“فلقد وضح جليًا من الاجتماع أن مصر الآن أمام أمرين أحلاهما مر، وأشد الأمرين مرارةً هو صدام الشعب المصري وسيلان دمه الزكيّ على التراب، لذلك، وعملاً بقانون الشرع الإسلامي بأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعي، وخروجًا من هذا المأزق السياسي الذي وقع فيه شعب مصر بين مؤيد للنظام ومعارض لاستمراره، وكلٌ متمسك برأيه لا يتزحزح عنه، لذلك كله، أيدت الرأي الذي انتهى إليه المجتمعون وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة”، كانت هذه كلمة أحمد الطيب شيخ الأزهر في الثالث من يوليو عام 2013، ضمن البيان الذي أعلن فيه عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي.
كلمة شيخ الأزهر أحمد الطيب عقب بيان عزل مرسي في الثالث من يوليو 2013 (يوتيوب)
شهدت تلك اللحظة بداية استياء القائمين على السلطة الجديدة من الطيب، الذي لم يكن على وفاق كامل مع مساعيهم كما يؤكد أستاذ في جامعة الأزهر على صلة برئاسة الجامعة رفض ذكر هويته لدواعي أمنية، استهل الأستاذ الجامعي الأزهري حديثه لنون بوست بقوله: “زملاؤنا الذين يتوجهون بشكل دوري إلى وحدات الجيش لإعطاء الدروس والمواعظ ينقلون لنا بشكل دوري عدم ارتياح الجيش للرجل”.
بداية القصة.. محاولة الوقوف على ما يشبه الحياد!
أحداث أخرى تلت الموقف السابق، لم يقف الطيب فيها مع السلطة بالشكل الذي يرضيها، ففي يوم 8 من يوليو 2013، بعد أحداث الحرس الجمهوري، أصدر الرجل بيانًا وصف فيه الضحايا بـ”الشهداء”، وطالب بفتح تحقيق عاجل فيما حدث، وتشكيل لجنة مصالحة وطنية خلال يومين، وإطلاق سراح المحتجزين والمعتقلين السلميين، كما شدد على أهمية حماية المتظاهرين السلميين وتأمينهم وعدم ملاحقة أي منهم.
خلال الكلمة التي أذاعها التليفزيون المصري قال الطيب: “أعلن للكافّة في هذا الجو، أنني قد أجد نفسي مضطرًا أن أعتكف في بيتي، حتى يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه وقف نزيف الدم، منعًا من جر البلاد لحرب أهلية طالما حذر الأزهر، وطالما حذرنا من الوقوع فيها”.
كلمة الطيب بعد أحداث الحرس الجمهوري في 8 من يوليو 2013 (يوتيوب)
لم يكن بيان الطيب بعد أحداث الحرس الجمهوري الوحيد المتعلق بالأحداث، ففي ظهر الـ14 من أغسطس 2014، وبينما كان فض الاعتصامات في ميداني رابعة العدوية والنهضة لم ينته بعد، بث التليفزيون المصري كلمة أخرى للطيب، أكد فيها حرمة الدماء وحزنه على وقوع ضحايا، وحذر من إراقة الدماء مستشهدًا بالحديث النبوي: “لزوال الدنيا أهون على الله من دم امرئ مسلم”.
أستاذ بجامعة الأزهر: “زملاؤنا الذين يتوجهون بشكل دوري إلى وحدات الجيش لإعطاء الدروس والمواعظ ينقلون لنا بشكل دوري عدم ارتياح الجيش للرجل”.
وأضاف الطيب: “ولا يزال الأزهر على موقفه من رفض استخدام العنف، وأنه لا يمكن أبدًا أن يكون بديلاً عن الحلول السياسية، وأن الحوار العاجل والجاد هو الحل الأوحد للخروج من هذه الأزمة، إذا صدقت النوايا… وإيضاحًا للحقائق، وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعًا، أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم، كما يطالب الجميع بالبعد عن محاولة إقحام الأزهر في الصراع السياسي”.
كلمة الطيب عقب أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي (يوتيوب)
من هذا القبيل يبدو أن شيخ الأزهر لم يكن موافقًا تمامًا على سلوك قادة الجيش والشرطة، وكانت له فلسفة شبه خاصة في الأحداث التي مرت بها البلاد آنذاك، إذ حاول الطيب التبرؤ من استخدام العنف ضد المتظاهرين، فيما ظهر موقفه الأصلي في صف المسيطرين الجدد على البلاد بعد تأييد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وفقًا لرؤية “حقنًا للدماء ولأنه أخف الضررين” التي أعلنها الطيب في كلمته.
واستكمالًا لهذه الفلسفة رأى الطيب أنه لما كان سيلان الدماء أمرًا واقًعا بحسب تعبيراته، فضل أن ينأى بنفسه وسافر إلى الأقصر، حيث بيته وعائلته، وأقام هناك لبعض الوقت.
مهمة الحفاظ على الكرسيّ صعبة
بعد وقت قصير، كان الإرهاق قد لحق بأحمد الطيب، فاتجه لمستشفى مجدى يعقوب لإجراء بعض الفحوصات الطبية على القلب، إذ إنه مصاب بمرض في القلب، اضطره لتركيب دعامتين في الشرايين قبلها بعامين.
في نفس الوقت كان الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق والذي غادر منصبه قبل عزل محمد مرسي رئيس الجمهورية الأسبق بثلاثة أشهر، يقترب من قيادات الجيش شيئًا فشيئًا، كان ذلك التقارب يمثل خطرًا غير مباشر من وجهة نظر البعض على الطيب، إذ إن جمعة كان مرشحًا لكرسي المشيخة أيضًا، لكن عدة عوامل حسمت المنصب لصالح الطيب، الذي كان قبل ذلك مقربًا من دوائر السلطة المباركية، إذ كان عضوًا بالمكتب السياسي للحزب الوطني المنحل (استقال بعد تولي المشيخة)، ورئيسًا لجامعة الأزهر.
الإمارات تقف خلف الطيب بقوة حسب ما يقول الأستاذ المقرب من إدارة جامعة الأزهر
صحيح أن شيخ الأزهر محصن من العزل بحكم الدستور، لكن المقربين من دوائر الشيخين يؤكدون استعداد أو انتظار جمعة لتولي المنصب في حال استقال الطيب لأسباب صحية أو بعد الضغط عليه من الرئيس ودوائره الأمنية، ورغم الخلافات التي ظهرت للعلن في أكثر من مناسبة، لم يستقل الطيب من كرسي المشيخة، بل راح يكسب نقاط قوة استطاع بها أن يصمد في وجه هجوم شرس من وسائل الإعلام وأعضاء في مجلس النواب سعوا لتعديل قانون تنظيم الأزهر بما يسمح بعزل الرجل من منصبه.
هيئة كبار العلماء.. ظهير ديني للطيب من المعارضين للرئيس
السيسي للطيب: “تعبتني يا فضيلة الإمام” (يوتيوب)
في أثناء الاحتفال بعيد الشرطة المصرية نهاية يناير الماضي، علق الرئيس عبد الفتاح السيسي على نسب التعداد السكاني، مسلطًا الضوء على نسب الطلاق التي قال إنها مرتفعة، ثم قال بنبرة استفسار: “منطلعش قانون يقول إن لا يتم الطلاق إلا أمام المأذون عشان تدي فرصة للناس إنها تراجع نفسها، ما يبقاش بكلمة بيقولها كدا؟ ولا إيه يا فضيلة الإمام؟ تعبتني يا فضيلة الإمام”.
على مدار الأيام التالية، كانت وسائل الإعلام المقربة من السلطة تنتقد الطيب على موقفه – الذي لم يكن قد اتخذه بعد – برفض إلغاء الطلاق الشفوي، بينما كانت لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان قد انتهت من إعداد مسودة القانون المقترح، وضاعف من نقمة السيسي على شيخ الأزهر نتيجة استطلاع رأي أجرته إدارة الجامعة بين معيدي الكليات الشرعية والعربية التابعة للجامعة، بشأن أكثر 3 شخصيات تأثيرًا في شخصية وحياة المعيدين.
وبحسب معيد في كلية أصول الدين بالجامعة شارك في الاستطلاع فإن النتائج أدهشت إدارة الجامعة نفسها، التي طالبت الجميع بالتكتم على الأمر وعدم نشره، تجنبًا لغضب السيسي، خصوصًا أن الاستطلاع جرى في بداية العام 2016/2017، في أوج فترة الترويج الإعلامي للسيسي و”نجاحاته” الاقتصادية، حيث حصل السيسي على “صفر” في الاختيارات، برفض الجميع اختياره كشخصية لها تأثير في الحياة العامة أو الشخصية، على الرغم من أن قائمة الاختيارات للمعيدين ضمت شخصيات دينية وتاريخية وإسلامية كعمر ابن الخطاب، وسياسية معاصرة كجمال عبد الناصر وحسني مبارك.
صحيح أن شيخ الأزهر محصن من العزل بحكم الدستور، لكن المقربين من دوائر الشيخين يؤكدون استعداد أو انتظار جمعة لتولي المنصب في حال استقال الطيب لأسباب صحية أو بعد الضغط عليه من الرئيس ودوائره الأمنية
نتيجة الاستفتاء جاءت لتعمق مرارة السيسي الخاصة نحو الأزهر وشيوخه وطلابه، وكراهيته الظاهرة لهم في مواقفه وانحيازاته وتعبيراته، وهي مرارة بدأها وعمّق منها الحراك الطلابي الواسع الذي أشعله طلاب الأزهر في الجامعة أوائل العام الدراسي 2013/2014 والذي قابلته الدولة بعنف وقمع شديد، تجلى في العدد الكبير من القتلى والمصابين الذي قدمته الجامعة، والإجراءات التعسفية التي اتخذت بحق طلاب حراك الأزهر، بالاعتقال والفصل والحرمان من الحق في السكن بالمدينة الجامعية.
يشرح مصدر نون بوست الذي يعمل أستاذًا بجامعة الأزهر، كواليس أزمة الطلاق الشفوي قائلاً: “الطيب رجل ذكي، ولا يريد أن يعارض لأجل المعارضة وفقط، وقد شكل لجنة من معيدين وأساتذة صغار في السن، لبحث موضوع الطلاق الشفوي، وأن يأخذوا في اعتبارهم بحث الدكتور محمد السليماني مستشار شيخ الأزهر – جزائري الجنسية – الذي يقول فيه بعدم وقوع هذا الطلاق، وكان تكوين هذه اللجنة سابقًا لحديث الرئيس بعدة أسابيع”.
كانت الخطة أن يستلم الطيب البحث من اللجنة ويقدمه لهيئة كبار العلماء التي لم تكن قد علمت بأمر اللجنة، وأن تناقش الهيئة ذلك البحث وتصدر قرارها بعدم وقوع الطلاق الشفوي، لكن اللوم الشهير الذي وجهه السيسي للطيب في احتفالات عيد الشرطة في إطار الحديث عن الطلاق قائلاً: تعبتني يا فضيلة الإمام، “حرق الطبخة كلها” على حد تعبير المصدر.
ويفسر المصدر تكوين اللجنة بعدة أمور، أولها أن السيسي تحدث مع الطيب في موضوع الطلاق الشفوي في وقت سابق، والأخير كان ميالاً للقول بعدم وقوع الطلاق الشفوي ولا يرى في إصدار فتوى بذلك مشكلة، لكن ما عرقل الفتوى بحسب المصدر وجود من أسماهم “رجال يحاولون الحفاظ على المؤسسة دون تدخل من الرئاسة”، وهم أعضاء هيئة كبار العلماء مثل محمد أبو موسى وحسن الشافعي ومحمد عمارة، الذين يحسبون على معارضة نظام ما بعد الثالث من يوليو.
بعد نوبة من توتر العلاقات بين السيسي والطيب، اجتمع الطيب بعمداء الكليات والأساتذة على مدار 3 أيام، وكان محور الكلام حض الأساتذة على الاهتمام بالطلبة وعدم تركهم لطريق التطرف، لكن الهدف الأهم من وراء الاجتماع كان “تجميع الناس حواليه”، يعقب المصدر قائلاً: كم ساعة أجلس فيها مع الطالب؟ هناك بعض الطلاب الوافدين يقيمون في الإسكندرية مع مشايخ السلفية، وفي المنصورة مع مصطفى العدوي، ويحضر لي أنا محاضرة ويتغيب الأخرى.
وفي الـ5 من فبراير، اجتمعت هيئة كبار العلماء في جلسة طارئة لمناقشة الأمر، وأصدرت بيانًا بعنوان “بيان للناس” من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بشأن “الطلاق الشفوي”.
جاء في ذلك البيان إشارة لدراسة موضوع الطلاق الشوفي من قبل: “عقدت هيئة كبار العلماء عدَّة اجتماعات خلال الشهور الماضية لبحث عدد من القضايا الاجتماعية المعاصرة ومنها حكم الطلاق الشفويّ وأثره الشرعي، وقد أعدَّت اللجان المختصَّة تقاريرها العلمية المختلفة، وقدَّمتها إلى مجلس هيئة كبار العلماء”.
وأضاف البيان “وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على من “يتساهلون” في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع، فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم”.
هل تدعم الإمارات الطيب؟
بعد خفوت صوت الهجوم على الطيب وانطواء الأزمة السابقة، وقع تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية في أبريل الماضي، وبدأ هجوم إعلامي على الأزهر وأحمد الطيب من جديد، باعتباره مسؤولاً عن ملف تجديد الخطاب الديني، وانتشار “الأفكار المتطرفة” بين خريجي الجامعة وفي المجتمع.
الإعلام الخاص المقرب من السلطة يهاجم الأزهر عقب تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية (يوتيوب)
ثم خرج السيسي ليعقب على الحدث، متخذًا قراره بفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، في أثناء الخطاب تعرض الرئيس للحديث عن الخطاب الديني قائلاً: “النقطة الأخيرة، الخطاب الدينى، وعلى البرلمان ومؤسسات الدولة أن تتصدى بمسؤولية لمجابهة التطرف في مصر”، ولوحظ أن السيسي لم يوجه طلبه بتجديد الخطاب الديني هذه المرة للأزهر وإنما للبرلمان، معلنًا إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
قرارات السيسي عقب تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية (يوتيوب)
بدورهم، بدأ برلمانيون على رأسهم النائب محمد أبو حامد بإعداد مشروع قانون لتعديل القانون 101 لتنظيم الأزهر، بما يسمح بتحديد مدة تولي شيخ الأزهر للمنصب، بالإضافة إلى استحداث مادة تسمح بمحاسبة شيخ الأزهر وإمكانية عزله.
لم تستمر مناقشة القانون في البرلمان، وصدر القرار الرسمي بتشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف في يوليو الماضي، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية: رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشيخ الأزهر وبابا الإسكندرية ووزير الدفاع ووزير الأوقاف ووزير الشباب والرياضة ووزير التضامن الاجتماعي ووزير الخارجية ووزير الداخلية ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووزير العدل ووزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس هيئة الرقابة الإدارية.
بالتزامن مع تلك الحملة تولى الصحفي أحمد الصاوي رئاسة تحرير مجلة صوت الأزهر، التي تطلقها المشيخة، قبل ذلك بأشهر، كان الصاوي ومعه مجموعة من الصحافيين قد تولوا مسؤولية إدارة صفحات الأزهر على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال شركة “دوت إمارات” الواقعة في حي المهندسين.
مصدر داخل شركة دوت إمارات أكد لنون بوست أن الصحافيين يعدون المحتوى الذي ينشر على صفحات مواقع التواصل الخاصة بالأزهر مستخدمين أسلوبًا بسيطًا وتصميمات جرافيك، يراجعها شيوخ من الأزهر يأتون للشركة بشكل دوري، مرة أو أكثر خلال الأسبوع.
يضيف المصدر أن القسم المخصص للأزهر داخل الشركة وقت أن كان مقتصرًا على إدارة صفحات تواصل الأزهر، كان يخطط أيضًا لتولي مسؤولية الموقع الرسمي للمشيخة.
الإمارات تقف خلف الطيب بقوة حسب ما يقول الأستاذ المقرب من إدارة جامعة الأزهر، فمحمد بن زايد يحب الشيخ، وله صورة مشهورة وهو يقبل رأسه، وأي سفر للطيب إلى الخارج يستخدم طائرة خاصة توفرها الإمارات، بصفته رئيسًا لاتحاد حكماء المسلمين الذي يعتبر البعض إنشاءه كان لمواجهة اتحاد العلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي وتقف من خلفه قطر.
استعان الطيب، في صراعه مع السيسي بظهيره المجتمعي “قبائل الصعيد”
كما أن مجلس حكماء المسلمين هو الذي دشن مؤتمر الشيشان، وكذلك رتب زيارة أحمد الطيب لبابا الفاتيكان، وزيارة الأخير للأزهر، وهي الزيارة التي استغلها النظام المصري إعلاميًا.
“دعم الإمارات للرجل لا يسبب له مشكلة داخلية، لأن الإمارات أصلاً هي اللي ممشية مصر”، هكذا علق المصدر.
يوضح الأستاذ الأزهري لنا ما تتناقله القيادات الجامعية التي تقول إن الطيب “قلبه جامد”، ومعه رجاله داخل المشيخة ويسيطرون على الوضع، وتقف خلفه بعض أجنحة في المخابرات والنظام، كما أن الإمارات تقوي قلب الطيب على تبني مواقف مستقلة، على أساس أنه أقوى من الرئيس، لأنه وفق الدستور غير قابل للعزل، بحسب المصدر.
مضيفًا: “بالإضافة إلى أن الطيب محسوب على شلة مبارك التي ما زالت الإمارات تحافظ على علاقة قوية بها، فتعطي مجالاً لأحمد شفيق تستضيفه في بلادها، كما أن الطيب وشفيق ذوي علاقة جيدة ببعضهما البعض”.
“كذلك الإمارات ترى أن القوى الأساسية في مصر هي الإخوان وقد تم التخلص منهم، والفلول ويمثلهم بعض الشخصيات مثل شفيق والطيب، والجيش ويمثله السيسي في الحكم، وبناءً على هذه الرؤية تفضل الإمارات بقاء صلاتها ببقايا نظام مبارك، لأنهم سيكونون البديل في حالة سقوط السيسي من على كرسي الحكم” على حد وصفه.
قبائل الصعيد درع الطيب
استعان الطيب، في صراعه مع السيسي بظهيره المجتمعي “قبائل الصعيد” التي مثل تدخلها على الخط بتدشين لجنة شعبية باسم “تحالف دعم الأزهر وائتلاف قبائل الصعيد” وإصدار بيان حذرت فيه من “مخاطر الحملة الإعلامية الممنهجة التي تستهدف النيل من مؤسسة الأزهر وشيخها الجليل”.
وللطيب علاقات “طيبة” بقبائل وعائلات الصعيد، تعود إلى نحو قرن من الزمان، ورثها عن جده الذي يحمل نفس اسمه “أحمد الطيب”، حيث نسج الطيب الجد، وتبعه أحفاده أحمد ومحمد، علاقات قوية ومتينة، عمدت بالدم والنار مع قبائل الصعيد، اعتمادًا على الدور الاجتماعي والديني والعرفي في حل النزاعات والخلافات والمشاكل، وحل قضايا الثأر وردم بحور الدم بين عائلات وقبائل الصعيد الذي ترعاه “ساحة الشيخ الطيب”، مما جعلت للطيب وشقيقه محمد كلمة مسموعة بين أبناء القبائل.
وتلعب الساحة دورًا اجتماعيًا كبيرًا في خدمة المجتمع، برعاية الفقراء والأيتام وغير القادرين، وتقديم خدماتها للمسلمين والأقباط، بالإضافة إلى دورها في القضاء العرفي، مما جعل لها يدًا عليا وصوتًا مسموعًا بين الجموع، فهي عائلة لا تعرف الدم، بحسب الشيخ محمد الطيب شقيق شيخ الأزهر.
الديوان الملكي السعودي، يهدي سنويًا 15-20 تأشيرة حج لمكتب شيخ الأزهر، ليوزعها الطيب على شخصيات يحظى أصحابها بالاستضافة الملكية طول مدة الحج ضمن “وفد كبار ضيوف الحج”
انحياز قبائل الصعيد للطيب، تجلى في البيان الذي حمل عبارات تحذيرية من “مخاطر اللعب بالنار” عبر تعديل قانون الأزهر، مشددة أن الأزهر وشيخه خط أحمر، لن يسمح لأحد بالاقتراب منه، وبأن تحركات البعض (…..) باتت تنذر بعواقب وخيمة، قد تطال نتائجها الجميع دون تفرقة.
في وقت سابق وفي فترة الرئيس المعزول محمد مرسي، نظمت قبائل الصعيد تظاهرات حاشدة دعمًا للشيخ الطيب، وتأكيدًا على استقلال الأزهر وشيخه، في محافظات قنا والأقصر، التي توجد بها قبيلة الشيخ الطيب، وهي قبيلة “الحسانية” المعروفة.
بداية استخدام/تفعيل علاقات الطيب وامتداداته القبلية بشكل رسمي لحل مشكلة كبيرة واجهت أجهزة الدولة، تعود إلى أبريل/نيسان 2011، في أول حركة تغييرات للمحافظين، عقب تنحي مبارك، حين رفض أهالي قنا تعيين اللواء عماد ميخائيل، محافظًا لهم، كثاني محافظ مسيحي يتولى المسؤولية على التوالي.
أهالي قنا الغاضبون من تولي ميخائيل “المسيحي” منصب المحافظ، اعتصموا قاطعين خط السكة الحديد والطرق الواصلة بين قنا والقاهرة شمالاً، وقنا وأسوان جنوبًا، مما اضطر الدولة للجوء لطلب وساطة الطيب للتدخل بينها وبين الأهالي المعتصمين، بعد أن فشل عصيها وجزرها في إجبار أو إقناع أهالي قنا بقبول المحافظ المختار لهم.
آنذاك، بدأ الطيب وساطته بلقاء عقده في الساحة الطيبية بعرض “الجوار” على شباب وأهالي قنا، معلنًا أنهم جميعًا في “ضمانته” وأنه يضمن لهم حال فض الاعتصام عدم الملاحقة الأمنية، وإن حدث، فستكون استقالته حاضرة ردًا على تصرف الدولة، مبررًا أن “الدولة لن تجرؤ على قبول استقالة شيخ الأزهر”.
الطيب يتوغل داخل دولة السيسي العميقة
كما مد الطيب ونسج علاقات قبلية واجتماعية مثلت له ظهيرًا حاميًا وقت الأزمات، فإن عقله أو مستشاريه دلوه على ضرورة نسج علاقات مع الفاعلين والمؤثرين في أجهزة الدولة، وهو ما أجاده الطيب منذ وصوله لمنصبه، بمد جسور التعاون بينه وبينهم.
وبحسب مصدر داخل ديوان مجلس الوزراء المصري، فإن الديوان الملكي السعودي، يهدي سنويًا 15-20 تأشيرة حج لمكتب شيخ الأزهر، ليوزعها الطيب على شخصيات يحظى أصحابها بالاستضافة الملكية طول مدة الحج ضمن “وفد كبار ضيوف الحج” الذي يحظى برعاية واهتمام شخصيين من الملك السعودي.
للطيب علاقات “طيبة” بقبائل وعائلات الصعيد، تعود إلى نحو قرن من الزمان، ورثها عن جده الذي يحمل نفس اسمه “أحمد الطيب”
وبحسب المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه كونه سافر قبل عامين للحج بعد حصوله على تأشيرة الطيب، فإن الطيب دائمًا ما يختار قائمة من يهديهم التأشيرات من بين كبار القضاة والعاملين في “مفاصل” الأجهزة والمؤسسات صاحبة النفوذ والسطوة في مصر، لينحازوا له في صراعه داخل مبارايات أجنحة النظام.
ويؤكد الأستاذ بجامعة الأزهر، أن عدد تأشيرات الحج التي أهدتها السعودية للأزهر هذا العام وصل 100 تأشيرة، فإهداء السعودية تأشيرات حج للمؤسسات المصرية سلوك متكرر، لكن الجديد إهداء الإمارات 500 تأشيرة حج للأزهر، حسب ما ذكرت مصادر بمشيخة الأزهر لـ جريدة التحرير، ونقل المصدر للجريدة استياء بعض الأساتذة من عدم حصولهم على تأشيرات، وتوزيعها على المقربين من الطيب.
وبذلك تعقدت معركة اقتلاع الطيب من منصبه، لوجود ولاءات وانحيازات له داخل الأجهزة والمؤسسات، وهو أمر حرص السيسي على تجاوزه بشكل مؤقت، لعدم استطاعته/قدرته/رغبته في توسيع دوائر الاشتباك، وسط سعيه المحموم لتوحيد جميع الأجهزة والمؤسسات تحت سيطرته الشخصية.
وينقل المصدر لنون بوست، استياء وزارة الخارجية من تواصل مرصد الأزهر لمكافحة فتاوى التشدد والإرهاب، مع مؤسسات دولية دون أن يكون ذلك التواصل عبر الوزارة.
الطيب على خط صراع الأجهزة
بعد دخوله قاعة الاحتفالات الرسمية بعيد العمال 30 من أبريل/نيسان 2017 حظي الشيخ الطيب بتصفيق حاد وهتافات قوية ومساندة له على رأسها هتاف “الأزهر الأزهر” وهي رسالة وجهتها أجهزة/أجنحة انحازت له ضد السيسي، وفق مصدر يعمل حاليًا في دار الإفتاء.
المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لـ”نون بوست” إن دعمًا واضحًا وصريحا تلقاه من رجال المخابرات، نافيًا معرفته بحجم هذا الدعم، وهل هو دعم فردي من أشخاص للطيب، أم دعم مؤسسي للطيب؟ قبل أن يعود ليقول إنه في الأخير حصل الطيب على دعم واضح وصريح من رجال في المخابرات، ساعد في ذلك رسائل تلقتها مؤسسة الرئاسة من قوى إقليمية ودولية بأن إقالة الطيب في هذا التوقيت سيكون خيارًا له تداعيات وتطورات ربما تخرج عن السياق.
ويضيف نفس المصدر أن رجل الطيب ومستشاره الأمين المستشار محمد عبد السلام القادم من مجلس الدولة، كان له دور واضح في الترتيب والتمهيد لذلك الدعم، كما تجلى دوره الأكبر في تفعيل دوائر الربط والاتصال بين المشيخة والهيئات القضائية المصرية وعلى رأسها مجلس الدولة، صاحب الأحكام الكثيرة التي سببت قلقًا وإزعاجًا للسيسي ونظامه، وهي علاقات حصد الطيب ثمار نجاحها في أزمته، فيما فتحت أبواب الهجوم الإعلامي الواسع على عبد السلام، خريج الأزهر أيضًا، في حملة هجومية عليها شنتها بعض الجرائد،استدعت تدخلاً من الطيب نفسه بقوله: “محمد عبد السلام جندي مجهول يقف خلف كثير من النجاحات التي حققها الأزهر (…) إن القاضى محمد عبد السلام ابن من أبناء الأزهر المخلصين الذين يعملون معي ليل نهار في خدمة الأزهر الشريف ورسالته، ومن أجل رفعة مكانته وشأنه، في الداخل والخارج”.
بهذه التحالفات، كان الظهير الذي استند إليه الطيب أقوى من محاولات إجباره على ترك منصبه، لدرجة أن على عبد العال رئيس مجلس النواب قال في الجلسة العامة للبرلمان إن تعديل قانون تنظيم الأزهر “صفحة وطويت لا حديث فيها من قريب أو من بعيد”، مؤكدًا أن القانون “لم يتضمن أي عبارة بها مساس بفضيلة الإمام الأكبر ومؤسسة الأزهر”. وهي الكلمات التي تعد بمثابة طي رسمي لهذه الصفحة من الصراع عبر المؤسسة التشريعية، وليس عبر وسائل الإعلام، وهو ما يعد مكسبًا إضافيًا لشيخ الأزهر.