لم يكن فشل الاحتلال الاستخباراتي وبنيته الهشة وجبن ضباطه في القواعد العسكرية، هو وحده ما كشفته وأكدته “طوفان الأقصى”، بل أيضًا كذب مؤسساته المعنية بالإنقاذ والإغاثة، الذي قد يصل بعيدًا لتحقيق أهدافها التي كثيرًا ما يكون أساسها مادي، كما فعلت منظمة الكشف عن ضحايا الكوارث “زاكا” الإسرائيلية.
“زاكا” التي عهد إليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مهمة جمع جثث القتلى والأدلة في مستوطنات قطاع غزة، الذين سقطوا يوم العبور الكبير في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عادت من مهمتها باستغلال جثث قتلى الإسرائيليين لتصوير القتلى مقاطع فيديو للعلاقات العامة وجمع الأموال، وبكذبات شهيرةٍ: قطعوا رؤوس الأطفال، واغتصبوا النساء، واقتلعوا عيون امرأة وقطعوا ثدييها، وقتلوا أخرى وطعنوا جنينها في بطنها.
ورغم أن العالم تجاهل كثيرًا متعمدًا قول الفلسطينيين إن الاحتلال يكذب عمّا حدث في غلاف غزة، جاء اتهام “زاكا” الصريح بالكذب من صحيفة هآرتس العبرية، التي قالت إن المنظمة اليهودية نشرت روايات كاذبة بشأن ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بهدف جمع التبرعات والتخلص من الديون المتراكمة عليها.
أظهر تحقيق الصحيفة العبرية، أن جيش الاحتلال همّش الجنود المدربين على استرداد الرفات، لصالح المتطوعين من “زاكا”، وأن أعضاءها كانوا يجرون مكالمات فيديو ويصورون جثثًا موضوعة في أكياس بلاستيكية، بعد ترتيب المكان بشكل خاص لإثارة مشاعر المتبرعين، بل وفرقت أشلاء من القتلى في أكياس مختلفة، لتقول “إن الفظائع مروعة”.
عقب تحقيق هآرتس، بحث “نون بوست” في تاريخ المنظمة اليمينية المتطرفة، لندرك أن الكذب ليس وليد الصدمة الإسرائيلية بعد توجيه ضربة الطوفان، بل إن لـ”زاكا” تاريخًا طويلًا في الكذب والسرقة والقتل واستغلال الكوارث وتعزيز الهجرة اليهودية لفلسطين وممارسة الجرائم الجنسية بحق الأطفال.
عودة للوراء.. ما هي “زاكا”؟
“زيهوي كوربانوت أصون“، واختصارًا زاكا، أي الكشف عن ضحايا الكوارث، هي منظمة تطوعية أنشأها يهود من الحريديم وهم اليهود المتدينون المتشددون، للإغاثة والإنقاذ، ويصفون أنفسهم بأنهم منفذون لتعليمات ووصايا التوراة، وبحسب موقعها الإلكتروني، فإنها تضم الآن ما يزيد على 3 آلاف متطوع.
تأسست المنظمة عام 1995، في أوج عمليات المقاومة ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي اتخذت شكل العمليات التفجيرية، وقادها الشهيد يحيى عياش، ثم عمليات الثأر المقدس لاغتياله، فوجد مؤسسو المنظمة حينها ضرورة وجودهم لمساعدة فرق الإنقاذ وشرطة الاحتلال خلال وبعد وقوع عمليات مقاومة.
وكانت انطلاقة “زاكا” عندما تطوع عدد من الحريديم بصورة عفوية لمساعدة شرطة الاحتلال في انتشال جثث ركاب الباص العمومي رقم 405، وهي العملية التي نفذها الشهيد عبد الهادي غانم، ابن حركة الجهاد الإسلامي، على الطريق السريع بين مدينتي تل أبيب والقدس المحتلتين، وأسفرت عن مقتل 16 إسرائيليًا.
وعقب العملية، تقدمت هذه المجموعة الحريدية بطلب تسجيلها كجمعية رسمية وفق قوانين الجمعيات والمنظمات الأهلية المعمول بها في الاحتلال، وحصلت على موافقة مُسجّل الجمعيات في وزارة داخلية الاحتلال، وحتى تنال هذه المنظمة دعمًا ماليًا يتيح لها العمل باستمرار وليس على قاعدة التطوع، تم اعتبار الأعضاء المسجلين فيها مجندين في الحرس المدني.
اليوم يصل متطوعو المنظمة بشكل فوري وسريع إلى ميادين حوادث الطرق ومواقع التفجيرات في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، ويجمعون أشلاء القتلى المبعثرة والمنتشرة لدفنها وفق شروط التوراة والديانة اليهودية، ثم افتتحت مسارًا إضافيًا لعملها، هو البحث عن مفقودين، هذا المسار الذي سيمكنها من استغلال الكوارث حول العالم.
شهدت المنظمة ازديادًا في فعالياتها ونشاطاتها في أعقاب انطلاقة انتفاضة الأقصى عام 2000 حين تقاربت أوقات العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، ما جعل هذه المنظمة تكثف من فعالياتها، لكنّ أوج عملها خفت، بعد أن قررت فصائل المقاومة الفلسطينية اتخاذ مسار مغاير لعمليات التفجير، يقوم على استدامة العمل المقاوم، خاصة في ظل التشديدات الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية.
بسبب ذلك، عانت المنظمة من أزمة مالية حادة، وتراجعت التبرعات التي استقبلتها، ثم أعلنت توقف أعمالها، قبل أن تنتشلها من جديد وزارة داخلية الاحتلال التي تمكنت من التوصل إلى اتفاق مع مستثمرين لتغطية العجز المالي في المنظمة واعتماد تعديلات إدارية لتفعيلها.
في المحاكم الدولية
بعد أن عهدت الأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، قضية البحث في شرعية جدار الفصل العنصري الذي أقامته “إسرائيل” على أراضي الضفة الغربية عام 2004، أرسلت “زاكا” عددًا من المتطوعين لحضور جلسات المحكمة، وتظاهروا أمام مبنى المحكمة، وأحضروا معهم سيارة باص متفجرة وصورًا لمئات القتلى الإسرائيليين كجزء من الدعاية الإسرائيلية العالمية المتمثلة بـ”الإرهاب الفلسطيني”.
في عام 2007، رفعت منظمة “زاكا” بالتعاون مع رئيس بلدية مستوطنة سديروت المحاذية لقطاع غزة، دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، محملة إياه مسؤولية قتل 176 إسرائيليًا وجرح المئات جراء العمليات الاستشهادية التي وقعت داخل دولة الاحتلال خلال التسعينيات وفي الانتفاضة الثانية التي بدأت عام 2000.
حينها، قال رئيس “زاكا” يهودا زهاف: “الموساد لم ينجح في اغتيال مشعل في الأردن، وربما نستطيع اعتقاله في دولة أخرى من دول العالم لكبح جماحه”، في إشارة إلى محاولة اغتيال مشعل عام 1995 بالسم، التي باءت بالفشل وأسفرت عن توتر العلاقات بين الأردن والاحتلال، انتهت بإرسال الاحتلال الترياق، والإفراج عن شيخ حركة حماس المؤسس أحمد ياسين.
متطوعو زاكا مستوطنون مسلحون لقتل الفلسطينيين
مع عودة الكتائب المسلحة في الضفة الغربية، بعد مايو/أيار 2021، وصعود الحكومة اليمينة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو واجتمع في تحالفها المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش من الأحزاب الدينية المتطرفة، بدأت هذه الحكومة تبحث تسليح المستوطنين، لمساعدة أجهزة أمن الاحتلال على قتل الفلسطينيين سواء نفذوا عملية أم لم ينفذوا.
وأمام حكومته المتطرفة، قال بنيامين نتنياهو عام 2023، إنه سيعمل على “سحب هويات وإقامة عائلات مخربين داعمين للإرهاب – في إشارة إلى منفذي العمليات -، وبموازاة ذلك، نوسع ونسرع منح تصاريح (لحمل) سلاح إلى آلاف المواطنين الإسرائيليين، وهذا يشمل خدمات الإنقاذ أيضًا”.
وتابع “على سبيل المثال، يوجد لدى منظمة زاكا 3000 متطوع في أنحاء البلاد، وعدد قليل جدًا منهم مسلحون، وتخيلوا أنهم وآخرون سيكونون مسلحين، هذا بالطبع سيزيد بشكل كبير قدرة الرد”.
وبينما ما زالت الحكومة تبحث سحب هويات عائلات المنفذين، بدأت بالفعل في تسليح المستوطنين حتى وصلت نهاية عام 2023، إلى تسليح 165 ألف مستوطن في الضفة الغربية.
وعلى عكس ما ينص عليه تقديم الإسعافات الأولية، وما تجتمع عليه أخلاقيات الإسعاف حول العالم، من عدم التمييز بين الناس ومعالجتهم جميعًا على حد سواء، وترتيب الإسعاف تبعًا للإصابات من الأشد خطورة حتى الأخف، لم تلتزم “زاكا” بأي من هذه الأخلاقيات، حين تقديمها خدمات الإسعاف.
وبعدما أصدرت نقابة الأطباء الإسرائيلية للأطباء وطواقم الإسعاف بتقديم العلاج لكل المصابين في الهجمات بحسب خطورة إصاباتهم، بما في ذلك منفذو العمليات الفلسطينيين، أعلنت منظمة “زاكا” أنها لن تلتزم بالتوجيهات التي أصدرتها النقابة، وقالت إن المسعفين في المنظمة سيهتمون أولًا بالضحايا الإسرائيليين، بغض النظر عن إصاباتهم.
وقال مؤسسها ورئيسها في ذلك الوقت، يهودا ميشيزهاف: “أصدرنا توجيهات لمتطوعي “زاكا” بتقديم الإسعاف أولًا لضحايا الهجوم الإرهابي اليهود – من دون أن تطرف لهم عين -، وفقط بعد تقديم المساعدة الطبية لهم، سيبدأون بتقديم العلاج للإرهابيين القتلة الذين نفذوا الهجوم”.
الهجرة اليهودية إلى فلسطين.. لـ”زاكا” يد أيضًا
بعد أسبوعين من الحرب الروسية الأوكرانية، عنونت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، مطلع مارس/آذار 2022، “مع متطوعين من الحريديم، ينقذ رجل أعمال إسرائيلي، 28 عامًا، اللاجئين اليهود في لفيف”، تحكي فيها قصص الأبطال من الحريديم، أو بكلمات أخرى “متطوعو زاكا”.
تقول الصحيفة العبرية، إن المتطوعين من “زاكا” ينامون في المقر الرئيسي لشركة Israel IT، وهي شركة متداولة في بورصة تل أبيب تعمل على التوفيق بين شركات التكنولوجيا والموظفين الأوكرانيين الذين يعملون عن بعد، ويقع أكبر مكتب للشركة في لفيف الأوكرانية.
تزامن تقرير الصحيفة العبرية، مع تصريح رئيس وزراء الاحتلال السابق نفتالي بينيت، أن “إسرائيل” تتعهّد بمد يد المساعدة في أي مساعدات إنسانية مطلوبة، مشددًا على أن “كل يهودي ويهودية، في كل مكان في العالم، يعرفون تمامًا أننا ننتظرهم هنا وأن باب دولة إسرائيل مفتوح دائمًا”، تبعه حديث لوزير خارجية الاحتلال آنذاك يائير لابيد الذي أفصح عن وجود “نحو 180 ألفًا (من اليهود الأوكرانيين) يحقّ لهم الحصول على قانون العودة”، على حد قوله.
واستغلت “زاكا” الحرب الروسية الأوكرانية، فإلى جانب الإنقاذ والإسعاف، ساهمت في زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وعملت جنبًا إلى جنب مع الوكالة اليهودية، فبعد شهرين من اندلاع الحرب، استطاعت استقدام 300 يهودي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجنستهم حكومة الاحتلال.
ونهاية عام 2022، كانت “زاكا” استطاعت رفقة الوكالة اليهودية أن تنقل ما يقرب من 14000 إلى الأراضي المحتلة، حينها علّق رئيس الوكالة اليهودية دورون ألموغ: “استيعاب المهاجرين هو في قلب الصهيونية.. سنستمر في رعاية جميع احتياجاتهم لضمان تأقلمهم الناجح في المجتمع الإسرائيلي”.
ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا، فتحت “زاكا” باب التبرع عبر موقعها الإلكتروني لمساعدة اليهود الأوكران، وقالت: “قبل 80 عامًا، اندلعت حرب وحشية أخرى في أوكرانيا: الحرب العالمية الثانية، في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى اليهود الأوكرانيين، المُطاردين، والجياع، والمشردين، واليائسين، بنظرة من الرعب والشفقة في أحسن الأحوال. اليوم، في منطقة الحرب الأوكرانية عام 2022، انقلب الوضع: ينظر الأوكرانيون الآخرون إلى الإسرائيليين واليهود في أوكرانيا بحسد – لأن لديهم من ينقذهم ويعتني بهم ويستقبلهم بأذرع مفتوحة: أبطال زاكا اليهود“.
استغلال الكوارث وسرقة الآثار
أرسل الاحتلال الإسرائيلي فرق إنقاذ إلى تركيا، عقب زلزال مرعش في فبراير/شباط 2023، منها منظمة “يونايتد هاتسالا” ومنظمة “إسرائيد”، ومنظمة “ناتان”، ومنظمة “زاكا” الإسرائيلية، التي ذهبت تحت غطاء الإنقاذ وعادت باتهامات سرقة آثار تركية.
فكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن جلب فريق “زاكا” الذي شارك في عمليات البحث بولاية أنطاكيا التي يوجد فيها كنيس يهودي، مخطوطات إستير التوراتية التاريخية، وتسليمها إلى حاخامات لدى الاحتلال، فتحت على إثرها السلطات التركية تحقيقًا في كيفية الاستيلاء عليها، ووصولها إلى دولة الاحتلال.
وقام مسؤول البعثة الإسرائيلية، بإخفاء المخطوطة سرًا، وتهريبها من تركيا، دون علم السلطات التركية، وهو ما دفع وزارة الثقافة والسياحة التركية، إلى الإعلان عن فتح تحقيق، في الأنباء عن تهريب المخطوطة التوراتية، إلى خارج الأراضي التركية، من إدارة مكافحة التهريب في الوزارة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية التركية.
وأشارت الوزارة حينها، إلى أن “كل الآثار التي تنتمي إلى المعتقدات الدينية والثقافية الموجودة في حدود تركيا لقرون، سنواصل الحفاظ عليها بعناية في البلاد”، قبل أن تقول الجالية اليهودية في تركيا إن “المخطوطة إستير، أعيدت من إسرائيل، ويحتفظ بها الآن في مقر الحاخامية الرئيسية، وستعاد إلى كنيس أنطاكيا بعد تجديده”.
أكاذيب غلاف غزة التي لم تنتهِ
خلال أربعة أشهر من عملية طوفان الأقصى، صدرت عدة تحقيقات عبرية، أكدت أن عددًا من القتلى في مستوطنات غلاف غزة، قتلوا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي، سواء بنيران المروحية التي أطلقت نارها على المشاركين في الحفل الموسيقي قرب مستوطنة “ريعيم”، أم بقذائف مدفعية الدبابات الإسرائيلية التي أعطى قائدها الأمر بقصف البيوت في مستوطنة “بئيري” رغم علمه بوجود مستوطنين داخلها.
ومع ذلك، تصر “زاكا” على إطلاق الأكاذيب بشأن جرائم مروعة حدثت في غلاف غزة، ارتكبها الفلسطينيون في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي الأكاذيب التي قالها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في رده على قرار محكمة العدل الدولية بشأن اتخاذ تدابير مؤقتة في قطاع غزة، وإدخال المساعدات، حين قال: “لقد رأيت الحريديم يتطوعون بأعداد كبيرة للعمل المروع المتمثل في جمع الجثث في منظمات مثل “زاكا” والمساعدة بأي طريقة ممكنة”، مشيرًا إلى أن بعضهم ينتمي للجيش.
في تحقيق صحيفة هآرتس، الذي يكشف كذب “زاكا” وتلفيقها روايات لم تحدث، أشار التحقيق إلى فيديو نشر على حساب منظمة “زاكا” بوسائل التواصل الاجتماعي، لأحد أفرادها وهو يبكي ويقول “رأينا امرأة تبلغ من العمر نحو 30 عامًا، وكانت مستلقية على الأرض في بركة كبيرة من الدماء، تواجه الأرض، لقد قلبناها من أجل وضعها في الحقيبة”، وأضاف “كانت حاملًا”، وتوقف لالتقاط أنفاسه، ويكمل حديثه بالقول “كانت معدتها منتفخة، وكان الطفل لا يزال متصلًا بالحبل السري عندما تم طعنه، وتم إطلاق النار عليها في مؤخرة الرأس، لا أعرف ما إذا كانت قد عانت ورأت طفلها يقتل أم لا”.
وذكر التحقيق أن هذا الحادث المروع لم يحدث وأنه كان واحدًا من عدة قصص تم تعميمها دون أي أساس، مشيرًا إلى عدم وجود دليل على هذا الحادث، ولم يسمع أحد في الكيبوتس عن هذه المرأة، بل إن مسؤولًا كبيرًا في المنظمة اعترف للصحيفة العبرية بأن المنظمة تعرف أن الحادث لم يحدث.
استفادت “زاكا” كثيرًا من كذبها بشأن طوفان الأقصى، فقد استفادت ماليًا كما أفادت حكومة الاحتلال بتبرير حرب إبادتها الجماعية على قطاع غزة، فمنذ الأسبوع الثاني من العدوان، بدأت وزارة حرب الاحتلال تضع اسم “زاكا”، إلى جانب نداءات التبرعات العامة، وحصلت على 500 ألف شيكل بعد اتفاقها مع وزارة حرب الاحتلال لتنظيف 500 مبنى تضرروا في الهجمات، وتمكنت المنظمة، التي كانت تواجه مشكلات مالية وديونًا، من جمع أكثر من 50 مليون شيكل (13.7 مليون دولار)، من خلال التبرعات.
اتهامات بجرائم جنسية والفاعل “زاكا”
قد يكون من المفارقة، أن المنظمة التي اتهمت المقاومة الفلسطينية بارتكاب جرائم جنسية في مستوطنات غلاف غزة، يُتهم مؤسسها ورئيسها الأسبق يهودا ميشي زهاف، بالاعتداء الجنسي على نساء ومراهقين وأطفال.
وميشي زهاف، الذي كان يرأس المنظمة اليهودية المتشددة، كان ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره حلقة وصل بين المجتمعات اليهودية الدينية والعلمانية لدى الاحتلال، بل وحصل قبل شهر من اتهامه، في 2021، على جائزة “إسرائيل”، أعلى وسام في البلاد، لإنجازاته مدى الحياة.
لكن ميشى زهاف، تنحى عن منصبه كرئيس لمنظمة “زاكا”، وتنازل عن جائزته المرموقة، بعد أن قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، إنها أجرت مقابلات مع 6 أشخاص وجهوا اتهامات لزهاف، وحصلت على أدلة على اعتداءات واستغلال جنسي من جانبه منذ عقود.
وأضافت أن الشهادات المبكرة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي وتحكي عن رجل استغل باستمرار وضعه وسلطته وأمواله وحتى المنظمة التي يرأسها لمهاجمة الأطفال والفتيان والفتيات والنساء، والأخطر أن مجتمع “زاكا” يعرف بهذه الجرائم مسبقًا.
ومع ذلك.. منظمة رسمية في الأمم المتحدة!
رغم أكاذيبها المستمرة، وسرقتها، ومساهمتها في الهجرة اليهودية إلى المستوطنات التي تصنفها الأمم المتحدة بأنها غير قانونية، استطاعت منظمة تشخيص الكوارث الإسرائيلية “زاكا” الحصول على مكانة رسمية لدى الأمم المتحدة بصفتها “منظمة استشارية”، عام 2016، وذلك بعد ثلاث سنوات من المحاولات الإسرائيلية.
واستطاعت “زاكا” الحصول على المكانة الرسمية، بعد عملية دبلوماسية قادها وفد الاحتلال لدى الأمم المتحدة، مدعومًا بالسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، وأجمعت جميع المؤسسات الأهلية التابعة للأمم المتحدة على منحها هذه المكانة.
تشير المعلومات عن ممارسات “زاكا” بوضوح إلى تجاوزها مسألة الإنقاذ والضحايا إلى أداة مشروع صهيوني، تحسن استغلال الكوارث في الأراضي المحتلة وحول العالم لترسيخ المشروع الاستعماري، فالمنظمة أرسلت طواقم إنقاذ إلى جنوب آسيا في إعصار تسونامي عام 2004، وإلى إثيوبيا لإنقاذ ضحايا تحطم الطائرة الأثيوبية عام 2019، وكان الوفد يخرج بموافقة رئيس حكومة الاحتلال، ما قد يشير إلى أن الغطاء إنقاذ والمخفي تمهيد علاقات دبلوماسية وزيادة الهجرة اليهودية، كأن المنظمة في مرتبة توازي بعملها الصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية.