قبل أيام قليلة من لقاء القمة المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو في نيويورك، بدأت تُكشف تفاصيل “ورقة تفاهمات” سياسية جديدة لإحياء مشروع التسوية من جديد.
ورقة التفاهمات التي يجري طبخها داخل المطبخ السياسي الأمريكي بمشاركة إسرائيلية ودولية وبعض من الدول العربية “المعتدلة” دون أي مشاورات مع الطرف الفلسطيني (صاحب القضية)، قد تكون الأخطر على المشروع الوطني، كونها تمس الثوابت وتدعم بقاء “إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية.
مصادر رفيعة المستوى في حركة “فتح” كشفت عن تفاصيل “ورقة التفاهمات” وأكدت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أبلغت القيادة الفلسطينية، بـ”ورقة تفاهمات سياسية جديدة ترقى لأن تكون خريطة طريق، يمكن من خلالها عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات مجددًا”.
تفاصيل خطيرة
وأوضحت أن ورقة التفاهمات هذه سيتم عرضها رسميًا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال اللقاء المرتقب مع ترامب في نيويورك الأسبوع المقبل، على أن يتم مناقشتها فلسطينيًا وعربيًا للرد عليها.
إدارة ترامب تتجه نحو تبني وجهة نظر تتفق مع مواقف نتنياهو، وهو ما يتضح من الأفكار والمقترحات التي تتضمنها الورقة
وأشارت إلى أنه جرى تسريب بنود “ورقة التفاهمات السياسية” لبعض قيادات فتح الموجودين في واشنطن، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة داخل المقاطعة برام الله، لما تحتويه البنود من تنازلات كبيرة عن الحقوق الفلسطينية وانحياز كامل لـ”إسرائيل”.
وكشفت أن الورقة تشطب بشكل نهائي مشروع حل الدولتين، وتستبدله بخريطة طريق تُركز على حكم ذاتي للفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، مرتبط بكونفدرالية مع الأردن”.
وأشارت إلى أن بندًا آخر من “ورقة واشنطن” التي يجري الإعداد لها بمشاورات أمريكية وإسرائيلية وبعض الدول العربية بحسب المصادر ذاتها، ينص على تقديم إغراءات اقتصادية ومالية كبيرة للفلسطينيين، وتوسيع صلاحيات السلطة في الحكم والنفوذ في مناطق إضافية تشمل “ج” و”ب”، مع بقائها تحت الحكم الإسرائيلي.
ويقسم اتفاق أوسلو الأراضي الفلسطينية إلى قطاعات جغرافية تحمل حروفًا أبجدية منذ عام 1978، هي “أ” وتمثل 18% من مساحة البلاد، وللسلطة الوطنية الفلسطينية السيطرة الكاملة عليها، و”ب” وتمثل 21% من المساحة وتسيطر عليها السلطة تعليميًا وصحيًا واقتصاديًا، أما أمنيًا فالسيطرة لـ”إسرائيل” فقط، ومناطق “ج” والتي تمثل 61% فالسيطرة الكاملة فيها لـ”إسرائيل” من كل النواحي.
إلى ذلك، فقد أضافت المصادر ذاتها أن أوساطًا عربية تربطها علاقات جيدة بإدارة ترامب جرى إطلاعها ومشاورتها في الورقة، أبلغت عباس بأن إدارة البيت الأبيض تتفق تمامًا مع المصالح الإسرائيلية، وترفض أي شروط فلسطينية مقابل استئناف المفاوضات. وأكدت المصادر أن أبو مازن سيرفض الورقة بشكل كامل، ويشعر بخيبة أمل كبيرة من إدارة ترامب.
المصادر اعتبرت أن تسريب بنود “الورقة” قد يُفشل اللقاء المرتقب، خاصة أن عباس يضع وقف الاستيطان كشرط للعودة إلى المفاوضات، بعد تنازله عن دفعة الأسرى القدامى الرابعة، وتعهده بوقف رواتب الأسرى الفلسطينيين، كبوادر حسن نية لإنجاح الجهود الأمريكية.
كذلك، فإن صحيفة “هآرتس” العبرية قالت مؤخرًا إن “إدارة ترامب تتجه نحو تبني وجهة نظر تتفق مع مواقف نتنياهو، وهو ما يتضح من الأفكار والمقترحات التي تتضمنها الورقة”.
وكشفت الصحيفة النقاب عن أن الوفد الأمريكي الذي زار رام الله مؤخرًا نجح في إقناع الرئيس عباس بالبقاء ضمن إطار المفاوضات، ومنح واشنطن فرصة أخرى لترتيب أوراقها ومواصلة مساعيها لتحريك المفاوضات والتعهد بعدم القيام بخطوات دبلوماسية فلسطينية أحادية الجانب بالتوجه بدعاوى وشكاوى ضد “إسرائيل” بالمحافل الدولية أو الأمم المتحدة، وذلك بعد أن أكد الوفد للرئيس عباس أن ترامب سيلتقيه على هامش قمة الأمم المتحدة.
ومن المقرر أن يلتقي ترامب كلًا من عباس ونتنياهو بشكل منفصل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، في إطار تعزيز جهود الإدارة الأمريكية لإحياء عملية السلام.
الاستيطان سياسة ثابتة لدى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي صعدت نشاطاتها الاستيطانية مع صعود الإدارة الأمريكية الجديدة
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أبريل 2014 بعد رفض سلطات الاحتلال وقف الاستيطان والإفراج عن معتقلين قدامى، وقبول حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها شرق القدس.
غضب فلسطيني
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تيسير خالد قال إن “إدارة الرئيس ترامب لا تبدي الحد الأدنى من الاستعداد للضغط على “إسرائيل” لدفعها نحو وقف نشاطاتها الاستيطانية، وإنما تقول: إن الاستيطان من قضايا الوضع النهائي، وحله يكون بالاتفاق بين الطرفين من خلال المفاوضات”.
وأشار خالد إلى الموقف الجديد للإدارة الأمريكية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي جعل أمر قيام الدولة الفلسطينية شأنًا تفاوضيًا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وليس أمرًا محسومًا ومسلمًا به، ولذلك لا نجدها تحرك ساكنًا أمام اسمرار حكومة “إسرائيل” في تدمير حل الدولتين.
وأكد خالد أن الاستيطان سياسة ثابتة لدى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي صعدت نشاطاتها الاستيطانية مع صعود الإدارة الأمريكية الجديدة إلى السلطة في الولايات المتحدة.
وشدد خالد على ضرورة أن تراجع القيادة الفلسطينية حساباتها، وتقدم للعالم بدائل للسياسة التي سارت عليها على امتداد السنوات الماضية، خاصة في ضوء المواقف التي أعلنها بنيامين نتنياهو مؤخرًا في مناسبة الاحتفالات بمرور 50 عامًا على الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967 وفي ضوء اعتماد إدارة الرئيس ترامب سياسة تقوم على إدارة الصراع دون العمل على حله.
واستهجن القيادي في هذا السياق محاولات البعض تجميل الوجه القبيح للسياسة الأمريكية والادعاء بوجود تطورات إيجابية في المواقف الأمريكية، في وقت لا نجد فيه سوى المزيد من الانحياز إلى درجة التطابق مع السياسة العدوانية الاستيطانية التوسعية لحكومة الاحتلال، والتراجع المستمر حتى عن مواقف الإدارات الأمريكية السابقة.
وبشأن المتوقع من اجتماع الرئيس ترامب بالرئيس محمود عباس ونتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار خالد إلى أن اللقاء الثلاثي إن وقع، فلن يترتب عليه اختراق لحال الجمود والمراوحة في المكان، وأنه ربما يكون أقرب إلى الملهاة لأنه ليس هناك توجهًا جديًا من إدارة الرئيس ترامب ومبعوثيه للمنطقة لدفع جهود التسوية إلى الأمام”.
وشدد أن المؤشرات تؤكد أن ما يمكن أن تقدمه الإدارة الأمريكية للفلسطينيين سيكون متفقًا عليه مع الجانب الإسرائيلي، وسوف يكون مجرد وعود بتسهيلات اقتصادية وتحسين مستوى المعيشة للفلسطينيين تحت الاحتلال، ولن يلبي الحدود الدنيا للحقوق الوطنية الفلسطينية.
بدوره أعرب واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عن إحباط القيادة الفلسطينية من التسريبات التي تؤكد تنازل الإدارة الأمريكية عن مشروع حل الدولتين، ورفضها الضغط على “إسرائيل” لوقف الاستيطان.
وأكد أبو يوسف أن الإدارة الأمريكية لم تعد طرفًا نزيهًا لإدارة مفاوضات جدية، لكونها تنحاز تمامًا لـ”إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية، وقد أثبتت فشلها طول السنوات التي قادت فيها المحادثات بين السلطة و”إسرائيل”.
أكدت قيادة السلطة بأن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يقوم على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967
وشدد القيادي على أن قيادة السلطة متمسكة بمشروع “حل الدولتين”، ولن تجد بديلًا عنه، مؤكدًا أن أي مبادرة تتجاهل الشروط الفلسطينية وتتفق مع المصالح الإسرائيلية ستُقابل برفض قاطع. مجدداً تأكيده على قيادة السلطة بأن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يقوم على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس.
وبدأ الحديث عن “حل الدولتين” بعد هزيمة دول عربية فيما يُعرف بنكسة حزيران 1967، وينص على إنشاء دولتين إحداهما “إسرائيل” (على أراضي الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948) والأخرى فلسطين.
وهذا “الحل” يتم بناء على قرارات الأمم المتحدة، ومفاوضات تشمل الحسم في ملفات كبرى شائكة بينها قضية اللاجئين ووضع القدس، وهو حل يرى كثيرون أنه مستحيل بسبب التعنت الإسرائيلي وضخامة الملفات العالقة.
وأراضي الـ67 تضم مناطق الضفة الغربية والجانب الشرقي من مدينة القدس وقطاع غزة، وتشكل 22% من أراضي فلسطين التاريخية، وقبول حل الدولتين يشترط الاعتراف بدولة “إسرائيل” وسيطرتها على 78%.