لأول مرة منذ تولي السيسي رئاسة مصر رسميًا في 8 يونيو 2014، يواجه نظامه إدانات رسمية موسعة من عدة دول ومنظمات حقوقية دولية في آن واحد.
نرصد في هذا التقرير ملامح الهجوم الدولي على نظام السيسي خلال الـ 72 ساعة الماضية (الأربعاء : الجمعة)، بدءًا من تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن التعذيب في السجون المصرية وحجب موقعها الإلكتروني، مرورًا بأزمة تخفيض الكونغرس المساعدات لمصر، واتهام الأمم المتحدة النظام بممارسة التعذيب، واستنكار الحكومة الألمانية لحجب المواقع الإلكترونية، وصولًا إلى إدانة منظمة العفو الدولية لحبس علا القرضاوي وزوجها حسام خلف.
هيومن رايتس ووتش توثق تعذيب السجون
البداية كانت الأربعاء الماضي، 6 سبتمبر، حينما أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية تقريرًا يوثق جرائم التعذيب في السجون المصرية، وقالت أن ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانًا الاغتصاب.
ووفقًا للتقرير الذي حمل عنوان “هنا نفعل أشياء لا تصدق: التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي”، تقول المنظمة أن النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب. واتهمت المنظمة الحقوقية الشهيرة السيسي بأنه أعطى ضباط وعناصر الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا.
وصلت المنظمة إلى هذه النتائج بعد أن قابلت 19 معتقلاً سابقًا وأسرة معتقل آخر تعرضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016
وأكدت “هيومن رايتس ووتش” أن “وزارة الداخلية طورت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة لجمع المعلومات عن المشتبه في كونهم معارضين وإعداد قضايا ملفقة ضدهم، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبًا عن التحقيق في الانتهاكات”.
وصلت المنظمة إلى هذه النتائج بعد أن قابلت 19 معتقلاً سابقًا وأسرة معتقل آخر تعرضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، فضلًا عن محامي الدفاع وحقوقيين مصريين، كذلك بعد أن راجعت عشرات التقارير عن التعذيب التي أصدرتها منظمات حقوقية ووسائل إعلام مصرية. في اليوم التالي مباشرة، الخميس، حجبت السلطات المصرية موقع المنظمة، لينضم بذلك إلى عشرات المواقع الإخبارية والحقوقية المحجوبة.
سريعًا، أصدرت “هيومن رايتس ووتش” بيانًا، أدانت فيه حجب موقعها، وقالت: “لا تزال السلطات المصرية تصر على أن أية وقائع تعذيب هي جرائم فردية لضباط سيئين يعملون بشكل فردي، لكن تقريرنا يثبت غير ذلك”. وأضافت: “بدلًا من معالجة أزمة التعذيب في مصر، حظرت السلطات الدخول إلى تقرير يوثق ما يعرفه بالفعل الكثير من المصريين وآخرين يعيشون هناك”. السبت، أي بعد 48 ساعة فقط من حجبه، عاد الموقع مرة أخرى للعمل، وأصبح متاحًا للزوار بدون استخدام برامج تجاوز الحجب.
صحيفة الجارديان البريطانية تفاعلت سريعًا مع تقرير “هيومن رايتس ووتش”، ونشرت موضوعًا تناول أهم ما جاء فيه من انتهاكات تمارسها قوات الأمن الوطني في مصر ضد السجناء. وذكرت “الجارديان”، استنادًا إلى تقرير المنظمة، أن الحصانة من العقاب في الاستخدام “الممنهج” للتعذيب، التي ضمنها الرئيس السيسي لضباط الشرطة والأمن القومي لم تترك للمواطنين أي أمل في تحقيق العدالة.
الكونغرس الأمريكي يخفض المساعدات
صفعة أخرى تلقاها نظام السيسي، الخميس الماضي، بسبب انتهاك حقوق الإنسان، عندما صوتت، بالإجماع، لجنة المساعدات الخارجية الفرعية، التابعة للجنة المخصصات المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي، على مشروع اعتمادات العام المالي المقبل 2018، والذي نص على تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر، في الموازنة الجديدة، بمقدار ٣٠٠ مليون دولار من المساعدات العسكرية، و٣٧ مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، حسبما أكدت وسائل إعلامية أمريكية.
مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة: التعذيب يُمارس بصورة منهجية في مصر، وحالات التعذيب التي حققت فيها اللجنة لم تحدث بالمصادفة في مكان أو زمان معين، وإنما تعتبر اعتيادية وواسعة الانتشار
اللجنة الأمريكية أعزت قرارها لأسباب تتعلق بـ “عدم احترام الحكومة المصرية لحقوق الإنسان”، كما ينص البند الخاص بمشروع الاعتمادات المالية على أن الإدارة الأمريكية لا تزال ترهن ٢٥% من المساعدات لمصر، بمسألة حقوق الإنسان، وأن لوزارة الخارجية الأمريكية أن تمارس نفوذها في هذا الشأن.
جدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت، في 23 أغسطس الماضي، وقف معونة لمصر مقدارها 75.7 مليون دولار، وتعليق 195مليون دولار أخرى، وأعزت ذلك القرار لـ “عدم إحراز تقدم ملموس على صعيد العملية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وصدور قانون المنظمات الأهلية في مصر”.
الأمم المتحدة تزيد جراح النظام
لم يكن النظام قد استفاق بعد من تداعيات تقرير “هيومن رايتس ووتش” عن التعذيب في السجون المصرية، حتى نشرت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، الجمعة، نتائج تحقيقها، الذي فتحته منذ عام 2012 حول منهجية التعذيب في مصر، وخلصت إلى أن “التعذيب يُمارس بشكل ممنهج وتحت رعاية السلطات المصرية الحاكمة”.
عادةً لا تقوم لجنة مناهضة التعذيب بفتح مثل هذه التحقيقات إلا إذا تلقت معلومات موثوقًا بها تشير إلى أن التعذيب يُمارس على نحو منهجي في إقليم دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، الموقعة عليها مصر، وطبقًا للتحقيق الذي أجرته اللجنة، فإن التعذيب في مصر يتم على أيدي: المسؤولين العسكريين، مسؤولي الشرطة، مسؤولي السجون.
واصلت المنظمات الدولية حصارها لممارسات نظام السيسي القمعية. الصدمة جاءت هذه المرة من منظمة العفو الدولية، التي أدانت حبس علا القرضاوي، ابنة الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي
وأعزت اللجنة في تقريرها تعذيب المصريين لأغراض تتعلق بمعاقبة المتظاهرين، الحصول على اعترافات بالإكراه، الضغط على المعتقلين لتوريط غيرهم في الجرائم.
تمخضت عن التقرير مجموعة استنتاجات وتوصيات، أبرزها:
أن التعذيب يُمارس بصورة منهجية في مصر، وأن حالات التعذيب التي حققت فيها اللجنة لم تحدث بالمصادفة في مكان أو زمان معين، وإنما تعتبر اعتيادية وواسعة الانتشار ومتعمدة في جزء كبير من محافظات مصر.
أن التعذيب يحدث، غالبًا، في مخافر الشرطة والسجون ومرافق أمن الدولة ومرافق قوات الأمن المركزي، ويمارسه مسؤول الشرطة والمسؤولون العسكريون ومسؤولو الأمن الوطني وحراس السجون، كما أن المدعين العامين والقضاة يسهلون أيضًا التعذيب بتقاعسهم عن كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، أو عن اتخاذ إجراء بشأن الشكاوى. (تتشابه هذه الجزئية تمامًا مع نتائج تقرير هيومن رايتس ووتش).
قدمت اللجنة توصيات عاجلة إلى مصر، منها أن تقضي فورًا على ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة في جميع أماكن الاحتجاز، وأن تكفل إدانة كبار المسؤولين بصورة علنية للتعذيب، وأن تعتمد سياسة عدم التساهل مطلقًا معه، وأن تقاضي مرتكبيه.
الحكومة الألمانية تحذر من استمرار حجب المواقع الإلكترونية
في اليوم ذاته، الجمعة، أدانت بربيل كوفلر، مفوضة الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية في وزارة الخارجية الألمانية، حجب السلطات المصرية لعشرات المواقع الإلكترونية، على خلفية أزمة حجب موقع منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وقالت “كوفلر” أن حجب مواقع إلكترونية تابعة لوسائل إعلام مستقلة ومنظمات حقوق إنسان في مصر يمثل انتهاكًا جسيمًا لحرية الرأي والتعبير.
وأضافت المنظمة: “تُعد إتاحة الوصول للمعلومات للجميع بصورة حرة ودون إعاقة من المقومات الأساسية لوجود دولة قادرة على العمل وللقدرة المستقبلية للمجتمعات، كما أن احترام حقوق الإنسان مقوم رئيس لتحقيق السلام الاجتماعي والاستقرار المستدام، وهو في الوقت ذاته أفضل دفاع ضد التشدد والتطرف”.
وطالبت مفوضة الحكومة الألمانية، بشكل رسمي، الحكومة المصرية بتحقيق الشروط التي تتيح لوسائل الإعلام المستقلة وممثلي حقوق الإنسان القيام بواجبهم دون إعاقة.
“العفو الدولية” تندد باستمرار حبس علا القرضاوي
مساء الجمعة أيضًا، واصلت المنظمات الدولية حصارها لممارسات نظام السيسي القمعية. الصدمة جاءت هذه المرة من منظمة العفو الدولية، التي أدانت حبس علا القرضاوي، ابنة الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وزوجها المهندس حسام خلف، اللذان يقبعان في حبس انفرادي منذ القبض عليهما في 30 يونيو الماضي.
عقب توالي الإدانات الدولية لممارسات النظام القمعية، نشط بشدة هاشتاج “ارحل يا سيسي”، وانتشر كالنار في الهشيم
ونددت “العفو الدولية” بظروف احتجاز علا القرضاوي، وذكرت أنها محبوسة في زنزانة بحجم حوالي 160 × 180 سم بدون سرير تفتقر إلى الإضاءة والتهوية، وممنوعة من استخدام المرحاض، حيث يسمح الحراس لها بخمس دقائق في الصباح فقط، وهو ما يضطرها إلى الحد من تناول الطعام، لتجنب الحاجة إلى الذهاب إلى المرحاض.
كما دعت السلطات المصرية إلى إنهاء الحبس الانفرادي لعلا وحسام، فورًا، وضمان احتجازهم في ظروف إنسانية والحصول على الرعاية الصحية الكافية، وإتاحة لقائهما بالأسرة والمحامين، وضمان أيضًا حمايتهما من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
ما زلنا مع منظمة العفو الدولية، التي أصدرت، في 5 سبتمبر الماضي، بيانًا أدانت خلاله حجب الحكومة المصرية لعشرات المواقع الإخبارية والحقوقية.
ووجهت نجية بونعيم، مديرة الحملات بالمكتب الإقليمي لشمال أفريقيا للمنظمة، خطابًا شديد اللهجة للسلطات المصرية، قائلة: “بدلًا من فرض رقابة تعسفية على المواقع الإلكترونية على الإنترنت، يجب على السلطات المصرية أن تضع حدًا للاعتداء على الصحفيين وجماعات حقوق الإنسان، وغيرهم من المنتقدين على الإنترنت، وأن تتوقف عن الإجراءات القمعية على حرية التعبير”.
تويتر يهتف: “ارحل يا سيسي”
عقب توالي الإدانات الدولية لممارسات النظام القمعية، نشط بشدة هاشتاج “ارحل يا سيسي”، وانتشر كالنار في الهشيم، وظل متصدرًا ترندات موقع التدوينات القصيرة “تويتر” لمدة قاربت 24 ساعة.
شارك في التغريد آلاف النشطاء والمغردين، وعلى مستوى الشخصيات العامة، تفاعل الناشط السياسي والقيادي السابق بحملة السيسي الانتخابية، حازم عبد العظيم، مع الهاشتاج وتصدره “تويتر” في زمن قصير، وغرد مخاطبًا السيسي: “لو راجل صحيح اعمل انتخابات نزيهة أو استفتاء، وهتعرف شعبيتك الحقيقية مش الإعلامية الكاذبة”، مضيفًا: “ارحل يا سيسي، كفاية كده عليك قوي”.
حركة 6 إبريل علقت على إدانة المؤسسات الدولية للتعذيب في عهد السيسي، وطالبت برحيله مغردة: “كيف تحول جزء من المؤسسة الوطنية إلى عصابات تعمل خارج إطار القانون؟ ارحل يا سيسي”.
شادي الغزالي حرب، عضو ائتلاف شباب الثورة سابقًا، علق على نتائج استفتاء أجراه حول رحيل السيسي، قائلًا: “83% من أكثر من 1300 شخص شايفين أن السيسي عمره ما هيمشي بانتخابات، وأنا شخصيًا بتفق معاهم”.
الأكاديمي والمعارض المصري يحيى القزاز، ذهب إلى ما هو أبعد من رحيل السيسي، عندما طالب بمحاكمة رئيس مصر الحالي بتهم “الخيانة العظمى والعمالة والكذب والتدليس والسرقة”.
الحقوقي بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، شارك عبر هاشتاج “ارحل يا سيسي”، وتوقع اختفاء تعبير “الأجهزة السيادية” من قاموس مصر بعد رحيله.