ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك صورة واحدة ستظل محفورة إلى الأبد في ذاكرة هانا ستولزر وهي صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر تُظهر لوحة الجراحة في مستشفى في غزة حيث يتابع الأطباء العمليات الجراحية. كانت تحتوي على رسالة بسيطة مكتوبة بأحرف كبيرة وبالحبر الأزرق: “من يبقى حتى النهاية، سوف يروي القصة، لقد فعلنا ما بوسعنا، تذكّرونا”. هذه الكلمات القوية استوقفت ستولزر التي تساءلت “كيف يمكنك أن تنظر إلى ذلك ولا تتحرك؟”.
في 10 كانون الثاني/ يناير، تم استخدام تلك الصورة كدليل في محكمة العدل الدولية حيث اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في قصفها المتواصل وحصارها لغزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما اندلعت الحرب بعد أن هاجمت حماس جنوب إسرائيل. ومباشرة بعد عرض صورة اللوحة الجراحية، تبعتها صورة أخرى، وأظهرت تلك الصورة أن اللوحة الجراحية قد تم تدميرها، والكلمات المكتوبة بالحبر الأزرق بالكاد ظاهرة.
قالت ستولزر لموقع ميدل إيست آي: “أرى الآن مدى خطورة الظروف بالنسبة للفلسطينيين ومدى مسؤولية إسرائيل المباشرة عن ذلك، وأيضًا إلى مدى مسؤولية الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل في ذلك”. ستولزر هي أمريكية يهودية تبلغ من العمر 24 عامًا وتدعم بفخر فلسطين الحرة، وهي واحدة من آلاف اليهود الذين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، لكن بالنسبة للكثيرين مثلها، لم يكن الأمر هكذا دائمًا.
نشأت ستولزر ولم تدرس قط تاريخ إسرائيل وفلسطين، والتحقت بالمدرسة العبرية وتعلمت منذ صغرها أن إسرائيل هي الأرض المقدسة للشعب اليهودي فقط. وتتذكر أنها كانت في المدرسة تتعلم تاريخ المحرقة وتتساءل: “لماذا لم يفعل أحد أي شيء؟ لماذا لم يتكلم أحد؟”. وتتذكر وقوفها على منصة البيما، وهي منصة كنيس، في عيد بلوغها وتكرار قيم التوراة: “أكرم جارك”.
قالت “اليوم، بالنسبة لي الآن، كوني يهودية أمريكية يعني الوقوف ضد الحكومة الإسرائيلية وممارسة القيم التي غُرست فينا من المدرسة العبرية، أن تكون يهوديًا يعني نشر الرحمة والتعاطف والإنسانية بين الجميع، سواء كانوا في العاصمة أو نيويورك أو غزة”. وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، ذهبت ستولزر في رحلة “حق الولادة” إلى إسرائيل.
تقدم منظمة “بيرثرايت إسرائيل“، التي يشار إليها غالبًا باسم “بريثرايت”، رحلة مجانية لمدة عشرة أيام إلى إسرائيل، مع المرور بالقدس ومرتفعات الجولان المحتلة، من بين أماكن أخرى، حيث يكون الشباب من ذوي الاصل اليهودي، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عامًا، مؤهلون للرحلة التي تمولها دولة إسرائيل والجهات المانحة.
قالت إنها كانت محرجة من الاعتراف بذلك، لكنها ذهبت في الرحلة جزئيا لأنها كانت مجانية، وما كانت لترفض رحلة دولية مجانية إلى مكان تاريخي. وأضافت: “كان هناك الكثير من الدعاية”، وحين التقوا بالفلسطينيين خلال الرحلة، دعا الفلسطينيون إلى السلام وحل الدولتين، وقالت إنه أصبح من الواضح لها الآن أن المشاركين في الرحلة لم يتعرفوا على أشخاص من فلسطين كانوا يخبرونهم بالحقائق الحقيقية لما تفعله إسرائيل. وقالت: “لقد كانت النسخة الأكثر صحة من عبارة كلا الجانبين”.
أخذت ستولزر وقتها للتعرف على تاريخ فلسطين ووحشية الاحتلال الذي يحدث، وتعرفت على قصة مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين هُجّروا قسراً خلال نكبة 1948، وعرفت أكثر عن الأطفال الذين تركوا بدون والديهم، والآباء الذين تركوا بدون أطفالهم، وقبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر بسنوات كانت قد قرأت مقالات لصحفيين من غزة مباشرة، وانغمست في أكوام من الكتب.
قالت: “أعتقد أنني قبل ذلك كنت سأشعر بالفخر وأنا أقول بصوت عالٍ: “نحن بحاجة إلى حل الدولتين”، لكن الأمر ليس كذلك، لقد تغير فهمي، لدي معلومات أكثر بكثير مما كان لدي من قبل”. وأضافت: “أرى قدرًا هائلاً من الإنسانية، وأرى أنه تم تجاهلهم تمامًا وإخفائهم عمدًا عن وسائل الإعلام التي ضللتني”.
مثل كثيرين آخرين، استُقبلت ستولزر بالكثير من الرفض من مجتمعها، في بعض الأحيان، تستجيب وتبذل قصارى جهدها لتثقيفهم، لكن في أحيان أخرى، تشعر أنه لا فائدة من ذلك. وأوضحت ستولزر أنها على علم بما يتعلمه الطلاب اليهود عن غزة داخل إسرائيل وخارجها، وتقول إنها تدرك ما قيل لهم طوال حياتهم، “أعلم أيضًا أنني أجلس في العاصمة في شقتي المريحة البعيدة تمامًا عن الحرب”.
أخبرها أفراد من مجتمعها اليهودي بأنها “غضت الطرف” عن دينها، وهو الأمر الذي لا توافق عليه تمامًا. وأوضحت قائلة: “لقد واجهت عداءً من الجالية اليهودية، وهذا ما جعلني أشعر وكأنني أتعرض للتنمر بشأن ديني”. ولهذا السبب تقول ستولزر إنها ترفض التزام الصمت، وباعتبارها يهودية في أمريكا، فإنها تشعر أنه من المهم التحدث. وقالت: “إن جرائم الحرب هذه ترتكب باسم أمني وسلامتي وديني، هذا يسيء إليّ حقًا لأنه يتناقض مع كل ما عرفته في اليهودية. إذا جاء الأمان على حساب إبادة سكان آخرين، فإن هذا الأمان لم يكن مستحقًا ولا يستحق الثمن”.
وقالت إن أكثر ما يزعجها هو أن الناس في المجتمع اليهودي يثيرون الخوف من الإبادة الجماعية للشعب اليهودي، ويذكرون معاداة السامية وأن هناك أشخاصًا يريدون قتل اليهود، وبينما تعلم أن هناك بعض الحقيقة في ذلك، قالت إنها ليست الحقيقة بأكملها، مضيفة “إنهم يستخدمون إبادة جماعية افتراضية لتبرير حدوث إبادة جماعية فعلية. إسرائيل ليست هي اليهودية، وتأييد فلسطين لا يعني معاداة السامية، الناس يدعمون فلسطين ليس لأنهم متحمسون لطرد اليهود، إنهم يدعمون فلسطين لأنها تستحق أن تكون حرة”.
التعرف على تاريخ فلسطين
كارلي شوستر امرأة يهودية تبلغ من العمر 28 عامًا من فلوريدا، وهي تحضر بانتظام الاحتجاجات في غينزفيل بولاية فلوريدا، والتي يقودها زميلها الفلسطيني أيام الأحد عند زاوية التقاطع الرئيسي في مدينتها الجامعية.
وغالبًا ما تطلق السيارات التي تسير بالقرب منهم أبواقها دعمًا أو يرفع السائقون قبضاتهم وأعلامهم، ومع ذلك، فقد تعرضوا أيضًا للصراخ والمضايقة لكونهم يهودًا. وذات مرة صرخ أحدهم قائلًا إنهم يريدون قتل جميع اليهود، لكن مع ذلك، كل يوم أحد، تشق شوستر طريقها إلى تلك الزاوية وتهتف من أجل فلسطين الحرة.
ومثل ستولزر، التحقت شوستر بالمدرسة العبرية وقامت برحلة إلى إسرائيل عندما كانت في الكلية، وتمحور أغلب تعليمها عن تراثها حول الهولوكوست. وبدأت رحلتها إلى ما تسميه “الحقائق الباردة والقاسية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين” منذ سنوات عديدة مع كتاب “صباحات جنين” للكاتبة سوزان أبو الهوى، الذي يرسم صورة مروعة للواقع الفلسطيني يتم سردها من خلال الخيال. كما أنها انتهت مؤخرًا من قراءة كتاب إيلان بابيه، التطهير العرقي في فلسطين، وتوصي به للجميع.
ومنذ سنة 2014، اتهمها العديد من اليهود في مجتمعها، بما في ذلك أفراد عائلتها، بأنها يهودية كارهة لنفسها، وقيل لها إنها جاهلة، وأن إسرائيل تقوم بتزويد غزة بالكهرباء والمياه وأن هناك “مليون دولة عربية أخرى، فلماذا لا يذهب الفلسطينيون إلى واحدة منها؟”
كلما تعمقت شوستر في قراءة تاريخ الشرق الأوسط، زاد اقتناعها بأن الصهيونية وإسرائيل هما استراتيجيتان عسكريتان لضمان معقل غربي في الشرق الأوسط، وأوضحت أن “العنف الذي حدث ضد السكان الأصليين للأرض أمر لا يغتفر ويجب إدانته”.
بالنسبة لشوستر، فإن كونها يهودية أمريكية اليوم يعني أن تكون مناهضة للصهيونية بشكل نشط، ويعني سحب الاستثمارات من إسرائيل بأي طريقة ممكنة، ويعني ممارسة اليهودية مع الأصدقاء والعائلة، وقالت إن ذلك يعني أن تحب عائلتها على الرغم من عدم قدرتهم على رؤية صهيونيتهم.
قالت: “أنا ملتزمة بشدة بأن أكون أفضل ابنة، وصديقة، وموظفة، وفنانة، ومعلمة – وهذا الالتزام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بخلفيتي اليهودية، روح الدعابة لديّ مرتبطة بخلفيتي اليهودية، والطريقة التي أتناول بها الطعام، وأتحدث، وأضحك، وأكافح، كل هذه الجوانب من نفسي يهودية جدًا، وأشكنازية جدًا. لا أريد أن أكون أي شيء آخر، لذلك سأستمر في الالتزام بمعاداة الصهيونية وسأواصل ممارسة الأعياد والتقاليد والاتصال العائلي من خلال هذا الرابط”.
إسرائيل والهوية اليهودية الأمريكية
وفقًا لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام – التي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية تقدمية مناهضة للصهيونية في العالم – فإن عدد اليهود الأميركيين من الصغار والكبار “المناهضين للصهيونية أكبر من أي وقت مضى”.
قالت سونيا ميرسون نوكس، مديرة الاتصالات في منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام لموقع ميدل إيست آي،ـ إن “منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام هي منظمة مناهضة للصهيونية (وهي كذلك منذ سنة 2019)، ونحن نعلن ذلك بكل وضوح”. وأوضحت نوكس أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تضاعف عدد الأعضاء، والمؤيدين، والأتباع، والأشخاص الذين يقومون ببساطة بالتسجيل لاتخاذ الإجراءات اللازمة في منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”. وأضافت “إننا نشهد اهتمامًا أكبر بماهية الصهيونية وما يعنيه أن تكون مناهضًا للصهيونية أكثر من أي وقت مضى”.
وفي استطلاع للرأي أجري سنة 2022 لليهود الأمريكيين، عندما تم تعريف الصهيونية على أنها “الاعتقاد بتفضيل الحقوق اليهودية على الحقوق غير اليهودية في إسرائيل”، قال 69 بالمائة من اليهود الأمريكيين إنهم من المحتمل أو بالتأكيد ليسوا صهيونيين.
وتعتقد راشيل ليبرتي، المتحدثة باسم “إف نوت ناو” – وهي جماعة يهودية أمريكية تعارض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين – أن المد قد بدأ في التحول إذ يرفض المزيد من اليهود قبول منح إسرائيل الدعم العسكري غير المشروط والمساعدات المالية. وقالت ليبرتي لموقع “ميدل إيست آي” إنه “على امتداد سنوات، عملت الحركة على إشراك اليهود من جميع الأعمار في الكفاح من أجل إنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري في فلسطين”. وأوضحت أنه في الأشهر القليلة الماضية، شهدت حركة “إن نوت ناو” موجة من الدعم في صفوف الشباب اليهود في الولايات المتحدة من أجل وقف دائم لإطلاق النار وتحرير فلسطين.
ذكرت ليبرتي أنه “في الأشهر القليلة الماضية، استيقظ المزيد من الناس على الظلم الذي ترتكبه الحكومة الإسرائيلية. وفي نيويورك على وجه التحديد، ظهر الشباب اليهود بشكل جماعي لرفع أصواتهم إلى جانب الفلسطينيين وعدم قول المزيد عن الدعم المؤسسي للحكومة الإسرائيلية”.
وفقا لمعهد بروكينغز، حتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كانت هناك اختلافات واضحة بين الأجيال في مواقف الأمريكيين تجاه إسرائيل، وهو ما انعكس في الاختلافات بين الأمريكيين اليهود الأكبر سنا والأصغر سنا. وفي آذار/ مارس 2023، وجدت مؤسسة “غالوب” أن التعاطف الديمقراطي في الشرق الأوسط يكمن الآن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، 49 بالمئة مقابل 38 بالمئة.
ولدى الأمريكيين الأكبر سنا مواقف أكثر إيجابية تجاه إسرائيل مقارنة بالشباب. وفي استطلاعات معهد بروكينغز، كان لدى 61 بالمئة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة نظرة إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني. وعندما سئلوا عما إذا كانوا مؤيدين للشعب الإسرائيلي، أجاب 56 بالمئة بنعم.
ومن بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 49 سنة، عندما سئلوا عما إذا كانوا يشعرون بالتعاطف تجاه الشعب الإسرائيلي، أجاب 65 بالمئة بنعم. وعندما سئلوا عما إذا كانوا يشعرون بالتعاطف تجاه الفلسطينيين، أجاب 55 بالمئة بنعم.
يتحدى جيفري ليفين، أستاذ مساعد في الدراسات الشرق أوسطية واليهودية في جامعة إيموري ومؤلف كتاب “مسألة فلسطين: إسرائيل والمعارضة اليهودية الأمريكية، 1948-1978”، الحكمة التقليدية حول الفجوة بين الأجيال. وأوضح أن الناس يزعمون خطأً أن “انشقاق” جيل الشباب يأتي من “بُعدهم” عن إسرائيل وقلة معرفتهم بها. ولكنه يعتقد أن هذا الجيل من اليهود الأمريكيين لديه تعرّض أكبر بكثير ومسافة أقل عما يحدث في إسرائيل وفلسطين، من أي جيل سبقه.
تأتي هذه المعرفة من السفر إلى المنطقة، والاعتماد على مصادر إعلامية جديدة، وتفاعلات ثقافية، وموارد تعليمية، ومحادثات مع الفلسطينيين والإسرائيليين في الداخل والخارج. وقال جيفري: “شعوري هو أن مثل هذا التعرض يمكن أن يضفي طابعا إنسانيا على الفلسطينيين ويجعل اليهود الأمريكيين ذوي الميول اليسارية يتعرفون على اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي ليس من المستغرب أنهم يريدون أن ينأوا بأنفسهم عنه من خلال التصريحات والإجراءات الاحتجاجية”.
وأوضح أنه منذ الأربعينات، لعبت إسرائيل دورًا مركزيًا في الهوية اليهودية الأمريكية، وبالنسبة للعديد من اليهود غير الأرثوذكس، فإن الصهيونية مهمة ليهوديتهم مثل معظم الممارسات الدينية. ويتساءل ليفين “هل يحمل وضعنا كأقلية وشعب مضطهد تاريخيا رسالة عالمية تنطبق على الفلسطينيين – أم يعني أنه يجب علينا إعطاء الأولوية لمناصرة اليهود في الخارج بما في ذلك الإسرائيليين، وإلا فلن يفعل ذلك أحد؟”. وأضاف “أعتقد أن معظم اليهود الأمريكيين سيقولون إن كلا الأمرين مهمان، ولكن هناك جدل كبير حول كيفية تحقيق التوازن بينهما”.
على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وفي أكثر من 80 احتجاجًا ومن خلال تحالفات عميقة في جميع أنحاء البلاد، أغلقت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام الشركات في المدن الكبرى والبلدات الصغيرة والحرم الجامعي. ونظمت المنظمة عشرات الاحتجاجات في مختلف أنحاء المكاتب المحلية للمسؤولين المنتخبين في أكثر من 40 ولاية، وكانت تعود كل يوم للدعوة إلى وقف إطلاق النار.
قالت نوكس: “نحن متحدون في الاعتقاد بأنه عندما نقول “لن يحدث ذلك مرة أخرى”، يجب أن يشمل ذلك الفلسطينيين. ونحن نعلم أن تقاليدنا اليهودية الحبيبة تدعونا إلى الدفاع عن العدالة أينما نعيش. تعلمنا الإصرار من أسلافنا الذين عانوا من المذابح والإبادة الجماعية، وسنستمر حتى تتحرر فلسطين”.
“ألقي اللوم على حماس”
لكن النشاط لا يأتي دون انتقادات شديدة. بالنسبة للبعض، يأتي ذلك من داخل مجتمعهم. تصف توفا تشاتزينوف روزنفيلد امرأة يهودية تبلغ من العمر 30 سنة تعيش في نيويورك نفسها بأنها صهيونية. وبالنسبة لها، تُعرَّف الصهيونية بأنها الاعتقاد بأن لإسرائيل الحق في الوجود كدولة. وهذا يعني أن لديها وطنا تذهب إليه واتصالاً بالمكان الذي “تنتمي إليه”. وتعتقد أن هويتها اليهودية تؤثر على آرائها بشأن الحرب في غزة ودعمها الكامل لإسرائيل. وأوضحت أن سبب اهتمامها هو أنها يهودية. وقالت “هؤلاء الناس هم شعبي حقًا”.
لقد نشأت وهي تقرأ قصصًا في التوراة عن اليهود الذين يحاولون الوصول إلى إسرائيل. وقالت إن ذلك شكل الكثير من آرائها السياسية. وقالت “هويتي كلها هي يهوديتي. قلبي يؤلمني على إخوتي الذين يعيشون في خطر، والذين قتلوا، واحتجزوا كرهائن. قلبي يؤلمني أيضًا على جميع الأبرياء من كلا الجانبين. ولكن بطبيعة الحال، فإن أي شخص سوف يشعر بالألفة تجاه شعبه. وأنا يهودية والإسرائيليون يهود”.
في تشرين الأول/ أكتوبر، عندما ملأ أكثر من ألف متظاهر، معظمهم من اليهود، المحطة المركزية الكبرى في مانهاتن، مطالبين بوقف إطلاق النار، وجدت روزنفيلد أن الأمر مزعج. وأضافت قائلة “أنا لا أدعي أنني أتحدث نيابة عن جميع اليهود، ويغضبني عندما يحاول الناس التظاهر بأنهم يتحدثون نيابة عن جميع اليهود. وفي النهاية، فإنهم يتحدثون فقط بالنيابة عن أنفسهم وعن عدد قليل من أصدقائهم أو زملائهم”.
قالت: “لا أعرف كيف يستطيع يهودي أن يقول أشياء يعرف أنها ستؤدي أو تسمح بحدوث وفاة يهودي آخر”.
على امتداد الأشهر القليلة الماضية، تعرضت جبهة التحرير الشعبية للتهديد والترهيب بسبب دعمها المطلق للشعب الفلسطيني. وتعرض العديد من أعضاء المنظمة لحالات جمع المعلومات الشخصية، بل إن بعضهم تلقى تهديدات عنيفة. وقد طلب آخرون من الغرباء الاتصال بأصحاب عملهم، في محاولة لطردهم من العمل بسبب آرائهم المناهضة للصهيونية.
قالت نوكس: “كان مؤلمًا للغاية سماع أسئلة حول يهوديتنا أو رؤية مساعي لحرماننا من اليهودية نفسها – بما في ذلك مقال في صحيفة “فلسطين بوست” يدعي أن أعضاء الصوت اليهودي من أجل السلام ليسوا يهودًا”. وقالت إنه يبدو أن مؤيدي الحكومة الإسرائيلية يعتقدون أن هناك طريقة واحدة فقط لتكون يهوديًا: الدعم المطلق لدولة إسرائيل. وأضافت أن كلاً من المؤسسات اليهودية القديمة والأفراد حاولوا محو التقليد اليهودي الغني للنقاش لصالح “الدعم ضيق الأفق للتطهير العرقي والفصل العنصري والإبادة الجماعية”.
وذكرت نوكس أنه طالما كانت الصهيونية موجودة، فهناك يهود يعارضونها، مضيفة “تخبرنا تقاليدنا أن إنقاذ الأرواح هو أقدس التزام في اليهودية. نحن نحتج لوقف إراقة الدماء، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، وندعو إلى سلام مدوي ودائم على أساس العدالة للجميع”.
قالت روزنفيلد إنها تشعر بالألم عندما ترى مقاطع فيديو لأطفال فلسطينيين قتلى، وهي تقول إنه يجب على المرء أن يقبل الحقيقة. وأوضحت روزنفيلد أن يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان له تأثير هائل عليها وعلى جميع الشعب اليهودي. لقد جلب لها صدمة لم تظن أبدًا أنها ستتعرض لها في حياتها. وقالت: “ألقي اللوم على عاتقه، بينما هو على حماس، الإرهابيين الذين بدأوا هذه الحرب بهجوم السابع أكتوبر”.
جلسات استماع محكمة العدل الدولية في لاهاي
أمضى جوناس نيلسون الذي يبلغ من العمر 21 سنة، وهو طالب في السنة الرابعة يدرس في كلية أوبرلين في أوهايو، يومي الخميس والجمعة في متابعة جلسات محكمة العدل الدولية. كانت مشاهدة المقاطع هي كل ما كان يأمله. ويعيش نيلسون، وهو يهودي أبيض، في الولايات المتحدة. وتنحدر عائلته من جنوب إفريقيا وقد أنفقت معظم أموالها للخروج من البلاد خلال حقبة الفصل العنصري.
بالنسبة لعائلته، كان من المؤثر للغاية أن ينتموا لأمة ينظرون إليها “بفخر شديد لأنها انفصلت عن الفصل العنصري، ودعمت فلسطين والعديد من الأماكن المختلفة التي تعرضت للإبادة الجماعية، وأشكال الفصل العنصري، والتطهير العرقي”.
لم ينشأ نيلسون حسب التقاليد اليهودية. وكان يحتفل بجميع الأعياد اليهودية الكبرى، لكن كونه يهوديًا لم يكن أمرًا أساسيًا في عائلته. وفي المدرسة الثانوية، أخذ نيلسون دورة في تاريخ الشرق الأوسط ركزت على “كلا الجانبين” ولمحة عامة عن إسرائيل وفلسطين.
مع استمراره في الدراسة الثانوية، يتذكر أنه التقى المزيد من الأشخاص، وتعلم المزيد عن التاريخ، ودخل في جدالات مع الصهاينة عندها أدرك تفرد إسرائيل وفلسطين في السياسة الأمريكية. وذكر قائلا “كنت أقابل العديد من الأشخاص وأتحدث عن حياة السود مهمة وكنا نتفق طوال الوقت. ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد طرحوا جميع أنواع الدفاعات حول البراعة التكنولوجية وكيف نحتاج إلى الدفاع عن إسرائيل مهما كان الأمر”.
وفي الحرم الجامعي، كان نيلسون يساعد في قيادة الاحتجاجات وغيرها من أشكال النشاط كجزء من منظمة تم تشكيلها حديثًا تسمى “يهود من أجل فلسطين” – والتي لم يتم ترخيصها من قبل المعهد. وبالنسبة لنيلسون، كونك يهوديًا أمريكيًا يعني تحمل الالتزام بفهم أن الولايات المتحدة أمة من المهاجرين. وقال: “ونحن جزء من دين مهاجر وشتات. وكونك يهوديًا أمريكيًا، عليك أن تفهم أن الكثير منا جاءوا إلى هنا هربا من القمع والتطهير العرقي. إنه لفهم الدور الذي يمكن أن يلعبه الأشخاص المضطهَدون في يوم من الأيام ليصبحوا مضطهِدين”.
وأوضح أنه من المهم الاعتراف بأن اليهودية لن تكون إسرائيل أبدًا وإسرائيل لن تكون يهودية أبدًا. وهو شيء تؤيده ستولزر وشوستر. وقال نيلسون: “سوف يكونا متشابكين دائمًا بهذه الطريقة المعقدة بشكل مستحيل، لكنهما لن يكونا نفس الشيء أبدًا”. وأضاف “من المهم أن تقوموا، كيهود أمريكيين، حتى لو كنتم تدعمون إسرائيل، بإجراء هذا التمييز والتأكد من عدم استخدام هويتكم للوقوف إلى جانب المضطهِِد، بل بالأحرى استخدامها للوقوف إلى جانب المضطهَدين”.
المصدر: ميدل إيست آي