رغم ما تزخر به منطقتي الشمال (مدن الريف) والجنوب (الصحراء الغربية) من موارد طبيعية وبشرية هامة، فقد ظلتا أحد أبرز العوائق أمام تحقيق تنمية شاملة في المملكة المغربية، نتيجة طابعهما المتمرّد على السلطة المركزية في الرباط، وعدم قدرة السلطات المغربية على بسط نفوذها الكاملة هناك، فضلا على تقاعسها عن أداء واجباتها تجاهها المنطقتين وسكانهما في غالب الأحيان.
ثروات مدن الريف
تختزن منطقة الريف بثروات طبيعية هائلة، حيث تمتاز المنطقة بتساقطات مطرية مهمة تتجاوز 1500ملم سنويا أحيانا، وتتساقط الثلوج في المرتفعات التي تتجاوز 1800م فوق سطح البحر بين نوفمبر/تشرين الثاني ومارس/آذار، ما مكنها من امتلاك موارد مائية هامة، كما تتميز منطقة الريف بغطائها النباتي الكثيف، وتنتشر فيها غابات الصنوبر والأرز، وتوجد أهمها مساحة وأكثرها كثافة في منطقة تساوت بنواحي مدينة شفشاون. وتقدر مساحة الحظيرة الوطنية لغابات الصنوبر والأرز بأكثر من 3500 هكتار.
والريف هو منطقة في شمال المغرب تتميز بجبالها الوعرة وقممها الشاهقة وغطائها النباتي الكثيف، وهو موطن جزءٍ هام من الأمازيغ يُسمّون “ريافة” ويتحدثون “تريفيت” (أحد الفروع الثلاثة للغة الأمازيغية بالمغرب)، كما تقطن جزأه الغربي مجموعات قبلية عربية تُدعى “جْبَالة”، وتمتد منطقة الريف بين مضيق جبل طارق ومدينة طنجة غربا إلى حدود الجزائر شرقا مع محاذاة البحر المتوسط. وجنوبا تتداخل المنطقة مع سهول الغرب ثم سايس، وصولا إلى مناطق المغرب الشرقية.
تعطي شواطئ الريف، رونقًا خاصًا للمنطقة تجعل عيون السياح وعدسات كاميراتهم تنجذب إليها
إضافة إلى مواردها المائية وغطائها النباتي الهام، يتمتع الريف بسلسلة جبلية يجعل منه قبلة لعشاق المناظر الطبيعية، وشواطئ ساحرة ممتدة على طول ساحل المتوسط تشكل محجا لعشاق السباحة والرياضات البحرية، ومناظر طبيعية خلابة تجعل منها وجهة للاستجمام وقضاء أجمل الأوقات رفقة العائلة أو الأصدقاء، وتوصف مدينة الحسيمة عاصمة الريف بـ “جوهرة المتوسط” و “أم شواطئ المتوسط”، لتوفرها على عدة شواطئ جعلت منها وجهة لكل من يبحث عن أوقات ممتعة.
وتعطي شواطئ الريف، رونقًا خاصًا للمنطقة تجعل عيون السياح وعدسات كاميراتهم تنجذب إليها، من ذلك “شاطئ بادس”، الذي يوجد على بعد 50 كيلومترًا غرب مدينة الحسيمة، وهو تابع ترابيًا لـ “جماعة إزمورن”، يتميز بموقعه الخلاب، حيث تحيطه منحدرات صخرية من جهة وجبال صغيرة من جهة أخرى، ويمتد على مساحة لا تتجاوز 500 متر، وهو من الوجهات المفضلة عند الكثير من السكان والسياح.
ثروات الصحراء الغربية
إلى جانب منطقة الريف، تزخر منطقة الصحراء الغربية أيضا بثروات طبيعية وبحرية هامة، فسواحل المنطقة الأطلسية تتمتع بثروة مهمة ومتنوعة من الأسماك والرخويات والقشريات يوجّه أغلبها نحو التصدير، وتعتبر مدينة العيون من أهم موانئ الصيد البحري بالمغرب.
كما تزخر المنطقة أيضا بكميات هائلة من الفسفات خاصة في جهة بوكراع، جعلت المملكة تتوفر على ثلاثة أرباع احتياطي العالم من هذه المادة محتلا بذلك المرتبة الأولى في تصديره والثانية في إنتاجه، كما تحتوي منطقة الصحراء على الرصاص والزنك. وفضلا عن الفوسفات والسمك، أعطت الرباط -بسبب كلفة فواتير الطاقة المرتفعة التي لم يعد الاقتصاد المغربي يتحملها- الضوء الأخضر لشركات دولية من أجل التنقيب عن النفط والغاز في الصحراء الغربيةالمغربية.

وكانت مجموعة من المؤسسات المقرضة للمغرب -ومن بينها البنك الدولي والبنك الألماني والبنك الأوروبي للاستثمار والاتحاد الأوروبي- إحجامها عن تمويل مشاريع تنجز في الصحراء الغربية “حفاظا على الحياد” بخصوص النزاع. يذكر أنه في العام 2002 خلص “رأيُ قانون دولي” إلى أن أنشطة عمليات الاستكشاف والاستغلال إذا تمت “دون مراعاة مصالح ورغبات شعب الصحراء الغربية، فإنها ستكون انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي”.
طابع متمرّد على السلطة المركزية
عرفت العلاقة بين منطقتي الريف والصحراء الغربية من جهة وبين السلطة المركزية في الرباط من جهة ثانية بالتمرّد، فالإصلاحات الدستورية التي أقرها المغرب سنة 2011 لم تسعف في حل معضلة العلاقة بين المركز والأطراف (المناطق)، فمنطقة الريف كثيرا من تشهد احتجاجات وصلت حدّ المطالبة بالانفصال عن المملكة المغربية، نفس الشي الذي يطالب به بعض سكان الصحراء بقيادة جبهة البوليساريو.
وبدأ تمرّد منطقة الريف المعتادة على الاحتجاج، حيث يرفرف العلم بالألوان الأمازيغي أو “علم جمهورية الريف” الزائلة، التي أعلنت في عام 1922 بعد انتصار المقاومة بقيادة عبد الكريم الخطابي على الاستعمار الإسباني، حيال الدولة، غداة استقلال المغرب عن فرنسا عام 1956، حيث قامت حركة احتجاجية في الريف اختلفت التحليلات بشأن أسبابها بين من قال إنها نادت بتحسين الأوضاع المعيشية وإصلاح الإدارة وتمكين أهل الريف من حكم ذاتي، ومن قال إنها طالبت بإنشاء جمهورية مستقلة.
شكَّلت حادثة مقتل فكري طحنًا داخل شاحنة أزبال بمدينة الحسيمة، شرارةً أشعلت الحراك الاحتجاجي الأخير في المنطقة
وردّ النظام المغربي بقمع الانتفاضة قمعا شديدا قاده ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن (الحسن الثاني لاحقا) والجنرال محمد أوفقير الذي حاول الانقلاب على حكم الحسن الثاني عام 1972 بإسقاط الطائرة الملكية في الجو، كلّل بإعلان مدينة الحسيمة منطقة عسكرية، كما تعرضت المنطقة برمَّتها لتهميشٍ يعتبره نشطاء الريف ممنهجًا، وعقابًا لها على تمردها ضد المركز.
وحديثا، شكَّلت حادثة مقتل الشاب محسن فكري طحنًا داخل شاحنة أزبال بمدينة الحسيمة، يوم 28 أكتوبر 2016، شرارةً أشعلت الحراك الاحتجاجي الأخير في المنطقة، الذي اجتاح في البدء مختلف أنحاء المملكة، قبل أن يتركز بمنطقة «الريف» التي ينحدر منها الضحية.
وبالنسبة للصحراء الغربية، فقد بدأ التمرّد، منذ خروج الاحتلال الإسباني من المنطقة سنة 1975، ومحاولة السلطات المغربية بسط نفوذها هناك، وهو ما رفضته جبهة البوليساريو، ويشكل موضوع استغلال المغرب للموارد الطبيعية في هذه المنطقة قضية رئيسية في النزاع مع جبهة البوليساريو التي قادت مواجهة مسلحة من أجل الحصول على حق تقرير مصير الصحراء الغربية، حتى إعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين عام 1991 برعاية الأمم المتحدة.
تقاعس عن أداء الحقوق تجاه المنطقتين
عرف حضور السلطة المركزية في المنطقتين ضعفا واضحا، ولتدارك ذلك التجأت السلطات إلى الخيار الأمني، ففي ظل ضعف اندماج مناطق الاحتجاجات هذه (الريف والصحراء)، وعلاقتها الصعبة بالمركز، تميل الحكومات المركزية إلى التركيز على الخيارات الأمنية والعسكرية والديبلوماسية، وهو ما يساهم في تعميق الهوة مع متساكني المنطقتين ودفعهم إلى انتهاج العنف.
ورغم المساعي التي تقول السلطات المغربية إنها تقوم بها للحدّ من الفوارق الجهوية بين جهات البلاد، إلا إن التقارير المحلية والدولية تؤكّد عكس ذلك وتكشف عن مزيد من ارتفاع هذه الفوارق في ظل استمرار عدم استفادة جميع جهات المملكة من ثروات بلادهم.
في أحدث تقرير لهما، يرصد مجهودات الحكومات للحدّ من انعدام المساواة الاقتصادية صنّفت منظمة “أوكسفام” العالمية ومنظمة التنمية المالية الدولية، المغرب في المرتبة 103 من أصل 152 دولة شملها الاستطلاع الذي يعتمد على ثلاثة مؤشرات أساسية هي: مقدار استثمار الحكومات في الإنفاق الاجتماعي، وكيفية استخدامها لأموال الضرائب لموازنة مستوى التفاوت في الدخل، وحقوق العاملين.
وتُبرز العديد من الإحصاءات، الفوارق الكبيرة بين جهات المملكة، سواء على مستوى التشغيل والبطالة أو النسيج الصناعي والسياحي أو البنية التحتية، الأمر الذي يفرز خريطة من الاختلالات بين الجهات، التي تنعكس على الجانب الاجتماعي في البلاد. وتعتبر جهات دكالة عبدة والشاوية ورديغة وتادلة أزيلال وتازة الحسيمة تاونات والغرب الشراردة بني حسن (الريف)، من الجهات الضعيفة التي تراوح مكانها وتعاني هذه الجهات من ضعف نظامها الإنتاجي؛ باستثناء جهة دكالة عبدة.
النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة المغربية منذ استقلالها كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية
ارتفاع حدة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء والتفاوت الحاصل بين الجهات على المستوى الاقتصادي في المغرب رغم السياسات التي تستهدف الفئات الهشة والدعوات المتكررة إلى توزيع عادل للثورة بين الجهات؛ يرجعه عديد الخبراء إلى كون السياسات العمومية في هذا المجال غير ذات جدوى، وفيها الكثير من السياسات الفاشلة، ونتيجة استمرار استفادة جهات من البنيات التحتية على حساب جهات أخرى.
ويرى مراقبون، أن النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة المغربية منذ استقلالها كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، فما فتئ يكرس الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية، ويولد الإقصاء والتفقير في حق عدد مهم من مواطني المملكة، خاصة وأنه يهدف إلى تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية وتلبية احتياجات هذه المجموعات.
وكانت تقارير سابقة قد أكّدت أن “فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار السياسي في المغرب هي الوحيدة التي استفادت من الثروة التي أنتجها المملكة في العشرية الأولى للقرن الـ 21، فيما لم يتم توزيع هذا الكم من الإنتاج بشكل عادل بين كل فئات المجتمع”.