تتجه الجزائر للاستعانة بالشركات والخبرات الأجنبية للتخلص من مشكلة النفايات التي بدأت تقلق مواطنيها، في ظل عدم تمكن الشركات المحلية، الخاصة والعامة، من إيجاد حل لهذه المشكلة مع الارتفاع المسجل في كمياتها، الذي وصل إلى نحو 3 ملايين طن خلال سنة 2016، 60%منها نفايات مواد غذائية.
ضعف الشركات المحلية
أبدت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة في الجزائر فاطمة الزهراء زرواطي، استعدادها للتعاقد مع الشركات الأجنبية للقيام بدراسات تسمح بحسن تسيير مختلف المرافق التابعة لقطاع النفايات، في وقت سجلت فيه الوزارة العديد من النقائص المسجلة في القطاع، خاصة في مراكز الردم التقني للنفايات.
مراكز الردم التقني للنفايات هي مركبات مصممة لحفظ الفضلات المختلفة دون التسبب في تلوث البيئة
وأبدت الوزيرة الجزائرية استياءها الكبير حيال تسيير مراكز الردم التقني للنفايات على المستوى الوطني، حيث قالت في تصريحات صحفية نقلتها وسائل إعلام محلية: “كان من المفترض أن تستقبل مراكز الردم ما نسبته 2% إلى 3% من النفايات فيما تسترجع النسبة المتبقية، غير أن العكس الذي حصل”، وعبرت المسؤولة عن مخاوفها من استهلاك مراكز الردم مساحات كبيرة بسبب عدم تسييرها بشكل جيد: “خططنا لأن يمتد عمر المراكز إلى سنة 2030، لكنها لن تصل إلى هذا التاريخ”.
ومراكز الردم التقني للنفايات هي مركبات مصممة لحفظ الفضلات المختلفة دون التسبب في تلوث البيئة، ويتكون مركز الردم من مجموعة من الحفر في التربة حيث تفرغ الفضلات وتدوّر، وبعد امتلاء أي حفرة تغطى بمواد بلاستيكية ومن ثم تُستخرج الغازات الحيوية المنبعثة منها، ويغلق المركز بسياج، كما يجهز عند المدخل بجسر قبان لوزن حمولة الشاحنات، وكذلك يزود بجهاز الكشف عن الإشعاعات.
وتحولت هذه المراكز حسب الوزيرة، إلى مفارغ عمومية مقننة، في غياب الجدية وروح المبادرة عمن أوكلت لهم مهمة تسييرها، والتي يجب إعادة النظر فيها بصفة جذرية، وفقًا لكلامها، وأرجعت الوزيرة ذلك إلى غياب إعادة التدوير والاسترجاع التي أصبحت خارج نطاق اهتمامات المسيرين المطالبين بالمبادرة والتسيير الميداني وليس من وراء المكاتب،ويؤكد مسؤولون جزائريون ضرورة الارتقاء بمراكز الردم التقني للنفايات إلى مستوى مصانع حديثة منتجة تتولى إعادة تدوير سائر النفايات الطبية والأدوية الفاسدة وتحويلها إلى أشياء لها منفعة في التصنيع.
مركز ردم تقني للنفايات
إلى جانب المشاكل في مراكز الردم التقني، تواجه الجزائر مصاعب كبيرة في مجال معالجة النفايات، جراء مماطلة بعض البلديات في دفع الرسوم المستحقة على تسيير وجمع فضلات إقليمها الجغرافي، كما تعاني السلطات الجزائرية من عدم مقدرتها على تحويل النفايات، بسبب عدم امتلاكها التقنيات الضرورية للمعالجة، كل هذه الإشكاليات تجعل من فتح قطاع النفايات، الذي أثبتت الشركات المحلية فشلها في تسييره، أمام الاستثمارات الأجنبية السبيل الأمثل لإعادة تدوير النفايات.
وتعتبر محافظة الجزائر العاصمة الأعلى في انتشار القمامة، خصوصًا في محيط المدارس والهيئات الحكومية، فلم يعد مستهجنًا رؤية صندوق القمامة مكتظًا في شوارع العاصمة دون تدخل من جانب الأجهزة التنفيذية، وهو ما يدفع السكان إلى إحراق النفايات خوفًا من انتشار الحشرات والقوارض بسببها، وما تؤدي إليه من أمراض وعدوى.
23 مليون طن من مختلف الأنواع والأصناف
يقدر إنتاج النفايات في الجزائر بـ23 مليون طن من مختلف الأنواع والأصناف، 65% منها تنتج بالشمال الجزائري أي ما يعادل 4% من مساحة البلاد، يُعاد تدوير 10% منه في حين يوجه 36% منه إلى مراكز الردم التقني، و1% فقط يوجه نحو عملية التسميد و46% يتم تحويلها نحو المفارغ العمومية، وتقدر كمية النفايات الناتجة عن الأنشطة المنزلية في الجزائر بنحو 12 مليون طن سنويًا.
تبنت الجزائر استراتيجية وطنية لتسيير النفايات في آفاق سنة 2030، بهدف خفض فاتورة الاستيراد من المواد الخام
وشجعت هذه الكميات الكبيرة من النفايات على التوجه نحو إنشاء مؤسسات خاصة بإعادة التدوير، حيث وصل عدد المؤسسات الناشطة في مجال فرز وتدوير النفايات في الجزائر 25 ألف مؤسسة خلال سنة 2017، حسب إحصائيات الوزارة، بينما يبلغ عدد المؤسسات التي تنشط في مجال الاقتصاد الأخضر 273 ألف مؤسسة، وتشير التوقعات إلى وصول عدد مناصب الشغل في النشاطات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر في الجزائر إلى 1.4 مليون منصب شغل في سنة 2025.
وفي وقت سابق، تبنت الجزائر استراتيجية وطنية لتسيير النفايات في آفاق سنة 2030، بهدف خفض فاتورة الاستيراد من المواد الخام، إضافة إلى تقليص النفايات التي توجه إلى مراكز الردم التقني والمحافظة على البيئة، بدءًا بنظام الجمع والفرز الانتقائي للنفايات من المصدر، ثم توجيهها حسب أنواعها لإعادة تدويرها وتحويلها.
وفي إطار البرنامج الوطني للتسيير المتكامل للنفايات، الذي أُعلنت انطلاقته سنة 2003، أُعد 1257 مخططًا بلديًا لتسيير النفايات وبرمجة إنشاء 144 مركزًا للردم التقني بينها 92 تم إنجازها، بالإضافة إلى 160 مفرغة مراقبة، بينما جرى القضاء على 1304 مفرغة عشوائية من أصل 3 آلاف مفرغة موجودة على المستوى الوطني.
ثروة مهدورة
ما فتئ العديد من الخبراء يدعون إلى استغلال المواد المهدورة عبر الاستثمار في الكم الهائل من نفايات الخشب والحديد والورق والبلاستيك والكارتون، إضافة إلى النحاس والمياه المستعملة وسائر النفايات بأنواعها، طالما أن ذلك يشكل قيمة مضافة مضمونة وعنوانًا لمرحلة جديدة حيوية تضع حدًا لتبدد طاقات هائلة دون طائل، ويدعو جزائريون إلى توظيف مخزون النفايات ضمن نمط تصنيعي منتج ينهي ظاهرة إهمال آلاف الأطنان من القاذورات وسط الأحياء وعلى واجهات المدن، أو تركها في وضع كارثي داخل المفرغات العامة، أو الاكتفاء بإحراقها شكليًا في مراكز الترميد.
خسائر كبيرة نتيجة عدم استغلال النفايات
وتستهدف عملية تدوير النفايات إعادة استخدام المواد التالفة لإنتاج مواد جديدة، ولها فوائد اقتصادية وبيئية، ويتم اللجوء إلى عملية التدوير للتخلص من النفايات التي يؤدي تراكمها إلى تهديد صحة الإنسان وتهديد البيئة التي يعيش فيها، وهناك فوائد لعملية تدوير النفايات منها الحفاظ على البيئة وتقليل الاعتماد على المواد الأولية المستخرجة من الطبيعة لإنتاج المنتجات الجديدة، إضافة إلى أن عملية التدوير توفر فرص العمل للناس.