استيقظ السودانيون صباح الثلاثاء 6 فبراير/شباط الحاليّ على وقع خبر جرى تداوله بكثافة فحواه أن استخبارات القوات المسلحة السودانية اعتقلت عددًا من الضباط الفاعلين في محور منطقة أم درمان العسكرية بتهمة “الإعداد لانقلاب”.
وجاء في تفاصيل الخبر الذي انفردت به صحيفة السوداني أن “الضباط المعتقلين الذين تم وضعهم بالإيقاف الشديد هم: العقيد الركن م. ي. ع. قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب، والمقدم مهندس م. إ. مدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول عن الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات، والرائد الركن م. ح. ق. مسؤول عمليات الدعم والإسناد الإستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة”.
استخبارت الجيش السوداني تعتقل عدداً من الضباط الفاعلين في أم درمان بتهمة الإعداد لانقلاب#السودان #Sudan
التفاصيل على الرابط ادناه 👇🏽👇🏽👇🏽
— Ataf Mohamed عطاف محمد (@atafmohamed3) February 6, 2024
وأضاف المصدر: “الاستعدادات جاريةٌ لاعتقال عميد ركن قائد لأحد المتحركات بمدينة أم درمان. وجميعهم معتقلون تحت ستار الإعداد لانقلاب”.
أما الفقرة التي كانت أكثر إثارة للقلق وسط السودانيين فهي: “أضاف ذات المصدر العسكري أن الضباط الذين تم اعتقالهم من أكفأ ضباط القوات المسلحة؛ ضبطًا وربطًا وتعليمًا، ويمثلون روح متحركات أم درمان الحاليّة، وخاضوا معارك شرسة ضد العدو، وكبدوه خسائر فادحة وأجبروه على التراجع.. هؤلاء الضباط لهم علاقات طيبة وسط الجنود والاحتياط والأهالي، لم نشهد لهم أي مخالفة تعليمات أو تحريض ضد القيادة طوال تاريخ عملهم”.
روايات متضاربة
بعد ساعات قليلة من نشر صحيفة السوداني للخبر، تحركت عدة قنوات إخبارية عربية لتنقل عن مراسليها ومصادرها معلومات أخرى متضاربة للغاية، حيث ذكرت قناة “الحدث” أن اعتقالات الضباط “تمت لمخالفة الأوامر العسكرية وليس بتهمة الانقلاب، ولقيامهم بحملة عسكرية ضد قوات الدعم في أم درمان دون التنسيق مع القيادة العسكرية”.
الرواية التي تبنتها قناة “الحدث” صادفت قبولًا لدى عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السودان، ذلك أن كثير منهم لا يثق في القيادة الحاليّة للقوات المسلحة ويعتقدون أن التقدم المحرز في أم درمان ما هو إلا ثمرة مجهود ذاتي لقادة وضباط ميدانيين، وتلك نقطة سنعود إليها لاحقًا.
مخطط لاغتيال الجنرال ياسر العطا
قناة “الجزيرة” نقلت عن مصادرها أن الاستخبارات العسكرية في منطقة أم درمان العسكرية اعتقلت السبت الماضي 3 ضباط بالجيش السوداني – أحدهم برتبة مقدم والآخران برتبة رائد – خططوا لاغتيال قائد عسكري كبير.
وقالت المصادر إن المعتقلين كانوا يخططون لاعتقال الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة في السودان والمشرف على العمليات العسكرية بأم درمان، مشيرةً إلى أن الفريق إبراهيم جابر مساعد القائد العام للجيش حضر إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان لاحتواء الأزمة.
فيما نفى مصدر بالجيش السوداني أمس الثلاثاء، تقارير عن وقوع محاولة انقلاب في منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال مدينة أم درمان، متهمًا جماعة الإخوان المسلمين بتسريب هذا النبأ “الكاذب”.
المصدر أكد لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) اعتقال الاستخبارات العسكرية ضباطًا كبارًا، وأشار إلى أن الخطوة ليست وليدة اللحظة وإنما تحدث منذ أشهر.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن أغلب الضباط الذين يتم اعتقالهم “هم قادة ميدانيون يختلفون مع القيادة العليا في التكتيكات المتّبعة في المعارك ضد قوات الدعم السريع، حيث يرى القادة الميدانيون أن القيادة العليا تتباطأ في حسم المعركة”.
اتهامات لقيادة الجيش بالتباطؤ
أضاف المصدر للوكالة أن القادة الميدانيين يرون ضرورة الانفتاح الكامل والهجوم الشامل من ثكنات الجيش نحو مناطق سيطرة الدعم السريع، خصوصًا في مدن العاصمة الثلاثة، الخرطوم وأم درمان وبحري، بينما ترى القيادة العليا أن الانفتاح الكامل فيه مجازفة كبيرة، كما أن حدوث أي تعثر للهجوم الشامل يشكل تهديدًا حقيقيًا لثكنات الجيش ومراكز السيطرة والتحكم.
واعتبر المصدر أن التكتيك الأمثل هو النفس الطويل وإرهاق قوات الدعم السريع واستنزافها.
فيما أكدت مصادر متابعة للوضع السوداني لـ”النهار العربي” خبر توقيف عدد من الضباط في أم درمان، ولكنها نفت بشدة الأخبار الواردة عن تخطيطهم لمحاولة انقلاب، معتبرة أن رواج مثل هذه المعلومات يهدف الى التعمية على تقدم القوات المسلحة في المدينة، التي تشهد بالفعل تسارعًا في المعارك ضد مقاتلي قوات الدعم السريع، وصولًا إلى تطويقهم في مواقع عديدة، أبرزها مبنى الإذاعة والتلفزيون شرق المدينة.
تقدم كبير للجيش في أم درمان
كان الجيش السوداني قد أحزر تقدمًا كبيرًا بالفعل في أم درمان، المدينة الكبيرة التي تقع على الضفة الغربية للخرطوم، وتشكل مع مدينة الخرطوم بحري “شمال” ما يعرف بـ”العاصمة المثلثة” للسودان.
فمنذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، انتقل الجيش السوداني من إستراتيجية الدفاع عن ثكناته العسكرية إلى المبادرة بشن هجمات على قوات الدعم السريع في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم خاصة أم درمان والخرطوم بحري، ما شكّل صدمة للدعم السريع التي لم تكن تتوقع هذه الخطوة منذ بداية الحرب قبل أكثر من 9 أشهر.
متحركات الجيش السوداني التي انطلقت من قاعدة وادي سيدنا العسكرية تمكنت من طرد قوات الدعم من عدة أحياء سكنية في منطقة أم درمان القديمة وسوق المدينة، حتى باتت على وشك الالتحام مع وحدات سلاح المهندسين، وإن حدثت تلك الخطوة قريبًا كما هو متوقع فإن ذلك يعني استعادة أجزاء واسعة من مدينة أم درمان، إلى جانب الربط بين قاعدة كرري العسكرية وسلاح المهندسين لأول مرة منذ 15 من أبريل/نيسان الماضي.
(تحديث دقيق مبني على فيديوهات و صور)
يوم 9يناير كانت المسافة بينهم 2.7كيلومتر.
-من وقتها وللان، جيش كرري تَقدم من المسالمة 1.3كيلومتر الى بنك فيصل جنوباً و لعمارة البرير غرباً.
-جيش المهندسين تَقدم شمالاً ووصل الى شركة التأمينات الاسلامية.
-المسافة بينهم بقت حوالي 650 متر. https://t.co/LzhgEYQWoM pic.twitter.com/JvShPi21KP
— رعـد🔻 (@4004_04_04) January 30, 2024
وبالعودة إلى قضية اعتقالات الضباط، يرى الصحفي عبد الرؤوف طه علي أنه لا يمكن أن يحدث انقلاب في الجيش من الناحية العملية في الوقت الحاليّ.
يبرر طه بقوله: “إدارات الجيش الآن جزر معزولة ليس بينها رابط، فليس هناك رابط يجمع سلاح المدرعات في الخرطوم مع منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، أو يجمع السلاحين مع سلاح المهندسين أو سلاح الأسلحة في الخرطوم بحري”.
وأضاف في منشور شاركه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “عادة في الانقلابات يتم التنسيق بين كل هذه الأسلحة وإلا لن يحدث انقلاب، بل سيؤدي ذلك إلى مواجهة بين مختلف مكونات الجيش، ثم أن افتراض انقلاب في واحدة من مكونات الجيش في أم درمان ليحكم السودان من مدينة بورتسودان حيث توجد الحكومة، التي تبعد ألف كيلو متر، افتراض مستحيل عمليًا، وبالتالي ليس هناك احتمال لانقلاب”.
“الذي حدث في وادي سيدنا السبت الماضي هو التحفظ على 3 ضابط، يتبع أبرزهم لقوات الجوية ووحدة الطيران المسير، وينتمي لأحد المكونات الاجتماعية الموالية للدعم السريع، وضابط آخر لديه صلة بأحد ضباط الجيش الطامحين في السلطة، بحسب مصادر قامت الاستخبارات العسكرية بالتحفظ عليهم وما زالت التحريات جارية معهم”، بحسب الصحفي عبد الرؤوف طه علي.
“نون بوست” حاور طارق العبد – طبيب وكاتب سوري مهتم بالشأن السوداني – عن تقدم القوات المسلحة في أم درمان وعلاقة ذلك بالاعتقالات الأخيرة، فقال “الجيش تأخر كثيرًا في الهجوم المعاكس على الدعم السريع”، موضحًا أن هناك العديد من علامات الاستفهام في هذه النقطة، وهي أن العمليات غالبًا تقوم بها قوات برية محدودة بالتنسيق مع سلاح الجو، وهو غير كاف في تقديره، والمواطنين غير راضين عن محدودية ذلك الانتشار ويعتقدون أنه يتم باجتهاد ذاتي من القادة الميدانيين دون أوامر عليا كما ذكرنا سابقًا.
وفيما يتعلق بأحداث الثلاثاء يرى طارق أن توقيف الضباط جاء بسبب اعتراضهم على طريقة الإدارة الحاليّة للمعركة باعتبار أن التقدم بطيء، وبهذا الشكل قد تستمر المعركة لسنوات.
حديث عن مخطط لتصفية الطيارين
غير أنّ مصدر عسكري تحدث لـ”نون بوست” يوضح أنه كان هناك مخطط لتصفية الطيارين والتقنيين الذين يديرون المسيرات القتالية بحجة أنهم لا يقومون بعملهم على الوجه الأكمل، وأن الاعتقالات استهدفت المشتبه في تورطهم بمخطط التصفية.
وأشار المصدر إلى أن أحد الضباط الذين تم اعتقالهم برر بقوله إن قذائف الطائرات قتلت أقاربه الأبرياء في جنوب دارفور، فيما كان يفترض أن تستهدف الغارة تجمعات للدعم السريع.
أضاف مصدر “نون بوست” أن هناك أيضًا حديث عن دليل أوقع بأحد المعتقلين، عبارة عن مقطع فيديو صورته مسيرة تابعة للجيش يثبت عملية تزويد الدعم السريع المحاصرين في مبنى الإذاعة بذخيرة من المشتبه بهم.
ويرى المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، وجود شبه إجماع حاليًّا في الجيش على عدم الانقلاب على القيادة لأن البلد في حالة حرب والوضع لا يحتمل، موضحًا أن قائد الجيش يريد أن يضمن بقاءه في المنصب ولذلك لا يدري ماذا يفعل بالتحديد، لأن إزالة الدعم السريع تعني زوال التهديد وبالتالي احتمالية الانقلاب عليه، وفي حالة انتصار الدعم السريع على الجيش فإن ذلك يعني ذهابه أيضًا باعتبار أنه فشل في القضاء عليه أو إضعافه.
الجيش كان يعاني من نقص في الذخيرة
كشف المصدر العسكري لـ”نون بوست” أن هناك معلومة غائبة عن كثير من الساخطين على أداء الجيش، هي أن القوات المسلحة السودانية كانت تعاني من نقص حاد في الذخائر بعد احتلال الدعم السريع لمصنع اليرموك وإدارة التصنيع الحربي ومدينة جياد الصناعية بشكل متزامن وفي أيام معدودة العام الماضي، ما أدى إلى شلل في القدرات الدفاعية للجيش تسبب في سلسلة من النكسات العسكرية مثل سقوط معسكر الاحتياطي المركزي والحاميات الغربية على التوالي.
أوضح المصدر أن الحصول على الذخيرة من الخارج استغرق وقتًا طويلًا لنّ الجيش لم يكن يستورد ذخائر من الخارج لعدم حاجته إلى ذلك قبل سقوط المصانع، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة حصلت مؤخرًا على دعم عسكري من مصر وتركيا وإيران وروسيا الأمر الذي مكّنها من الانتقال من مربع الدفاع إلى الهجوم.
يجب أن يبقى الجيش السوداني متماسكًا
ردًا على سؤال من “نون بوست” عما إن كان الجيش السوداني متماسكًا في معركته الحاليّة مع الدعم السريع، قال الكاتب طارق العبد: “المؤسسة العسكرية السودانية مؤسسة عريقة ويجب أن تكون متماسكة وموحدة، لا مجال لأن يحدث فيها أي انشقاق أو انقلاب.. ولو عدنا إلى ما حدث بالأمس من توقيف عدد من الضباط أنا أتفهم ما حدث إن كان صحيحًا، ويجب أن يتم التعامل معه بحسم لأن انهيار المؤسسة يعني انهيار آخر كيان متماسك يجمع السودانيين مع بعضهم البعض، ويحظى الجيش باعتراف محلي ودولي ولديه هيكلية وتراتبية ومن العار أن ينجح الدعم السريع باختراقها”.
وفيما يبدو أنه رد على الأخبار المتلاحقة عن محاولة انقلاب، أكد مساعد القائد العام للجيش السوداني، الجنرال ياسر عبد الرحمن العطا، مساء الثلاثاء، أن القوات المسلحة تعمل بروح واحدة خلف القيادة، مضيفًا: “القوات النظامية تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد، وفق تراتبية منظمة”.
وعلى الرغم من عدم تطرق العطا إلى محاولة الانقلاب المزعومة، فإنه أضاف خلال مخاطبته وفدًا شعبيًا بقاعدة وادي سيدنا: “نطمئن الجميع أن منطقة أم درمان ووادي سيدنا في أعلى مستويات التنسيق وتعملان بقوة لتحقيق النصر وليس هناك أي حديث بخلاف الانتصار”، وتابع: “القوات المسلحة كلها خلف القائد”، في إشارة إلى رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
🔴عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر عبد الرحمن العطا يستقبل بأمدرمان وفدا من قبيلة الرشايدة وبعض القيادات الأهلية بولاية نهر النيل مؤكدة دعمها للدولة وانخراطها في القتال جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة وتحت قيادتها .
٦ فبراير ٢٠٢٤م – وادي… pic.twitter.com/4tY3Axf3Ax
— DR. ELFATIHⓇ (@ElfatihOfficial) February 7, 2024
أخيرًا، إحجام قيادة الجيش السوداني عن التعليق بتأكيد أو نفي المعلومات المتداولة المتعلقة بالتطورات العسكرية يفتح المجال واسعًا أمام التأويلات والسيناريوهات المتعددة في ظل غياب الحقائق الملموسة.
فمن الضروري أن تفتح القوات المسلحة السودانية نافذة تواصل مع الجمهور عن طريق إيجاز صحفي يومي يتطرق لأبرز التطورات والأحداث، لئلا تترك المجال للشائعات التي قد تؤدي إلى إثارة الفوضى والبلبلة.