سلمت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مساء الثلاثاء 6 فبراير/شباط 2024 ردها الرسمي والتفصيلي على مقترح “صفقة باريس”، الذي قُدم لها في أعقاب اللقاء الذي جمع ممثلي الكيان المحتل مع الوسطاء المصريين والقطريين والأمريكيين في العاصمة الفرنسية قبل 10 أيام، في إطار مساعي التوصل إلى هدنة وتبادل للأسرى بين المقاومة وحكومة الاحتلال.
ووفق رؤية حماس التي تضمنها الرد فإن الهدنة تتضمن 3 مراحل رئيسية في مدة زمنية تصل إلى 4 أشهر ونصف ( 135 يومًا)، كل مرحلة 45 يومًا، تشمل تبادل جميع الأسرى وجثامين الموتى، وتُفضي في النهاية إلى وقف تام لإطلاق النار وإنهاء الحصار وسحب جيش الاحتلال من جميع المناطق داخل القطاع مع البدء في إعادة الإعمار.
عاجل | مصادر للجزيرة: "حمـ.ـاس" طالبت أن تكون #قطر ومصر والولايات المتحدة وتركيا وروسيا ضامنة لتنفيذ الاتفاق pic.twitter.com/uLASGunUjf
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 7, 2024
وكانت الحركة قد أعلنت مساء أمس تسليم ردها للوسيطين المصري والقطري بحسب بيان لها أكدت فيه أنها تعاملت مع المقترح “بروح إيجابية، بما يضمن وقف إطلاق النار الشامل والتام، وإنهاء العدوان على شعبنا.. وبما يضمن الإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز عملية تبادل للأسرى”، منوهة في الوقت ذاته أن هذا الرد جاء “بعد إنجاز التشاور القيادي في الحركة، ومع فصائل المقاومة”.
وجاء تسليم حماس لردها تزامنًا مع جولة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في المنطقة للمرة الخامسة منذ اندلاع الحرب، حيث تسلم الرد قبيل 3 ساعات فقط من المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثان، الذي قال إنه في مجمله إيجابي وإن كانت عليه بعض الملاحظات دون تفصيل.
4 رسائل رئيسية
كشف رد حماس على مقترح إطار اتفاق التهدئة بتفاصيله الواردة كما نشرتها وسائل الإعلام، عن 4 رسائل محورية بعثت بها الحركة للداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي بصفة عامة، وهي في صلبها رسائل قوية للداخل الفلسطيني والعروبي في الوقت ذاته.
أولًا: ثبات المقاومة ميدانيًا.. المهزوم لا يُملي شروطه، هكذا تقول القاعدة، وما تضمنه رد حماس يعكس بشكل كبير ثباتها القوي في المعركة وقدرتها على الصمود وتحقيق أهداف عدة في شباك الاحتلال، حتى بعد دخول الحرب شهرها الخامس لتكون أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال منذ نشأتها، حيث تضمن الرد بنودًا قوية ربما تصدم صناع القرار في دولة الاحتلال وتزيل أوهامهم بشأن القضاء على الحركة كأحد أهداف الحرب.
ثانيًا: تماسك الجبهة الداخلية للمقاومة وفصائلها.. قالت حماس إن الرد جاء “بعد إنجاز التشاور القيادي في الحركة، ومع فصائل المقاومة”، وفي ذلك رسالة على حجم التنسيق والتناغم والتشاور بين القادة، عكس ما كان يروج الإعلام الإسرائيلي والأمريكي على حد سواء.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد نقلت عن مسؤولين أمريكيين تكهناتهم بوجود انقسامات داخلية داخل حماس بسبب سير المعركة وما يتعرض له مقاتلوها من خسائر على أيدي جيش الاحتلال، وأن هذا الانقسام السبب في تأخر رد حماس على اتفاق الإطار، وهي الأوهام التي بددها الرد بصيغته المنشورة.
"لا نعلم إلى أين ستصل".. بايدن يتلعثم في تعليقه على رد "حمـ.ـاس" بشأن صفقة تبادل الأسرى pic.twitter.com/jHyYwg6lIJ
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 7, 2024
ثالثًا: التشبث بالمرتكزات.. منذ اليوم الأول للحرب رفعت المقاومة شعار “لا تفاوض قبل إنهاء الاحتلال” وبعيدًا عن منطقية هذا الشعار واحتمالية تطبيقه بتلك الكيفية في ضوء المستجدات التي شهدتها الحرب على مدار الأشهر الماضية، إلا أن التمسك به في حد ذاته يعطي رسالة واضحة على رسوخ المنهجية السياسية للمقاومة، ويربك حسابات الخصوم في الداخل والخارج، الذين راهنوا على انفلات عقد ثوابت حماس وانبطاحها أمام ما يرون أنها ضربات تلقتها على أيدي المحتل.
رابعًا: الإبقاء على باب التفاوض مفتوحًا.. كان أداء المقاومة للحرب الحاليّة مختلفًا تمامًا عما كان عليه في الحروب السابقة، حيث النضج الكبير في فن إدارة المعارك، والقدرة على فتح قنوات اتصال مع الجميع، والابتعاد عن إستراتيجيات الانكفاء والهروب من فخاخها، وهو ما يفسر الأداء المبهر لها عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا.
الكرة في ملعب الاحتلال.. وإرباك حسابات الأمريكان
تلقى القطريون رد حماس قبل ساعة واحدة فقط من وصول بلينكن لاجتماعه الأول في الدوحة، وقبل 3 ساعات من المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره القطري، ما لم يمنحه المدة الكافية لدراسة الرد أو تقييمه بشكل كافٍ، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز“.
وعمل فريق بلينكن على قراءة الرد ومراجعته وتقييمه بشكل أولي قبل إطلاع مسؤولي البيت الأبيض عليه، بحسب الصحيفة الأمريكية التي نقلت عن مسؤول إسرائيلي مطلع على الأمر قوله: “إسرائيل غير راضية عن رد حماس” معتبرًا أن الحركة تريد من هذا الاتفاق ضمان استمرارية سيطرتها على القطاع وإنهاء الحرب “وكلاهما ترفضه إسرائيل” بحسب الصحيفة.
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن، فوصف رد الحركة بأنه “مبالغ فيه”، وأشار إلى أن هناك “بعض الحراك”، فيما أعلن البيت الأبيض عن دراسته لهذا الرد بكل تفاصيله، مضيفًا أنه “لا يزال هناك كثير من العمل يتعيّن القيام به قبل التوصل إلى اتفاق” وأن “المفاوضات التي قادتها قطر ومصر حساسة للغاية، وسنكون حذرين للغاية في دراستنا لرد حماس”.
عاجل | "إن بي سي" عن مسؤول كبير بإدارة بايدن: أحد الاختلافات هو مدة الهدنة حيث ترغب "حمـ.ـاس" بوقف إطلاق نار لأجل غير مسمى pic.twitter.com/Qw1HaXIQcP
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 7, 2024
وعلى الجانب الإسرائيلي أصدر مكتب رئيس وزراء الاحتلال بيانًا، أكد فيه تلقي رد الحركة، وأن جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” يدرسه بدقة، فيما نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي، عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الرد “يحمل بعض الجوانب الإيجابية وبعض الجوانب السلبية، لكن إسرائيل تعتبره موقفًا مفتوحًا للمفاوضات”.
بهذا الرد باتت الكرة في ملعب الاحتلال، فيما وُضع المفاوض الأمريكي في مأزق حقيقي في مواجهة إقناع مجلس الحرب بتلك البنود التي تنسف أهداف تل أبيب من حربها وتضعها في مأزق كبير أمام الرأي العام الداخلي، الأمر الذي قد يعمق الانقسام بين جنرالات الحرب والنخبة السياسية داخل الكيان المحتل.
3 مراحل وملحق.. تفاصيل الرد
شمل الرد الذي نشرته بعض وسائل الإعلام 3 مراحل، إضافة إلى ملحق مكمل خاص بالضمانات والمطالب الهادفة إلى وقف العدوان وإزالة آثاره، فيما تضمنت المقدمة أن الهدف الرئيسي من هذا الاتفاق وقف العمليات العسكرية المتبادلة بين الأطراف وعودة النازحين في المقام الأول.
المرحلة الأولى.. تشمل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة من النساء والأطفال (دون سن 19 عامًا غير المجندين)، والمسنين والمرضى، مقابل جميع الأسرى في سجون الاحتلال من النساء والأطفال وكبار السن (فوق 50 عامًا) والمرضى، الذين تم اعتقالهم حتى تاريخ توقيع هذا الاتفاق بلا استثناء، بالإضافة إلى 1500 أسير فلسطيني تقوم حماس بتسمية 500 منهم من المؤبّدات والأحكام العالية.
مع زيادة حجم المساعدات الإنسانية، من غذاء ومستلزمات صحية ووقود ومستلزمات إغاثة فورية ومستدامة، بجانب إعادة تمركز القوات الإسرائيلية خارج المناطق المأهولة، ووقف الاستطلاع الجوي، والسماح ببدء أعمال إعادة إعمار المستشفيات والبيوت والمنشآت في كل مناطق القطاع، والسماح للأمم المتحدة ووكالاتها بتقديم الخدمات الإنسانية، وإقامة مخيمات الإيواء للسكان.
المرحلة الثانية.. تتضمن الإفراج عن جميع المحتجزين الرجال (المدنيين والمجندين)، مقابل أعداد محددة من المسجونين الفلسطينيين، واستمرار الإجراءات الإنسانية للمرحلة الأولى، وخروج القوات الإسرائيلية خارج حدود مناطق قطاع غزة كافة.
كما تشمل بدء أعمال إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمنشآت والبنى التحتية التي دُمّرت في كل مناطق قطاع غزة، وفق آليات محددة تضمن تنفيذ ذلك، وإنهاء الحصار على قطاع غزة كاملًا، وفقًا لما سيتم التوافق عليه في المرحلة الأولى.
المرحلة الثالثة.. تشمل تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول والتعرف إليهم، واستمرار الإجراءات الإنسانية للمرحلتين الأولى والثانية، مع الوضع في الاعتبار تزامنية تلك المراحل، أي أن المرحلتين الثانية والثالثة لا يمكن سريانهما دون إتمام المرحلة الأولى بالشكل المدرج في الاتفاق.
نتنياهو يدعو القيادتين السياسية والأمنية لاجتماع لبحث رد حمـ.ـاس pic.twitter.com/ViQW6sR2Mz
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 7, 2024
ملحق الضمانات.. ويتضمن بعض الإجراءات الضرورية لإكمال مراحل الاتفاق المختلفة أبرزها: تحسين أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال ورفع الإجراءات والعقوبات التي تم اتخاذها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 – وقف اقتحامات وعدوان المستوطنين الإسرائيليين على المسجد الأقصى، وعودة الأوضاع في المسجد الأقصى إلى ما كانت عليه قبل عام 2002 – تكثيف إدخال الكميات الضرورية والكافية لحاجات السكان (بما لا تقل عن 500 شاحنة) من المساعدات الإنسانية والوقود وما يشبه ذلك، بشكل يومي، وكذلك إتاحة وصول كميات مناسبة من المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق القطاع وبشكل خاص شمال القطاع.
بجانب عودة النازحين إلى أماكن سكنهم في جميع مناطق القطاع، وضمان حرية حركة السكان والمواطنين بكل وسائل النقل وعدم إعاقتها في جميع مناطق قطاع غزة وخاصة من الجنوب إلى الشمال، وضمان فتح جميع المعابر مع قطاع غزة وعودة التجارة والسماح بحرية حركة الأفراد والبضائع دون معيقات، فضلًا عن رفع أي قيود إسرائيلية على حركة المسافرين والمرضى والجرحى عبر معبر رفح.
كما تضمن الملحق تولي مصر وقطر قيادة الجهود مع كل من يلزم من الجهات للإدارة والإشراف على ضمان وتحقيق وإنجاز عدد من القضايا منها: توفير وإدخال المعدات الثقيلة الكافية واللازمة لإزالة الركام والأنقاض، وتوفير معدات الدفاع المدني ومتطلبات وزارة الصحة، وعملية إعادة إعمار المستشفيات والمخابز في كل القطاع، وإدخال ما يلزم لإقامة مخيمات للسكان (خيم لإيواء السكان)، وإدخال ما لا يقل عن 60 ألفًا من المساكن المؤقتة (كرفانات – كونتينارات) بحيث يدخل كل أسبوع من بدء سريان هذه المرحلة 15 ألف مسكن إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى 200 ألف خيمة إيواء، بمعدل 50 ألف خيمة كل أسبوع، لإيواء من دمر الاحتلال بيوتهم خلال الحرب، وقد ذيلت حماس الاتفاق بأسماء الضامنين له وهم: مصر وقطر وتركيا وروسيا والأمم المتحدة.
من المتوقع أن يلقى هذا الرد اعتراضًا كبيرًا من الجانب الإسرائيلي، لا سيما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع وإعادة الإعمار، لكن السياق العام ربما يضع المحتل في مأزق حقيقي، فيما يتعلق بقرب انتهاء المهلة التي منحتها محكمة العدل الدولية لـ”إسرائيل” بشأن التدابير الاحترازية التي يجب اتخاذها لوقف جريمة حرب الإبادة التي تشنها في القطاع.
كذلك اقتراب شهر رمضان وما له من خصوصية ربما يفجر الوضع إذا ما استمر على هذا المنوال، هذا بخلاف توتير الأجواء في المنطقة واتساع رقعة المواجهات، وتصاعد ضغوط عائلات الأسرى والمحتجزين، بجانب بيان السعودية الأخير الذي اشترط لإتمام مسار التطبيع إنهاء الحرب على غزة بشكل نهائي، مع الوضع في الاعتبار الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن تجنبًا لتوسيع دائرة الصراع رغم تأييدها المطلق للحرب بداية الأمر.
وبعيدًا عن كل تلك المؤشرات التي قد تدفع الاحتلال إلى دراسة مقترح حماس وبحثه والتفاوض بشأنه – حتى إن رفضت العديد من بنوده – إلا أن صمود المقاومة وأدائها البطولي وإدارتها الدقيقة للمعركة على مدار 4 أشهر كاملة هو العامل الرئيسي في إجبار الكيان المحتل على التعاطي مع تلك الشروط، وهو الدافع الأبرز لإعادة تشكيل معادلة التوازن في المنطقة وفق أبجديات مغايرة عما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.