ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ عدة أسابيع، تشهد مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة قصفًا إسرائيليًا مكثفًا برًا وجوًا ومواجهات عنيفة بين القوات الإسرائيلية و حماس. أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الأسبوع الماضي أن الجيش نجح في تفكيك قوات حماس في المدينة – وهو ما ادعته إسرائيل في وقت سابق عن مدينة غزة في الشمال، إلا أنه تم إثبات خطئها. وفي خان يونس، كما هو الحال في بقية أنحاء غزة، يتحمّل المدنيون العبء الأكبر من العنف.
حاصرت الدبابات الإسرائيلية اثنين من أهم المستشفيات التي لا تزال تعمل بشكل جزئي في جنوب غزة: مستشفى ناصر ومستشفى الأمل. ويقع كلاهما في الجزء الغربي من خان يونس، وقد امتلأ كلاهما منذ بدء الحرب بالمرضى وكذلك بالعائلات التي تبحث عن مأوى بعد أن نزحت من المناطق الشمالية للقطاع. أطلقت القوات الإسرائيلية النار على أكثر من 8 آلاف نازح لجأوا إلى محيط مستشفى ناصر، وقامت بتجريف القبور في المقبرة المجاورة – وهي واحدة من 16 مقبرة على الأقل دنّستها إسرائيل خلال عمليتها في غزة.
اخترقت الدبابات الإسرائيلية أيضًا محيط جامعة الأقصى في الطرف الغربي من المدينة، بالقرب من “المنطقة الآمنة” التي تم تحديدها سابقًا في المواصي، واستهدفت مركز تدريب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو أحد أكبر مراكز الإيواء في غزة بأكملها والذي كان يأوي ما يصل إلى 40 ألف نازح، كما حاصرت الجزء الغربي من مخيم خان يونس للاجئين بالكامل.
ألقى الجيش الإسرائيلي منشورات تأمر السكان بإخلاء خان يونس، وفي الأيام الأخيرة فرّ حوالي 120 ألف فلسطيني من المدينة عبر “ممر آمن” من المفترض أنه يمتد من غرب مخيم اللاجئين إلى منطقة المواصي بالقرب من جامعة الأقصى. لكن المرور عبر هذا الممر، الذي يتكون من ثلاث نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية، كان بالنسبة للكثير من الفلسطينيين من أكثر الأمور المروعة منذ بدء الحرب.
ووفقًا لشهادات الفلسطينيين الذين خاضوا هذه الرحلة، بما في ذلك أحد مؤلفي هذا المقال، فقد أُجبر العابرون عبر الممر على ترديد هتافات ضد حماس، وصودرت ممتلكات العديد منهم، وفُصل الرجال عن أسرهم وجُرّدوا من ملابسهم وتعّرضوا لساعات من الإيذاء الجسدي والحرمان. وفي الوقت نفسه، لا يزال الآلاف محاصرين داخل خان يونس، غير قادرين على مغادرة ملاجئهم خوفًا من إطلاق النار عليهم في الشوارع.
شهادة ابتسام
لم أكن أنوي مغادرة خان يونس، وبعد أن فررت من مدينة غزة في بداية الحرب مع زوجي وطفليّ بناءً على أوامر جيش الاحتلال، لجأنا أولاً إلى مخيم الشاطئ للاجئين قبل أن نضطر للفرار مرة أخرى إلى خان يونس التي كانت تعتبر منطقة آمنة. تنقّلنا بين مساكن مختلفة في المدينة قبل أن نعثر على غرفة للإيجار. ومع بدء الاجتياح البري للمدينة، قررنا عدم الفرار مرة أخرى.
لكننا سرعان ما أجبرنا على تغيير رأينا. ففي الساعات الأولى من يوم 26 كانون الثاني/يناير، قُصفت الشقة التي تقع خلف شقتنا مما تسبب في سقوط الحطام على مسكننا. بثّ هذا الحادث الذعر والخوف في نفوسنا. وفي نفس الليلة، تم استهداف شقّتين أخريين في شارعنا وأكثر من 20 شقة في حي الأمل بأكمله، بينما كانت الدبابات المتمركزة بالقرب من مستشفى الأمل تطلق القذائف بشكل متقطع باتجاهنا وطائرات مسيّرة تطلق النار بشكل متكرر على الناس في الشوارع.
في مواجهة هذا الوضع، قررنا المغادرة، خاصة بعد أن ألقى الجيش منشورات على المدارس القريبة من مستشفى ناصر، تأمر آلاف النازحين الذين لجأوا إلى هناك بإخلاء المكان. في حوالي الساعة 10:15 صباحًا، وصلت سيارة تابعة للصليب الأحمر لتعلن عن فتح “ممر آمن”، وانضممنا إلى آلاف الأشخاص الذين يسعون للمرور عبره.
تضمن المرور عبور ثلاث نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية. تعرضنا طوال الوقت لقدر كبير من الإهانات والشتائم والإذلال – الموجه لنا ولأمهاتنا – من قبل ضابط في الجيش كان يجيد اللغة العربية بطلاقة. استغرق العبور بالنسبة لي ولأطفالي أكثر من ساعة ونصف، وبالنسبة لزوجي استغرق ما يقارب تسع ساعات.
عند أول نقطة تفتيش، أُمرنا برفع بطاقات هوياتنا لتصويرنا من قبل أحد الجنود، بينما كانت الدبابات تتحرك نحونا بتهديد. واصلنا طريقنا إلى الحاجز الثاني، حيث فصل الجيش الرجال عن النساء وأمرنا بالركوع. ثم بدأ أحد الضباط بإلقاء محاضرة علينا، محملاً حماس مسؤولية نزوحنا وتدمير منازلنا وحاجتنا إلى اللجوء والخوف الذي نعيشه.
ثم أخبرنا أنه حتى يُسمح لنا بالمرور عبر الحاجز دون أن نتعرض للأذى، علينا أن نردد شعارات ضد المقاومة: “الشعب يريد إسقاط حماس”، و”حسبنا الله ونعم الوكيل على حماس وكتائب القسام” (مقتبسًا سطرًا من القرآن الكريم). أصر الضابط على ترديد هذه الشعارات، ولم يسمح الجنود للنساء والأطفال بالمرور إلا بعد مرور أكثر من 45 دقيقة، بينما أبقى الرجال في الخلف.
عند نقطة التفتيش الثالثة، أخبرني أحد الجنود أنه حتى أتمكن من العبور يجب أن أترك حقيبتي التي كانت تحتوي على جميع ممتلكاتي، بما في ذلك البطانيات والملابس لجميع أفراد عائلتي. ثم طلب مني الجندي أن أترك أطفالي حتى يتمكنوا من المرور قبلي. رفضت خوفًا من أن أفقدهم وسط الزحام، وفي النهاية سمح لي بالعبور معهم. فقدَ آخرون أطفالهم وواجهوا محنة كبيرة أثناء البحث عنهم.
غادرت الممر في الظهيرة تقريبًا، ثم واجهت أصعب ساعات حياتي وأنا أنتظر خروج زوجي. وبعد سبع ساعات، سُمح له بالعبور – بعد رحلة مليئة بالإذلال والتعدي على كرامته، وكل ذلك في أجواء ممطرة وشديدة البرودة.
“انتُهكت كرامتنا لأكثر من ست ساعات”
كانت فرحة أم محمد جخلب البالغة من العمر 56 عامًا لا توصف عندما خرج ولداها من نقطة التفتيش الأخيرة في الممر الخارج من خان يونس. كانت تجلس بالقرب من المعبر منذ ما يقارب الست ساعات في انتظار وصولهما. وقالت لـ 972+ “ابناي الوحيدان محمد وإبراهيم – لقد قمت بتربيتهما بعد استشهاد والدهما حتى أصبحا شابين. أتمنى أن أجد الفرح في حياتهما وأشهد زواجهما. إنهم كل حياتي. شعرت بقلبي يتمزق عندما تركتهما على نقطة التفتيش مع الجيش وخرجت وحدي”.
مرت الساعات على جخلب وكأنها أيام، ولم تجف الدموع من عينيها وهي تنتظر في نهاية المعبر. ورغم أصوات الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يطلقون نيران رشّاشاتهم من الدبابات القريبة من المعبر، إلا أنها لم تغادر حتى خرج أبناؤها أخيرًا. كان إبراهيم يرتجف عندما وصل إذ أجبره الجيش على خلع ملابسه، بما في ذلك ملابسه الداخلية، رغم الطقس البارد والممطر، ثم أُمر بالنزول في بركة ماء، والقفز لأعلى وأسفل عدة مرات، ثم الخروج والوقوف لمدة 10 دقائق قبل أن يُسمح له بارتداء ملابسه وعبور نقطة التفتيش.
روى إبراهيم ما حدث قائلا: “لقد تعرّضنا للإذلال على نطاق واسع بعد أن قام الجنود بمسح أعيننا [بكاميرا بيومترية]، والمعاملة التي واجهناها تجاوزت الإهانة، فقد انتُهكت كرامتنا لأكثر من ست ساعات ونحن جالسون على ركبنا وممنوعون من الجلوس براحة”. طوال هذه المحنة، كان همّ إبراهيم الوحيد هو الخروج بسرعة خوفًا على والدته التي كان يعلم أنها تتألم حتى تراهم مرة أخرى.
وصف خالد زقوت (25 عامًا) هذه التجربة بأنها واحدة من أسوأ تجارب حياته. فقد كان يختبئ في مدرسة قنديلة، بالقرب من مستشفى ناصر، مع زوجته وابنه، وقرر مغادرة المدينة بعد أن ألقى الجيش منشورات في سماء المدينة يأمرهم فيها بإخلائها فورًا. قال لـ972+ “لم يتوقف الاستهداف على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وقد تم قصف مدرسة مجاورة مما تسبب في مقتل بعض اللاجئين وإصابة آخرين”.
بعد دخوله إلى الممر لمغادرة خان يونس، أُجبر زقوت في البداية على ترك حقيبته التي كانت تحتوي على حاسوبه المحمول الخاص بالعمل وهاتفه المحمول وملابسه وقال: “عندما حاولت التحدث معهم بشأن الحقيبة، قاموا بإهانتي وإهانة والدتي. أمروني بالمغادرة دون مزيد من الشكاوى”.
بينما سُمح لزوجته وابنه بالعبور عبر نقطة التفتيش، تم احتجاز زقوت هناك “مع عدد كبير من الرجال، بما في ذلك الشباب”. ورغم السماح له بالعبور في نهاية المطاف، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من العثور على عائلته. وأوضح قائلاً: “منذ خروجي وأنا أبحث عن زوجتي وابني. اضطررت إلى ترك هاتفي المحمول ورائي، ففقدت وسيلة التواصل معهما، وزوجتي لا تعرف كيف تتدبر أمورها من دوني”.
وصف زقوت حالته النفسية والجسدية بأنها كانت سيئة للغاية – والأدهى من ذلك أنه فقد العمل الذي كان يحتفظ به على أجهزته الإلكترونية. وقال: “لن أنسى أبدًا ما مررت به في الأيام القليلة الماضية. لقد تعرضنا للإذلال المتعمد، وأُجبرنا على ترديد شعارات ضد المقاومة وحماس. كل هذا حدث بينما كان الجنود يصوّروننا على هواتفهم المحمولة، حتى يتباهوا بذلك من خلال نشر اللقطات على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وجدت زهديّة قديح نفسها غير قادرة على النطق بالشعارات التي أمر الجنود الفلسطينيين بترديدها. وتساءلت عن مفهوم الممر الآمن عندما يتعلق الأمر بإذلال المدنيين العُزّل، والضغط عليهم لقول كلمات تؤذي شريحة من الشعب الفلسطيني. ذكرت “سألني الجندي عن سبب عدم ترديد الشعار، فالتزمت الصمت ولم أردّ عليه. فقال لي: ‘أعلم أن قلبك معهم، ولن تهينهم، لكنهم هم من أوصلوك إلى هذا الوضع. لم يقفوا إلى جانبك، ولن تجدي أي مكان تأوين إليه بعد مغادرتك هذا الحاجز، فكل [سكان] مدينة غزة في رفح”.
ذكرت قديح أن الكثير من الناس رددوا الشعارات لمجرد الامتثال للجنود وعبور الحاجز بأمان، مؤكدةً “قلوبنا مع المقاومة في كل أفعالها، ومع الصمود على الأرض رغم نزوحهم من مكان إلى آخر”.
“منطقة آمنة تحولت فجأة إلى منطقة حرب”
بهاء وادي، البالغ من العمر 35 عامًا من الجزء الغربي من مخيم خان يونس للاجئين، فرّ على عجل عبر الممر في الأيام الأخيرة إلى الجزء الجنوبي من المواصي بالقرب من رفح. وأخبر 972+: “شعرنا بأننا في أمان [في المخيم]. كان أكثر من 20 نازحًا من مدينة غزة يقيمون معنا في منزلنا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والمخيم كله مكتظ بالنازحين. فجأة، قبل أسبوعين، توغلت الدبابات خلف مستشفى ناصر وأمرت سكان المخيم الغربي المجاور للمستشفى بإخلائه. سمعنا أصوات القذائف والقتال طوال النهار والليل”.
رغم فرار بعض أفراد عائلته من المدينة للعيش في خيام في المواصي، إلا أن وادي كان عازمًا على البقاء، ذلك أن “العيش في الخيام صعب للغاية في الشتاء”. ولكن بعد ذلك تصاعد الوضع في 27 كانون الثاني/يناير، ظهرت الدبابات الإسرائيلية فجأة عند المدخل الغربي للمخيم و”كانوا في محيط جامعة الأقصى ومستشفى الخير، ما يعني أننا كنا محاصرين”.
في تلك اللحظة، انضم وادي والأقارب الذين كانوا لا يزالون معه إلى الفارين من المدينة عبر الممر المخصص لهم، حيث “كان الآلاف يسيرون على طول شارع البحر في المخيم، وكانت الدبابات تقف عند مدخله. كان الناس يمرون أمام الجيش وهم يحملون بطاقات هويتهم ويحاولون حمل بعض أمتعتهم. كان الأطفال متوترين عند رؤية الجنود والدبابات والجرافات”.
بعد مرور عدة ساعات من “التوتر والخوف من الاعتقال”، خرجوا من الممر وانضموا إلى عائلاتهم في المواصي. حيال ذلك قال، “لا تزال لدينا مخاوف من النزوح مرة أخرى. لهذا السبب اخترنا الذهاب إلى جانب رفح من المواصي بدلًا من جانب خان يونس، لأننا لا نثق بالجيش الذي قد يقصف الجزء القريب من خان يونس بالصواريخ – كما فعل في مركز تدريب الأونروا، مما أدى إلى مقتل وجرح العديد من النازحين هناك”.
بعد نزوحها من منزلها في مدينة غزة، أقامت سلوى بكر البالغة من العمر 44 عامًا وثمانية من أفراد عائلتها في خيمة في الجانب الشمالي من المواصي غرب مخيم خان يونس للاجئين قبل أن تقرر الفرار جنوبًا. ذكرت “كنا نسمع أصوات القذائف والصواريخ. لم تكن المنطقة آمنة تمامًا. شعرنا بالجوع والغلاء والبرد الشديد في المنطقة”.
وأضافت بكر ” قبل عدة أيام قامت الدبابات بقصف مركز تدريب الأونروا الذي كان قريبا جداً من مكان إقامتنا. رأينا خيام النازحين الآخرين تحترق والناس يصرخون بسبب الإصابات والأشخاص الذين قتلوا. كانت صدمة لنا. تحولت المنطقة الآمنة فجأة إلى منطقة حرب ولم يُطلب منهم الإخلاء. من شدة الخوف بسبب القصف المتواصل وتوغل الدبابات خلف جامعة الأقصى، نزحت أنا وعائلتي إلى منطقة المواصي في رفح. ذهبنا سيرًا على الأقدام ورأينا المواطنين يغادرون الجزء الغربي من مخيم خان يونس وهم يبكون. ذهبنا إلى رفح وبحثنا عن خيمة، وأقمنا مع عائلة أخرى لمدة ليلتين قبل أن نجد خيمة خاصة بنا. نحن نعيش في ظروف صعبة بعد نزوحنا للمرة الثانية، ولا نعلم إن كانت هذه هي المرة الأخيرة أم لا. آمل أن يساعدنا العالم بإيقاف الحرب. كفى نزوحًا ولجوءًا. يجب أن يعيش أطفالنا بكرامة”.
“بدأوا بإطلاق القذائف باتجاه المستشفى”
الدكتور خالد حبيب هو استشاري جراحة القلب والأوعية الدموية في مستشفى ناصر، ثالث أكبر مستشفى في قطاع غزة. فرّ أكثر من 90 بالمئة من العاملين في المستشفى من أطباء وممرضين وفنيين وإداريين من خان يونس خوفاً من الاعتقال أو لمرافقة أفراد عائلاتهم. مع ذلك، لا يزال قسم الطوارئ في المستشفى يستقبل مئات المرضى يوميًا، كما قال في مقابلة أجرتها معه قناة 972+ الأسبوع الماضي، بينما يستقبل قسم النساء والولادة العديد من حالات الإجهاض يوميًا بسبب الجروح أو الخوف.
في حديثه عن التحديات التي يواجهها المستشفى، أكد حبيب أن الجيش الإسرائيلي استهدف المنطقة المحيطة بالمستشفى بنيران المدفعية بشكل دوري. وأضاف أن طائرة رباعية مسيّرة كانت تستهدف أيضًا أي شخص يتحرك داخل مجمع المستشفى، بين مباني الأقسام المختلفة.
وصف حبيب النقص الحاد في الإمدادات الطبية التي كانت نادرة بالفعل داخل المستشفى. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد طعام أو شراب لطاقم المستشفى والمرضى وعائلاتهم والنازحين الذين ما زالوا يحتمون داخل المستشفى بسبب الحصار المفروض على محيطه.
ووفقًا لحبيب، هناك مشكلة أخرى يواجهها المستشفى وهي تراكم النفايات الطبية والعادية في ممراته وساحاته، حيث لا توجد وسيلة للتخلص منها، مما يشكل تهديدًا خطيرًا بانتشار الأمراض داخل المستشفى – خاصة أن الكلاب والقطط بدأت النبش فيها. أفاد حبيب بأن المستشفى استقبل ما بين 21 كانون الثاني/يناير والأول من شباط/فبراير نحو 157 شهيدًا و450 جريحًا، بينما يرقد عدد أكبر من القتلى والجرحى في الشوارع بعيدًا عن متناول طواقم الإسعاف الذين يستهدفهم الجيش الإسرائيلي إذا ما غادروا المستشفى.
رغم انسحاب الدبابات الإسرائيلية لبضعة أيام، إلا أنها عادت الآن ولا يزال محيط المستشفى هدفًا لإطلاق النار من قبل الطائرة الرباعية المسيّرة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على العاملين في المستشفى، مما أثر على صحتهم النفسية بسبب الخوف الذي يمتد أيضًا إلى عائلاتهم التي لا يستطيعون التواصل معها بسبب صعوبات التواصل الحالية، وذلك وفقًا لحبيب.
لا تزال شذى مهدي (30 عامًا) من حي تل الهوى في مدينة غزة، تختبئ داخل مستشفى الأمل – وهو مستشفلا آخر كبير في خان يونس – مع زوجها وأطفالها الثلاثة. قالت “في بداية الحرب، تركنا منازلنا وذهبنا إلى مستشفى القدس القريب هربًا من القصف الشديد، لكن بعد أن حاصر الجيش مستشفى الأمل، لم نستطع الخروج من المستشفى. ولكن بعد أن حاصر الجيش المستشفى وكان قريبًا جدًا من منازلنا، شعرنا بالخوف الشديد وهربنا جنوبًا باتجاه خان يونس. لم يكن لدينا أي أقارب أو أصدقاء في هذه المدينة، لذلك لجأنا إلى مستشفى الأمل للاحتماء به”.
وأضافت مهدي: “لم نتمكن من العثور على مكان داخل المستشفى، لكن الموظفين أخبرونا أنه يمكننا البقاء في الفناء الخلفي. في البداية، شعرنا أننا في أمان. كنا نسمع أصوات القصف في المدينة، لكنها لم تكن تشبه شدة القصف الذي كنا نشعر به ونسمعه في مدينة غزة. لكن الوضع تغير بشكل كبير بعد دخول الدبابات إلى خان يونس قبل بضعة أسابيع. بدأوا إطلاق القذائف باتجاه المستشفى والمنازل المحيطة به. كان القصف عنيفًا ومخيفًا، وكانت الطائرات المسيّرة تطلق النار على المدنيين الواقفين بالقرب من بوابة المستشفى. عندما اضطر زوجي إلى الخروج لإحضار الطعام لنا، كنت أخشى أن يُصاب”.
وأضافت “في الآونة الأخيرة، كثّف الجيش استهدافه للمستشفى ومنع أي شخص من المغادرة. رأيت أشخاصًا ممددين على الأرض متأثرين بجراحهم إما بسبب الرصاص أو القذائف. أصوات القذائف مخيفة، وحركة الدبابات تقلقنا. نشعر أنهم سيهاجمون المستشفى في أي لحظة. هناك الآلاف من النازحين معنا في الفناء وداخل المستشفى. تتعالى أصوات الناس عندما يشتد القصف فجأة. يصرخ الأطفال من الخوف ونحاول طمأنتهم قليلاً. آمل أن ينتهي هذا الرعب قريبًا”.
وتجدر الإشارة إلى أن فريق +972 تواصل مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للتعليق على المعلومات الواردة في هذا المقال، وقد ردّ الجيش بأنه “لا يمكن للجيش الإسرائيلي مراجعة ما حدث بناءً على شهادات فقط”.
المصدر: +972