يواجه الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون الذي انتخب على أساس “التغيير والأمل” في جمهورية لا تستثني أحدا، أول امتحان اجتماعي له، حيث خرج العمال في تظاهرات رفضا لمشروع قانون العمل الجديد، وهي تتهم الرئيس الفرنسي بإعادة النظر في ثوابت قانون العمل والصيغة التعاقدية بين العمّال وأرباب العمل، وبتقديم هدايا لأرباب العمل عبر منحهم تسهيلات غير مسبوقة لتسهيل تسريح العمال.
احتجاجات كبيرة
تشهد عديد المدن الفرنسية اليوم، احتجاجات عمالية ضخمة واضرابات عن العمل في عديد القطاعات رفضا لمشروع قانون العمل الجديد الذي اقترحه ماكرون، ومن أهم النقابات التي دعت إلى هذه التعبئة الاجتماعية هي “الكونفدرالية العامة للعمل” إحدى المركزيات النقابية الثلاث الذي ترى أن مشروع القانون “يعطي أرباب العمل سلطات كاملة”، وتشمل الإضرابات، إضرابات في قطاعي النقل الجوي والسكك الحديد.
يرمي هذا المشروع حسب السلطات إلى مكافحة البطالة و”تعويض خسارة سنوات” من البطالة
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد “أوبنيون واي” نشر الأربعاء أن 68% من الفرنسيين يعتقدون أن إصلاحات قانون العمل ستكون في صالح أرباب الأعمال وستؤثر سلبا على حقوق الموظفين والعمال، وعبر 63% منهم عن اعتقادهم أن التعديلات المقترحة غير ملائمة لسوق العمل.
وجدير بالذكر أن هذه الاحتجاجات ليست الأولى في البلاد، فقد شهدت فرنسا، احتجاجات اجتماعية كبرى ضد “إصلاح سوق العمل” الذي قرره الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند في 2016، وأيضا ضد إصلاح أنظمة التقاعد في 2010، لكنها لم تفلح في جعل الحكومة حينها تغير موقفها.
احتجاجات شملت عديد المدن
وكشف رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب ووزيرة العمل مورييل بينيكو نهاية أغسطس الماضي، النصوص الكاملة لمشروع إصلاح قانون العمل، أحد أهم الوعود الانتخابية للرئيس إيمانويل ماكرون، وأكثرها جدلا، بعد أسابيع من النقاشات مع ممثلي النقابات وأرباب العمل، ويعد هذا الإصلاح، الذي جاء وفاء لتعهدات الرئيس إيمانويل ماكرون الانتخابية، أول اختبار عملي للحكومة الفرنسية بقيادة إدوارد فيليب.
ويرمي هذا المشروع، حسب السلطات إلى مكافحة البطالة و”تعويض خسارة سنوات” من البطالة. وترجح هذه التعديلات كفة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشغّل قرابة نصف الموظفين في فرنسا، وتحدد سقف التعويضات في حال الخلاف، وتخفيض مهل الطعن للموظفين وإجازة التفاوض بلا نقابة لأقل من 50 أجيرا.
أسباب الاحتجاج
يرجع معارضو مشروع القانون الجديد للعمل، معارضتهم لهم إلى تضمنه عديد القوانين المثيرة للجدل، ومن بين هذه البنود التي أثارت حفيظة النقابات العمالية، وضع سقف لقيمة العطل وقيمة التعويضات جراء الفصل التعسفي، والسماح للمجموعات التي لا يعتبر نشاطها مربحا في فرنسا بتسريح الموظفين حتى لو كانت هذه الشركات مزدهرة في العالم، ووضع عقود عمل جديدة تتيح الفصل في نهاية مهمة محددة.
وتثير عديد البنود الأخرى مثل خفض المساعدات الشخصية للسكن، وتجميد مؤشر احتساب أجور العاملين في الوظيفة العامة، وتقليص أعداد الموظفين، قلق النقابات. وخلال الأيام الماضية قام البرلمان الفرنسي بإعطاء الإذن للحكومة بإصلاح قانون العمل بمعزل عن البرلمان، وأقر مجلس الشيوخ قانونا يمنح الحكومة صلاحية إصلاح قانون العمل بمراسيم.
وبموجب هذه الطريقة التي تندد النقابات بها، فإن البرلمان لن يناقش الإصلاحات التي تدخل على قانون العمل ولكنه سيكتفي بالاطلاع عليها في بداية العملية ونهايتها فقط الأمر الذي جعل المعارضة الفرنسية تتحرك ضد هذه الخطوات الحكومية وأطلقت على هذه الإصلاحات بأنها “قانونا لتدمير المجتمع”.
دعا هولاند ماكرون إلى عدم الطلب من الفرنسيين تقديم تضحيات غير مفيدة
خطوط أخرى حمراء لا يجب تخطيها بالنسبة للنقابات العمالية كمرونة عقود العمل لفترة زمنية محددة، وعقود العمل لأجل غير محدد الذي يجري العمل به في قطاع البناء، والتفاوض من دون ممثل نقابي في الشركات الصغرى والمتوسطة، إذ تأمل الحكومة في أن يتفاوض ممثل عن العمال مباشرة مع رئيس العمل.
في غضون ذلك، وجّه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند تحذيرًا شديدًا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، للمرة الأولى منذ تولي الأخير الرئاسة، وحثه على عدم الذهاب بعيدًا في إصلاح قانون العمل. ودعا هولاند ماكرون إلى عدم الطلب من الفرنسيين تقديم تضحيات غير مفيدة، واستغل هولاند، ظهوره العلني خلال مهرجان سينمائي ليدلي بتصريحه هذا، وأشار إلى عدم جعل سوق العمل مرنا أكثر مما عملنا نحن في هذا المجال، خوفا من الوقوع في التعثر بحسب قوله.
إصرار ماكرون
رغم رفض بعض النقابات العمالية لمشروع قانون العمل الجديد، يصرّ الرئيس ماكرون على اقراره والعمل به، مؤكّدا عدم نيته التنازل عن هذا الاصلاح الذي شكل أحد الوعود الكبيرة لحملته الانتخابية، وفي وقت سابق قال ماكرون إن إصلاحه لقانون العمل هو “إصلاح من أجل تحول في العمق”، مضيفا: “يجب أن يكون طموحا وفعالا بما فيه الكفاية بهدف مواصلة خفض معدلات البطالة وأن يتيح عدم العودة إلى هذا الملف”، خلال فترة رئاسته. وأشار ماكرون إلى أنه لا يبحث عن جعل الأمور “أكثر بساطة، بل أكثر فاعلية”، حتى وإن لاقى هذا بعض الانتقادات.
الرئيس إيمانويل ماكرون
وأكد الرئيس الشاب أن هدف هذه التعديلات هو منح الشركات المزيد من المرونة من أجل تشجيعها على التوظيف، فيما تبقى البطالة التي تشكل ملفا يشغل الفرنسيين، مرتفعة جدا وتطال 9,5% من القوة العاملة وخصوصا الشباب.
من جعته أكد رئيس الوزراء إدوارد فيليب أن الإصلاح المرتقب يهدف بالأساس إلى تحرير سوق العمل وجعله أكثر مرونة ولكنه يحمي في الوقت ذاته الموظفين، قائلا “أنا لست هنا من أجل إرضاء هذا الجانب أو ذاك، ولكن مهمتي هي تنفيذ تعليمات الرئيس للنهوض بالبلاد”، مضيفا في تصريح صحفي: “نحن نريد تسهيل العلاقة بين صاحب العمل والعامل، والذهاب إلى محاكم العمل التي تستغرق وقتا طويلا في البت في القضايا والضبابية حول القيمة التعويضية ليست في صالح العامل ولا رب العمل”.