بدأت الأمم المتحدة تتحرر من التكبيل الذي فرضت عليه دولًا خليجية بشأن الأزمة اليمنية بعد ما يزيد عن 900 يوم من الحرب في تحالف عربي تقوده المملكة العربية السعودية، دون أن يتحقق مراد الرياض في اليمن والمتمثل بإعادة الرئيس هادي إلى صنعاء..
وفي خضم ذلك دعا المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 5سبتمبر 2017 في تقرير، إلى ضرورة إجراء تحقيق مستقل ودولي بشأن النزاع في اليمن.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين الاثنين 11 سبتمبر 2017، إن المنظمة الدولية تحققت من مقتل 5144 مدنياً في الحرب باليمن أغلبهم في ضربات جوية للتحالف بقيادة السعودية، مضيفاً أن هناك حاجة ماسة لتحقيق دولي.
وهذه هي المرة الثالثة في غضون أسبوع التي يدعو فيها الأمير زيد إلى تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان باليمن.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان إن أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن “سعوا إلى تجنب المسؤولية القانونية الدولية برفضهم تقديم معلومات عن دورهم في الغارات الجوية غير القانونية في اليمن”.
واعتبرت المنظمة “إخفاق” الائتلاف أو أي عضو في التحالف في التحقيق بصورة موثوقة في انتهاكات قواته لأكثر من سنتين من النزاع المسلح يؤكد ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قبل جميع أطراف النزاع.
لا يُعقل أن يعلن التحالف أن تحقيقاته ذات مصداقية بينما يرفض الإعلان عن المعلومات الأساسية
وأضافت في بيان للمنظمة “لا يُعقل أن يعلن التحالف أن تحقيقاته ذات مصداقية بينما يرفض الإعلان عن المعلومات الأساسية، مثل الدول التي شاركت في الهجوم وإذا كان أي شخص خضع للمساءلة”.
ودعت المنظمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى أن “توضح تماماً” لأعضاء الائتلاف “أنهم لا يفون بالمعايير الأساسية للشفافية، وأن مجلس حقوق الإنسان سوف يتدخل ويضمن التحقيق في هذه الانتهاكات، إن لم يكن أي من الأطراف المتحاربة على استعداد للقيام بذلك”.
وهذه التصريحات سرعان ما كانت تختفي خلال فترة بداية الحرب، نتيجة للضغوط السعودية التي كانت تهدد بمنع المعونات التي تقدمها للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، إلا أن هذه المرة تزداد صداها دون توقف، وهو ما جعل العالم يضغط باتجاه الحل للنزاع في اليمن، وهذا لسببين:
الأول: انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بأزمتها مع كوريا الشمالية التي وجد خصومها التقليديين في العالم فرصة ذهبية لمحاصرة النفوذ الأمريكي، وإضعاف صورة الولايات المتحدة وهيمنتها الدولية، ربما أثقل كاهل واشنطن، وأرادت أن لا تخسر الخليج في هذه المرحلة التي تعتبرها دقيقة، ورأت أهمية تأجيل ذلك إلى وقت لاحق بعد أن تنتهي من مشكلة كوريا الشمالية.
وربما أوعز الأمريكيون إلى السعوديين إلى حل مشاكلهم في المنطقة التي فجروها والاعتماد على أنفسهم في الوقت الراهن، لا سيما أزمتهم مع قطر أو اليمن، والخروج بحلول دبلوماسية مرضية للجميع، إلا أن العناد السعودي يرى أن الأمر في ذلك إهانة بالنسبة إليه.
الثاني: الانتقاد يأتي بعد عمليات ارتكبها التحالف العربي التي تقوده السعودية في حربها على اليمن، توصف بجرائم الحرب، وهي زادت ربما عن الحد المسموح بها للسعودية بعد عمليات ارتكبتها منذ بداية الحرب كان الإعلام العالمي يغض الطرف عنها، لكنه تناول هذه المرة غارات التحالف العربي التي تقوده السعودية في 25 أغسطس الماضي على المباني السكنية في العاصمة صنعاء أدت إلى مقتل وجرح أكثر من عشرين مدنيًا.
ربما أوعز الأمريكيون إلى السعوديين إلى حل مشاكلهم في المنطقة التي فجروها والاعتماد على أنفسهم في الوقت الراهن، لا سيما أزمتهم مع قطر أو اليمن.
ورغم أن ما ارتكبته مؤخرًا يعد أقل فظاعة عن الجرائم السابقة التي ارتكبتها السعودية في اليمن، إلا أن الجريمة الأخيرة في صنعاء التي راح ضحيتها أسر كاملة كان كفيل بتحرك الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية التي تدعو إلى التحقيق في تلك الجرائم.
ربما هذا يعود الفضل للأزمة الخليجية الأخيرة التي انشق فيها الكثير من الإعلام المؤثر عن التحالف، وبات ينشر جزء من الوضع الإنساني في اليمن على حقيقته، وهو ما بات يصل سريعًا إلى المنظمات الحقوقية العالمية التي بدورها تؤدي دورها المنوط بها، وهناك في الوقت الحالي ضغوط دولية على المملكة العربية السعودية إيجاد حل شامل في اليمن.
الموقف السعودي
السعودية لا تبدو أنها راضية عن التحرك الأخير للمجتمع الدولي، أو عن الإعلام الذي بدأ يكشف جرائهما في اليمن، وهي ستعمل بقدر ما تستطيع فعله لتمييع هذه القضية وربما إلى شراء قرار أممي آخر على غرار القرار 2216 للمزيد من إطالة أمد الحرب في اليمن.
لن تهدأ السعودية في الحرب في اليمن إلا بعد أن يتحقق لها مطالب ثلاثة حدتهم كشرط لإيقاف الحرب في اليمن، وهي: اولاً:عودة الحكومة هادي إلى العاصمة صنعاء.
ثانيًا: حماية الحدود بينها وبين اليمن وتراجع الحوثي من الحدود السعودية وتأمينها.
ثالثُا: ألا يكون وجود إيراني في اليمن تماماً، ووقف التمويل العسكري أو التدريب العسكري بتواجد الخبرات العسكرية البشرية هناك.
هذه الأمور الثلاثة التي حددتها السعودية لن تتنازل عنها، ولن ترضى بأن يكون الحوثي مساهما في العملية السياسية كميليشيا مسلحة بجانب الدولة كما هو في لبنان مع (حزب الله)، لكن المتغيرات على الأرض ربما هي من تحدد هذه الشروط، وإن كانت الكفة ترجح خلال الفترة الأخيرة لهذه الشروط نتيجة الخلافات التي يحدثها الحوثيين في اليمن مع شريكهم في الحرب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
السعودية لا تبدو أنها راضية عن التحرك الأخير للمجتمع الدولي، أو عن الإعلام الذي بدأ يكشف جرائهما في اليمن، وهي ستعمل بقدر ما تستطيع فعله لتمييع هذه القضية
فالأحداث الأخيرة في العاصمة صنعاء، يبدو أن الحوثيين يرفضون أن يكون لهم أي شريك سياسي، ويعتبرون أن الحكم في اليمن مرسل إليهم من الله وأن التنازل عن هذا الحق الإلهي كما يزعمون جريمة، ويجب القتال لتحقيق هذه الغاية، وهو سبب خلافهم مع المؤتمر الشعبي العام الذي سئم منهم، وربما إن وجد من يؤمنهم من التحالف لأعاد الحوثي إلى كهوفهم، لكن خوفه من التحالف واستغلاله لهذه الحرب للقضاء عليه، هو من يجعله يتمسك بالنفس الطويل.
ما هو موقف الحوثيين؟
الحركة الحوثية، غالبًا ما ستكون ترحب بالبيانات والإدانات الأممية التي تنتقد التحالف العربي لارتكابه جرائم حرب في اليمن، لكنها لن ترحب بدعوات السلم والسلام الذي لا يشمل الشروط التي يحددها الحوثي، وهي أن يكون حاضرًا في العملية السياسية وأن يكون قوة تشرف على الجيش والسلطة في اليمن على غرار ولاية الفقيه في إيران، وهذا ما لا تقبله السعودية أو القوى السياسية في اليمن، حتى حزب المؤتمر الشعبي العام شريكه في الحرب.
وهذه جزء من أسباب الخلاف الأخير بين المؤتمر وحليفه الحوثي الذي بدأ يسيطر على مرافق المؤسسات الحكومية في اليمن إما بالقوة أو إصدار قرارات ليس بالتوافق بحسب الاتفاق بين المؤتمر والحوثي في أواخر أغسطس من العام 2016.
وفي اجتماعه الأخير يوم 11 سبتمبر، أقرت اللجنة التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام، بقاءها في حالة انعقاد دائم، وهو ما يعني أن هناك خطرًا يداهم اليمن، من قبل الحوثيين الذين بدأوا يمارسون عادات خارجة عن قيم المجتمع اليمني والدين الإسلامي، ويكرسون ذلك عبر المناهج الدراسية.
هل نشهد حوارًا سياسيًا خلال الفترة القريبة؟
ربما يكون الضغط الأممي على الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي وعلى أطراف الأزمة في اليمن بدفعهم للحوار السياسي، قائمًا، ويمكن أن تساعد الجرائم الأخيرة التي ترتكب بحق اليمنيين من قبل أطراف النزاع، تدفع الأمم المتحدة لتحريك هذا الملف الراكد، لكن هناك أمور تبدو مستحيلة وهي ما تجعلنا نستبعد أن يكون هناك حوارًا سياسيًا يفضي إلى حل شامل للأزمة اليمنية، للأسباب التالية.
أولًا: اختلاف حليفي صنعاء بسبب إقدام الحوثيين على تغيير المنهج والعقل اليمني، ومحاولة الالتفاف على الاتفاق المعلن بينه وبين حزب المؤتمر الشعبي العام في 28 يوليو 2016 الذي تمخض عن ذلك الاتفاق تشكيل المجلس السياسي الأعلى وتكون رئاسته دورية، ورفض أيضًا الحوثيين تسليم رئاسة المجلس للحزب.
وللقضاء على الحوثيين يمكن للسعودية أن تتنازل الكثير، وتتصالح مع حزب صالح للقضاء على الحوثيين من أجل أن تخرج من الحرب منتصرة
هذه الخلافات قد تجعل المملكة العربية السعودية وقوات هادي الموالية لها على أهب الاستعداد لأي اشتباكات بين الحلفين، كون الاختلاف المسلح بين حليفي صنعاء قد يضعف الجبهات الأخرى في الحدود اليمنية السعودية أو الشريط الساحلي للبلاد، أو على مشارف العاصمة اليمنية صنعاء، وهذا قد يكون أحد الأسباب في أن ترفض السعودية أو هادي أي حوار خلال الفترة القادمة، لتظل على أمل الاختلاف المسلح بين تحالف الحوثي/ صالح.
اندلاع الاشتباكات المسلح بين حليفي صنعاء، قد يقوي التحالف العربي في الجبهات، وقوات هادي، وتشجعها على اقتحام المدن، وربما قد تنجح في اقتحام صنعاء في غضون ثلاثين يومًا في حال انقلب الحوثيين على صالح، واندلعت بينهما اشتباكات مسلحة.
ثانيًا: حديث الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي لصحيفة القدس العربي يوم الاثنين 11 سبتمبر، يبدو أن لا نية لدى الرجل في حل سياسي على الإطلاق، فإن الحل السياسي قد يقضي على مستقبله السياسي تمامًا.
فوفقًا للمبادرة الخليجية التي بموجبها دعا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فإن فترة هادي تنتهي في تاريخ 27 فبراير 2014، وإطالة الحرب تطيل من أمد رئاسته في اليمن، فهو غير مستعد لأي حوار، والعمليات العسكرية تطيل من أمد الحرب وتثقل كاهل المواطن اليمني، وتزيد الأوضاع الإنسانية أكثر مأسوية.
الحوثيون سيسعون دائمًا إلى عرقلة أي حوار سياسي يمني، نتيجة للأسباب التي ذكرناها سابقًا، فهم غير مستعدين للسلام، وغير مستعدين للشراكة، وغير مستعدين لأفكار غيرهم، فإطالة الحرب تخدمهم لطمس هوية اليمن المتعدد.
ثالثًا: المملكة العربية السعودية لا تريد أن تنتهي الحرب وفقًا لأهواء الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أو الحوثيين، أو حتى الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، وإنما وفقًا لأهوائها، والتي من خلالها تستطيع أن تظهر لعدوتها التقليدية إيران، أنها قوية بقدر كاف وباستطاعتها أن توقف تقدمها في عواصم عديدة، ولهذا لا يمكن أن تهدأ الحرب مالم يتم إعلان استسلام الحوثيين في اليمن، وتسليم الأسلحة الثقيلة التي نهبها الحوثيين من الجيش اليمني.
وللقضاء على الحوثيين يمكن للسعودية أن تتنازل الكثير، وتتصالح مع حزب صالح للقضاء على الحوثيين من أجل أن تخرج من الحرب منتصرة، لكن ذلك ربما ليس في حساب السعودية، لكنه قد يكون ثانويًا وربما قد يأتي بفعل عامل الأرض واختلاف الحسابات.
رابعًا: كما هي الحرب تخدم أمرائها من أتباع الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، وتخدمه شخصيًا، فإن إطالة الحرب يستفيد منها الحوثيين أكثر من كافة الأطراف المختلفة، فإطالة الحرب، تمكنه من إقامة التحالفات، وغرس مفاهيمه الرجعية على الجيل الصاعد بمختلف انتماءاته الفكرية والسياسية عبر المهرجانات، أو تغيير المناهج الدراسية.
فالحوثيون سيسعون دائمًا إلى عرقلة أي حوار سياسي يمني، نتيجة للأسباب التي ذكرناها سابقًا، فهم غير مستعدين للسلام، وغير مستعدين للشراكة، وغير مستعدين لأفكار غيرهم، فإطالة الحرب تخدمهم لطمس هوية اليمن المتعدد.