في الحقيقة، ثمة الكثير من الإشارات، التي تفيد أن المنتخب السوري لا يمثل سوريا الموحدة، وإنما هو وجه لطيف لنظام شرس. فقد ظهر المدرب الأساسي مع أحد اللاعبين والمتحدث الرسمي للفريق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2015، في سنغافورة في مؤتمر صحفي قبل إحدى المباريات، وكانوا يرتدون قمصانا تحمل صورة الأسد. واستخدم مدرب الفريق فجر إبراهيم منصة كأس العالم لإصدار تعليقات لاقت انتشارا واسعا بين اللاجئين السوريين، يزعم فيها أن الأسد “أفضل رجل في العالم”.
لقد أجرى إبراهيم، الذي لم يعد يدرب الفريق في الجولة الثالثة من تصفيات كأس العالم، حوارا مع “إي إس بي إن” في كوالالمبور ألقى خلاله خطابا مرتجلا يمدح فيه الرئيس السوري قائلا: “نعلم أن رئيسنا هو الرجل المناسب، وهو رجل رائع للغاية، فلولا رئيسنا لدمرت سوريا”. وعندما سئل عما إذا كان الوقت مناسبا للإدلاء بمثل هذه التصريحات السياسية، أجاب إبراهيم: “كل شيء مرتبط ببعضه البعض”.
وبالنظر إلى الضغوط داخل سوريا، حيث عذب آلاف الناس وقتلوا لمعارضتهم الأسد، من الصعب تقييم صدق أولئك المرتبطين بالفريق ومعرفة ولاءاتهم. وحول هذا الموضوع، أفاد أنس عمو، الذي يعمل حاليا في وكالة رياضية في مرسين بتركيا، إن بعض لاعبي المنتخب القومي لديهم أفراد من أسرهم إما اعتقلوا أو قتلهم النظام.
وأضاف عمو، بعد أن طلب عدم ذكر أسماء أولئك اللاعبين حماية لهم ولذويهم، أن “أولئك اللاعبون مجبرون على أن يلعبوا، وإلا سيتم قتل أفراد عائلاتهم”. وتابع عمو حديثه قائلا: “إنه يعرف اثنين من لاعبي المنتخب الوطني اللذان يلعبان خوفا من تحتفظ الحكومة بوثائق سفرهم، وتمنعهم منها، وتجعل من المحال عليهم أن يلعبوا في الخارج. والجدير بالذكر أن الشق الآخر من اللاعبين، موالون لنظام الأسد. ويعتقد عمو أنه في حال سُمح للاعبين بالتحكم في جوازات سفرهم، فسيلوذ عدد كبير منهم بالفرار”.
المنتخب السوري يحقق التعادل السلبي مع كوريا الجنوبية في مباراة تصفيات كأس العالم، واللاعبون يحتفلون بهذا الإنجاز الذي قال عنه كابتن الفريق: “إنه بمثابة المعجزة”
دخل اللاعبون السوريين ملعب توانكو عبد الرحمن بسرمبن، وعلامات عذاب السفر بادية عليهم، في ليلة رطبة وحارة من ليالي أيلول/سبتمبر. وعلى الرغم من أن معاليم الدخول كانت مجانية، إلا أن الحضور لم يتجاوز 5000 شخص في ملعب يحتوي على 45000 مقعد. وعموما، حضر حوالي مائة سوري، أغلبهم من الطلبة الذين يدرسون في كوالالمبور، وهم يهتفون في وسط المدرجات. وكانت كوريا الجنوبية، القوة الآسيوية الخالدة، تهدد بهز شباك المرمى ولكنها لم تفعل ذلك، وسرعان ما أصبح الفريق السوري يصارع من أجل تحقيق التعادل السلبي ويمنح نفسه أول نقطة، فكان في كل دقيقة يسقط لاعب سوري على الأرضية المعشبة، محاولا إضاعة الوقت.
لما أوشكت المباراة على النهاية، نشر المشجعون السوريون الذي كان عددهم حوالي مائة شخص، لافتةً ضخمة. وكانت هذه اللافتة عبارة عن صورة كبيرة لبشار الأسد تمتد على طول عشرين صفا. ومن جانبهم، قفز الجمهور، ضاربين الأرض بأقدامهم وهم يغنّون: “سوريا! سوريا!”. ولم تمض ثوان قبل أن يسارع حراس الأمن الماليزيون إلى هذا القسم، مجبرين المشجعين على إبعاد هذه اللافتة.
عندما انطلقت صافرة الحكم معلنةً عن نهاية المباراة بالتعادل السلبي، رقص المدرب السوري ابتهاجا، واقتحم اللاعبون أرض الملعب. وقد قال حسين، قائد الفريق، في أعقاب المباراة: “إن نتيجة اليوم لا يمكن اعتبارها مجرد إنجاز، وإنما هي معجزة في حد ذاتها. لقد أثبت الفريق السوري اليوم أنه فريق من الأبطال، وليس مجرد لاعبين”.
الأسد حوّل البلاد إلى مسلخ بشري ودمر المدن الكبرى
في الجانب الآخر من العالم كانت هناك حقيقة مغايرة. ففي ظهيرة يوم بارد وممطر من شهر شباط/ فبراير، دخل 24 لاجئا سوريا إلى غرفة تبديل الملابس الخاصة بالفريق الضيف، في مقر نادي بوخولز، وهو فريق رياضي هاو يلعب في الأقسام السفلى من الدوري المحلي الألماني. كان هذا المبنى المؤلف من طابق واحد، ضيقا في حين كان لونه قاتما، وقد كان يقبع بجانب منطقة سكنية في شمال شرق برلين. وخلف النادي يوجد ملعب كرة القدم. في الأثناء، واحدا تلو الآخر، تقدم السوريون وأخذوا قمصانهم من الكيس الورقي المجعد، في حين ثبتوا على الشباك المقابل لهم علم الثورة السورية، المزدان بنجومه الحمراء الثلاثة وخطوطه الأخضر والأبيض والأسود.
اعتمد زعيم النظام الدكتاتوري السوري، بشار الأسد على سياسة الأرض المحروقة، كرد فعل على الاحتجاجات التي اندلعت في سنة 2011، وهو ما دفع بالبلاد نحو أتون الحرب الأهلية التي شردت ملايين الأشخاص
في الواقع، يوجد ما لا يقل عن اثنين من هذه الفرق التي تمثل سوريا الحرة، والتي شاركت في مباريات استعراضية في تركيا وألمانيا. وتمثل هذه الفرق التي تضم لاعبين سابقين في دوري الدرجة الأولى السوري، جزءا من اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى ستة ملايين، أي ما يعادل عدد سكان ولاية ماساتشوستس الأمريكية. وفي الأثناء، قرر هذا الفريق الموجود في ألمانيا أن يمثل “الشعب الذي تعرض للاضطهاد على يد النظام، وخاصة الرياضيين الذين استشهدوا وضحوا بحياتهم من أجل وطنهم”. وفي هذا السياق، بادر المدرب نهاد سعد الدين بتقديم فريقه، قائلا: “هذا الفريق بإذن الله سيكون الممثل الرسمي لسوريا الحرة”.
في حجرة الملابس الأخرى، وصل لاعبو فريق بوخولز المحلي واحدا تلو الآخر، دون أن تبدو عليهم أي علامات اهتمام أو قلق. وكانت أصوات الموسيقى الصاخبة تنبعث من غرفتهم، لتنتشر موجاتها في كامل المبنى.
كان جل اللاعبين تقريبا من الشبان الشقر وكانوا في حالة بدنية ممتازة، كما لو أنهم خرجوا للتو من غلاف مجلة للدعاية السياحية. من جانبهم، كان السوريون في حالة يرثى لها، وحتى أزياؤهم الرياضية كانت مجعدة وقديمة. ففي الواقع، كان هذا الفريق عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين جمعتهم قضية واحدة.
في هذا الإطار، أورد المدرب نهاد سعد الدين، أن “اللاعبين الموجودين هنا أغلبهم قد تعرض سابقا للإصابة أو الاعتقال في سوريا”. لم يتجاوز هذا المدرب 35 سنة من عمره ولكنه يبدو أكبر بعشر سنوات، نظرا لشعره الخفيف وعيناه الجاحظتان. في الحقيقة، لعب سعد الدين لوقت طويل في موقع متوسط ميدان في العديد من الفرق السورية، ولكنه بات عاجزا عن مواصلة مسيرته الكروية. فأثناء حصار النظام السوري لمدينة حمص، تعرض سعد الدين لطلق ناري على مستوى الركبة على يد قناص، في حين تضرر جسمه كثيرا إثر انفجار قذيفة بالقرب منه أثناء قيامه بإخلاء النساء والأطفال من أحد المباني. وعند قدومه إلى النمسا، التي يعيش فيها في الوقت الراهن، اكتشف الأطباء أنه مصاب بتصدعات في خمس فقرات في ظهره.
وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش شبكة السجون التابعة لنظام الأسد على أنها “أرخبيل من مراكز التعذيب”.
على العموم، يحاول نهاد سعد الدين بث الحماس والحيوية في صفوف لاعبيه، حيث صرح قائلا: “يا شباب لدينا قضية ندافع عنها، وأتمنى أن يكون الجميع في مستوى التوقعات، حتى نثبت للعالم همجية هذا النظام، وما فعله في حق الرياضيين والمعتقلين. من واجبنا أن نتحدث عنهم… نحن في حاجة لإيصال أصواتنا، وإظهار وحدتنا لفضح هذا النظام أمام العالم، وإخباره أننا قمنا بثورة وأن هناك رياضيين أحرار. عندما تقولون إنكم من فريق سوريا الحرة، فأنتم تمثلون الملايين”.
الحرب الأهلية السورية
اعتمد زعيم النظام الدكتاتوري السوري، بشار الأسد على سياسة الأرض المحروقة، كرد فعل على الاحتجاجات التي اندلعت في سنة 2011، وهو ما دفع بالبلاد نحو أتون الحرب الأهلية التي شردت ملايين الأشخاص وأودت بحياة أكثر من 470 ألف شخص، في حين لا تزال البلاد تعيش في دوامة معاناة إلى حد اليوم.
من بين لاعبي فريق سوريا الحرة، جابر الكردي، الذي تم اعتقاله من قبل النظام في سنة 2013، في مدينة حماة، التي لعب فيها مع ناد يعرف باسم الطليعة. من جانبه، أفاد جابر الكردي أنه كان يساند المعارضة ولكنه لم يقاتل في صفوفها أبدا. وفي هذا الصدد، أورد الكردي متسائلا: “هل تعتقدون أن هاتين اليدين يمكن أن تحملا السلاح؟ لقد شاركت في المظاهرات ووفرت الملابس والمأوى للنازحين. أنا أرفض القتل وسفك الدماء، ولكنني عندما شاهدت العديد من الأشخاص المشردين يقبلون على مدينة حماة حتى يناموا في الشوارع والحدائق، لم أكن أستطيع أن أقف متفرجا”.
في سياق متصل، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش شبكة السجون التابعة لنظام الأسد على أنها “أرخبيل من مراكز التعذيب”. وفي الأثناء، أقر جابر الكردي بأنه تعرض للسجن لمدة تسعة أشهر دون محاكمة، في حين كان يتم نقله بين مراكز اعتقال في حماة وحمص ودمشق. وفي “فرع فلسطين” التابع لجهاز المخابرات العسكرية في دمشق، قام الحراس بضربه بشكل متواصل على باطن قدميه بواسطة خرطوم مطاطي، كما قاموا بتعذيبه من خلال تسليط صعقات كهربائية على رأسه.
لمدة أسبوع، ظل هذا اللاعب مسجونا في زنزانة صغيرة، لا تكفي مساحتها للجلوس أو التحرك. وفيما يتعلق بمعناته على يد النظام، أفاد جابر الكردي: “لقد كان الجو باردا، ومع ذلك كانوا يأتون من وقت لآخر ليقوموا بقذف الماء فوقي بشكل مفاجئ ثم يغادرون”. فضلا عن ذلك، ذكر الكردي أنه كان يسمح له بالخروج خمسة دقائق فقط في اليوم لاستنشاق الهواء، ومن حين لآخر كان يحصل على فتاة من الخبز يتم رميه عبر الباب.
لاعب آخر من فريق سوريا الحرة، وهو باسل حوى، أشار إلى أنه قبض عليه أثناء تخطيطه للهرب من جيش النظام السوري
كان هذا الشاب البالغ من العمر 25 سنة يتسم بملامح وديعة، في حين كانت له لحية خفيفة وهالات سوداء تحت عينيه. وفي نهاية فترة احتجازه، صرح جابر الكردي أنه تم إحضاره أمام قاض عسكري أمر بالإفراج عنه. وأثناء قيام أحد الحراس بتسليمه متعلقاته الشخصية، قام أحدهم بإخراج سكين وجرح إصبع الكردي دون أي سبب، ثم قال له هذا الحارس: “لقد فعلت ذلك حتى تتذكرنا كلما نظرت لأثر هذا الجرح”.
من جهته، أفاد جابر الكردي أنه ومنذ وصوله لألمانيا بات يتلقى علاجا نفسيا بسبب الكوابيس التي تراوده، حيث غالبا ما يرى عناصر من الأجهزة الأمنية السورية تلاحقه في شوارع مدينة حماة. وفي هذا الإطار، ذكر جابر: “أشعر بألم كبير في قلبي، وأوشك على الانهيار، أنا لست سعيدا هنا. مما لا شك فيه أن الحكومة الألمانية استقبلتنا ومنحتنا الأمن والأمان، ونحن نقدر هذا كثيرا. ولكن من الناحية النفسية، نحن لسنا سعداء، حيث يتعرض شعبنا في سوريا لمجزرة على يد النظام”.
لاعب آخر من فريق سوريا الحرة، وهو باسل حوى، أشار إلى أنه قبض عليه أثناء تخطيطه للهرب من جيش النظام السوري، بعد أن اقتنع بأن قوات النظام تقتل شعبها. إثر ذلك، تم احتجاز حوى لمدة شهرين في زنزانة صغيرة مع 12 معتقلا آخر، كانوا يقضون حاجتهم البشرية في حفرة في الأرض. وفي الأثناء، أورد باسل حوى أنه تم إطلاق سراحه بعد أن أصدر بشار الأسد عفوا محدودا في سنة 2014، وعقب ذلك تمكن هذا اللاعب من الفرار إلى ألمانيا.
لاعب آخر يتردد اسمه كثيرا في كل حديث حول فريق سوريا الحرة، على الرغم من أنه ليس موجودا هنا في برلين، ألا وهو جهاد قصاب، لاعب وسط الميدان المخضرم، الذي تجاوز عمره الآن 40 سنة. وقد لعب سابقا في فريق الكرامة، الذي يمثل مدينة حمص. وإلى حد الآن، لم يتم الكشف عن السبب وراء اعتقال قصاب في 19 من أغسطس/آب سنة 2014، حيث لم يتم عرضه للمحاكمة إلى الآن.
صورة جوية من سجن صيدنايا العسكري في سوريا، الذي تطلق عليه منظمة العفو الدولية اسم “مسلخ بشري”.
عموما، تعتقد عائلة جهاد قصاب وأصدقاؤه أنه تم نقله إلى سجن صيدنايا العسكري، الموجود في قلب شبكة مظلمة من مراكز التعذيب التي يديرها نظام الأسد. وفي هذا السياق، ذكر سجين سابق في شهادته أمام منظمة العفو الدولية أن الحراس في صيدنايا يجبرون السجناء الذين يتصفون بالضخامة والقوة على الاعتداء جنسيا على السجناء الضعفاء.
علاوة على ذلك، يتعرض السجناء باستمرار للضرب عن طريق الأنابيب والأسلاك الكهربائية، التي تسبب لهم في تسلخات على مستوى الجلد واللحم. ويحتوي سجن صيدنايا على غرفة سفلية للإعدام تتكون من قاعدتين و12 مشنقة، وذلك حسب تقارير منظمة العفو الدولية التي وصفت هذا السجن بأنه “مسلخ بشري”. وتقدر هذه المنظمة أن حوالي 13 ألف سوري تعرضوا للتصفية الممنهجة على مر الأربع سنوات الماضية في هذا السجن وحده.
في أيلول/سبتمبر الماضي، أي بعد أكثر من سنتين من اختفاء اللاعب جهاد قصاب، تم إعلان خبر وفاته. كانت مساجد مدينة حمص أول من أذاعت الخبر، ثم وسائل التواصل الاجتماعي، وشبكة سوريا لحقوق الإنسان، ثم وسائل الإعلام العالمية. ولكن لم يتم تقديم أي تفاصيل إضافية فيما يتعلق بملابسات وفاته. وفي هذا الصدد، أورد محمد حميد، اللاعب السابق في فريق الكرامة والصديق المقرب من جهاد قصاب، أنه “لو أن جهاد يعيش في بلد آخر لوقع تكريمه ومنحه جوائز نظرا لتاريخه الحافل بالإنجازات الرياضية. ولكن في سوريا تحت حكم الأسد، جزاءه كان الاعتقال والتعذيب”. وإلى حد الآن لم يكشف مكان جثة قصاب. وبالتالي، يعتقد بعض أصدقائه أنه لا يزال حيا. وقد أقام رشاد شما، وهو صديق قديم لقصاب، مراسم توديع لصديقه أمام محل تابع له في المملكة العربية السعودية.
تعتبر هذه من المفارقات الغريبة التي تعكس قتامة الواقع في سوريا، حيث أن نجما مثل قصاب يختفي بهذه الطريقة، ويتم إعلان وفاته وإقامة مراسم توديع له. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد كل صديقه رشاد شما وآخرون أنه لا يستطيع أحد الجزم ما إذا كان قصاب ميتا أو حيا يُرزق.
يعتبر لاعبو سوريا الحرة أنفسهم بديلا عن الفريق الوطني الذي يدعمه بشار الأسد
لدى سؤاله حول هذه القضية، أجاب فادي دباس، نائب رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، أنه لا يعلم شيئا حول مصير قصاب ولم يسمع به أبدا. وقد أورد دباس قائلا: “لم أسمع بهذا الاسم من قبل”. وعندما أشرنا إلى أن قصاب لعب في دوري الدرجة الأولى السوري لأكثر من 10 سنوات، قال لنا: “لا أعرف أين ذهب بعد أن غادر فريق الكرامة. ولا أعرف ماذا حصل معه، ليست لدي أي معلومة حول هذه المسألة”.
على الرغم من رمزية الحدث، إلا أن مباراة فريق سوريا الحرة ضد فريق بوخولز الألماني انتهت بهزيمة ثقيلة للسوريين بنتيجة خمسة أهداف مقابل هدفين، حيث دارت المباراة في طقس بارد وأمطار متواصلة، أمام عشرات من المشجعين الألمان الذين جاؤوا مساء هذا الأحد لمشاهدة أصدقائهم وأقاربهم يشاركون في هذا الحدث غير المألوف. وبالنظر لهذه الظروف، فإن مشاهدة هذه المباراة تعد أمرا بطوليا وغير مريح.
في البداية، سجل السوريون بضربة مقصية جميلة، ولكن مع حلول الشوط الثاني تفوق الألمان بفضل حضورهم البدني، وهو أمر مفهوم نظرا لأنهم يعيشون حياة عادية ويتدربون بانتظام، بينما اجتمع اللاعبون السوريون لأول مرة قبل المباراة بيوم واحد. ولذلك، تتالت أهداف الفريق الألماني، وقد اصطدمت إحدى الكرات القوية بوجه مدافع سوري وتركته مغمى عليه على العشب لعدة دقائق قبل أن يستعيد وعيه.
في الحقيقة، يعتبر لاعبو سوريا الحرة أنفسهم بديلا عن الفريق الوطني الذي يدعمه بشار الأسد. ولكن الأداء الذي قدموه أمام فريق بوخولز المغمور، يثبت أنهم ليسوا حتى قريبين من بلوغ مستوى فريق النظام. ما يعني أن هناك فريقا واحدا يمثل سوريا رسميا على الأقل، حيث أنه يجب على اللاعبين الذين يمتلكون القدرة على الانضمام إلى صفوفه أن يقرروا الطرف الذي يريدون تمثيله.
يعتبر الخطيب واحدا من أشهر سكان حمص، وأحد أشهر الرياضيين السوريين، حيث أنه صار نجما قوميا منذ سنواته الأولى في عالم الكرة
في تموز/يوليو سنة 2012، عندما أعلن فراس الخطيب أنه لن يواصل اللعب مع المنتخب السوري، كانت مدينته الأم، حمص، تشتعل فيها النيران. وقد أصبحت هذه المدينة الموجودة في غرب البلاد، والتي تعد ثالث أكبر مدن سوريا، تسمى بعاصمة الثورة. فخلال السنة الماضية، عندما بدأت المظاهرات السلمية ضد نظام بشار الأسد الدكتاتوري وانتشرت في أنحاء البلاد، خرج الآلاف من سكان حمص إلى الشوارع. وتماما كما في باقي المدن، رد بشار الأسد بالقوة الغاشمة. وقد أدت السياسة القمعية التي اعتمدها النظام ضد المظاهرات لاندلاع حرب أهلية، وباتت البلاد الآن مسرحا لصراع غير مباشر بين القوى الدولية، والمنظمات الإرهابية، وأمراء الحرب، والميليشيات، والمدافعين عن الحرية.
لقد تضمنت سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها الأسد في حمص ارتكاب عمليات اغتصاب وتجويع ممنهج، حتى أن بعض السكان اضطروا لأكل العشب حتى يعيشوا، بحسب روايات شهود عيان وناشطين من المعارضة. كما ظهرت تقارير حول المجازر التي ارتكبتها قوات الأسد التي قامت بعمليات قتل جماعي ضد المدنيين.
ويعتبر الخطيب واحدا من أشهر سكان حمص، وأحد أشهر الرياضيين السوريين، حيث أنه صار نجما قوميا منذ سنواته الأولى في عالم الكرة ضمن أصناف الناشئين. وقد غادر الخطيب البلاد في أوائل سنوات الألفية من أجل الاحتراف في بلجيكا، ثم الصين، ولعب لأكثر من عشر سنوات في الكويت، التي حطم فيها الرقم القياسي كأكثر لاعب يسجل أهدافا في الدوري.
في الحقيقة، استخدم الخطيب مداخيله المالية لبناء شارع كامل في حمص أطلق عليه اسم شارع الخطيب، وأسس ملعبا عشبيا ومسجدا يحملان أيضا اسم عائلته. وعلى الرغم من الملايين التي اكتسبها بسبب احترافه في الخارج، إلا أن الخطيب كان لطالما يتردد على بلده لتمثيل منتخبه الوطني، حيث كان يقول: “عندما تلعب مع المنتخب الوطني، فإن 24 مليون سوري سيشاهدونك وسيساندونك حتى تفوز”.
بعد أن تم تقليص منافسات الدوري السوري لتقتصر على مدينتي دمشق واللاذقية، عادت الآن المنافسات لتشمل مناطق أخرى من البلاد
جاء قرار الخطيب بمقاطعة الفريق الوطني، الذي أعلنه خلال تظاهرة في مدينة الكويت، بمثابة صفعة قوية لنظام الأسد. يومها، ظهر الخطيب وهو يحمل علم الثورة السورية، وقد قال أمام الجموع الغفيرة: “هنا أمام وسائل الإعلام أريد أن أقول إنني لن ألعب أبدا مع المنتخب السوري ما دامت القنابل تتساقط على أرض سوريا”. إثر ذلك، قام أحد الحاضرين بحمل الخطيب فوق الأعناق، وهتفت الجماهير له قائلة: “أبو حمزة، أبو حمزة، الله يحميك أبو حمزة”.
والجدير بالذكر أن الخطيب يلعب في الوقت الراهن في فريق نادي السالمية الكويتي، وهو النادي الخامس الذي يلعب معه في هذا البلد. وعلى جانب العشب في الملعب، وقف الخطيب ذات مساء من شهر شباط/فبراير، محاولا أن يفسر لنا كيف تبدو له فكرة تمثيل سوريا مجددا، بالنظر إلى مواقفه السابقة والجرائم التي يواصل النظام في ارتكابها ضد المدنيين من أحبائه وزملائه الرياضيين.
قال الخطيب: “ما حدث هو أمر معقد جدا، لا يمكنني مواصلة الحديث حول هذا الأمور، أنا آسف. هذا أفضل لي ولبلدي ولعائلتي، من الأفضل للجميع ألا أتكلم حول هذا الأمر”. في المقابل، أدلى اللاعب ببعض التلميحات حيث صرّح أنه لم يضع قدمه في شارع الخطيب منذ ست سنوات. ولم ير والده الذي لا يمكنه مغادرة البلاد بسبب المرض. وحول هذا الموضوع، علّق الخطيب قائلا: “هذه أصعب فترة في حياتي، أنا لا أريد العودة لأنني ألعب مع الفريق الوطني أو لأنني أساند الحكومة أو العكس. أنا أريد العودة إلى سوريا مثل أي مواطن سوري. أريد أن أرى والدي وإخوتي”. كما أفاد الخطيب أنه يحلم بالعودة لمدينته حمص كرئيس لنادي الكرامة.
بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، افترق فراس الخطيب الذي يظهر على يمين الصورة، وعبد الرزاق الحسين الموجود وراءه. وقرر الخطيب مقاطعة الفريق الوطني بينما أصبح الحسين قائدا له
في ذلك الوقت الذي أعلن فيه الخطيب مقاطعته للمنتخب، كان الكثيرون يعتقدون أن نظام الأسد على وشك الانهيار، حيث قال هذا اللاعب: “في ذلك الوقت كنا منتشين بالثورة، وأردنا لبلدنا أن ينمو ولشعبنا أن يصبح أقوى، وأن يعيش الناس حياة أفضل”. ولكن لحد الآن، لا يزال بشار الأسد متمسكا بالسلطة. كما أن نظامه لا يسيطر فقط على مدينة حمص، بل بسط منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي سيطرته على كامل مدينة حلب”.
وبعد أن تم تقليص منافسات الدوري السوري لتقتصر على مدينتي دمشق واللاذقية، عادت الآن المنافسات لتشمل مناطق أخرى من البلاد. وفي أواخر كانون الثاني/ يناير، خاض فريقا الاتحاد والحرية، وهما أكبر أندية حلب، أول لقاء لهما في المدينة منذ سنة 2012، في حدث استغله النظام وسُوّق له على أنه دليل على أن الحياة في سوريا عادت لنسقها الطبيعي.
في هذا الصدد، أفاد الخطيب: “لقد قلت سابقا أنني لن ألعب حتى يتوقف القتل والموت، والآن تسألونني عن سبب تغيير رأيي، لقد تغيرت لأسباب رياضية وليست سياسية. نريد أن نكون سعداء، نريد أن نقوم بشيء يجعلنا نشعر بالفرح. لكن في الوقت الراهن يشعرنا كل شيء في سوريا بالتعاسة”.
يفكر الخطيب في العودة للفريق الوطني، بعد النتائج الممتازة التي حققها في التصفيات المؤهلة لكأس العالم عن قارة آسيا، ضد فرق على غرار كوريا الجنوبية، وماليزيا، والصين، وإيران، حيث بات الفريق أقرب من أي وقت مضى للتأهل لكأس العالم لأول مرة في تاريخه.
ولدى سؤالنا للخطيب حول سبب تفكيره في العودة للمنتخب لتمثيل هذا النظام الذي يقتل الشعب ولم يسلم منه حتى الرياضيون، أجاب الخطيب: “هذا سؤال صعب للغاية، حقيقة لا أعرف ماذا أقول، أريد أن أتكلم ولكن لا أستطيع”.
يتبع في الجزء الثالث..
المصدر: شبكة إي إس بي إن