بعد عبور المتظاهرين الفلسطينيين والسوريين خط وقف إطلاق النار في يوم إحياء ذكرى النكبة عام 2011، كعودة رمزية إلى وطنهم، خطّطت “إسرائيل” لبناء سياج جديد من الأسلاك الشائكة شرق قرية مجدل الشمس، لمنع المتظاهرين الفلسطينيين والسوريين من عبور خط وقف إطلاق النار في المستقبل، ويبلغ ارتفاع السياج الناتج 8 أمتار، وطوله 4 كيلومترات من جهة مجدل الشمس ويمتد حتى القنيطرة.
ختامًا، ممّا لا شك فيه أن تلك الجدران التي أقامتها الدول الجارة لسوريا بمليارات الدولارات وأطنان من الخرسانة والحديد واستخدام التكنولوجيا، ما هي إلا لهاجس أمني ومنع استيراد الفوضى أو نتائجها التي تعانيها سوريا، والتي تتجه إلى أشبه بصراع إقليمي كما الحالة الأردنية والتركية، ما يعني المزيد من الفصل والعزل وتكريس التقسيم، غير أن الحقيقة تقول إن عقيدة التحصُّن بالجدران العازلة لا يمكن أن تجلب الأمن تمامًا، فالأمثلة أكثر من أن تحصى عن القدرة على اختراق حركات منظَّمة أعتى الجدران والأسيجة.
في المقابل، وأمام تسوير سوريا بشكل شبه كامل، يكون السوريون في مختلف جغرافيا بلادهم هم الحلقة الأضعف في السجن المفتوح الكبير (سوريا)، والذي يعيش أسوأ سنواته اقتصاديًّا واجتماعيًّا وأمنيًّا وصحيًّا، بعد أن بات نموذجًا مكبّرًا لا يقلّ تدهورًا عن السجون الأمنية سيّئة السمعة.