ترجمة حفصة جودة
في الرابعة والنصف صباحًا وفي الظلام الحالك، يبدأ الأطفال السوريون المرضى وأمهاتهم في العبور إلى “إسرائيل”، هناك فتاة بعمر العام مصابة بالحول وطفل آخر بعمر العامين مولود بإعاقة خلقية تمنعه من المشي، أما الفتاة ذات الـ12 عاما فتشعر أسرتها بالقلق الشديد لأنها لا تنمو، وهناك طفل مصاب بطفح جلدي وآخر يعاني من سعال شديد.
تبدأ الأسر في الخروج من الظلام إلى الوهج الأصفر لأضواء الأمن على جانب السور الإسرائيلي فوق مرتفعات الجولان المحتلة، حيث يقومون بتفتيشهم قبل دخولهم، كان مجموع الأطفال 19 طفلا وهو عدد أقل من المجموعة التي تظهر كل أسبوع تقريبا.
يُسمح للأطفال بالدخول كجزء من برنامج “الجيرة الحسنة” والذي بدأ بعلاج المقاتلين والمدنيين السوريين في أيام الحرب الأولى، لكنه توسع بعد ذلك بشكل أكثر تعقيدا حيث بدأ بإرسال الوقود والطعام والإمدادات داخل سوريا.
أشاد المسؤولون الإسرائيليون بالجانب الإنساني للبرنامج، لكن البرنامج له هدف آخر وهو خلق منطقة ودية داخل سوريا تعمل كحائط صد ضد عدو “إسرائيل” اللدود: حزب الله الشيعي، كانت “إسرائيل” تشعر بالقلق حيث تولى الرئيس السورى بشار الاسد مقاليد الأمور في الحرب السورية بمساعدة حليفيه الرئيسيين حزب الله وإيران، واللذان يصنعان وجودهما عبر الحدود.
قدمت “إسرائيل” دعما لعدد من الجماعات السورية وربما وزعت مساعدات مالية هنا وهناك
لكن في الوقت الراهن؛ تسيطر جماعات المعارضة السنية على معظم الجانب السوري بمسافة حوالي 45 ميلا بين البلدين، وتأمل “إسرائيل” في أن يستمر هذا الوضع كما هو عليه، أنكر ضباط الجيش الإسرائيلي تقديم مساعدات مباشرة لأي من الجماعات السنية على طول السياج الحدودي والمعارضة للنظام السوري وحزب الله أو حتى تنسيق المساعدات الإنسانية معهم، لكن ضابط سابق بالاستخبارات في قوات الدفاع الإسرائيلية قال أن “إسرائيل” قدمت دعما لعدد من الجماعات وربما وزعت مساعدات مالية هنا وهناك.
قال الجنرال إيلي بن مائير –والذي شغل منصب رئيس قسم البحث والتحليل في قطاع المخابرات التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي حتى العام الماضي-: “كان الأمر أخلاقيا في البداية، فالناس مصابون على الجانب الآخر من الحدود ويأتون إلينا، كانوا سيموتون لو لم ننقذهم، بعد ذلك تطور الأمر إلى أشياء أخرى”.
بدأ الأمر عام 2013 كما قال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي عندما وصلت أول مجموعة لجرحى سوريين عند السياج الإسرائيلي فوق مرتفعات الجولان –وهي هضبة استراتيجية احتلتها إسرائيل جزئيا من سوريا عام 1967 ثم استولت عليها بأكملها لاحقا في خطوة غير معترف بها دوليا.
رغم أن “إسرائيل” التزمت الحياد رسميا في الحرب السورية، إلا أنها تدخلت لحماية مصالحها
تعالج “إسرائيل” الآن أكثر من 3000 جريح سوري بالرغم من أن الأطباء السوريين على الجانب الآخر قالوا أن عدد المسافرين للرعاية الطبية أكبر من ذلك، وبعد أن هدأ القتال على طول الحدود، بدأت “إسرائيل” في تقديم الرعاية الطبية لأمراض روتينية، وفي العام الماضي نُقل أكثر من 600 طفل سوري إلى المستشفيات الإسرائيلية للعلاج.
قال الجيش الإسرائيلي أن “إسرائيل” نقلت حوالي 360 طن من المواد الغذائية وما يقرب من 120 ألف غالون من البنزين، و90 علبة دواء، و50 طن من الملابس، بالإضافة إلى المولدات ومضخات المياه ومواد البناء، ويقول بن مائير: “نحن نفهم أننا إن لم نكن موجودون فإن أحدا آخر كان سيؤثر عليهم، كان الدافع الإنساني ضخم، لكن كلما قدمنا الكثير من المساعدات كلما استطعنا الفوز بقلوبهم وعقولهم”.
العلاقات الوثيقة تعني استخبارات أكثر غنى، ورغم أن “إسرائيل” التزمت الحياد رسميا في الحرب السورية، إلا أنها تدخلت لحماية مصالحها، وخلال الصراع؛ نُسبت العديد من الاغتيالات السياسية والغارات الجوية في سوريا إلى “إسرائيل”، بالرغم من أن الحكومة نادرا ما تعترف بذلك علنا، وفي آخر غارة جوية يوم الخميس، اتهمت سوريا “إسرائيل” بتفجير منشأة عسكرية مترتبطة بإنتاج صورايخ حزب الله.
يذكرنا البرنامج بالأيام الأولى لبرنامج “السياج الجيد” الإسرائيلي عندما اندلعت الحربا الأهلية اللبنانية عام 1975، كان وزير الدفاع آنذاك شيمون بيريز قد شدد على الطبيعة الإنسانية للبرنامج كجزء من حسن الجيرة، حيث عالجت “إسرائيل اللاجئين اللبنانيين وأرسلت المساعدات لجنوب البلاد دون أي قيود، لكن “إسرائيل” حاولت أيضا منع العصابات المسلحة الفلسطينية وقدمت دعمها لجيش لبنان الجنوبي.
يحصل السوريون على الأولوية في العلاج ويتم استدعاء كبار المتخصصين لأجلهم في المستشفيات الإسرائيلية
قال الرائد سيرجي كوتيكوف –رئيس القسم الطبي للبرنامج-: “من السهل أن نفترض أننا نفعل ذلك لكي نحصل على مقابل لأفعالنا الحسنة لكن السبب الوحيد في رأيي هو تقديم المساعدات الإنسناية حقا، حتى أن افراد الجيش يتركون سياراتهم العسكرية خلفهم حتى لا يلفتوا الانتباه”
وعلى عكس جيران سوريا الآخرين، فإن “إسرائيل” لا تستقبل لاجئين رغم أنها اضطرت مؤخرا إلى قبول 100 يتيم سوري، كانت “إسرائيل في حرب مع جارتها الشمالية لمدة 70 عاما، عندما تضيئ السماء تستقل الأسر الحافلة للقيام برحلة لمدة ساعة لتصل إلى المستشفى الواقعة على بحيرة طبريا، ويحصل السوريون على الأولوية في العلاج ويتم استدعاء كبار المتخصصين لأجلهم، كما يقوم المهرج بتسلية الأطفال أثناء انتظارهم.
قال طبيب سوري كان قد عبر مع المجموعة: “لم يترك لنا النظام شيئا، لقد سقط صاروخان على غرفة العمليات التي أعمل بها قبل عام، فبدأت بالقدوم إلى هنا قبل شهرين رغم خوفي من عواقب اكشاف الناس لذلك، لكنني أفعل ذلك من أجل الأطفال، فقد رأينا الكثير ورأينا الموت”.
وبينما تسيطر الجماعات السنية المسلحة على طول المنطقة الحدودية، فهناك جزء صغير يسيطر عليه نظام الأسد وآخر يسيطر عليه مسلحو الدولة الإسلامية، ويقول كوتيكوف أنه لا يوجد أي تواصل مع الجماعات المسلحة عبر الحدود، كما أكد بن مائير أنه لا ضرورة لذلك، وأضاف بن مائير: “عادة ما يكون الأشخاص المسؤولون عن الزراعة وتغذية السكان والرعاية الصحية هم نفس الأشخاص المسؤولون عن الدفاع عن الناس والقتال ضد النظام”
معظم السوريين في هذه المناطق يفضلون اللجوء لإسرائيل على اللجوء إلى النظام
تتلقى أحد الجماعات المسلحة –فرسان الجولان- حوالي 5000 دولار شهريا من إسرائيل وفقا لتقرير نشرته وول ساريت جورنال، وبالرغم من أن المنطقة تقع تحت اتفاقية وقف إطلاق النار إلا أن إسرائيل والجماعات المسلحة على الحدود يشعرون بالقلق من أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يحاول الأسد إستعادة تلك الأراضي.
قال أحد الأطباء ممن يعبرون الحدود أن إسرائيل تخلق الطغاة من خلال دعم جماعات معينة، لكن معظم الناس يفضلون اللجوء لإسرائيل على اللجوء إلى النظام، وبالنسبة للأطفال فعادة ما يقضون يوما بعد الفحوصات ويسافرون في الليلة التي تليها، وبعضهم يظل هناك لفترة أطول إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة عاجلة.
تقول أم الطفلة المصابة بالحول: “كنت معترضة في البداية على السفر إلى “إسرائيل”، لكن الطريقة الوحيدة لكي نحصل على العلاج في سوريا السفر إلى المناطق الخاضعة للنظام وهذه مجازفة خطيرة للغاية، فعائلتي ما بين شهداء ومعتقلون، وأبي وأخي مطاردين”
إحدى الأمهات -36 عاما- لديها طفلة في الـ7 من عمرها وهذه هي الزيارة الثالثة لـ”إسرائيل” لعلاج مشكلات ناجمة عن غارة جوية ضربتهم قبل 3 سنوات وقتلت أخويها التوأم، تقول الأم: “نصحني أحد القادة المحليين بالذهاب إلى “إسرائيل”، وقد كنت خائفة في البداية لكنني رأيت بعد ذلك أن العلاج كان رائعا، دائما ما يخبروننا أن هؤلاء هم العدو لكنهم في الواقع أصدقاء”.
المصدر: واشنطون بوست