توصلت الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، لوقف إطلاق النار في سوريا خلال الأيام الماضية إلى تفاهمات بخصوص منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب التي كانت مثار جدل كبير منذ إعلان اتفاقية خفض التصعيد. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن ذلك في ختام الجولة السادسة من مفاوضات أستانة التي تنطلق اليوم الخميس وتنتهي غد الجمعة.
وكان الخبراء العسكريين للدول الضامنة لوقف إطلاق النار، اجتمعوا أمس الأربعاء في أستانة لبحث الوثائق والخرائط التي ستتفق عليها الأطراف لترسيخ وقف إطلاق النار في إدلب وإنجاح اتفاق خفض التصعيد في سوريا.
جولة حاسمة
يأمل المجتمعون أن تكون جولة أستانة السادسة حاسمة ونهائية على صعيد ترسيم حدود مناطق خفض التصعيد وطريقة التعامل مع المناطق العالقة وبالأخص إدلب. وقد تم خلال الاجتماعات التقنية للخبراء العسكريين الاتفاق على أدق التفاصيل في المرحلة المقبلة بشأن وقف إطلاق النار والوضع في مناطق خفض التصعيد الأربع، وتحديد دور كل دولة من الدول الضامنة في ما لو تم حدوث انتهاكات لوقف إطلاق النار.
ومن المتوقع أن يتم وضع الصيغة النهائية للاتفاقات المتوقعة كالإعلان عن اتفاق مناطق خفض التصعيد وتبادل الأسرى وآليات إيصال المساعدات وتوزيع أدوار الدول الضامنة، في هذه الجولة وبانتظار يوم غد الجمعة ليتم الإعلان عن هذه الاتفاقات المتوقعة.
إلى ذلك بقيت أمريكا غير داعمة لهذا لمسار أستانة الذي ترعاه روسيا بذريعة أن إيران لن تكون ضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا وهي تقاتل إلى جانب الأسد. ولا تزال واشنطن مكتفية بإرسال مبعوث إلى أستانة بصفة مراقب، إذ يشارك مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد في هذه المحادثات. إلى جانب مراقبين من قطر ومصر والأردن. وقد نجحت مصر في الدخول إلى خط المراقبة في الاتفاق بعد رعايتها لاتفاقي تخفيف التوتر في كل من ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية.
المعطيات الأخيرة تكاد تزيل الغموض الذي ساد مؤخرًا من اعتبار إدلب مشكلة دولية ويتطلب حلها حملة دولية بالتنسيق بين روسيا وأمريكا ودول إقليمية
تحمل هذه الجولة أهمية بالغة لأن الوصول إلى اتفاق نهائي فيما يخص مناطق تخفيف التوتر وترسيم حدود تلك المناطق، سيقود للانتقال إلى المرحلة التالية وهي بحث العملية السياسية المرتقبة وهذه الجولة ستبنى على نتائج مناطق خفض التصعيد الأربعة وصمود وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة والقضاء على التنظيمات الإرهابية في الرقة وإدلب بشكل أساسي.
انشقاقات عن هيئة تحرير الشام في ظل عملية عسكرية قريبة ضدها
وحسب ما أشارت إليه وكالات أنباء فإن مسألة ترسيم حدود منطقة تخفيف التوتر في مدينة إدلب وضواحيها سوف تتصدر أعمال اللقاء الذي يتناول أيضًا قضايا تبادل المعتقلين لدى قوات النظام السوري، والأسرى لدى فصائل المعارضة، وإزالة الألغام من المواقع الأثرية، والقضايا الإنسانية في مناطق “تخفيف التصعيد”.
ويُعتقد أنه تم التوصل إلى اتفاق لحل الصعوبات التي تواجه فرض منطقة تخفيف التوتر في منطقة إدلب، خاصة في ما يتعلق بالدور الإيراني المحتمل في هذه المراقبة والدور التركي الذي من المتوقع أن يأخذ حيزًا كبيرًا في هذا. وحسب ما أشار له وزير الخارجية الروسي لافروف فإن هناك اتصالات بين روسيا وإيران وتركيا بشأن محافظة إدلب حققت فيها تقدمًا ملحوظًا في تنسيق معايير ترسيم المنطقة وسبل ضمان الأمن فيها.
المصير المشأوم في إدلب
حظي مصير إدلب لمفاوضات كبيرة خلال الأشهر الماضية بين الدول الضامنة لوقف إطلاق النار، تركيا وروسيا وإيران. حيث باتت مدينة إدلب الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية “أكبر معقل لتنظيم القاعدة في العالم” بحسب ما قاله المبعوث الرئاسي الأمريكي في التحالف الدولي ضد “داعش” برت ماغورك، وهو ما يسمح بتوقع مستقبل مظلم لمحافظة إدلب قد لا يختلف عن سيناريو الرقة أو الموصل.
التوافق بأستانة بجولتها السادسة على منطقة خفض التصعيد في إدلب، سيجنب إدلب المشلكة الدولية التي تكلم عنها مسؤولون غربيون، باعتبار أن إدلب تشكل نقطة تقاطع بين الجيشين الأمريكي والروسي بحكم أن كل من روسيا وأمريكا تصنف هيئة تحرير الشام إرهابية، وقد استثنتها من نقاط تخفيف التوتر.
وسبق قول وزير الخارجية الروسي لافروف خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في العاصمة الفلبينية مانيلا مطلع الشهر الماضي، إن العمل على إنشاء مناطق تخفيف التوتر في إدلب لن يكون سهلًا، كما ناقشت موسكو أمر تخفيف التوتر مع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، وشككت روسيا في إمكان ضم محافظة إدلب إلى مناطق “خفض التوتر” قريبًا، وجاء التشكيك الروسي بعد شكوك أمريكية مماثلة ناجمة عن سيطرة تنظيمات إرهابية على المحافظة.
سبب انفصال “جيش الأحرار” أحد أكبر الفصائل في “هيئة تحرير الشام” عن الهيئة هو المصير المحتوم الذي ينتظر الهيئة في ظل الحديث عن عملية عسكرية كبيرة لاستئصال الفصائل الإرهابية وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام” في إدلب.
ولكن ما حدث مؤخرًا حول مصير إدلب، بما يخص التقارب الكبير بين تركيا وروسيا وإيران، هو ما دفع إلى التوافق على إدخال إدلب للمنطقة الرابعة في خفض التوتر. إذ أدركت تركيا كما يرى مراقبون أن إدلب بالنسبة لها معركة ذو أهمية استراتيجية فهذا يعني التأثير بشكل دائم على الكانتون الكردي الذي تسعى القوات الكردية لإنشائه في الشمال السوري بدعم ورعاية من الولايات المتحدة بعد رفضها المخاوف التركية من تسليح الأكراد في سوريا، لذا سيطرة تركيا على إدلب تعني منع تمدد الأكراد إلى البحر وإنشاء كيانهم، ومن ثم يتيح لتركيا أيضًا منطقة نفوذ قرب حدودها.
وحسبما أشارت له صحيفة الشرق الأوسط قبل يومين، أن هناك صفقة بين أنقرة طهران برعاية موسكو، تتضمن مقايضة وجود عسكري تركي في إدلب مقابل سيطرة إيرانية على جنوب دمشق وتوسيع منطقة السيدة زينب. إذ ضغطت موسكو على دمشق لقبول الوجود العسكري التركي شمال سوريا بطريقة أعمق من دور الجيش التركي ضمن عملية “درع الفرات” في شمال حلب، بحيث تبدأ فصائل المعارضة عملية برية ضد “هيئة تحرير الشام” تحت غطاء جوي روسي وتركي نهاية الشهر.
يُشار أن موسكو منعت قوات النظام وحلفاءها من اقتحام إدلب بعد حلب العام الماضي، كما أوقفت الغارات التي شنها الطيران الأمريكي على قياديين في جبهة النصرة في إدلب بداية العام الحالي، وغضت النظر عن تجميع عناصر جبهة النصرة وأسرهم في إدلب لتصبح خزان المعارضة وتضم قرابة مليوني شخص، وفي هذه الآونة عملت الهيئة على رفض مسار أستانة منذ البداية والسعي نحو التمكين في إدلب فقد عملت على التحكم بمفاصل المحافظة وإلغاء دور فصائل الجيش الحر وبالأخص حركة “أحرار الشام الإسلامية” أكبر الفصائل في إدلب بعد اقتتال كبير معها خلال الشهور القليلة الماضية، إضافة للسيطرة على معبر باب الهوى والفعاليات المدنية في المحافظة.
ويبدو أن أخبار الهجوم التركي وبتنسيق وتعاون مع إيران وروسيا على إدلب المتوقع نهاية الشهر الحالي أدى إلى زعزعة صفوف “هيئة تحرير الشام”. إذ أعلن “جيش الأحرار”، أحد أكبر الفصائل العسكرية في “هيئة تحرير الشام”، الانشقاق عنها، على خلفية التوتر الذي تعيشه مؤخرًا. ويأتي إعلان الانشقاق بعد يومين من استقالة الشرعيين عبد الله المحيسني ومصلح العرجاني، بسبب تجاوز اللجنة الشرعية في الاقتتال الأخير، والتسريبات الصوتية التي أعقبته من “انتقاص صريح لحمَلة الشريعة”.
ويُضاف إلى ذلك حركة “نور الدين الزنكي” التي أعلنت انشقاقها عن الهيئة، على خلفية الاقتتال ضد حركة “أحرار الشام”. وبهذا تكون “هيئة تحرير الشام” قد عادت إلى أصلها ونواتها الأولى وهي “جبهة فتح الشام” “جبهة النصرة” سابقًا، التي عملت بجانب كل جيش الأحرار وحركة نور الدين وفصيلين آخرين على تشكيل “هيئة تحرير الشام” في 28 كانون الثاني/يناير 2017.
يأمل المجتمعون في أستانة أن تكون جولة أستانة السادسة حاسمة ونهائية على صعيد ترسيم حدود مناطق خفض التصعيد وطريقة التعامل مع المناطق العالقة وبالأخص إدلب
مراقبون أشاروا أن سبب الانفصال عن الجبهة هو المصير المحتوم الذي ينتظر الهيئة في ظل الحديث عن عملية عسكرية كبيرة لاستئصال الفصائل الإرهابية وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام” في إدلب.
بينما أشار البعض أن تلك الانشقاقات قد يكون مدروسًا من ضمن مخطط لإضعاف “الهيئة” وضربه من الداخل في إطار ترتيبات تبطل قوته العسكرية وترغمه إما على حل نفسه أو على تقسيمه إلى مجموعات صغيرة مستقلة يسهل التحكم فيها، وبالأخص أن السلطات التركية سعت قبل فترة قريبة، بأنها في طور البحث عن حلول بديلة للتدخل العسكري. وهو ما نظر إليه محللون على أنه حل لإدلب يجب عنها حملة عسكرية كبرى قد تكلف المدنيين فيها كثيرًا.
المعطيات الأخيرة تكاد تزيل الغموض الذي ساد مؤخرًا من اعتبار إدلب “مشكلة دولية” ويتطلب حلها حملة دولية بالتنسيق بين روسيا وأمريكا ودول إقليمية، وبالتالي تم الإطاحة بالخيار الأمريكي في إدلب والذي كان من الممكن أن يحولها إلى موصل أو رقة جديدة. وتفيد أيضًا أن تركيا ضمنت موطأ قدم لها في إدلب، وقد تثير حنق أمريكا بسبب مساعي الأخيرة لتقويض الوجود التركي في سوريا وتهديد أمنها عبر زرع كيان كردي في الشمال السوري بالأخص بعد تصاعد التوتر بين البلدين.
ويبقى القول أن مصير المدنيين القاطنين في المحافظة والبالغ عددعم قرابة مليوني نسمة، مجهولا وسط انتشار عناصر الهيئة في البلدات والمدن بالمحافظة، إذ من غير المستبعد أن تسلم “الهيئة” معقلها الرئيسي في إدلب بهذه السهولة، لذا لن تكون معركة إدلب سهلة بالمقاييس العسكرية وسيتحمل المدنيين الكلفة الأكبر من الناحية الإنسانية وبالأخص في حال اعتماد روسيا على الغطاء الجوي بشكل كبير.