لا تتعجب أن تقوم فرقة “كايروكي” الفرقة المصرية الشابة من أن تقوم بتسمية أغنية لهم عن الحرية بعنوان “آخر أغنية” في ألبوم الفرقة الجديد “ديناصور”، فلا تكون احتمالية أن تكون أغنية لهم عن الحرية من النظام المصري آخر أغنية تقوم بتأديتها الفرقة بالفعل بالاحتمالية الضئيلة، فهم ليسوا أول من تم منعهم من الغناء، ذلك لأن الغناء للحرية سبب كافي للسلطة الحاكمة أن تقوم بتلفيق اتهامات تزعم بالتحريض على قلب نظام الحكم.
في أكثر الأغاني شهرة لألبوم فرقة كايروكي الجديد بإسم “ديناصور”، وهي الأغنية الرئيسية المُسمى على إسمها الألبوم كله والممنوعة من العرض في مصر، يكرر المغني الرئيسي في الفرقة “أمير عيد” جملة “أنا مش هستغرب”، واصفًا حال بلاده الذي تدهور من سيء إلى أسوأ في شكل ساخر وكأنه يُحدث أبو الهول، أحد الرموز الفرعونية المقدسة في الحضارة الفرعونية، عما جرى في مصر وصولًا بحالتها الحالية بعد أن صارت بلاده بلا قيمة.
لا تستغرب أنت أيضًا أن يقوم الفريق بالتمويه على بضعة كلمات في نهاية الأغنية حينما غنى “أمير عيد” عن بيع الأراضي المصرية في إشارة لبيع “تيران وصنافير” والتمويه على بضعة كلمات أشارت إلى “جهاز الكفتة” إحدى اختراعات الجيش المصري الوهمية لعلاج الإيدز، والتمويه على السخرية من الإعلام المصري الذي وصفته الأغنية بالإعلام المنافق وشبهه بقطيع من الخراف، ذلك لأن الغناء الصريح بكلمات كتلك جريمة قد تدخل المغنين بها السجن، إلا أن الأغنية تم منعها كليًا من العرض وأصبحت شبكة الإنترنت المنفذ الوحيد لها.
أغنية ديناصور الممنوعة من العرض في مصر
نجح ألبوم كايروكي أن يكون “نقطة بيضا” بالفعل في تاريخ الفرقة الشابة، التي اشتهرت بغنائها عن الحرية منذ أيام الثورة في ميدان التحرير، ومن ثم موقفها الواضح من مناهضة النظام المصري البائد ومناهضة رموزه الأساسية التي تلت خلع حسني مبارك، إلا أن التأييد الجماهيري لكايروكي لم يكن كما كان من قبل بعدما استمرت الفرقة في طريقها المعروف بالغناء والدفاع عن الحرية ضد النظام العسكري في مصر، فوضح ذلك من كلمات الأغاني التي باتت بأن الحرية في مصر لم تعد شيئًا متاحًا، وذلك في أغنيتهم “اثبت مكانك” في ذكرى الثورة، والتي نادوا فيها بالثبات لكل من يحمل حلم الثورة في قلبه على الرغم من أن لم يعد للحرية صوتًا مدويًا.
لا تستغرب أنت أيضًا أن يقوم الفريق بالتمويه على بضعة كلمات في نهاية الأغنية حينما غنى “أمير عيد” عن بيع الأراضي المصرية في إشارة لبيع “تيران وصنافير” والتمويه على بضعة كلمات أشارت إلى “جهاز الكفتة” إحدى اختراعات الجيش المصري الوهمية لعلاج الإيدز
نقد للمجتمع في سبيل الحرية
أغنية “آخر أغنية”
استمرت الفرقة في طريقها الذي اختارته للدفاع عن الحرية بالغناء، إلا أنها حينما غنت ضد الانقلاب العسكري في مصر لم يوافقها الشعب على نفس الرأي، بل وبدأت تواجه حملات هجومية تنادي بحرمانهم من حقهم بالغناء ونشر تلك الكلمات التحريضية، ولذلك نجد في ألبوم الفرقة الأخير لا يتم مهاجمة النظام السياسي فحسب، بل هناك نقد للمجتمع و وصفته أغنية “آخر أغنية” بأنه مجتمع مريض وذو عادات متحجرة تريد الحياة في الماضي وتريد السيطرة على الحاضر، وأن المجتمع المصري قد اجتمع ضد التجديد ومحاربة كل ما هو مختلف حتى ولو كان على صواب.
انتهجت الفرقة منذ تأسيسها عام 2003 نهجًا واضحًا من النقد الاجتماعي والسياسي، لتحرص على مواكبة التغيرات المجتمعية والسياسية العنيفة التي طرأت على مصر منذ عام 2011 وحتى الآن، حيث كانت إحدى الفرق الوحيدة التي وثّقت بأغانيها صور للشهداء ضحايا الحكم العسكري في مصر، ومن الفرق الوحيدة التي تبنت صوتًا واضحًا مناهضًا للإعلام المصري.
ما يميز كايروكي أنها تنقل لغة الشارع مع اللحن المميز في أغانيها فيبدو ويكأن الشارع المصري يغني، فتنقل اللغة كما يتم تدوالها في الشارع، وتغني كما يغنيها المصريون، إلا أنهم في هذا الألبوم تمردوا على الشارع الذي يغنوا عنه وبكلماته، كما نرى في أغنية “آخر أغنية” حين غنّى أمير عيد” (كلامي مش ضد النظام فقط، كلامي ضد العبيد كمان، لو مية نظام سقط، هنفضل برضه في نفس المكان)، حينها كان النقد الاجتماعي للمجتمع المصري واضحًا في كلام الأغنية التي بدأت في تعريف الحرية للمصريين في شكل قد يبدو ساذجًا لكتاب الكلمات إلا أنه ينقل الصورة الحقيقية لعدم فهم شرائح كثيرة من المجتمع المصري معنى كلمة الحرية.
انتهجت الفرقة منذ تأسيسها عام 2003 نهجًا واضحًا من النقد الاجتماعي والسياسي، لتحرص على مواكبة التغيرات المجتمعية والسياسية العنيفة التي طرأت على مصر منذ عام 2011 وحتى الآن
عودة إلى المعتقل
مطرب ميدان التحرير “رامي عصام”
لا يبدو أن فرقة كايروكي تحارب وحدها، بل هناك من يرغب في العودة إلى المعتقل على الرغم من استمراره لمحاربة النظام في كل أغانيه، وهو من أسموه مطرب الثورة أو مطرب ميدان التحرير، المغني “رامي عصام” الذي أشعل ميدان التحرير أيام ثورة يناير بالحماس الغنائي ضد النظام، لتكون أشهر أغانيه “إرحل” مناديًا فيها برحيل حسني مبارك.
تم احتجاز رامي عصام بدل المرة الواحدة عدة مرات متتالية، وخضع للاستجواب من قبل الجيش عام 2014، ذلك لشهرة أغانيه الساخرة من ضباط الجيش التي تلقى على إثرها تهديدات من جنود في الخدمة تنذر بأن خدمته في الجيش “الخدمة الاضطرارية على كل شاب مصري” ستكون جحيمًا عليه حينما يلتحق بالجيش، وهو ما دفع “رامي” للخروج من البلد هربًا من آداء الخدمة العسكرية مستغلًا حصوله على تأشيرة لفنلندا للغناء هناك.
رامي عصام يغني بحرية المعتقلين في السجون المصرية
وبحلول عام 2017 بلغ “رامي” الثلاثين من العمر” وأصبح معفيًا من آداء الخدمة العكسرية بموجب القانون المصري، ليكون أول ما يكون على باله هو العودة إلى أرض الوطن، ووسط دهشة عارمة من دائرة معارفه و غيره من الفنانين من رغبته في العودة مع علمه التام باحتمالية اعتقاله مرة أخرى إلا أنه يقول في تقرير نُشر عنه في هاف بوست عربي أن العودة هيَ أقوى بيانٍ سياسي بإمكانه التعبير عنه كفنان، سينقل هذا كل أغانيه ورسالاته لمستوى مختلف كلياً، وإذا ضل في الخارج طوال حياته أحاول الوصول لهذا المستوى، لن يصله أبداً بحسب كلامه.
إذا قمت بالبحث عن أسماء المغنيين الممنوعين من الغناء في مصر، ستجد على القائمة أسماء لا يكون سبب منعها هبوط المحتوى الفني الخاص بها، أو عدم موافقة الرقابة على محتواها لكونه خادش للآداب العامة، فلن تجد أسبابًا منطقية للمنع، فستجد المغني حمزة نمرة على رأس القائمة من الشباب الثوريين الذين حاولوا يومًا يتخذون من صوت الحق ومن الحرية كلمات للتغني بها، ليكون الغناء بالحرية وبالكرامة سبب كاف للمنع من العرض، وسبب كاف أيضًا للسجن مدى الحياة في مصر.