ترك زلزال 6 فبراير/شباط المدمر بصمَتَه على السهول والبساتين والمناطق الزراعية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، ملحقًا أضرارًا جسيمةً يصعب على الفلاحين استصلاحها بعد مرور العام الأول على الكارثة.
في الوقت الذي عملت فيه منظمات المجتمع المدني والبرامج الأممية وحتى حكومة الإنقاذ المسيطرة على محافظة إدلب وأرياف المحافظات المجاورة على استيعاب الكارثة وإيواء الأهالي المتضررين في مساكن بديلة، كانت تلك الأراضي الزراعية عرضة للتلف بشكل متسارع.
وبحسب ما أكّد معاون وزير الزراعة والري في حكومة الإنقاذ المهندس أحمد الكوان، فإن مساحة 2000 هكتار زراعي تضررت بفعل الزلزال وما تلاه من هزات ارتدادية، ما أدى إلى حدوث تصدعات وتشققات وتبدل في طبقات التربة، وظهرت في بعض الأراضي تربة رملية بيضاء اللون غير قابلة للزراعة.
وأضاف أن الأراضي تنقسم إلى مساحات غير مشجرة مخصصة لزراعة الخضراوات الموسمية والقمح والشعير والبقوليات بأنواعها، إضافة إلى مساحات مشجرة غالبيتها بأشجار الزيتون وبنسبة أقل حقول وبساتين المانجو السورية والرُمان واللوزيات بأنواعها.
وأوضح الكوان أن تضرر تلك المساحات انعكس بشكل سلبي على السلة الغذائية لمنطقة شمال غرب سوريا، ولعب دورًا في ارتفاع أسعار العديد من المنتجات الزراعية في المنطقة التي يعاني سكانها من أوضاع اقتصادية سيئة.
وفيما يتعلق بمحطات ريّ الأراضي الزراعية، أشار معاون وزير الزراعة إلى تعطل محطات الضخ في قرى التلول الجنوبية والشمالية والفاروقية بالقرب من مدينة سلقين على الحدود التركية، بالإضافة إلى تضرر شبكات نقل المياه في العديد من المناطق بنسب متفاوتة.
وقال السيد عبد الله الصالح إنه وجد بعد مضي أقل من شهرين على الزلزال، 9 أشجار زيتون شبه متيبسة في بستانه الواقع على أطراف قرية دلبيا على الحدود السورية التركية، الذي تشققت أجزاء من تربته بفعل الزلزال.
ويضيف الصالح “لاحظت خروج جذور الأشجار لأعلى التربة، وحاولت أسوة ببقية الفلاحين في الجوار تدارك الأمر ونقل شاحنات تراب لتغطية الجذور وسقايتها، وباءت كل المحاولات بالفشل”.
وكبقية المزراعين ممن قضوا جهدًا ومشقة لسنين طويلة في زراعة وسقاية ومراقبة والعناية بحقولهم وبساتينهم لترفد مواسمها دخل عائلاتهم، لم يكن أمام الصالح إلا قلع الأشجار المتضررة وتقطيعها لحرقها خلال فصل الشتاء، وزراعة شجيرات أخرى ستستنزف منه مرة أخرى جهدًا وتعبًا لنحو عشر سنوات مقبلة، حتى يتاح له أن يأكل من ثمرها.
ورغم ضعف الإمكانات، حاول الحاج أبو محمد – 58 عامًا – بواسطة جراره الزراعي القديم حراثة الأرض عدة مرات أملًا في ردم التشققات وإعادة التربة إلى حالتها السابقة، إلا أنّ خطته لم تنجح مع التشققات العميقة، فكانت تظهر مجددًا بعد أسابيع.
وتوقف أبو محمد عن حراثة حقله بعد بضعة أشهر من محاولات إصلاحه، نتيجة عدم قدرة الجرار على تقليب أكثر من 30 سنتيمترًا من سطح التربة، بالإضافة إلى عدم مقدرته على تحمل تكاليف الحراثة التي تتطلب في كل مرة ما لا يقل من 200 دولار أمريكي ثمن محروقات وزيت، ناهيك بالأعطال التي تصيب الجرار المتهالك أساسًا.
بدوره شرح المهندس الزراعي أحمد الإبراهيم أثر التصدعات على البنية التحتية الزراعية، مؤكدًا أن كل البساتين الواقعة على مسارات التصدعات والتشققات تراجع إنتاجها خلال الموسم الفائت نتيجة تضرر جذور الأشجار بنسب مختلفة، ما أدى إلى نقص نسب المياه والأملاح اللازمة لعملية الحمل والإثمار.
ولفت الإبراهيم إلى انخفاض مستوى الرطوبة والمياه والأملاح في غالبية الأراضي المتضررة، نتيجة هبوط مستوى المياه وغور مياه الأمطار إلى مسافات تزيد على ارتفاع التشققات.
وعن الحلول المقترحة، رأى المهندس الزراعي أن عمليات الحراثة الموسمية للتربة في الأراضي الزراعية كفيلة بإصلاح التشققات الصغيرة والتخلص من آثارها خلال فترات زمنية لا تقل عن 10 سنوات، حسب طول وعرض وارتفاع التشقق داخل التربة.
وبالنسبة للتصدعات فإن التخلص منها يحتاج إلى تدخل معدات هندسية وإنشائية عملاقة تحت إشراف مختصي جيولوجيا وزراعة، كما أن توقيت تنفيذ المشاريع الإصلاحية يجب أن يكون على فترات متقطعة من السنة بحسب انتهاء المواسم الزراعية في الأراضي المزروعة بجانب الأراضي المتضررة، وفقًا للإبراهيم.
ونوّه إلى أن غالبية المزارعين لا تتيح أحوالهم المادية تحمل تكاليف مثل هذه المشاريع على نفقتهم الخاصة، على اعتبار أن متوسط ملكية الفلاح الواحد من الأراضي على 5 دونمات أي ما يعادل نصف هكتار.
وتزامن زلزال 6 فبراير/شباط مع فترة فيض نهر العاصي الذي يمر بطول 120 كيلومترًا في محافظة إدلب وغالبية الأراضي على كلتا ضفتيه المتضررة من الزلزال، إضافة إلى ذلك لجأت إدارة السدود المائية التجمعية إلى تصريف مياه السدود خشية انهيارها أو تصدعها تجاه مجرى نهر العاصي.
بالمحصلة أدى الزلزال بشكل غير مباشر إلى فيضان نهر العاصي لأكثر من معدله الطبيعي، جارفًا آلاف الأطنان من الحجارة والنفايات العضوية لغمر الأراضي الزراعية المتاخمة لمجراه.
وأشار المهندس الزراعي إلى تشكل مساطب طينية بعد جفاف المستنقعات، خصيصًا في الأراضي غير المشجرة، مبينًا أن استصلاح هذه المساطب أقل تكلفة وجهدًا من استصلاح الأراضي المتشققة ولا يتطلب وقتًا أكثر من فترة استراحة التربة خارج أوقات زراعتها.
واقترح أيضًا على المزارعين المتضررين من انجراف الحجارة، الاستعانة بمعدات زراعية خاصة يمكنها تنظيف نحو 3 هكتارات في اليوم الواحد بتكاليف مساوية أو أعلى بقليل من تكاليف وأجور حراثة الأرض بالجرارات الزراعية.
ويتشارك الفلاحون الذين تضررت حقولهم وأراضيهم في أن فاجعتهم بخسارة الأشجار التي اعتبروها سابقًا كأولادهم ليست كفاجعة من فقد أحد أفراد عائلته أو ذويه أو أصدقائه في تلك الليلة، التي تلاها نعوات متتالية وصلت إلى 50 ألف ضحية في تركيا وأكثر من 6 آلاف في سوريا غالبيتهم من الأطفال وكبار السن.