نشر أحد الكتاب الصحفيين الأتراك خلال الأيام القليلة الماضية ادعاءات حول دراسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبعض الشخصيات لتكون في موقع نائب أو مساعد الرئيس بعد انتخابات 2019 وذلك وفق معايير أهمها أن يكون لدى هؤلاء مؤيدون أو كتلة تساهم في تعدي أردوغان لحاجز 50% في الانتخابات القادمة، والتي جعلته نتيجة الاستفتاء الأخير أكثر قلقا بشأنها خاصة أن بعض التقديرات ترى أن تأييد حزب العدالة والتنمية يدور حول نسبة 47% حاليا.
ومن بين الأسماء التي قيل أنها تطرح في الكواليس اسم رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي، وهذا ليس مستغربا فالأخير دعم الاستفتاء على التعديلات الدستورية ومواقفه منسجمة بشكل كبير مع الرئيس أردوغان وخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016. ولعله مرشح فعلي لذلك وقد أكد رئيس الوزراء التركي أنه لا يوجد خلافات في المواقف بين حزب العدالة والحركة القومية وخاصة فيما يتعلق باستفتاء كردستان العراق. كما أن الرئيس أردوغان قد صرح أن هذه الأمور لم تحسم وكل شيء ممكن لكنه أكد أن حزب العدالة والتنمية في حوار إيجابي مع دولت بهتشلي وأن الحوار سيتقوى في المستقبل ولكن اسم المرشح الثاني الذي طرح هو الذي تسبب في إحداث جدل .
لقد كان المرشح الثاني المحتمل والذي دار اسمه في الكواليس سيدة وليس رجلا.. إنها تانسو تشيللر أول رئيسة للوزراء في تركيا والتي تبلغ من العمر حاليا قرابة 70 عاما والتي تمتلك خبرة كبيرة في عالم السياسة والاقتصاد. فهي عالمة في الاقتصاد وقد عملت كوزيرة اقتصاد في حكومة سليمان ديميرل وعملت كوزيرة خارجية ونائبة لرئيس الوزراء ورئيسة للوزراء، ولكن لدى البعض منها سمعة غير جيدة في إدارة عدد من الملفات.
تشيللر تمتلك كفاءة وقدرات عالية وحنكة ومع أنها ابتعدت عن الانخراط المباشر في السياسة منذ فترة طويلة فقد بقيت شاهدا على فشل الحكومات الائتلافية الناتجة عن النظام البرلماني
وقد استغرب عدد من الصحفيين الأتراك أن يقع اختيار أردوغان على تشيللر كمساعدة له على الرغم أن الأمر لم يؤكد ولكنه متداول -وقد قالت تشيلر نفسها أنه لم يتم التحدث إليها في الأمر- وقد اعتبر هؤلاء أن تشيللر “ميتة سياسيا” وأن عمرها 70 عامًا. وقد يضيف البعض ويقول: الأدهى أنه كان لها شبهة علاقات مع جماعة غولن، وكانت “لا تثني كلمة الهوجا” أي فتح الله غولن عندما كانت رئيسة للوزراء.
وهي من افتتحت بنك آسيا الذي أسسته جماعة غولن، كما يصفونها بأنه أمريكية الهوى فهي التي درست في أمريكا وحصل أولادها على الجنسية الأمريكية، وما زالت تحتفظ بعلاقات مع دبلوماسيين أمريكان فضلاً عن أنها لن تقدم فائدة لأردوغان بل يستشهد بعضهم أن سليمان ديميرل قد قال لبعض جلسائه أنه “ندم ألف مرة على اليوم الذي صعّد فيه تشيللر لمواقع متقدمة في الحزب والحكومة”. ولعل هذا بسبب أن تشيللر قد تحالفت مع حزب الرفاه بقيادة أربكان في عام 1996 مما جعل الجيش يعمل على تنحيتها من المشهد تماما بعد أن دافع عنها سابقا.
وعلى كل حال، فإن تشيللر تمتلك كفاءة وقدرات عالية وحنكة ومع أنها ابتعدت عن الانخراط المباشر في السياسة منذ فترة طويلة فقد بقيت شاهدا على فشل الحكومات الائتلافية الناتجة عن النظام البرلماني وهي كانت من أشهر من أيد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في نيسان 2017.
ما الذي قد يدفع أردوغان لاختيار تشيللر؟
ربما توجد في تشيللر التي ترددت كثيرا على المجمع الرئاسي في أنقرة مؤخرا بعض الخصائص التي قد تفيد ولكن من الجيد الإقرار بأن الساحة التركية إذا نظرنا خارج حزب العدالة والتنمية تفتقد إلى شخصيات سياسية وازنة ( ذات كاريزما)، ولعل نظرة إلى الواقع القيادي في تركيا تبين لنا صحة هذه النظرة وكذلك احتمال انشاء حزب جديد منشق عن الحركة القومية، بقيادة ميرال أكشينار ولهذا يبين لنا اختيار تشيللر إن صح أن بعض الشخصيات التاريخية قد تكون مفيدة، وهذا يضع أملا لبعض الشخصيات السابقة والتي لا موقع رسمي لها الآن. أما بخصوص العمر فلا يشكل عائقا ففي التاريخ التركي عاد عصمت اينونو مواليد 1884 والذي كان رئيس تركيا الثاني بعد أتاتورك في 1938 ليصبح رئيس الوزراء في 1961.
تشيللر زعيمة ووضعها الحالي لا يسمح لها أن تطلب الكثير من أردوغان كما أنها قد تجتذب الكثير من المؤيدين والمؤيدات
إن النقطة المهة الأخرى هي أن تشيللر قد قدمت عرضا لأردوغان في عام 2010 وقد تكون قدمته مجددا مرة أخرى بطريقة محدثة، حيث قدمت تشيللر لأردوغان في 2010 عرضا مفاده أن يصبح أردوغان رئيسا لتركيا وهي رئيسة للوزراء. وكما أسلفت فقد كانت تشيللر ذكية وفي هذه الأوقات عندما يتم الاحتياج لرقم صغير كـ 1% أو 2% لكنه مؤثر، وجدت في ذلك فرصة لتعود للساحة.
إن تشيللر زعيمة ووضعها الحالي لا يسمح لها أن تطلب الكثير من أردوغان، كما أنها قد تجتذب الكثير من المؤيدين والمؤيدات وهي بميولها الغربية قد تحقق شيئا من توجهات تركيا نحو الموازنة بين الغرب والشرق فهي ستوازن وجود رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي القومي المعادي للامبريالية الغربية.
كذلك الأمر وهو الأهم حاليا قد يكون وجود “السيدة” تشيللر بجوار أردوغان محبطا “للسيدة” ميرال اكشينار التي تريد أخذ الأصوات الأكثر ليبرالية في الحركة القومية أو القريبة من حزب الشعب الجمهوري معها في معارضة أردوغان، وبهذا يمنع أردوغان ذهاب هؤلاء ضده مما يؤمن نسبة 51% بسهولة.
التفكير في تشيللر بحد ذاته ودعوتها يحمل رسائل عديدة فقد نحى الجيش الحكومة التي كانت جزءا منها وأيضا كانت هذه الحكومة مع حزب الرفاه بقيادة أربكان
أما الحديث عن علاقاتها بجماعة غولن وأنها ضمن مخطط لعودة الجماعة فهو أمر مبالغ فيه، خاصة مع تراجع الجماعة وكشف معظم تغلغلاتها في مؤسسات الدولة وتشرذمها وعلاقاتها في السابق كانت في إطار العمل السياسي مثلما كان لحزب العدالة علاقات معهم.
وبالرغم من أن تاريخ تشيللر متقلب فهي قد حاربت حزب الرفاه لترضي ديميرل والجيش، إلا أنها ختمت ذلك بتحالف مع حزب الرفاه وهو ما جعل الجيش يخطط لنفيها من السياسة، وقد حصل هذا بالفعل .
إن التفكير في تشيللر بحد ذاته ودعوتها يحمل رسائل عديدة فقد نحى الجيش الحكومة التي كانت جزءا منها وأيضا كانت هذه الحكومة مع حزب الرفاه بقيادة أربكان والذي كان أردوغان أحد أعضائه الفاعلين، ولعل أردوغان سيستمر في البحث عن شخصية قوية مفيدة له وإن لم تكن فاعلة في الحاضر فها هو يستدعيها من التاريخ ويعيد إحياءها سياسيا إن صح التعبير.
ومع كل ما سبق فإن حقيقة واحدة هي التي ستحكم على مستقبل عودة أول رئيسة وزراء في تاريخ تركيا والتي ربما تكون أول نائبة للرئيس في تاريخ تركيا وهي الحسابات الانتخابية بالورقة والقلم وهذا في الغالب ما يجري حاليا.