تعرضت السينما الفلسطينية لمشكلة الاحتلال وقت نشأتها، مما أدى إلى تقويضها في وقت مبكر جدًا، وعادت بعد حرب 67 في ثوب الإنتاج العربي والشكل التسجيلي، وتدور حول توثيق القضية الفلسطينية، وكذلك الأفلام الروائية والتي كان كثيرًا منها مستمدًا من الأعمال الأدبية التي تدور حول القضية مثل فيلم “المتبقي” المقتبس من رواية عائد إلى حيفا، وفيلم “المخدوعون” المقتبس من رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني. وبسبب مشكلة الإنتاج فقد تم الاتفاق مسبقًا على أن السينما الفلسطينية لا تنسب إلى دولة الإنتاج، بل إلى فريق العمل والقصة التي يدور حولها الفيلم، إلا أن الأمر يمكن أن يكون مختلفًا بالنسبة لفلسطينيي الداخل، فالأزمة التي يمر بها فلسطينيو الداخل أنهم يحملون جنسية دولة الاحتلال، وكثير من صناديق دعم السينما العربية والمهرجانات العربية تخشى الوقوع في فخ التطبيع، بل إن بعض الجمهور لا ينظر لفلسطينيي الداخل على أنهم فلسطينيو الهوية، وآراؤهم قد تكون موجهة.
الحقيقة أن فلسطينيي الداخل كرسوا جهودهم منذ البداية لدعم القضية الفلسطينية ووطنيتهم لا تقل عن وطنية الفلسطينيين الذين لا يحملون هوية عرب 48، وعلى ذلك أمثلة كثيرة، ففيلم “شجرة الليمون” على سبيل المثال من إنتاج إسرائيلي مشترك، إلا إنه يتبنى القضية الفلسطينية بشكل صريح ويؤكد على فكرة البقاء، ومواطنو دولة الاحتلال الذين يحاولون العيش بسلام مع العرب في الحقيقة يبنون أحلامًا واهية، ولا حل سوى الرحيل لأن دولة الاحتلال لا تبحث عن السلام.
توجه فلسطينيي الداخل إلى رفض تمويل دولة الاحتلال
إلا أن التوجه العام – وليس الكلي – للفنانين من فلسطينيي الداخل أن يبتعدوا عن الإنتاج “الإسرائيلي” بشكل عام لعدة نقاط: أولًا لأن الفن هو السلاح الأخير ضد دولة الاحتلال لذا يجب أن يخلو تمامًا من تمويلهم. ثانيًا لأن التمويل “الإسرائيلي” يقف عقبة أمام مشاركة الأفلام ف المهرجانات العربية كما ذكر سابقًا. ثالثًا حركة الهجوم الواسعة التي شنتها دولة الاحتلال ضد مسرح الميدان بحيفا، والذي يستهدف الجمهور العربي ويقدم فنًا يدعم القضية، وربما يكون ذلك التوجه بسبب أيضًا أن دولة الاحتلال تدعي الديموقراطية حين تمول أفلام تهاجمها، وهو ما تدعيه أمام الغرب، أما في الحقيقة فهي لا تتورع عن شن حروب ضروس على الفنانيين الذين يظهرون حقيقتها في أعمالهم كما فعلت مع جنين جنين.
لن يسعد أحد عندما يكرم فيلم عربي فلسطيني في محفل دولي على أنه فيلم “إسرائيلي”
الرأي المعارض لهذا التوجه
وعلى الجانب الآخر يرى بعض الفنانين أن من حقهم الحصول على هذا التمويل، وذلك بسبب أن دولة الاحتلال تفرض عليهم بالفعل الضرائب، لذا يجب عليهم أن يستردوا أموالهم بشكل أو بآخر، هذا إلى جانب رفض بعض الهيئات العربية تمويل فيلم يقوم به فنانون من فلسطين المحتلة وذلك خوفًا من التطبيع، لذا فما الحل سوى اللجوء لتمويل دولة الاحتلال، هذا بجانب أن الفن ضرورة تمامًا كالعلاج والغذاء.
ويرى الفنانون أصحاب توجه المقاطعة أن الإنتاج الأجنبي والشخصي هو الحل في هذا الوقت، حيث نجد على أفلام آن ماري جاسر على سبيل المثال قائمة طويلة من المنتجين، وبأفلام أخرى يتم عمل حملة تمويل على الإنترنت وبذلك يكون الجمهور هو المنتج، وللإنصاف هذا الرأي رغم رجاحته ليس سهلًا أبدًا، فالوعي السينمائي عند الجمهور العربي لم يصل إلى درجة تمويل الأفلام من جيبه الخاص مع الأسف، والوصول إلى شركات الإنتاج الأجنبية ليس بالأمر الهين أيضًا، خصوصًا إن كان من يتقدم بالطلب مخرج شاب لم يسبق له إنتاج أفلام.
الوعي السينمائي عند الجمهور العربي لم يصل إلى درجة تمويل الأفلام من جيبه الخاص
وفي خضم هذا الجدال على سبيل المثال، أنتج فيلم “أمور شخصية” بتمويل من دولة الاحتلال بعد أن رفضت الصناديق العربية تمويله بحجة أن المخرجة من عرب 48، وبالتالي أيضًا لم يعرض في مهرجانات عربية، كما لم يلق التسويق الجيد في سينمات العالم العربي.
مما لا شك فيه أن سينما الداخل الفلسطيني يتم التعامل معها بتخوف رغم المواضيع المقدمة والمطروحة والتي لا تترك مجالًا للشك في توجهاتها، إلا أن الجمهور العربي ليس واثقًا تمامًا ويقع دائمًا في أزمة نظرية المؤامرة، هذا إلى جانب المراكز الثقافية وخلافه التي تخشى أن يقال عنها مطبّعة، وحل هذه المشكلة في الحقيقة في يد الجمهور نفسه، فيجب أن يتوقف عن ترديد أن الأفلام الفلسطينية ذات التمويل “الإسرائيلي” هي أفلام “إسرائيلية”، وعلى المنظمات الثقافية أيضًا الكف عن حصار الفنانين الفلسطينين بهذا الشكل، ودعم دفعهم للجوء لإنتاج دولة الاحتلال، فلن يسعد أحد عندما يُكرم فيلم عربي فلسطيني في محفل دولي على أنه فيلم “إسرائيلي”!