اشتدت حملة الاعتقالات في الأيام الماضية بالسعودية واتسع نطاقها لتتجاوز الدعاة وتشمل الأكاديميين والباحثين وغيرهم، حيث طالت الحملة الباحث الاقتصادي عصام الزامل والباحث في الشريعة عبد الله المالكي والشاعر بن نحيت والأكاديمي فهد السنيدي. وفي ظرف أيام قليلة ارتفع عدد المعتقلين إلى 20 حسب ما أفاد حساب “معتقلي الرأي” على تويتر المختص في متابعة كل ما يتعلق بالمعتقلين 20 معتقل خلال أيام قليلة يعد رقمًا كبيرًا لم تشهده السعودية طوال الفترة الماضية.
حتى أن شقيق الداعية سلمان العودة، خالد بن فهد العودة، لم يكن يعرف أن التضامن مع شقيقه هي أيضًا تهمة توجب الاعتقال، إذ غرد خالد العودة قائلًا: “قد يدوم قليلا أو كثيرًا ثم ستتضح الحقيقة ويخرج (سلمان العودة) مرفوع الرأس. فما موقف الذين سارعوا بإدانته وتجريمه وتحميله ما لا يحتملّ”.أضف أن الاعتقال لم يميز بين قريب وبعيد من الأسرة الحاكمة أو بين موال وبمعارض إذ طال أشخاص من الموالين للأسرة الحاكمة مثل الشاعر بن بحيت الذي قال سبق وأن قال قصيدة في بن سلمان.
اعتقالات مستمرة
الحملة الشرسة التي تشنها السلطات السعودية والتي افتتحتها باعتقال كل من سلمان العودة، وعلي العمري، وعوض القرني يوم الأحد الماضي، هيجت الشارع السعودي بشكل كبير بالأخص أن الاعتقالات تجري بدون توضيح الأسباب وعبر اقتحامات للمنازل من قبل الفرق الأمنية التابعة لن سلمان. إلى ذلك فالحملة لم تتوقف على الاعتقال وحسب بل تعدت إلى منع الأمراء وشخصيات تافذة من السفر إلا بإذن من بن سلمان.
يشير مراقبون على اطلاع بالوضع هناك أن حملة الاعتقالات ستتوسع في الأيام المقبلة وقد يرتفع العدد إلى ضعف العدد الحالي. يُشار أن الأسماء التي تم اعتقالها حتى الآن هم: سلمان العودة، وعوض القرني، ويوسف الأحمد، وإبراهيم الفارس، وإبراهيم الناصر، ومحمد الهبدان، وغرم البيشي، ومحمد بن عبد العزيز الخضيري، وعلي العمري، ومحمد موسى الشريف، وإبراهيم الحارثي، وحسن فرحان المالكي، وخالد العجيمي، وأضيف لهم عصام الزامل وخالد العودة والهويريني وفهد السنيدي.
السلطات تجبر #المديفر وغيره على مهاجمة قطر، كما أكد لي مصدر مطلع أن القحطاني يرسل تغريدات جاهزة للمغردين ويهددهم إما النشر او الاعتقال! pic.twitter.com/WWs5GXmtvm
— معتقلي الرأي (@m3takl) September 11, 2017
الجميع كان بانتظار أي رد رسمي حول ما يجري من اعتقالات تعسفية وتبيان ما يحدث في هذه الفترة!. الرد جاء أول أمس الإثنين 11 سبتمبر/أيلول عن مصدر مسؤول نقلته وكالة الأنباء السعودية، حيث أشار البيان أن ” رئاسة أمن الدولة تمكنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية”.
وفي حين لم يشر البيان صراحة إلى الأشخاص الذين تم اعتقالهم، فإن مجموعة الأشخاص الذي أشار البيان إليهم هو المقصود بهم. أي أن الأشخاص العشرين المعتقلين من دعاة وباحثين وأكاديميين وغيرهم تم اعتقالهم بسبب تواصلهم مع جهات خارجية ضد أمن البلاد ومصالحها.. وأضاف البيان أيضًا أنه “تم تحييد خطرهم والقبض عليهم بشكل متزامن، وهم سعوديون وأجانب، ويجري التحقيق معهم للوقوف على كامل الحقائق عن أنشطتهم والمرتبطين معهم في ذلك، وسوف يعلن ما يستجد بهذا الصدد في حينه”.
ما يعزز التغيير القادم في السعودية الزيارة السرية التي قام بها بن سلمان إلى إسرائيل في الفترة القريبة الماضية تحت هذا الظرف وفي هذا التوقيت بالذات.
بينما تشير الوقائع أن سلمان العودة مثلا تم اعتقاله بعد نشره تغريدة على تويتر بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الأمير تميم وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جاء فيها “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم” وبعد تلك التغريدة تم اعتقال العودة كما أفاد شقيقه خالد بن فهد العودة، يوم الأحد الماضي 10 سبتمبر/أيلول، إذ يبدو أن السلطات السعودية فهمت من تغريدة العودة أنها فَرحة بما ظنه تصالحًا خليجيًا. ولأن شقيقه نشر خبر اعتقاله ونشر تغريدة بأنه سيخرج مرفوع الرأس، سارعت السلطات إلى اعتقاله هو الآخر، وكل من يرضخ لأوامر الديوان الملكي بمهاجمة قطر وتأييد الحكومة معرض للاعتقال.
أبلغتنا عدد من المصادر بأن قائمة المعتقلين قد تتجاوز رقم 20 بأكثر من ضعف خلال اليومين القادمين pic.twitter.com/U8L3pStEFd
— معتقلي الرأي (@m3takl) September 12, 2017
إذ تشير مصادر أن حملة الاعتقالات التي طالت جميع أولئك الأشخاص جاءت على رفضهم توجيهات الديوان الملكي بمهاجمة قطر بعد الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو/حزيران الماضي إلا أن الاعتقالات تحديدًا بدأت بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين بن سلمان وتميم. فمع ظهور بوادر الصلح وأولى بوادر انفراج الأزمة أبدى البعض فرة بذلك، وهذا كان خارج إطار مصالح السلطات السعودية إذ يجب على الجميع عدم التغريد خارج السرب والامتثال للأوامر والنشر وفق ما تريده السلطات السعودية لا وفق ما يرونه هم، وهذا يعد تكميمًا للأفواه وتضييق على حرية الرأي والتعبير.
وما يؤكد هذا التوجه هو إيقاف الكاتب جمال خاشقجي عن الكتابة في صحيفة الحياة الذي يرأسها الأمير خالد بن سلطان، وهو موقف صادر بعد عودة خاشقجي إلى الكتابة ولكن بنفس معارض لتوجهات الحكومة السعودية، وآخر مقال كتبه في الصحيفة يوم السبت الماضي بعنوان “أنا سعودي ولكن مختلف”.
من الناحية السياسية قد يكون شكل الدولة في السعودية في المرحلة المقبلة قائم على العلمانية بحيث يتم فصل الدين عن الدولة فيكون بن سلمان “رئيس الدولة السعودية”، ويكون خادم الحرمين الشريفين شخص آخر يتبع لمؤسسة دينية مختصة بالإشراف على مكة والمدينة يرأسها أحد الأمراء.
الإعلامي عبد العزيز الخميس أشار في معرض رده على هذه الخطوة مؤيدًا إيقاف خاشقجي عن الكتابة “لا نفرح لإيقاف أي قلم، لكن الأقلام التي تقف ضد مصالح الوطن وتروج للعصابات الإرهابية، يجب أن يتم إيقافها سمومها. الوطن أولًا”. بينما أشار خاشقجي أول أمس الإثنين صدور قرار بإيقافه عن الكتابة في صحيفة الحياة وقال إنه تحدث مع الأمير خالد بن سلطان حول هذا الأمر.
وفي معرض ردها عن حملة الاعتقالات التي تتعرض لها المملكة، أشارت الكاتبة المعارضة مضاوي الرشيد أن حملة الاعتقالات جاءت “كرد فعل على فشل النظام في معركته مع قطر لم تركع قطر والآن يريد أن يركع الشعب” وقالت أن سبب اعتقال سلمان العودة والباحث الاقتصادي عصام الزامل “لأنهم يفكرون”.
تغييرات قادمة
يبدو أن الأمور التي تجري في السعودية بالفترة السابقة تستبق جملة من القرارات قد يتم اتخاذها في هذا السياق. إذ يشير مراقبون أن هذه الاعتقالات وتكميم الأفواه تأتي كردة فعل على الدعوات للخروج في يوم الجمعة المقبلة ضمن دعوة حراك 15 سبتمبر. ويظهر من اعتقال الدعاة والرموز أن الأمر ممنهج من قبل الحكومة ويُقصد به ضربة استباقية لحركات الخروج يوم الجمعة المقبلة.
عاجل :
رئاسة أمن الدولة رصدت أنشطة استخبارتية لمجموعة أشخاص يعملون لصالح جهات ضد المملكة.
.#القبض_على_خلايا_استخباراتية#SpyArrestInSaudi
— أخبار السعودية (@SaudiNews50) September 11, 2017
في حين أشار البعض أن الحكومة لا تلقي بالًا إلى دعوات الخروج في 15 سبتمبر، بقدر ما تتجهز لما هو أكبر من ذلك، وهو تغيير كبير ومتوقع قد يحدث قريبًا، ألا وهو قرب إعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التنازل عن العرش لابنه ولي العهد محمد بن سلمان. إذ أشار حساب مجتهد على تويتر قبل أيام ” يفترض أن يعلن اليوم ابن سلمان ملكًا أو خلال أيام” وكشف أيضًا أن بن سلمان أكمل الترتيبات لتنازل والده له ومفاجأة في ولاية العهد”.
وأشار ناشطون في هذا السياق أن البلاد تشهد استنفار أمني غير مسبوق بالأخص في الرياض وجدة. وربما أراد بن سلمان أن يضمن عدم خروج معارضة من شخصيات بارزة في فترة تسلمه العرش، لذا قرر شن حملة الاعتقالات تلك.
حملة الاعتقالات ستتوسع في الأيام المقبلة وقد يرتفع العدد إلى ضعف العدد الحالي البالغ 20 معتقلا
التغيير القادم هو مرتبط بالرؤية التي أقرها بن سلمان لعام 2030 وهي تحويل السعودية من الناحية الاقتصادية إلى بلد غير معتمد على إيرادات النفط، والاعتماد على السياحة بشكل كبير إضافة إلى اعتماد سياسات ليبرالبية لا تمت للمجتمع المحافظ السعودي بصلة.
الباحث الاقتصادي عصام الزامل
أما من الناحية السياسية فيتوقع البعض أن يكون شكل الدولة في السعودية في المرحلة المقبلة قائم على العلمانية بحيث يتم فصل الدين عن الدولة ويتم التخلص من الأدبيات الدينية وكل ما يتعلق بها، ووفق هذه الرؤية يقتضي أن يكون بن سلمان “رئيس الدولة السعودية”، بينما يكون خادم الحرمين الشريفين شخص آخر يتبع لمؤسسة دينية مختصة بالإشراف على مكة والمدينة يرأسها أحد الأمراء بعد وفاة الملك سلمان.
بلغنا الآن: عبدالعزيز ممنوع من السفر حتى هذه اللحظة
كما صدر تأكيد قاطع على المنافذ بمنع الأمراء من السفر إلا بإذن شخصي من ابن سلمان
— مجتهد (@mujtahidd) September 13, 2017
على كل حال هذا المخطط لا يبدو أنه سيمر بطريقة سلسلة إذ يواجه بن سلمان عوائق كبيرة، أبرزها من أفراد العائلة المالكة الذين يرغبون في التخلص من الأمير الشاب لسيطرته شبه المطلقة على الاقتصاد والجيش ومفاصل الدولة وهو أحد الأسباب التي تؤخر في تنفيذ نوايا بن سلمان.
وما يعزز التغيير القادم في السعودية الزيارة السرية التي قام بها بن سلمان إلى إسرائيل في الفترة القريبة الماضية تحت هذا الظرف وفي هذا التوقيت بالذات والتي أقرت صحف إسرائيلية بها، وعلى الرغم أن ما تم كشفه أن أجندة الزيارة كانت لدفع السلام الإقليمي إلى الأمام فإنه من الوارد أن يكون بن سلمان أطلع إسرائيل على مستقبل البلاد القادم والخطوات التي ينوي القيام بها وإلا لما ذهب إلى هناك بشكل شخصي. وربما تكشف المرحلة القادمة عن تشبيك أكبر في العلاقات بين البلدين، قد يؤدي إلى التطبيع الكامل والتطوير على مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية.